«هاتفيلد هاوس» الملكي... مقر الملكة إليزابيث الأولى

هاتفيلد هاوس اسم لقصر كبير تحيطه الحدائق الغناء من كل جانب، ويبعد نحو 25 ميلا شمال وسط لندن. يعود تاريخ بناء القصر إلى عام 1611 ميلادية ويعد مثالا للعمارة اليعقوبية التي ظهرت في القرن السابع عشر. وإلى جوار القصر هناك الكثير من المباني التي تبقت مما كان يعرف بالقصر الملكي. ويعود تاريخ القصر إلى عام 1497 حيث كان مقرا لإقامة الملكة إليزابيث الأولى التي كانت ثالث وآخر أبناء الملك هنري الثامن الذين اعتلوا العرش، وكانت في الخامسة والعشرين عندما تولت الحكم خلال الفترة من 1558 إلى 1603 ميلادية. قضت الملكة إليزابيث الأولى أغلب فترات طفولتها بالقصر الملكي بمنطقة هاتفيلد، وكانت محظوظة بمعلميها المميزين الذين وجدوا فيها تلميذا نجيبا. درست الملكة إليزابيث علم الفلك والجغرافيا والتاريخ والرياضيات واللغات الفرنسية والفلمندية والإيطالية والإسبانية. أثبتت الملكة إليزابيث أنها كانت حكيمة للحد الذي اعتبرت فيه داهية عصرها، مما انعكس على بريطانيا وما نعمت به من رخاء في عهدها على الرغم من التحديات الجسيمة التي واجهتها البلاد، أهمها تهديد الغزو الإسباني عام 1588 (الذي تصدى له الأسطول البريطاني). تقدم الكثيرون بطلب الزواج من الملكة إلا أنها آثرت البقاء بلا زواج. ويعد القصر أحد المباني القليلة الباقية في إنجلترا والمرتبط بالملكة الشهيرة.
بيد أن القصر لم يعجب خليفتها الملك جيمس الأول الذي قرر منحه إلى روبرت سيسيل، أول نبلاء مقاطعة سليسبيري، الذي كان رئيسا لوزرائه (وكان رئيسا لوزراء الملكة إليزابيث أيضا).
قرر سيسيل هدم جزء من القصر القديم وبناء قصر جديد إلى جواره لنفسه ولعائلته، واستكمل بناء القصر الجديد عام 1611. ومنذ ذلك الحين استمر القصر ملكا للعائلة نفسها، وهو أمر غير معتاد في ضوء التكلفة الباهظة التي تتطلبها صيانة مبان قديمة كهذه. ويعتبر هذا القصر مثالا واضحا على جمال المعمار اليعقوبي بغرفه الواسعة الأنيقة المغطاة بألواح وما تضمه من لوحات وتحف. بالصالة الكبرى أرضيات رائعة من الرخام وسقف مزخرف ولوحات فنية. وهناك غرفتان رائعتان صممتا بغرض استضافة الملك والملكة عند زيارتهما لنبيل منطقة سلسبيري، بالإضافة إلى مكتبة أنيقة تطل على القصر القديم. يتميز المكان بمساحاته وحدائقه الشاسعة المتاحة للجمهور والتي تستحق الزيارة.
إن قفزنا إلى القرن العشرين، تحديدا زمن الحرب العالمية الأولى، فسنجد أن بعض الأرضيات قد استخدمت لاختبار أول دبابات استخدمها الجيش البريطاني. وقد جرى إعادة تصميم المنطقة لكي تحاكي أرض المعركة وذلك بحفر الخنادق وعمل حُفَر في الأرض لوضع الألغام ثم تغطيتها بالأسلاك الشائكة لتحاكي المنطقة الواقعة بين خطي خنادق الجيشين البريطاني والألماني والمعروفة بـ«الأرض المحايدة». وبعد نهاية الحرب أعيد تصميم المنطقة كي تستخدم كحديقة عامة.
وفي بداية الحرب العالمية الثانية، قدمت العائلة المالكة أجزاء كبيرة من المنزل للجيش لتستخدم كمستشفى، واستخدمت الكثير من غرف القصر الفسيحة كأجنحة لذلك المستشفى. وفي نهاية الحرب، لاحظ الجميع أن الأسرى البريطانيين الذين وقعوا في الأسر لفترات طويلة في المعسكرات الألمانية واليابانية يعانون من مشكلات نفسية ويجدون صعوبة في التأقلم مع الحياة المدنية. وإثر ذلك، قامت الحكومة ببناء عدد من «وحدات الإعاشة المدنية» وخصصت لإقامة الأسرى العائدين حيث كانوا يتلقون الإرشادات النفسية لمساعدتهم على التأقلم مع الحياة المدنية مجددا. واستخدم قصر «هاتفيلد هاوس» لفترة كمقر لـ«وحدة الإعاشة المدنية» حيث أقام الكثير من أسرى الحرب العائدين لتلقي المساعدة للاستشفاء والنقاهة بعد سنوات مريرة قضوها في الأسر.
واليوم بات القصر مفتوحا للجمهور على مدار العام، وأحيانا يستخدم القصر كموقع لتصوير الأفلام. وللأسف فإن المباني القديمة في القصر ليست متاحة للزيارة سوى لأيام معدودة، ولذلك يتحتم على الزوار السؤال مقدما عن تلك الأيام.
يقع قصر «هاتفيلد هاوس» على بعد أميال معدودة من حي «إيه وان» ولا تستغرق الطريق سوى دقائق للزائر القادم بسيارة. ويقع القصير على مقربة من محطة القطارات بمنطقة هاتفيلد.