نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

من مركز للنشاطات النازية إلى «قرية» سياحية خجولة

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة
TT

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

تفقد المدن سحرها عندما ترحل حجارتها القديمة عن شوارعها ومبانيها. عندما ينحر أهلها التاريخ باسم العمارة الجديدة ويدفنون ذاكرة ماضٍ ساهم في ولادة حاضر أمة. ليست أجمل مدن العالم ولا أعظمها تلك التي تستقطب السياح وتحيي في دواخلهم مشاهد لحيوات شعوب عاصرت حقبات زمنية حافلة بأحداث عالمية، بل لأنّ المدن كالبشر بعضها يبهرك للحظات قليلات، وبعضها يترك فيك لمسة حب تدغدغ ذاكرتك لتزورها من جديد. نورمبرغ المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة الخضراء واحدة من تلك التي لا تنتسى.
- تاريخ نورمبرغ
قبل التطرق إلى تاريخ المدينة الأشبه بقرية صغيرة محافظة، لا بدّ من القفز أولاً إلى حقبة الحرب العالمية الثانية. فنورمبرغ تعد مدينة فريدة بين مدن العالم، وبعد أن كانت مركزاً رئيسياً للنشاطات النازية منذ تولي أدولف هتلر السلطة عام 1933، وفي ساحاتها نظّم الحزب استعراضاته العسكرية ومؤتمراته السنوية، كُتب فيها فصل جديد من تاريخ العالم، واختارتها قوات التحالف لتكون مقراً لمحكمة دولية لمحاكمة النازيين.
قبل 72 سنة، شهدت القاعة رقم 600 في المحكمة، وقائع المحاكمة الشهيرة لقادة الحرب النازيين، ونقلت شاشات التلفزيون أحداثها إلى العالم كله. وعلى الرغم من تدمير 90 في المائة من مبانيها خلال الحرب، فما تزال هناك عمارات نازية تدل على أهمية المدينة في فترة الحكم النازي.
وبالعودة إلى القرنين الـ15 والـ16، شكّلت نورمبرغ مركز عهد النهضة الألمانية، وفيها امتزجت تقاليد النهضة الإيطالية مع القوطية الألمانية. هي مسقط رأس الرسام والنّحات ألبرخت دورر، وتحتضن كثيراً من أعماله، منها لوحة الرسل الأربعة، بطرس وبولس ومتى ويوحنا. وفيها ولد هانس ساكس الشاعر والمسرحي الألماني. وبيتر فيشر الأكبر، المثّال الذي اشتهر بصناعة تماثيل من البرونز، وقد كرس 15 سنة من حياته وحياة أبنائه الخمسة لإكمال رائعتهم النصب التذكاري للقديس سيبالدوس في سيبالدوسكيرش، القديس الحامي لنورمبرغ.
وخلال حرب الثلاثين عاماً التي مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648، وقد بدأت كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى، أنهكت الحرب معظم الولايات الألمانية، وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلك العديد من سكانها. تدهورت أوضاع نورمبرغ، ولم تستعد أهميتها إلّا في القرن 19 بوصفها مدينة صناعية. وصلت بينها وبين مدينة فورت أول سكة حديدية في ألمانيا عام 1835، ودخل إليها الإصلاح الديني منذ عام 1525.
- جولة في نورمبرغ
يسهّل موقع نورمبرغ المركزي، الوصول إليها. هي ثاني أكبر مدن بافاريا والمدينة الرئيسية في منطقة العاصمة. تقع على ضفتي نهر بيغنيتز، الذي ينبع على بعد 80 كيلومتراً شمال شرقي المدينة، ويخترقها من شرقها إلى غربها لمسافة 14 كيلومترا، ويتفرع في قلب المدينة إلى قنوات عديدة.
مصممة بهندسة تجعل السائح يسير في شوارعها مستخرجاً من كل شبر منها متعة مشاهدة مناظرها الخلابة في أمسية صيفية تتوزّع المطاعم والمقاهي على ضفاف قنواتها، وللسائح أن يختار المكان الذي يريد لتناول الطعام أو القهوة. وللمدينة وجه فريد لتماذج الثقافة التقليدية والحديثة، وتعتبر واحدة من المدن الألمانية وأكثرها رومانسية.
وعلى الرّغم من أنّ المدينة بشكل عام، تنتمي إلى المدن الكبيرة بالمساحة، فإنّ زائرها يشعر بأنّه يزور قرية صغيرة للحميميّة التي يوفّرها تناغم الطبيعة مع البناء.
زيارة المدينة لا تُنتسى؛ لما تترك لدى السائح من أثر يدفعه للعودة إليها ثانية. في طبيعتها الساحرة بخضرتها ومياهها وأنهرها وجسورها وعمارتها، مزيج من الثقافة والتاريخ. فالمدينة تنبض بأكملها بالحياة والإثارة والرومانسية. شوارعها مكتظّة بالمشاة، وفي كل مكان تطالعك الجسور والمقاهي والحانات المنتشرة على أرصفة طرقاتها الحجرية.
لا يمكنك زيارة نورمبرغ، من دون أن يعود بك التاريخ إلى أجواء القرون الوسطى (الفترة التي امتّدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي)، كما لا يمكن للسائح أن يمرّ بها من دون استحضار السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية التي دمّرت المدينة بالكامل، من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني. فالذهاب إلى نورمبرغ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الحروب التي شهدتها.
- معالمها التاريخية
للمدينة كنز من الأعمال الفنية التي لم تمسّ بسوء، على الرغم من الحروب التي شهدتها. وفيها سوق رئيسية تعرف باسم (Hauptmarkt)، تتجمع بها معالم وكنائس تاريخية. تتحوّل في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة إلى معرض ميلادي كبير، حيث تتلاصق خيم كبيرة، يحضّر فيها أصحابها أنواعاً مختلفة من الأطعمة التي تشتهر بها المدينة والحلويات الخاصة بالعيد، إلى جانب تنظيم حفلات موسيقية تتناسب والمناسبة، ونشاطات عديدة للكبار والصغار. ولمن يرغب في زيارة نورمبرغ في هذه الفترة من السنة، لا بدّ له أن يحجز مسبقاً ليتمكن من إيجاد مكان له في الفنادق قبل أن تكتظ بالسياح من جميع أنحاء العالم.
أمّا خلال باقي فصول السنة فتعود السوق إلى حالها اليومي، وتتوزّع أكشاك بيع الفواكه الطازجة والخضار والخبز والجبن واللحوم والزهور الملونة فيها، كما أنّ في السوق كشكاً لبيع الفلافل، كتب عليه مأكولات لبنانية. وفي الممرات الضيقة القريبة من السوق وحوله، تنتشر المحلات الصغيرة حيث تباع الثّياب والأحذية والساعات والمجوهرات والتحف التذكارية وأكثرها يُظهر أماكنها التاريخية ويروّج لما تشتهر به المدينة من مأكولات خاصة بها ومشروبات.
- كنيسة السيدة العذراء
الكنيسة مثال للطراز القوطي. تحتوي على تماثيل وأعمال فنية كثيرة، تعود إلى القرون الوسطى. بُنيت في السوق الكبيرة. تتألف من قاعة كبيرة وممرين ومنبر للإمبراطور. تحتوي على خلجان تسعة تدعمها أربعة أعمدة، ويسمى الدور العلوي بالطابق الإمبراطوري أو طابق القديس مايكل، وهو مفتوح على الصحن عن طريق رواق فيه أقواس مزخرفة، وتتزيّن عضادات الكنيسة بالزخارف والمنحوتات. من أبرز سماتها ساعتها الميكانيكية، وتعتبر تخليداً للثور الذهبي وقد وضعت فيها عام 1506.
- قلعة القيصر
تعتبر قلعة القيصر (Kaiserburg)، من المعالم السياحية الرائعة في نورمبرغ، وهي تتألف من ثلاث قلاع تشكل حصنا يقع على قمة تلّة في وسط المدينة، وتتمتع بإطلالة رائعة عليها. وللأسف فإنّ الزائر لا يستطيع رؤية كل ما فيها من الداخل، باستثناء البئر والبرج.
- المتاحف
لعشاق التاريخ والفن والأدب، قسط وافر من المتاحف. لعلّ من أشهرها متحف محاكمات نورمبرغ الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من الوثائق التاريخية من صحف وصور وتسجيلات صوتية وبصرية للحرص آنذاك على التوثيق الدقيق لكل تفاصيل هذه المحاكمة التي حضرها عدد كبير من مشاهير العالم ومن كتاب وصحافيين وسياسيين.
وعلى من يرغب في زيارة المتحف التأكد مسبقاً من الأوقات التي تفتح فيها القاعة رقم 600 أبوابها أمام العامة.
ويضاهيه شهرة «المتحف العالمي الشهير»، وهو من أكبر متاحف الفن الألماني، وواحد من المؤسسات الثقافية الرائدة في العالم. يحتضن أول كرة أرضية وضعها مارتين بهايم، وأول ساعة جيب من صنع الفنان بيتر هنلاين. بالإضافة إلى معروضات أخرى تتنوّع بين الأزياء الريفية التي تعود إلى حقبات ألمانية قديمة.
كما يمكن للزائر التعرف على بيت الرسام ألبرخت دورر، للتعرف عن قرب على جوانب حياة الفنان وأعماله.
- رقي الضيافة
يتوافد نحو مليوني سائح كل عام إلى نورمبرغ، وهي من المدن الأولى في حسن الضيافة والسياحة على لائحة التصنيف بألمانيا. وباتت المدينة وجهة جذب للسياح القادمين من الدول العربية. تتميّز المدينة بسهولة الوصول إلى كل ما تحتضنه من معالم أثرية ومتاحف ومطاعم وأماكن التسوق في البلدة القديمة، مشياً على الأقدام.
ومن السياحة التاريخية الشاهدة على عظمة المدينة، ينتقل الزائر للتعرّف على ما يرضي أطفاله، فمن منهم لا يرغب في زيارة حديقة الحيوانات؟
في نورمبرغ، حديقة تيرغارتن التي تعدّ واحدة من أروع الحدائق في أوروبا، التي تضمّ أنواعاً مختلفة من الحيوانات تعيش داخل الغابة، وما فيها من جمال طبيعي وخضرة وزهور وبرك مائية. وفي هذه الحديقة توجد بركة سباحة الدلافين (دلفين لاغونه) الوحيدة في جنوب ألمانيا، حيث تسبح الدلافين في الهواء الطلق.


مقالات ذات صلة

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

سفر وسياحة مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مكان يجمع بين البحر الصافي وجمال الطبيعة ودفء الشمس والشعور براحة البال، هناك في طابا، أقصى الشرق من شبه جزيرة سيناء.

محمد عجم (القاهرة)
سفر وسياحة الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)

كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

افتُتح فندق «ديسا بوتاتو هيد بالي» عام 2010، وتم تطويره في 2016 ليجسد رؤية جديدة لمؤسسه رونالد أكيلي حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الفندق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)

سافوي في فلورنسا وعلامة «باينيدر» يحتفلان بمتعة الكتابة وتعليم الخط

تعاون فندق «سافوي»، في فلورنسا، مع علامة القرطاسية التاريخية «باينيدر» للاحتفال بموسم الأعياد القادمة عبر فعالية «Wrapped in Time» أو «مغلف بالزمن»

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد متسوقون يتجولون في مركز «دولفين» التجاري خلال «الجمعة السوداء» في ميامي (إ.ب.أ)

المستهلكون الأميركيون ينفقون 11.8 مليار دولار في «البلاك فرايدي»

شهد المستهلكون الأميركيون عطلة تسوق قياسية بعد عيد الشكر؛ حيث سجّل الإنفاق عبر الإنترنت في «الجمعة السوداء» (بلاك فرايدي) رقماً غير مسبوق، دافعاً تجارة التجزئة…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق السويد واحدة من أقل دول أوروبا كثافة سكانية (رويترز)

السويد تشجع السياح على زيارتها بهدف «الشعور بالملل»

تشجع السويد الزوار على السفر إليها بحثاً عن الراحة والهدوء.

«الشرق الأوسط» (ستوكلهوم)

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
TT

طابا... ملاذ عشاق الطبيعة بين جبال مصر وبحرها

مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)
مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة تمنح الزائر تجربة إقامة استثنائية (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

مكان يجمع بين البحر الصافي وجمال الطبيعة ودفء الشمس والشعور براحة البال، هناك في طابا، أقصى الشرق من شبه جزيرة سيناء، حيث تختبئ المدينة المصرية كواحدة من أكثر الوجهات السياحية سحراً وهدوءاً.

تلك البقعة الساحلية التي تقدم لزوارها تجربة فريدة تجمع بين جمال الطبيعة البكر وهدوء العزلة، ما يجعلها وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن الاسترخاء، حيث تُعرف طابا بكونها المكان الأمثل لمن يبحث عن الانعزال عن صخب الحياة اليومية وقضاء عطلة مميزة وسط الطبيعة الخلابة، كما أن تميز المدينة بأجوائها الدافئة والمشمسة، يجعلها القرار الأمثل لقضاء وقت هادئ وممتع خلال أشهر الشتاء.

تتميز أعماق المياه في طابا بكثافة الشعاب المرجانية والأسماك الملونة (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

تقع طابا على رأس خليج العقبة على شواطئ البحر الأحمر، وتمتاز بأنها من أصغر المدن السياحية المصرية، إذ لا تتعدى مساحتها 508.8 أفدنة، ورغم صغرها، فإنها وجهة تقدم مشهداً بانورامياً يسيطر عليه التناغم بين زرقة مياه البحر الزاهية الممتدة أمام الأعين، والهدوء الذي تفرضه جبال جنوب سيناء.

زيارة قلعة "صلاح الدين" تتيح التعمق في التاريخ (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

ماذا تزور في طابا؟

إذا كانت وجهتك هي طابا، فإن جدول رحلتك سيكون مميزاً، فقط عليك اصطحاب كتابك المفضل ونظارتك الشمسية، وترك نفسك للطبيعة البكر.

تظل التجربة تحت الماء هي العنوان الأبرز في طابا، إذ يزخر خليج العقبة بالشعاب المرجانية والحياة البحرية المتنوعة، مما يجعلها وجهةً مثاليةً للغوص والغطس، تنتقل معهما إلى عالم آخر من الألوان والجمال الفطري.

ويُعد خليج «فيورد باي» (جنوب المدينة) قبلة عالمية لهواة الغوص، يضم هذا الخليج الطبيعي حفرة غطس فريدة، تتميز بكثافة الشعاب المرجانية والأسماك الملونة، مما يجعل الخليج قبلة للغواصين المحترفين، كما الخليج له قيمة استراتيجية وتاريخية نادرة، حيث يتيح للزوار فرصة فريدة لمشاهدة حدود أربع دول هي مصر، السعودية، الأردن، وفلسطين من موقعه المتميز.

جزيرة فرعون تسمح لزائرها بممارسة اليوغا أمام مشهد خلاب وسط الطبيعة (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

لعشاق التاريخ والهدوء، فيمكن لهم زيارة «جزيرة فرعون» قبالة شاطئ المدينة الجنوبي، على بعد 8 كيلومترات منه، ويمكن الوصول إلى هذه الجزيرة الساحرة عبر رحلة بحرية بمركب أو لانش يخترق مياه الخليج الهادئة، حيث يمكن قضاء اليوم في الاسترخاء أو الغطس، والتمتع بمنظر غروب الشمس الذي لا مثيل له.

تحتضن الجزيرة معلماً تاريخياً هو حصن أو «قلعة صلاح الدين»، التي بنيت عام 1171 ميلادية من الحجر الناري الجرانيتي، لحماية مصر من خطر الحملات الصليبية، والتي تم ترميمها مؤخراً، ليُكمل المشهد السياحي الذي تقدمه المدينة ما بين استرخاء في الطبيعة وتعمق في التاريخ، فما يميز زيارة الجزيرة هو جمعها بين عظمة القلعة التاريخية وإمكانية ممارسة رياضات الاستجمام، مثل اليوغا، أمام هذا المنظر الساحر، الذي يمنح الزائر صفاءً ذهنياً وعلاجاً للروح.

لا تكتمل مغامرة طابا دون زيارة «الوادي الملون»، إحدى العجائب الطبيعية في جنوب سيناء، إذ يوفر هذا الوادي متاهة من الصخور الرملية المنحوتة بفعل الطبيعة، واكتسب الوادي الملون اسمه بفضل ظلال الألوان التي تكسو جدرانه بفعل الأملاح المعدنية، والتي تتدرج ألوانها بين الأصفر الدافئ والأحمر القاني والذهبي اللامع، وهو مكان مثالي لرحلات السفاري والمشي، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجمال الطبيعة الصارخ في حضور عظمة الجيولوجيا.

جمال الطبيعة وعظمة الجيولوجيا يجتمعان في "الوادي الملون" بطابا (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

كذلك، تمنح طابا فرصة لا تُنسى لمحبي المغامرة، فموقعها المميز يجعلها نقطة انطلاق مثالية لرحلات استكشاف الطبيعة البرية والجبلية، إذ يمكن للسائح أن يعيش تجربة استثنائية من المغامرات الصحراوية، أو استكشاف سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية. وبعد أن يقضي الزائر لطابا نهاره أمام البحر والغوص، أو التمتع بجمال الطبيعة، يحل خلال الليل موعد السهرات البدوية، على الرمال وأسفل النجوم ووسط الجو الدافئ. فمع حلول المساء، تدعو طابا زوارها إلى الاستمتاع بسهرات بدوية، تزينها المشاوي والمشروبات، ويتخللها الغناء والاستعراض، ما يعرف الزائر بالتراث التقليدي للبدو المقيميين.

خليج "فيورد باي" في طابا قبلة عالمية لهواة الغوص (الهيئة المصرية لتنشيط السياحة)

محمية طابا

لا تقتصر متعة طابا على شواطئها فحسب، إذ تُعد طابا أيضاً محمية طبيعية منذ عام 1998، وبفضل مساحتها التي تغطي حوالي 2800 كيلومتر مربع، تتربع المحمية على الساحل الشمالي الشرقي لخليج العقبة، لتقدم للزائر تجربة فريدة تتجاوز مجرد الاستمتاع بالشاطئ، ما يجعل المحمية من أكثر الأماكن المفضلة لدى السياح بالمدينة.

تتميز محمية طابا بكونها محمية ذات إرث طبيعي ومنطقة لإدارة الموارد الطبيعية، وتشتهر بتكويناتها الجيولوجية الفريدة التي يعود تاريخها إلى 5000 عام، وهي ليست مجرد أرض، بل متحف طبيعي مفتوح يضم مناظر طبيعية خلابة مثل الواحات والأخدود الملون وعيون المياه المنتشرة داخلها، حيث تحتوي على كهوف وممرات جبلية، ووديان أشهرها وادي وتير والزلجة والصوانة نخيل وواحة عين خضرة، بالإضافة إلى أنواع نادرة من الحيوانات و50 نوعاً من الطيور وأكثر من 450 نبات نادر.

الإقامة في طابا

تشتهر مدينة طابا بمنتجعاتها السياحية الفاخرة، التي تمنح المقيمين فيها تجربة إقامة استثنائية، خصوصاً أن هذه المنتجعات تحتمي بالجبال الشاهقة من حولها، مما يوفر خصوصية للزائرين، مع إطلالات بانورامية خلابة وأجواء هادئة ومريحة. وتوفر هذه المنتجعات مجموعة متميزة من الخدمات، أبرزها حمامات السباحة المتنوعة، بالإضافة إلى بعضها يضم بحيرات الملح العلاجية، التي تضمن تجربة استجمام فريدة.


كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
TT

كيف يكون الفندق «بيئياً» حقاً؟

الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)
الاستدامة في الضيافة على رأس أوليات الكثير من السياح (الشرق الاوسط)

افتُتح فندق «ديسا بوتاتو هيد بالي» عام 2010، وتم تطويره في 2016 ليجسد رؤية جديدة لمؤسسه رونالد أكيلي حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الفندق. إنه ليس مشروعاً تجارياً مستداماً فحسب، بل يقوم على التجديد، ويحدث أثراً إيجابياً بشكل فعّال. أمام ذلك الفندق هدف طموح، يتمثل في أن يصبح خالياً من الفضلات والمخلفات تماماً، وقد اقترب كثيراً من تحقيق هذا الهدف. يقول أكيلي: «لم نصل إلى نقطة عدم وجود مخلفات، وصدقاً ربما لا نصل أبداً. مع ذلك لقد حققنا تقدماً كبيراً، حيث تحول 99.5 في المائة من مخلفاتنا بعيداً عن مكبّ النفايات». ويأتي هذا الرقم مع وجود أكثر من ألف نزيل يومياً في القرية.

مشروع "سويت بوتيتو" (الشرق الاوسط)

يجب أن تمثل الفضلات والمخلفات دائرة مكتملة. عندما تسمع عبارة «فندق بيئي»، من المرجح أن يكون مصطلح البصمة البيئية هو أول ما يخطر ببالك، والتدوير هو الوقود الذي يشغل محرك فندق «بوتاتو هيد». لقد حظرنا استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في المكان منذ 2017، ويُمنح كل شيء ضروري فرصة حياة ثانية داخل «معمل المخلفات»، حيث يُعاد إنتاج كل شيء، بدءاً بقواعد الأكواب، وصولاً إلى زجاجات المياه وقطع الأثاث، بل بُنيت بعض مباني الفندق من قوالب الطوب المهملة المستبعدة والمواد البلاستيكية.

الرياضة واليوغا من النشاطات المرغوبة في السفر (الشرق الاوسط)

ويعمل طاهٍ يكرّس جهده للوصول إلى مستوى الخلو من الفضلات تماماً في كل المطاعم لضمان الإبداع والفاعلية. ويشارك فريق العمل بانتظام في دورات تعليمية خاصة بالطهي من دون مخلفات. كذلك يُهدى كل نزيل عند وصوله مجموعة أدوات خاصة بتحقيق هذا الهدف، ويُدعى إلى المشاركة في جولة «متابعة الفضلات» لرؤية عملية التدوير على أرض الواقع.

المشروع الأكثر تأثيراً للفندق هو «مشروع المخلفات المجتمعي»، وهو مركز لتجميع المخلفات والنفايات افتُتح عام 2024 بالتعاون مع جهات تجارية محلية أخرى. ولإدراكنا أن الفصل السليم أمر ضروري، شارك فندق «بوتاتو هيد» خبرته مع الجهات الشريكة لضمان نجاح العمل. ويقول أكيلي: «أكبر إنجاز نفتخر به ليس الحدّ من المخلفات داخل الفندق، بل مشاركة ما تعلمناه خارج جدرانه». وتتم معالجة ما يصل إلى نحو 5 أطنان من المخلفات والنفايات يومياً، وقد وسّع ذلك نطاق تأثير الفندق، وأسّس لمستقبل أكثر نظافة للسكان المحليين، ووفّر وظائف جديدة في إطار هذا العمل. ويُعاد استثمار كل الأرباح، التي تدرّها عملية بيع المنتجات، التي خضعت لعملية إعادة التدوير، في المجتمع. وأوضح قائلاً: «الفكرة هي أن يستمر تحسين وتطوير النموذج بما يساعد الجزيرة، لا نحن فقط، في الاقتراب من تحقيق هدف عدم تشكل أي مخلفات».

الاستدامة مطلوبة في السفر العصري (الشرق الاوسط)

المجتمع مهم

أصبح الإخلاص لمناصرة المجتمع المحلي ضرورياً لتحقيق الاستدامة الشاملة حين يتعلق الأمر بالفنادق. كثيراً ما يتم إغفال وتجاهل الجانب الاجتماعي للاستدامة، لكن مجال الضيافة يتمحور حول الناس، ولا يمكن لفندق أن يصبح موجوداً بشكل مستدام دون أن يضع في الاعتبار كيفية تأثيره على النزلاء والعاملين والسكان المحليين. ويقول أكيلي: «المجتمع يمنح الفندق روحه، ومن دون ذلك سيصبح مجرد مبنى آخر. نحن نرى أنفسنا جزءاً من النظام البيئي، لا جزءاً منفصلاً عنه. ونتعاون مع المبادرات المحلية ونفتح أبوابنا للمشروعات المجتمعية، سواء أكانت برامج توعية بالمخلفات والنفايات أم ورش عمل ثقافية وأماكن إقامة إبداعية. ليس هدفنا هو استضافة النزلاء فحسب، بل تقديم شيء ذي معنى إلى المكان الذي يضمّنا».

وقد وزّع مشروع «سويت بوتاتو»، الذي نفّذه الفندق، أكثر من 38 ألف وجبة على المحتاجين خلال عام 2024، وشارك العاملون في أعمال الزراعة والتوصيل التطوعي وتنظيف الشاطئ. وأوضح أكيلي قائلاً: «يحدث التغيير عندما يدرك الناس الأمور المهمة. لهذا السبب نبدأ بفريق العمل لدينا أولاً. عندما يعيشون ويتنفسون الغرض والغاية، ويشعرون باتصالهم به، يشاركونه بشكل عفوي وتلقائي مع نزلائنا ومجتمعنا». يمنح الفندق سلامة وسعادة فريق العمل به الأولوية. يقول أكيلي: «نريد ضمان تطور كل من يعمل معنا، ليس على المستوى المهني فقط، بل فيما يتعلق بجودة الحياة أيضاً، بما في ذلك الصحة والسعادة والاستقرار المالي».

المنتجات التي تستخدم في الفنادق تخضع لعنصر الاستدامة ايضا (الشرق الاوسط)

الإحساس بالمكان

يمكن أن يصبح تسليط الضوء على الموطن جزءاً قوياً ومؤثراً بوجه خاص من استراتيجية الاستدامة للفنادق، حيث يدعم الأنظمة الاقتصادية المحلية، مع تقديم مذاق فريد للثقافة والتراث إلى النزلاء. ويوضح أكيلي: «الموطن همزة وصل بين ما نفعله وبين المكان الذي نوجد فيه. منذ اللحظة التي يصل فيها النزلاء نريد أن يشعروا بروح بالي من خلال الطعام والناس والحكايات التي تجعل هذا المكان مميزاً. يتعلق الأمر بالاتصال بالوجهة، لا إعادة تكوين شيء يمكن أن يتوفر في أي مكان آخر في العالم».

إن فخر فندق «ديسا بوتاتو هيد» بهويته يتضح ويبرز منذ اللحظة التي يُقدّم فيها إلى النزيل مشروب الـ«جامو»، وهو مشروب عشبي إندونيسي تقليدي، عند تسجيل دخوله إلى الفندق، ويتجلى في كل قرار يتعلق بمشتريات الفندق. تعمل المطابخ عن كثب مع المزارعين المحليين، وتدعم التنوع البيولوجي بالمنطقة من خلال تقديم النباتات الأصيلة قدر الإمكان. ويساعد التعاون والعمل مع الحرفيين بالجزيرة في الحفاظ على المهارات التراثية. على سبيل المثال، بُنيت الأجنحة في الفندق باستخدام قوالب طوب المعبد المضغوطة يدوياً، وهي طريقة بناء تقليدية في بالي. ويقول أكيلي: «نحن لا نشتري المكونات أو المواد الأولية فقط، بل نصنع نظام تدوير يعود بالنفع على الآخر. بهذه الطريقة نكوّن حلقة إيجابية متجددة بدلاً من حلقة سلبية استبعادية».

جناح كاتامانا الذي يراعي الاستدامة (الشرق الاوسط)

يتعلق الأمر بتحقيق التقدم لا المثالية

أهم جزء من تعريف مشروع تجاري مسؤول هو التزامه بالتطوير والتحسين المستمر.

المثالية أمر لا يمكن الوصول إليه. الاستدامة هي ببساطة التقدم خطوة نحو الأمام في المرة الواحدة. ويعدّ التواصل الشفاف عنصراً أساسياً من هذا الأمر، حيث يساعد في توعية العملاء وتحفيز العاملين والحثّ على إحداث تغيير أكبر في مجال العمل. يقول أكيلي: «نحن لا نروي قصصاً للتسويق، بل نحثّهم على إلهام الآخرين ليكونوا جزءاً من هذه الحركة. تبني الشفافية والثقة، والثقة تصنع الفعل».

الإخلاص للرحلة هي أهم ما في الأمر، ولا يقتصر ذلك على المنتجعات الفاخرة أو الوجهات الفريدة. إن أي فندق مستعد دائماً لمواصلة التعلم واتخاذ خطوات ملموسة قابلة للقياس نحو مستقبل أكثر استدامة هو فندق بيئي. ويضيف أكيلي: «سوف نواصل تطوير كل جزء مما نفعله، بدءاً بالمشتريات، ووصولاً إلى تصميم المنتج والعمليات اليومية حتى نظل متجددين ومشاركين في التجديد قدر الإمكان. وسوف نواصل مشاركة ما نتعلمه، وندعو الآخرين إلى الانضمام إلينا في إحداث تغير من أجل التجديد. نحن نختار التقدم لا المثالية. لا يهم الحجم، لكن الأمر المهم حقاً هو بدء إحداث تغييرات».


سافوي في فلورنسا وعلامة «باينيدر» يحتفلان بمتعة الكتابة وتعليم الخط

تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)
تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)
TT

سافوي في فلورنسا وعلامة «باينيدر» يحتفلان بمتعة الكتابة وتعليم الخط

تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)
تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)

تعاون فندق «سافوي»، في فلورنسا، مع علامة القرطاسية التاريخية «باينيدر» للاحتفال بموسم الأعياد القادمة عبر فعالية «Wrapped in Time» أو «مغلف بالزمن»، وتدعو هذه الشراكة الضيوف إلى تبنّي روح السفر البطيء وإعادة اكتشاف الوقت كهدية ثمينة، وتشجيع لحظات التوقّف والتأمل وإعادة التواصل في عالم اليوم السريع الإيقاع.

تعاون ما بين سافوي وبايندر لاكتشاف متعة الكتابة (الشرق الأوسط)

استلهم الفندق ديكورات موسم الأعياد من فن الخط، حيث تبرز في الردهة شجرة لافتة مزيّنة بظروف مختومة بالشمع مع لمسات ذهبية وفضية وحمراء، إلى جانب الأختام الأيقونية لـ«باينيدر». يجسّد هذا العرض التزام علامة القرطاسية الفلورنسية بالحرفية والاهتمام بالتفاصيل.

وتعكس الشجرة أيضاً الرؤية المشتركة بين العلامتين الفلورنسيتين، ليس فقط من خلال تصميمها، بل أيضاً عبر تجربة «A Wish for Florence»؛ حيث يكتب الضيوف أمنياتهم ورسائلهم للمدينة على ورق كتابة من «باينيدر». ثم تُوضع الرسائل في صندوق عيد ميلاد خاص ليتم حفظها وإرسالها لاحقاً إلى عمدة فلورنسا.

رسائل مكتوبة بخط اليد (الشرق الأوسط)

ويدعو فندق سافوي ضيوف الأجنحة إلى عيش سحر عيد الميلاد من خلال تجارب باينيدر الخاصة والقرطاسية الفاخرة، بما في ذلك ورش الخط المخصّصة، وأقلام الحبر الفاخرة، وورق الكتابة المميز. في هذه اللحظات الحميمة، حيث يتوقف الزمن، يصنع الضيوف ذكريات مكتوبة بخط اليد ويعيدون اكتشاف متعة الكتابة.

تعاون ما بين أهم شركة قرطاسية وسافوي في فلورنسا فترة الأعياد (الشرق الأوسط)

كما تشمل فعالية «Wrapped in Time» جانباً خيرياً من خلال التعاون مع مستشفى جيميلي للأطفال في روما، حيث اجتمعت فرق باينيدر وفندق سافوي لكتابة رسائل مليئة بالأماني الطيبة للأطفال، تحمل رسائل أمل وخيال ودهشة. ومن خلال هذه اللفتة، يعيدون إحياء السحر الحقيقي لعيد الميلاد، الذي ينبض حين نمنح وقتنا واهتمامنا ورعايتنا للآخرين.