ثاتشر آمنت بالعلاقات الشخصية مفتاحاً للسياسة في الشرق الأوسط

سيرة جديدة تتقصى علاقة «المرأة الحديدية» بالمنطقة

مارغريت ثاتشر
مارغريت ثاتشر
TT

ثاتشر آمنت بالعلاقات الشخصية مفتاحاً للسياسة في الشرق الأوسط

مارغريت ثاتشر
مارغريت ثاتشر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعدها مثالاً له. المؤرخون البريطانيون متفقون تقريباً على أن تأثيرها داخل بريطانيا ذاتها وفي سياسة المملكة المتحدة الخارجيّة هو الأهم لرئيس وزراء بريطاني منذ ونستون تشرشل في أربعينات القرن الماضي، علماً بأنها بقيت في منصبها أكثر من كل رؤساء الوزارة الآخرين. وصفتها الثقافة الشعبيّة البريطانيّة بـ«سارقة الحليب»، لأنها أوقفت التوزيع المجاني للحليب على طلاب المدارس الابتدائية، وعدّها مفكرو اليسار مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان أسوأ ثنائي حكم ضفتي الأطلنطي ودفع بأجندة السياسات النيوليبرالية في الاقتصاد إلى حدود الكارثة الكونيّة. إنها البارونة مارغريت ثاتشر (1925 - 2013)، رئيسة وزراء المملكة المتحدة (من 1979 وحتى 1990) وأول امرأة تتولى المنصب التنفيذي الأرفع فيها عبر تاريخها الطويل.
انشغلت ثاتشر بداية عهدها عن مباشرة شؤون السياسة الخارجيّة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وتركت المهمة - بحسب إزريل برمانت في كتابه الجديد «مارغريت ثاتشر والشرق الأوسط» - مطبعة جامعة كامبردج - لوزير خارجيتها آنذاك اللورد كارينغتون. بعد حرب الفوكلاند عام 1982 التي قادتها ثاتشر بنجاح ضد الأرجنتين، ضغطت عليها الخارجيّة، ومستشارها المعيّن حديثاً لشؤون الشرق الأوسط السير أنطوني بارسون لقبول مبدأ حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بعد المناخ الدولي الضاغط إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان. كان ذلك ضد وجهة نظرها الشخصيّة، لا سيما أنها كانت نائبة منتخبة عن منطقة ذات كثافة يهوديّة عالية شمال لندن وتربطها علاقات وديّة تقليدياً بإسرائيل.
يعتقد إزريل أن سبب ذلك التحول يمكن تفسيره بأمرين؛ الأول أن ثاتشر كانت بطبعها براغماتيّة وقادرة على الانتقال من موقفها إلى موقف نقيض إذا وجدت منطقاً وحجة أقوى في الرأي الآخر. لكن الأهم ربما أنها كانت تبغض مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل وقتها، بوصفه كان مسؤولاً بصفة شخصيّة عن نسف مقر القيادة العسكريّة البريطانيّة في «فندق الملك داود» بالقدس قبل 3 عقود، وهو الحادث الذي قتل فيه عدد من كبار الضباط البريطانيين والعاملين بالقيادة حينها، وسرّع دون شك بإنهاء الانتداب على فلسطين، ولاحقاً قيام الدولة العبريّة عام 1948.
هذا المزاج الشخصي لثاتشر كان له تأثير لا ينكر على اتخاذ القرارات السياسية في أعلى مستويات السلطة البريطانيّة أثناء فترة ولايتها، ولم يكن مقتصراً على مشاعرها تجاه الإرهابي السابق الذي صار رئيس وزراء؛ بل يبدو أن تلك كانت بمثابة قناعة استهدت بها في جميع المراحل في ما خصّ معاملاتها بشؤون الشرق الأوسط؛ إذ يقول إزريل إنها كانت تؤمن بأولوية العلاقات الشخصيّة على المؤسسات فيما يتعلق بهذه المنطقة بالذّات. ولذا، فهي أبغضت ياسر عرفات في الوقت ذاته لأنه لا يحلق لحيته «فيبدو منظره كإرهابي».
مع ذلك، بقيت ثاتشر دائماً على قناعتها (المعلنة) بأن إسرائيل واحة للديمقراطية في قلب الشرق الأوتوقراطي، وأنها قلعة متقدمة للغرب لمواجهة المد الشيوعي بالعالم؛ وهي التي تسلمت منصبها رئيسة للوزراء عشيّة التدخل السوفياتي في أفغانستان. لكنها رغم ذلك، عدّت في أحاديثها الخاصة مع طاقمها الحكومي أن الرئيس ريغان يمنح الإسرائيليين «دعماً غير مشروط»، لكنها لم تجرؤ فيما يبدو على مواجهته بذلك، لأنها كانت بحاجة لدعمه فيما يتعلق بحرب جزر المالفيناس (الفوكلاند) مع الأرجنتين.
حاولت ثاتشر القيام بجهود وساطة مستقلة لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، مع إبقاء الأميركيين على اطلاع بالطبع، وهي بحكم علاقتها الإيجابيّة بالملك حسين ملك الأردن وكذلك مع شمعون بيريس، الذي كانت ترى فيه شخصيّة مثقفة وأمل إسرائيل الوحيد بالتوصل إلى إرساء سلام في المنطقة، بذلت وقتاً وجهداً كبيرين على تلك المساعي، تضمنت قيامها شخصيّاً بأول زيارة لرئيس وزراء بريطاني إلى الدولة العبرية منذ قيامها. لكن الجميع رغم دماثتهم الشديدة معها، فإنهم كانوا يعلمون أن القناة الأميركيّة هي المسار الوحيد الممكن لتحقيق تقدّم على أرض الواقع. وهي حاولت عدة مرات تحذير الإسرائيليين من «خطورة الأوضاع المأساوية داخل المناطق المحتلة»، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة عام 1988، لأن ذلك يضر بصورة إسرائيل العامة، لكن مع استمرار قناعتها الثابتة بانعدام فرص الحياة لدولة مستقلة للفلسطينيين.
صورة ثاتشر في العالم العربي عموماً كانت إيجابيّة، خصوصا لدى الخليج العربي؛ حيث زارت المنطقة عدة مرات، والتقت قادتها، وشددت على تقوية أواصر العلاقات «التاريخيّة» مع دولها. لكنها كانت تعاني بوصفها رمز السياسة البريطانية من أزمة انخفاض الشعبيّة لبلادها مع الذكرى السنويّة لـ«وعد بلفور»؛ إذ إن الفلسطينيين والعرب بدوا - لحينها على الأقل - عاجزين عن نسيان دور المملكة المتحدة من خلال «وعد بلفور» الشهير عام 1917 في التمكين لقيام الدّولة العبرية في فلسطين، وما جرّه ذلك من مآس وحروب وتهجير واستنزاف للموارد البشريّة والاقتصاديّة، خصوصا في ظل تجنب بريطانيا الاعتذار عن ذلك الوعد «المشؤوم» إلى اليوم، وتأكيدها للجانب الإسرائيلي أنها لن تتراجع يوماً عن مضمونه. كما عدّها البعض وراء تشجيع الرئيس جورج بوش الأب على شن حرب الخليج الأولى على العراق بعد غزوه الكويت عام 1990. وينقل عنها إزريل قولها للرئيس بوش الأب حينها: «تذكر يا عزيزي جورج أن الوقت غير ملائم للسياسات المترددة الآن».
يقدّم «مارغريت ثاتشر والشرق الأوسط» مادة غنيّة لاستكمال فهم تطورات الأحداث في أوقات حاسمة عاشها الشرق الأوسط أواخر القرن العشرين، ومن وجهة نظر السياسة البريطانيّة بالذّات، وموسم تراجع النفوذ البريطاني بالمنطقة لمصلحة صعود الإمبراطوريّة الأميركيّة المعولمة. وهو رغم غلبة شأن الصراع العربي - الإسرائيلي على معظم صفحاته مقارنة بمناطق العالم العربي الأخرى، وبشكل غير متوازن، فإن ذلك يعكس بالضرورة هيمنة أجواء ذلك الصراع المستمر على أجندة السياسة بالمنطقة، ومدى استثمار المرأة «الحديديّة» علاقاتها الإيجابيّة عموماً بقادة زعماء الشرق الأوسط عندما كان يسمح لها برنامجها الحافل وهي في خضم إعادة تشكيل اقتصاد المملكة المتحدة بالكامل، وشن الحروب على النقابات القويّة داخليا، وعلى المستهينين بغضبة الأسد الإمبراطوري البريطاني العجوز خارجيا.
كما أن «مارغريت ثاتشر والشرق الأوسط» من الناحية الشخصية يلقي بإضاءات على جوانب معينة تضيف للتصور الكلي عن تلك السياسية الفريدة في التاريخ المعاصر لناحيّة تأثر رؤيتها للشؤون الدوليّة – الشرق الأوسط تحديدا - بعلاقاتها الشخصيّة، وهو أمر قد لا يكون معروفاً للعموم. غير ذلك، فإن صورة السيدة ثاتشر كما رسمها إزريل تبدو بالملامح ذاتها المألوفة عنها في ملاعب السياسة الأخرى: إرادة فولاذية، وصلابة صارمة، وطاقة لا تنضب. إنها المرأة الحديديّة ذاتها التي وإن حكمت البريطانيين عقداً واحداً من الزمن فحسب ورحلت عن دنيا الوجود، إلا أنها ما زالت تؤثر في حياتهم إلى راهن الوقت.


مقالات ذات صلة

ملتقى دولي في الرياض يعزز التبادل الفكري بين قراء العالم

يوميات الشرق يجمع «ملتقى لقراءة» محبي أندية القراءة والمهتمين بها لتعزيز العادات والممارسات القرائية (هيئة المكتبات)

ملتقى دولي في الرياض يعزز التبادل الفكري بين قراء العالم

تنظم هيئة المكتبات «ملتقى القراءة الدولي» الهادف لتعزيز العادات القرائية، من 19 إلى 21 ديسمبر (كانون الأول) بقاعة المؤتمرات في «مركز الملك عبد الله المالي».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.