بدء موسم صيد «حيتان الفساد» في العراق

الحكومة تتحرك ضد المسؤولين المتهمين باختلاس المال العام

TT

بدء موسم صيد «حيتان الفساد» في العراق

لم تتردد السلطات العراقية في الموافقة على تلبية طلب محافظ صلاح الدين السابق تجهيز زنزانته ومركز احتجازه في وسط العاصمة بغداد بأجهزة تكييف، معللة الأمر بأنها أموال الدولة، التي يتهم هذا المسؤول باختلاسها. وبعد 3 سنوات من الحرب ضد تنظيم داعش، بدأت السلطات العراقية حراكاً خجولاً لمكافحة الفساد، مستهلة العمليات باعتقال محافظين ومسؤولين حكوميين تمكن بعضهم من الهروب إلى خارج البلد، فيما أطلق عليه مراقبون اسم «موسم صيد الحيتان».
وإلى جانب محافظ صلاح الدين السابق، الواقعة إلى شمال بغداد، أوقفت هيئة النزاهة العراقية، التابعة لرئيس الوزراء، مدير الخطوط الجوية العراقية، رغم أنه مدعوم سياسياً، في إشارة إلى رغبة السلطات في القضاء على هذه الظاهرة.
وبحسب تقرير الشفافية العالمي، يعتبر العراق واحداً من البلدان الأكثر فساداً في العالم، ويحتل المركز 166 في قائمة من 176 دولة، بعلامة 17 من مائة. ويندد العراقيون منذ سنوات بالإهمال المالي الذي يدمر البلاد، ويفكك هيكليته الأساسية، رغم الاستثمارات بمليارات الدولارات.
وخلال الأشهر الأخيرة، وفيما لم يعد يسيطر المتطرفون سوى على معقلين من البلاد، ولم تعد المسألة الأمنية رغم وجودها الدائم مسيطرة على المساحة السياسية في البلاد، أودع كثير من المسؤولين السجن، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. ففيما أقيل محافظ الأنبار من منصبه، ويواجه محافظ بغداد السابق تهماً بالفساد، وبعدما فر محافظ البصرة إلى خارج البلاد، تمكن مدير عام التجهيزات الزراعية المتهم باختلاس 26 مليون دولار من الفرار من سجنه في بغداد، قبل أن يعاد القبض عليه في منفذ على الحدود الإيرانية، بعد تواطؤ من نائب سابق.
ويتظاهر العراقيون أسبوعياً للمطالبة بإنهاء المحاصصة السياسية التي أقرها كبار قادة الأحزاب الحاكمة للبلاد منذ 13 عاماً، واختيار وزراء تكنوقراط، وتعديل قانون الانتخابات، وفتح ملفات عمليات الفساد التي ارتكبتها أحزاب كبرى.
ويقول جاسم الحلفي، وهو من أبرز قيادات الحراك المدني ضد الفساد في العراق: «تصاعدت أخيراً وتيرة كشف ملفات بعض الفاسدين ومحاكمتهم، رغم أنها تبدو حتى الآن وتيرة متواضعة لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الطموح، بعدما أصبح الفساد ظاهرة مستشرية، وترسخت أقدام الفاسدين في أهم مراكز الدولة ومؤسساتها»، وأضاف: «طبيعي أن الملاحقات القانونية ما زالت تستثني حيتان الفساد، ويبقى كبار الفاسدين وحلفاؤهم، من التجار والسماسرة ومنظمي الصفقات والمشاريع الوهمية، بعيدين عن إطارها. ولكن إذا بقيت وتيرة الملاحقة الحالية على حالها، فستلحق بالحيتان مهما حاولوا الالتفاف والتملص».
ويؤكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: «بدأنا حملة جدية ضد الفساد، مشابهة للحملة التي أطلقناها ضد الإرهاب». لكن مع ذلك، فإن حرب الشفافية تعتبر تحدياً كبيراً للعراق الذي يعاني من فساد ألقى بظلاله على الخدمات، وأنهك البنى التحتية، في مقابل ثراء فاحش للأحزاب التي تقاسمت السلطة منذ 13 عاماً.
ويشير خبراء إلى أن الفساد في العراق ليس إلا وسيلة للمحافظة على التوازن في تقاسم السلطة والملفات بين مختلف الأحزاب منذ الغزو الأميركي في عام 2003. ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري إن «أكثر الأحزاب تنظر إلى مؤسسات الدولة بوصفها مصدراً لتمويل نشاطها السياسي»، مشيراً إلى أن «المحاصصة هي من ثبتت مفهوم التسويات السياسية التي كانت غطاءً لحماية الفاسدين».
وصرفت الحكومات العراقية السابقة نحو 40 مليار دولار على قطاع الطاقة الكهربائية خلال السنوات الماضية، ولا يزال البلد يعاني من نقص حاد فيها. كما صرفت الحكومة مئات الملايين من الدولارات على أجهزة لكشف المتفجرات، وتبين لاحقاً أنها لا تعمل، في بلد دمرته الهجمات الدامية.
ونشر أحد الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنخلة يتسلقها عدد كبير من الأشخاص، وكتب قائلاً: «هكذا تسلق ساسة الفساد إلى ثمر وخيرات بلدي؛ فمنهم من سرق وهرب، ومنهم من لا يزال يسرق، ومنهم من ينتظر دوره بعد إشباع حيتان الفساد».
وتسلم العبادي منصبه قبل 3 أعوام، بعد سقوط ثلث أراضي البلاد في أيدي تنظيم داعش، الذي رافقه انهيار كبير في أسعار النفط. ويشير المحلل السياسي الخبير القانوني طارق المعموري إلى أن «العبادي تسلم السلطة قبل 3 سنوات. جاء مع مجيء (داعش) وسيطرته على البلاد، وضرب الفاسدين في المستوى الكبير في تلك الفترة كان سيؤدي إلى بلبلة لا يحتملها البلد».
وبحسب مركز «إنجاح» للتنمية الاقتصادية، فإن الأموال المنهوبة خلال الـ13 سنة الماضية بلغت 312 مليار دولار، من موازنات البلاد التي بلغت 800 مليار دولار. وأضاف المعموري: «أعتقد أن العبادي بدأ في ضرب رؤوس كبيرة لأن وضع الفساد وصل إلى حد لا يصدق، ولا يمكن احتماله».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.