تقارب هندي ـ ياباني مقابل المد الصيني

برزت طوكيو في السنوات الأخيرة بوصفها أهم شريك استراتيجي لدلهي

رئيس الوزراء الهندي (يمين) مع نظيره الياباني يضغطان على زر لبدء مشروع القطار الطلقة الياباني الذي يربط مومباي بأحمد آباد بتكلفة 19 مليار دولار (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الهندي (يمين) مع نظيره الياباني يضغطان على زر لبدء مشروع القطار الطلقة الياباني الذي يربط مومباي بأحمد آباد بتكلفة 19 مليار دولار (أ.ف.ب)
TT

تقارب هندي ـ ياباني مقابل المد الصيني

رئيس الوزراء الهندي (يمين) مع نظيره الياباني يضغطان على زر لبدء مشروع القطار الطلقة الياباني الذي يربط مومباي بأحمد آباد بتكلفة 19 مليار دولار (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الهندي (يمين) مع نظيره الياباني يضغطان على زر لبدء مشروع القطار الطلقة الياباني الذي يربط مومباي بأحمد آباد بتكلفة 19 مليار دولار (أ.ف.ب)

القمة الهندية - اليابانية، بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الياباني شينزو آبي، تمثل بداية فصل جديد من العلاقات بين البلدين. وخلافا للقمم السابقة، اللقاء اكتسب أهمية خاصة هذه المرة، خصوصا بعد توقيع مشروع اقتصادي ضخم قدر بـ19 مليار دولار تزود اليابان من خلاله الهند بقطار الطلقة السريع لربط مومباي بأحمد آباد (يختصر الوقت من 8 إلى 3 ساعات بين المدينتين)؛ نظرا لأهميته الجيوسياسية والاستراتيجية في ضوء الإضرابات الأمنية التي عمت القارة الآسيوية، والتوجه الصيني الجديد للهيمنة الآسيوية والأفريقية من خلال ما يعرف بطريق الحرير الجديد والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وكلاهما طريق تجارية تثير قلق الهند واليابان. وأشاد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الياباني شينزو آبي بالعلاقات القوية بين أكبر بلدين ديمقراطيين في آسيا.
القمة اليابانية - الهندية الثانية عشرة استضافتها مدينة أحمد آباد، مقر إقامة رئيس الوزراء الهندي، التي تعد أول مدينة هندية تدرج في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وهنا استقبل مودي ضيفه الياباني، وفيها تم التوقيع على المشروع القطار السريع.
وأكد رئيس الوزراء الياباني، أن «العلاقات الهندية - اليابانية لا تقتصر فقط على التجارة الثنائية. لقد تطورت إلى شراكة استراتيجية وعالمية في منطقة الهند والمحيط الهادئ».
وتأتي زيارته عقب خلاف حدودي بين الهند والصين في منطقة متنازع عليها، وتحمل أهمية استراتيجية في منطقة الهيمالايا الجبلية.
في السنوات الثلاثة الماضية، شهدت العلاقات الهندية اليابانية تطورا ملموسا، حيث قررت الدولتان ترسيخ لقاءات القمة بينهما، وكان ذلك خلال زيارة آبي للهند عام 2006.
وأفاد سيركناث كوند.ب.ألي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة «جواهر لال نهرو» بنيودلهي، بأن روسيا تعتبر الدولة الوحيدة غير اليابان التي عقدت لقاءات قمة مع الهند، وأن لقاء القمة الأخير هو الرابع منذ تولي مودي رئاسة الوزراء عام 2014.
دخلت اليابان والهند في نزاعات حدودية مع الصين مؤخرا؛ جاء النزاع مع اليابان بسبب سلسلة الجزر بشمال شرقي بحر الصين، والتي تحمل اسم جزر سينكوكو في الصين، واسم جزر دياوو في اليابان، ومع الهند بسبب منطقة أرونشال براديش، منطقة خاضعة لنفوذ الهند تزعم الصين ملكيتها، وكذلك منطقة دوكلام بلاتو، التي تتنازع الصين وإقليم بوتان الحليف للهند السيادة عليها.
ويعتقد المراقبون السياسيون أن اليابان برزت في السنوات الأخيرة بوصفها أهم شريك استراتيجي للهند، وأن هذه العلاقة يمكنها أن تشكل حجر الأساس للدبلوماسية مع دول جنوب آسيا. وتعد زيارة آبي الأخيرة أيضا الأولى لأي رئيس حكومة إلى الهند بعد الأزمة التي نشبت إثر النزاع على منطقة «دوكلام» مع الصين، التي انحازت خلالها اليابان بوضوح إلى جانب الهند.
ومن دون شك، فإن الجارة الصين تشعر بالضجر الشديد لهذا الموقف. وتراقب الصين زيارة رئيس الوزراء الياباني للهند عن كثب، حيث سلطت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية الضوء على «الود» المتزايد بين الدولتين. ففي مقالها الافتتاحي، تباهت الصحيفة الصينية اليومية بأنه ما من دولة في آسيا تستطيع تحدي الصين، مؤكدة أن «الصين القوية واثقة من أنه لا توجد دولة في آسيا تستطيع تهديد الأمن القومي للصين، حتى وإن اتحدت دول عدة فلن ينجحوا في تحقيق ذلك»، مضيفة «لا نستطيع السير خلف اليابان والهند اللذين ضلا الطريق».
فقد أثار البعد الجديد الذي اتخذته العلاقات الهندية اليابانية وما تمثله للشراكة العالمية، وكذلك التعاون في مجال الدفاع قلقا جديدا لدى الصين بعد أن خاب ظنها إثر المواجهات التي تسبب فيها إقليم دوكلام. وتشعر الصين بأن الشراكة الهندية - اليابانية في مشروع الربط التنموي الذي يربط بين آسيا وأفريقيا، ما هو إلا خدعة ومحاولة لخلق طريق موازية لـ«طريق الحرير» من أجل بث الخوف في نفوس الصينيين من المنافسة بشق طريق أخرى تخدم الهدف نفسه.
وصرح خبير العلاقات الدولية رجاء موحان بقوله «باعتبارهما جارتين لبكين، فإن لدلهي وطوكيو مصلحة كبرى في علاقات التعاون مع الصين، وفي الوقت نفسه لديهما حافز كبير لمعالجة النزعة الأحادية التي تتعامل بها الصين من خلال تحقيق نوع من توازن القوى في المنطقة».
إن أوضح مثال على ذلك هو الاتفاق على مشروعات نووية سلمية بين الدولتين عقب مفاوضات صعبة وحساسة. ويعد الاتفاق فريدا من نوعه؛ نظرا لكونه أول اتفاق تبرمه اليابان مع دولة لم توقع معها «اتفاقية عدم الانتشار للسلاح النووي».
وبحسب الكاتب الصحافي شايم ساران: «اليابان هي أول دولة في التاريخ يستخدم ضدها الأسلحة النووية، فقد كان هناك حساسية كبيرة في دخولها في تعاون نووي مع دولة تستخدم السلاح النووي؛ مما يتعارض مع اتفاقية الحد من الانتشار الأسلحة النووية. ولذلك؛ فإن إبرام مثل هذا الاتفاق مع الهند يتطلب رصيدا سياسيا أكبر مما يطلبه إبرام الاتفاق الهندي الأميركي؛ ولذلك تشعر الهند بالكثير من الامتنان لذلك».
في عرض نادر للدبلوماسية في أبهى صورها، لم يضيّع رئيس الوزراء الياباني وقتا طويلا بعد خروجه من الطائرة ليرتدي «بيجاما الكرتا»، وما بات يعرف مؤخرا بـ«جاكيت مودي» ويسير بهيئته الهندية مصطحبا زوجته أكي التي ارتدت هي الأخرى زي «سلوار كورتا» الهندي التقليدي في جولة وسط جموع المستقبلين الذين لم يكفوا عن الهتاف لهما على امتداد الطريق التي بلغ طولها ثمانية كيلومترات، في مشهد يعد الأول من نوعه لمسؤول هندي كبير مع رئيس حكومة في زيارة للبلاد.
وكان مودي قد استقبل ضيفه الكبير بأحضان دافئة في المطار، ولم تمنع التقاليد الدبلوماسية مودي من التعبير عن الاهتمام غير المسبوق بضيفه الكبير، بدءا من اختيار المطعم للعشاء إلى اختيار المناطق التاريخية التي سيزورانها.
وفي حدث نادر بالفعل، اصطحب مودي ضيفه وزوجته في زيارة إلى مسجد سيدي سعيد الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر، حيث قضيا دقائق يتأملان زخارف نوافذه البديعة. ويقال إنها أول زيارة لمودي لهذا المسجد التاريخي. بعد ذلك اصطحب مودي ضيفه إلى مطعم «أغاشي» الذي يقدم أطباقا نباتية بنكهة جاكارتا واليابان.
تذكّر مشاهد الحفاوة التي قوبل بها الضيف الياباني بما شاهدناه خلال زيارة الرئيس الصيني شي بينغ في سبتمبر (أيلول) 2014 حينما اصطحب مودي ضيفه الكبير في زيارة إلى معبد «سبرماتي أشرام» ثم اصطحبه في جولة قصيرة على ضفاف نهر «سبرماتي»، ثم دعاه للعشاء في المكان نفسه. وما زال الجميع يذكر مشهد جلوسهما على الأرجوحة الهندية التقليدية على ضفاف النهر.

مشروع قطار الطلقة مؤشر إضافي لمواجهة النفوذ الصيني
انطلق العمل الخميس الماضي على أول مشروع في الهند لقطار بالغ السرعة بتكنولوجيا يابانية يربط بين مدينتي بومباي وأحمد آباد وتبلغ كلفته 19 مليار دولار. ويُنظر إلى المشروع على أنه مؤشر إضافي إلى دفء العلاقات بين دلهي وطوكيو، في مواجهة تنامي النفوذ الصيني في المنطقة. ويتوقع أن يستكمل المشروع الذي سيقلص المدة التي يمضيها المسافر بين أحمد آباد، كبرى مدن ولاية غوجارات التي يتحدر منها مودي، وبومباي العاصمة التجارية للهند، بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2023. وقال آبي خلال التوقيع على المشروع «آمل أن أستمتع بجمال الهند عبر النظر من نوافذ القطار السريع ومودي بجانبي عند قدومي إلى الهند بعد سنوات عدة». وأضاف، إن المشروع «يسجل بداية فصل جديد في العلاقات بين الهند واليابان».
وتحاول اليابان أيضا بيع طائرة «شين مايوا يو إس - 1» البرمائية، التي أبدت الهند اهتماما بها منذ سنوات عدة. ويتوقع أن تعزز الطائرة قدرات الهند في مجال العمليات البحرية.



بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
TT

بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)

عزّزت الصين انتشارها العسكري حول تايوان خلال الساعات الـ24 الماضية، مع إرسالها 53 طائرة عسكرية و19 سفينة، وفق ما أفادت به، الأربعاء، سلطات الجزيرة، واصفة بكين بأنها «مثيرة مشاكل».

وتُعدّ الصين تايوان جزءاً من أراضيها، وتؤكد عزمها على إعادة ضمها مستقبلاً، حتى لو بالقوة.

وتعود جذور النزاع بين تايوان والصين إلى عام 1949، عندما فرّت القوى القومية بقيادة تشانغ كاي تشيك إلى الجزيرة، إثر هزيمتها في برّ الصين الرئيس أمام القوى الشيوعية، بقيادة ماو تسي تونغ.

حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» ومجموعتها القتالية خلال تدريبات في أكتوبر 2024 (موقع الجيش الصيني)

وقالت تايوان، الأربعاء، إنها رصدت خلال الـ24 ساعة الماضية 53 طائرة عسكرية صينية و19 سفينة حول الجزيرة، في إطار تنفيذ الجيش الصيني أكبر انتشار بحري له منذ سنوات.

وقالت وزارة الخارجية التايوانية في بيان: «تُولّد هذه التصرفات حالة من عدم اليقين وأخطاراً في المنطقة، وتتسبب في اضطرابات للدول المجاورة، وتؤكد أن الصين مثيرة مشاكل تُهدد السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن الولايات المتحدة تراقب الوضع، وستضمن «ألا يقوم أحد بأي شيء لتغيير الوضع القائم في مضيق تايوان».

وأضاف، الأربعاء، لصحافيين في قاعدة أميركية في اليابان: «نقولها مجدداً، سياستنا لم تتغير. سنواصل بذل كل ما في وسعنا لمساعدة تايوان في الحصول على وسائل للدفاع عن نفسها».

وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان: «إن الطائرات والسفن، وبينها 11 سفينة حربية، رصدت خلال فترة 24 ساعة انتهت في الساعة السادسة صباحاً (22.00 ت.غ الثلاثاء)».

لقطة من فيديو للجيش الصيني تُظهر ضابطاً ينظر للأفق عبر منظار مكبر على متن قطعة بحرية (أرشيفية - الجيش الصيني)

وهذا أعلى عدد من الطائرات والسفن الصينية التي ترصدها تايوان منذ المناورات العسكرية التي نظمتها بكين في أكتوبر (تشرين الأول) ردّاً على خطاب الرئيس لاي تشينغ تي، في العيد الوطني لتايوان قبل أيام من ذلك. وعند انتهاء تلك المناورات، رُصِد عدد قياسي، بلغ 153 طائرة صينية، في يوم واحد قرب الجزيرة، إضافة إلى 14 سفينة صينية.

والثلاثاء، أعلنت تايوان أنها رصدت حول الجزيرة خلال الساعات الـ24 الماضية 47 طائرة عسكرية، و12 سفينة حربية صينية، وذلك بعيد أيام من انتهاء جولة خارجية قام بها الرئيس التايواني لاي تشينغ تي، وأدانتها بكين بشدّة.

جنود من الجيش الصيني خلال التدريبات (أرشيفية - موقع الجيش الصيني)

وفي المجموع، نشرت بكين نحو 90 سفينة على مساحة أوسع، في مياه بحر الصين الشرقي والجنوبي، وكذلك في مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس للصين، فيما وصفته تايبيه بأنها من كبرى المناورات البحرية منذ سنوات.

وقامت هذه السفن (60 سفينة حربية، و30 أخرى تابعة لخفر السواحل الصينيين) بمحاكاة مهاجمة سفن أجنبية، وتعطيل طرق شحن في المياه المحيطة بتايوان «لرسم خط أحمر» قبل تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وفق ما أوضح مسؤول أمني تايواني.

ولم يُعلن الجيش الصيني ووسائل الإعلام الحكومية الصينية عن زيادة النشاط في هذه المناطق.

لكن ناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية صرّحت، الثلاثاء، بأن الصين «ستدافع بقوة» عن سيادتها.

مقاتلة تظهر خلال دورية الاستعداد القتالي والتدريبات العسكرية حول جزيرة تايوان التي نفذها الجيش الصيني (أرشيفية - أ.ب)

وتأتي هذه المناورات بعد أيام من انتهاء جولة قام بها الرئيس التايواني، وشملت منطقتين أميركيتين هما هاواي وغوام، وأثارت غضباً صينياً عارماً، وتكهّنات بشأن ردّ محتمل من جانب بكين.

وكانت جولة لاي في المحيط الهادئ أول رحلة خارجية له منذ تولّيه منصبه في مايو (أيار).

وخلال جولته، أجرى لاي مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، ما أثار غضب بكين.

وتتهم الصين لاي، مثل الرئيسة السابقة تساي إنغ وين، بالرغبة في تعميق الانفصال الثقافي مع القارة، منددة بالتصرفات «الانفصالية».

وتايوان التي تحظى بحكم ذاتي تُعدها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتعارض أي اعتراف دولي بالجزيرة، وكونها دولة ذات سيادة.

وبكين، التي تعارض أيّ اتصال رسمي بين تايبيه ودول أجنبية، دانت «بشدة» جولة لاي، وحضّت الولايات المتحدة على «التوقف عن التدخل في شؤون تايوان».

وكذلك، حذّرت بكين تايوان من أي محاولة «تهدف إلى الاستقلال بمساعدة الولايات المتحدة»، مؤكدة أنها «ستفشل».