العالم ينتظر خطاب سو تشي حول أزمة الروهينغا

ميانمار تبحث رفض عودة اللاجئين

لاجئات من الروهينغا يتلقين منتجات صحية توزّعها منظمات إغاثة في المنطقة الحدودية ببنغلاديش أمس (أ.ب)
لاجئات من الروهينغا يتلقين منتجات صحية توزّعها منظمات إغاثة في المنطقة الحدودية ببنغلاديش أمس (أ.ب)
TT

العالم ينتظر خطاب سو تشي حول أزمة الروهينغا

لاجئات من الروهينغا يتلقين منتجات صحية توزّعها منظمات إغاثة في المنطقة الحدودية ببنغلاديش أمس (أ.ب)
لاجئات من الروهينغا يتلقين منتجات صحية توزّعها منظمات إغاثة في المنطقة الحدودية ببنغلاديش أمس (أ.ب)

لمحت الحكومة البورمية، أمس، إلى أنها قد لا تقبل عودة الروهينغا الذين هربوا إلى خارج الحدود، متهمة هؤلاء اللاجئين بعلاقات مع من وصفتهم بـ«المقاتلين»، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، فيما اعتبرت الأمم المتحدة أن ممارسات الجيش ضد الأقلية المسلمة تحمل بصمات «تطهير عرقي».
وأفاد بيان لجنة الإعلام الحكومية أن «هؤلاء الذين هربوا من القرى، عبروا إلى دولة أخرى خوفا من توقيفهم لتورطهم بالهجمات العنيفة. وستُمنح الحماية القانونية للقرى التي لم يهرب سكانها». جاء ذلك فيما دعا قائد الجيش البورمي، الجنرال مين أونغ هلينغ، إلى الاتحاد حول «قضية» الروهينغا، الأقلية المسلمة التي اعتبر أن لا جذور لها في ميانمار، ويواجه جيشه اتهامات دولية بممارسة التطهير الممنهج ضدها. وتسببت أعمال العنف التي مارسها الجيش على هذه الأقلية في إقليم راخين، بنزوح أكثر من 400 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش، ويؤكد اللاجئون أن جنودا يرتكبون مجازر بحق مدنيين ويحرقون قرى بكاملها. ورأت الأمم المتحدة أن الحملة العسكرية التي يشنها الجيش البورمي تحمل جميع بصمات «التطهير العرقي» للروهينغا، الأقلية المحرومة من الجنسية وتعاني من الاضطهاد والقمع منذ سنوات.
ولطالما شكّلت أوضاع مسلمي الروهينغا موضوعا شائكا في ميانمار، حيث يعتبر الكثير من البوذيين الذين يشكلون غالبية في البلاد أن الروهينغا مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش وينكرون وجود إتنية الروهينغا، ويصرون على أنهم «بنغاليون».
وكرر الجنرال هذه الخلاصة في تعليقات نشرها على صفحته على موقع «فيسبوك» السبت.
وكتب: «يطالبون بالاعتراف بهم كروهينغا، الجماعة التي لم تكن يوما مجموعة إتنية في ميانمار. قضية البنغاليين قضية وطنية ونحتاج إلى الوحدة لجلاء الحقيقة».
ويأتي دفاع الجنرال أونغ هلينغ عن العمليات التي يخوضها جيشه، وسط إدانات دولية لأعمال العنف التي شرّدت مئات الآلاف وألقت على بنغلاديش مهمة شاقة بإيواء وإطعام اللاجئين الذين يتدفقون إليها.
وتتعرض الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام لسيل من الانتقادات على الساحة الدولية بسبب صمتها بشأن قمع أقلية الروهينغا، والتي طلبت من حكومتها الإشارة إليها بصفة «مسلمي ولاية راخين».
وستتوجه الزعيمة البورمية بخطاب إلى الأمة، غدا الثلاثاء، تتناول فيه الأزمة في ولاية راخين لتخرج بذلك عن صمتها منذ اندلاع أعمال العنف. ويترقب الكثير من المراقبين خارج البلاد هذا الخطاب على أمل الحصول على تفسير لصمتها حيال هذه الكارثة الإنسانية التي تتكشف يوما بعد يوم. إلا أن مناصري الزعيمة التي تحظى بتأييد قوي في بلادها لقيادتها خروج ميانمار من عباءة حكم المجلس العسكري، يقولون إن عليها توخي الحذر من الجيش الذي حكم البلاد طوال 50 عاما ولا يزال يتمتع بنفوذ بالغ.
من جهته وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الرهانات مرتفعة حيال خطاب الثلاثاء، ووصفه بأنه «الفرصة الأخيرة» لوقف الكارثة الإنسانية. وأضاف: «إذا لم تقم بتغيير الوضع الآن، فأعتقد أن المأساة ستكون رهيبة تماما، ولسوء الحظ لا أرى كيف يمكن العودة عن ذلك في المستقبل».
ووصفت الأمم المتحدة العملية التي أطلقها الجيش في أعقاب هجمات يقول إن «متمردين» أطلقوها في 25 أغسطس (آب) ضد مواقع أمن، بأنها «مثال للتطهير العرقي» مع إحراق القرى لدفع المدنيين الروهينغا إلى النزوح.
ويستغرب كثيرون في الخارج صمت البورميين الذين طالبوا لوقت طويل بحقوقهم المدنية في مواجهة المجلس العسكري، عما يتعرض له الروهينغا. ومن المتوقع أن يكون خطاب سوتشي بالإنجليزية جزئيا على الأقل، لأنه يسبق اجتماعا في الجمعية العامة للأمم المتحدة سيتضمن انتقادات إلى ميانمار بسبب الأزمة. لكن المحللين يعربون عن اعتقادهم أن قدرتها على إيقاف الجيش محدودة.
وقالت فرانسيس ويد، مؤلفة كتاب «عدو ميانمار الداخلي: العنف البوذي وتحويل المسلم إلى (آخَر)»، لوكالة الصحافة الفرنسية إن سان سوتشي «تعطي مؤشرات بأن أولويتها الرئيسية هي العلاقة بين الحكومة والجيش، وأن المذبحة شأن ثانوي». وأضافت: «من الواضح أن هذا يثير تساؤلات حول نوعية القيادة التي تسعى إلى تحقيقها، وكذلك حول ما إن كانت السياسة في ميانمار تستحق التضحية بمجموعات بأكملها».
يذكر أن الرابطة الوطنية للديمقراطية بزعامة سان سوتشي حققت فوزا كاسحا عندما سمح الجيش بإجراء انتخابات عام 2015، وقبل أن يتخلى الجنرالات عن بعض الصلاحيات، وضعوا أنفسهم في صلب الدستور، وضمنوا مستقبلهم السياسي بواسطة كتلة برلمانية والسيطرة الكاملة على الشؤون الأمنية.
وخلال العامين الماضيين، أدّت الخطوات التدريجية التي اتخذتها سان سوتشي ورفضها إغضاب المؤسسة العسكرية التي أبقت عليها قيد الإقامة الجبرية طوال عقدين تقريبا إلى ظهور أولى مؤشرات سيادة القانون في البلاد. لكن اندلاع العنف في راخين والضغوط التي تتعرض لها من العالم الخارجي لـ«تفعل شيئا حيال ذلك» قد يخل بهذا التوازن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟