عودة التوتر في غوطة دمشق بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»

TT

عودة التوتر في غوطة دمشق بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»

اتهم «جيش الإسلام» أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق، «فيلق الرحمن» بالالتفاف على الاتفاق الذي وقّعاه، والتزم فيه الأخير بـ«إنهاء وجود (جبهة النصرة) في الغوطة». وأكد أنه سيكون «في حلّ من هذا الاتفاق ما لم يلتزم ببنوده خلال 24 ساعة». في حين جدد «فيلق الرحمن» التزامه بالاتفاق، متهماً «جيش الإسلام»، بـ«الاستمرار في السيطرة على مقراته في الأشعري، والتحضير لاعتداءات جديدة».
وتأتي الاتهامات المتبادلة، بعد مرور ثلاثة أسابيع، على موافقة الطرفين على المبادرة التي قدمها المجلس الإسلامي السوري، وتوقيعهما اتفاقية تقضي بإنهاء الاقتتال بينهما، وإطلاق سراح الموقوفين لدى كلّ منهما، وتعهّد «فيلق الرحمن» بإنهاء وجود «جبهة النصرة» في مناطق سيطرته في الغوطة.
وأعلن «جيش الإسلام» في بيان أنه التزم بالاتفاقية التي وقعها بمبادرة «المجلس الإسلامي السوري» ولم يلتزم بها «فيلق الرحمن»، معتبراً أنه «في حلّ منها ما لم يلتزم الفيلق ببنودها خلال 24 ساعة من صدور هذا البيان»، مهيباً بمشايخ المجلس الإسلامي السوري أن «يكون لهم دور فعال في الضغط على قيادة (فيلق الرحمن) لتنفيذ بنود الاتفاق وإنقاذ الموقف».
وقال «جيش الإسلام» في بيانه: «استجابة لمبادرة المجلس الإسلامي السوري، وقع اتفاقية مع قيادة (فيلق الرحمن) في 20 أغسطس (آب)، حيث كان الاتفاق والتوافق والتعاون على البر والتقوى من أوجب واجبات الثائر المخلص، وحيث كانت المبادرة خيراً لثورتنا ولأهلنا، بحقنها للدماء وحفاظها على مكتسبات الثورة، إلا أننا اصطدمنا بإصرار الإخوة في (فيلق الرحمن)، على عدم تطبيق البنود المتفق عليها، ففي حين انسحب (جيش الإسلام) طوعاً من منشأتي (الأحلام) و(النحاس) تطبيقاً للاتفاقية، لم يلتزم الفيلق بتعهداته أمام المجلس الموقر بإنهاء وجود (جبهة النصرة) في الغوطة الشرقية».
وبيّن «جيش الإسلام»، أن «قيادة الفيلق رفضت مجرد الجلوس مع قيادة «جيش الإسلام» للاتفاق على آلية مناسبة لإنهاء وجود «جبهة النصرة»، والتي أصبح وجودها في الغوطة مصدراً للأزمات، وذريعة لعصابات الأسد وحلفائها في الاستمرار بحملتهم العسكرية على حي جوبر الدمشقي وبلدة عين ترما»، مبدياً رفضه لما أسماه «الالتفاف على بنود الاتفاق المنبثق عن مبادرة المجلس الإسلامي عبر تذويب (جبهة النصرة) في فصيل جديد تكون (النصرة) فيه المكون الرئيس، وبذات التوجهات الكارثية فكراً وسلوكاً».
وسقط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، في جولات عنف جديدة وقعت بينهما خلال الشهر الماضي، في مناطق الغوطة الشرقية، وحمّل كل منهما الآخر مسؤولية التصعيد، وشنّ الهجمات على المقرات العسكرية واعتقال المقاتلين.
ولم ينتظر «فيلق الرحمن» طويلاً، إذ سرعان ما رد على بيان «جيش الإسلام»، حيث جدد التزامه بمبادرة «المجلس الإسلامي»، مشيراً إلى أنه «ينتظر التزام الطرف الآخر ممثلاً بـ(جيش الإسلام) بكافة بنودها»، متهماً الأخير بـ«التهرب والالتفاف من خلال بيانه الذي يعيد فيه رواية النظام وحلفائه في حربهم على ثوار الغوطة والجيش الحر». وقال الفيلق في بيانه: «حقناً للدّماء استجبنا للمبادرة الكريمة من المجلس الإسلامي السوري، والتي تنص على بنود لم يُنفذ (جيش الإسلام) منها شيئاً، حيث انسحب من بنائي الأحلام والنحاس ليبقى مرابطاً خلفهما، فيما تقضي المبادرة بانسحابه منهما بشكل كامل، ومن كامل مقرات فيلق الرحمن في بلدة الأشعري».
وعبّر «فيلق الرحمن» عن أسفه لما ورد في بيان «جيش الإسلام»، ورأى فيه «مشهداً جديداً من الالتفاف والمراوغة والمزايدة الإعلامية». وقال: «لا يمكن قراءة بيانهم إلا بأحد أمرين، أولهما التهرّب من الحل الشامل والرؤية المتكاملة التي عرضناها للحل، والتي تضمن ردّ الحقوق والمواد والأموال المنهوبة وإخراج المعتقلين، وثانيهما إعداد جيش الإسلام وتجهيزه لغدر جديد واعتداء آثم على الغوطة وبلداتها والجيش الحر فيها، بذات الذريعة التي يستمرّ بها النظام المجرم في اعتدائه وشن غاراته»، مؤكداً أن «جيش الإسلام اعتدى سابقاً على الأشعري وهو يعلم أنها خالية تماماً من أي عنصر من عناصر النصرة، وكان اعتداؤه على مقرات وعناصر فيلق الرحمن في أحلك الظروف التي يبذل فيها الفيلق دماء مقاتليه لتروي صمود حي جوبر وعين ترما»، معتبراً أن «تصعيد جيش الإسلام يتزامن في كل مرة، مع احتدام معارك الفيلق ضد قوات الأسد على الجبهات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.