فوكو ودلوز.. تصور مشترك للفلسفة

اكتشفا أسئلة ومفاهيم أحدهما الآخر

دلوز   -  فوكو
دلوز - فوكو
TT

فوكو ودلوز.. تصور مشترك للفلسفة

دلوز   -  فوكو
دلوز - فوكو

إذا كانت الفلسفة في مرحلة ذوت، تعتمد على التأمل ووضع المنهج ومن ثم الإنتاج، فإن القرنين التاسع عشر والعشرين سيشهدان موجة من الفتوحات المعرفية المتفرعة والمتصدعة عن انغلاقات المثالية، وسحر الظاهراتية، ومطارق النيتشوية، وصولا إلى إبداعات «عرائس التيه» بفعل فلسفات الاختلاف والتي اتخذت من «المنعرج النيتشوي» معولا للـ«تجاوز»، ومن ثم اكتشاف الدروب المتعددة على المنحدر الوعر على حد تعبير «هيدغر».
ولما كانت «استراتيجية التعدد والاختلاف» خلاقة نسبة إلى تعددية الصيغ، وتشعب المشارط، وتنوع الأساليب، وتجدد نتائج القراءة؛ استطاعت الفلسفة أن تنبعث من جديد من خلال عقلها «المنبثق الصاعد»، إذ نحتت البحث في «الأبستمية» لا بوصفها نظاما واحدا محددا، وإنما بوصفها مجموع علاقات يعثر عليها بزمن ضمن ممارسات قولية تفتح المجال لتشكيلات أبستمولوجية وعلوم، وأحيانا لمجموعة من «الأنظمة المطقمة» إنها بحسب فوكو في كتابه «أركيولوجيا المعرفة»: «مجموع العلاقات التي يمكن الوقوف عليها في فترة ما بين العلوم عندما نحللها على مستوى الانتظامات القولية».
يتكامل الفيلسوفان ميشيل فوكو وجيل دلوز، ذلك أن الورش التي يختبران فيها عدتهما المعرفية كانت تمحض إنتاجهم، دلوز وبقراءاته لكل من: ديفيد هيوم، ونيتشه، وبرغسون، وأسبينوزا، وكانط، ولايبنتز، وفوكو، يتجاوز نصوصهم إلى مفاهيمهم، ويدخل في عصب نصوصهم، لا يكتب ما يتطابق وإنما ما يتخالف، ويتجاوز المراد و«النية» إلى المفهوم ولا يعنيه بالضرورة السيف وإنما قد يلفته الغمد، ولا يبحث عن الشخوص وإنما عن «ظلالهم» أحيانا، وهذا ما بينه في أطروحته الأهم: «الاختلاف والتكرار». دلوز لا يرى في «الفيلسوف» إلا قناعا شخصيا لشخصياته ومفاهيمه. وبقراءاته تلك يقدم نصوصا أخرى للفيلسوف موضع القراءة، ويكتشف أسئلته ومفاهيمه، ويتداخل معه ضمن صيغة حوارية، فهو يدخل ليختلف ويناقض ويحاور ويحرج ليوجد نصا ثالثا هو ليس شرحا ولا ترجمة ولا تفسيرا، وإنما قراءة فحسب تكون خارقة للسقف المعتادة.
في كتابه «ما هي الفلسفة» وفي فصل «مسطح المحايثة» يكتب: «إن المفاهيم أشبه بالموجات المتعددة التي تعلو وتهبط، ولكن مسطح المحايثة، هو الموجة الوحيدة التي تلفها وتنشرها.. إن المفاهيم هي الأرخبيل أو العمود الفقري وليست النفس، بينما المسطح هو بالأحرى الجمجمة التي تسبح فيه هذه المعزولات، والمفاهيم هي مساحات أو أحجام مطلقة، عديمة الشكل أو متشظية، بينما المسطح هو المطلق اللامحدود، الذي لا شكل له ولا مساحة ولا حجم». من هنا تكون قراءاته في النصوص الفلسفية ضمن هذه العدة المفهومية المتجاوزة.
يعترف فوكو بأهمية قراءته لكتاب جيل دلوز وفيليكس غيتاري: «أوديب مضادا» الذي قدح بذهنه قيام الحضارة الغربية على «التأديب والعقاب» كما في تقديمه لمؤلف جيل دلوز أو في مقالاته عن أطروحاته، وكان لها دورها في انشغال فوكو بـ«المراقبة والعقاب» وفتح وثائق وأضابير «السلطات» في التاريخ الأوروبي في السجون والمصحات والمعرفة والجنس.
حين توفي ميشيل فوكو في 25 يونيو (حزيران) 1984 كتب جيل دلوز كتيبا بـ150 صفحة كانت كافية لأن تكون أهم دراسة عن ميشيل فوكو. بحث في مفاهيم فوكو وانشغالاته في أسس التفكير. واحتوى الكتاب على رسم لصورة مشروع فوكو بصيغ فنية وأدبية وفلسفية، وفيه عبر عن اشتراكه مع فوكو بالتصور المشترك للفلسفة، لم تكن التجريدات مثل: الواحد، والكل، والعقل، والذات، موضع اقتناع بل الأهم تحليل الحالات المتشابكة، أو الجاهزيات المطروحة، كان يجب - بحسب فوكو - أن نتعقب ونفصل خطوطا خرائطية.
دلوز وفوكو ينتميان إلى رواد «النزعة الشكية» التي حددها بول ريكور بـ«ماركس، ونيتشه، وفرويد»، حيث تعيد الذات تشكيل شتاتها، من هنا حيوية جيل دلوز في قراءته الفلسفية وبحثه في المضمر داخل النص. ذلك أن مشروع فوكو ليس ممتدا ومستقيما ومتضايفا، إذ لا يكمل كل كتاب ما يليه. تعامل دلوز مع مراحل فوكو لا بوصفها صيغ تباين، بل هي انصهار ضمن التحول والتغير، فالفلسفة بصمتها النهر، ضوؤها النار، وثيمتها «الصيرورة» كما يستلهم من شذرات «هيراقليطس».
في 1970 نشر فوكو مقالة عن جيل دلوز بعد طبع كتابي دلوز: «الفرق والتكرار» و«منطق المعنى»، وفيها تحدث عن أن هذه الآثار ستحوم طويلا فوق رؤوسنا ضمن صدى ملغز.. يوما ما سيكون هذا العصر عصرا دلوزيا». وعلق دلوز على هذه المقولة في كتابته عن فوكو بعد رحيله: «لا أعرف ما كان يعنيه فوكو، لم أسأله قط، كانت لديه دعابة شيطانية كان يريد أن يقول - ربما - إني كنت الأكثر سذاجة بين فلاسفة جيلنا، نجد لدينا جميعا ثيمات من أمثال، الكثرة، والفرق، والتكرار، لكنني اقترح مفاهيم خاما تقريبا، بينما ينشغل الآخرون مع أكثر من توسط، لم يؤثر في قط تجاوز الميتافيزيقا، أو موت الفلسفة، والتخلي عن الكل والواحدة والذات، لم أصنع منها قط دراما». (انظر كتاب جيل دلوز وتجديد الفلسفة لجمال نعيم ص: 125).
بقي جيل دلوز فيلسوفا متداخلا مع تاريخ الفلسفة وخرائطها، فهو ضرب مثلا في شراكة التأليف بينه وبين فليكس غيتاري، واستطاع أن يقيم ورشة مفهومية ضخمة للبحث في «ما الفلسفة»، والذي لا تتسع المساحة للتطرق إليه، هذا فضلا عن تاريخ الفلسفة، ووظيفة الفيلسوف، بالإضافة إلى مسار «الرؤية» الفلسفية للفنون من رسم وسينما. وحين ترى محاضراته على الـ«يوتيوب» بين تلاميذه تشعر بالفعل بقيمة الحوار مع كل نص أو رؤية أو صورة أو مفهوم أو نمط.
حين رحل فوكو كتب: «كلما توفي مفكر عظيم، ارتاح الأغبياء وأقاموا حوله صخبا جهنميا».



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.