روسيا تطرح نفسها في سوريا صانع سلام يقدم مساعدات إنسانية

في مناطق سيطرة الفصائل يتم البحث عن أشخاص نافذين لنشر المعلومات

جنود روس يوزعون مساعدات روسية في منطقة تخضع لخفض التصعيد قرب حمص وسط سوريا (أ.ب)
جنود روس يوزعون مساعدات روسية في منطقة تخضع لخفض التصعيد قرب حمص وسط سوريا (أ.ب)
TT

روسيا تطرح نفسها في سوريا صانع سلام يقدم مساعدات إنسانية

جنود روس يوزعون مساعدات روسية في منطقة تخضع لخفض التصعيد قرب حمص وسط سوريا (أ.ب)
جنود روس يوزعون مساعدات روسية في منطقة تخضع لخفض التصعيد قرب حمص وسط سوريا (أ.ب)

في عيادة قرب بلدة الدار الكبيرة في محافظة حمص السورية، يفحص طبيب روسي ضغط امرأة مسنة، وعلى سرير إلى جانبه يعاين زميل له فتاة تبدو فاقدة الوعي.
وهذه العيادة هي من المراكز الطبية الكثيرة التي أنشأتها موسكو في إطار برنامجها للدعم الإنساني للسوريين، وهي التي غيّرت منذ بدء حملتها الجوية في سوريا قبل عامين موازين القوى لصالح قوات النظام ومكنتها من تحقيق انتصارات عدة على حساب خصومها سواء الفصائل المعارضة أم المجموعات المتطرفة.
يتوجه الطبيب الروسي للسيدة المسنة بالقول بمساعدة مترجم: «تناولي نصف هذا القرص صباحاً والنصف الآخر مساء».
أمام العيادة، يحاول عنصر من الشرطة العسكرية الروسية طمأنة المواطنين ويطلب منهم محركا ذراعيه التحلي بالصبر حتى يحين دورهم لتلقي الرعاية الطبية داخل المرفق الواقع خارج بلدة الدار الكبيرة التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة.
تومئ سيدة مسنّة للعسكري محاولة التحدث إليه، لكنه يكتفي بالنظر إليها عاجزاً عن فهم ما تقوله، وهو الوافد إلى وسط سوريا في عداد قوات مراقبة مناطق خفض التوتر.
ويعد ريف حمص الشمالي من مناطق خفض التصعيد الأربع في سوريا والتي تم التوصل إليها بموجب اتفاق بين موسكو وإيران، أبرز حلفاء دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، في إطار محادثات السلام في آستانة.
وتقع العيادة في منطقة تفصل بين الدار الكبيرة من جهة ومناطق سيطرة الجيش السوري من جهة ثانية.
وبعد دورها الحاسم في الحرب، تحاول موسكو اليوم أن تقدم نفسها كشريك رئيسي في إرساء السلام وتقديم الهبات والمساعدات.
ونظم الجيش الروسي هذا الأسبوع جولة إعلامية لصحافيين بينهم فريق لوكالة الصحافة الفرنسية، تخللتها زيارة لهذه المنطقة.
قرب العيادة ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية موكلون مراقبة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه ضمن اتفاق خفض التصعيد.
وعند نقطة تفتيش قريبة ينطلق منها ممر إنساني إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة المحاصرة من القوات السورية، ينتشر أطباء وضباط روس فيما يقف السكان في صف متراص بانتظار تلقي أكياس طعام تحمل شعار «روسيا معك».
يقول الكولونيل في الجيش الروسي المسؤول عن حاجز الدار الكبيرة ألكسندر سازونوف للصحافيين «الحاجز أقيم منذ شهرين وهناك مؤشرات واضحة على تغييرات إيجابية»، مضيفاً: «نحن هنا على بعد نحو 500 متر عن المقاتلين... إذا لم تكن مقاتلاً ملطخة يديك بالدماء بإمكانك الدخول والخروج بحرية».
ويمر عشرة آلاف شخص يوميا عبر هذا الحاجز، على حد قول سازونوف الذي يضيف «لم تقدم أي مساعدة طبية خلال خمس سنوات ولم يكن بإمكان الناس الاجتماع بأحبائهم».
وأكد سازونوف عدم حصول «أي خروقات» لوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ ضمن اتفاق خفض التوتر في ريف حمص الشمالي في بداية أغسطس (آب).
إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق حصول مناوشات متقطعة بين طرفي النزاع.
في الجانب السوري من الحاجز، حيث علقت صور للرئيس بشار الأسد، تخضع هويات وأغراض الذين يعبرون لعملية تفتيش دقيقة.
وفي المساحة الفاصلة بين الجانبين، توقفت شاحنات روسية عليها شعار «مساعدات لسوريا من روسيا» محملة بصناديق مساعدات فيها السكر والحبوب واللحوم المعلبة.
وبحسب سازونوف، يتم توزيع نحو عشرة أطنان من المساعدات أسبوعياً، مشيرا إلى الحاجة لتقديم المزيد من المساعدات من أطراف أخرى.
ويقول: «حالياً روسيا هي الوحيدة التي تقوم بذلك».
ويقف المواطنون الراغبون بتلقي المساعدات في طابورين، أحدهما مخصص للقادمين من مناطق المعارضة والآخر لهؤلاء الذين يسكنون في مناطق سيطرة قوات النظام.
ويقول نواف رمضان الوافد من منطقة تحت سيطرة تلك القوات لوكالة الصحافة الفرنسية: «أحضر إلى هنا دائماً. تضرر منزلي قليلاً (جراء قصف الفصائل) لكني أصلحته. ليس لدينا المال الكافي لشراء الطعام».
ويقوم الضباط الروس أيضا بمهمة التواصل بين ممثلين عن النظام السوري والفصائل المعارضة.
ويوضح المتحدث العسكري الروسي إيغور كوناشينكوف للوكالة، أنه في مناطق سيطرة الفصائل، يتم البحث عن أشخاص يحظون بنفوذ لنشر المعلومات حول وصول شحنات المساعدات الإنسانية.
وإلى جانب ريف حمص الشمالي، يسري اتفاق خفض التوتر في كل من الغوطة الشرقية قرب دمشق وجنوب سوريا، ومن المفترض أن يبدأ تنفيذه في محافظة إدلب (شمال غرب) قريبا.
وسُجل نتيجة الاتفاق تراجع كبير للقتال والعنف في بلد تسبب النزاع المستمر فيه منذ مارس (آذار) 2011 بمقتل أكثر من 330 ألف شخص ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
ويوضح كوناشنكوف أن الهدف الحقيقي لمناطق خفض التصعيد هو دفع أطراف النزاع إلى المصالحة، في مسار يصر على ان بلاده تشكل طرفاً رئيسياً فيه.
ويقول: «بدأ الأمر بقولهم (لا نود التحدث إلى الطرف الآخر، سنتحدث فقط إلى الروس»، مستنتجاً بأنه بات «ينظر إلى الوجود الروسي بشكل طبيعي في كل مكان».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم