الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

العام الدراسي الجديد يفتح ملف التعليم من طرابلس إلى القاهرة

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج
TT

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

لا يتوقف رنين هاتف الدكتور علي الأحول، رئيس مجلس إدارة جمعية الأخوَّة الليبية الاجتماعية الثقافية بمصر. وتيرة الاتصالات تزداد مع اقتراب بداية العام الدراسي من كل سنة. فمشاكل الدارسين الليبيين في مصر كثيرة، وتتجه إلى التعقيد كلما طالت مدة انتظار مئات ألوف المهجَّرين من ليبيا إلى عديد المدن المصرية. ومن أهم المشاكل التي تواجه الطلاب الليبيين في مصر، تجديد الإقامة للدارسين وأسرهم، والبحث عن مقاعد شاغرة في المدارس والجامعات، وإيجاد الأموال اللازمة لسداد مصاريف الدراسة التي ترتفع قيمتها سنة وراء سنة.

عوائق مادية

في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، يقول الدكتور الأحول، الذي يقيم في شرق القاهرة منذ خروجه من ليبيا، بعد سقوط النظام السابق في أواخر عام 2011، حيث كان في ذلك الوقت منسقا عاما لملتقى القبائل والمدن الليبية: «اليوم نواجه معضلة كبيرة في مسيرة تعليم مئات الألوف من الطلاب الليبيين. هؤلاء يفترض أن تتاح لهم الدراسة بمصر دون رسوم؛ لأن قيمتها أصبحت كبيرة جدا، وتفوق قدرة هؤلاء الدارسين وأسرهم». ويضيف: «مصروفات الدراسة في الجامعة بآلاف الدولارات، ولا توجد إمكانية».
وفي وسط تجمع يضم عشرات عدة من الطلاب الليبيين الباحثين عن مخرج لتأمين مستقبلهم في الدراسة، يوضح الطالب محمود حسن: «لا أريد أن أقول إن ألف دولار يمكن أن تغير مسيرة حياتك. الواقع أنه يمكن فقط لمائة دولارات أن تضعك على الطريق الصحيح، أو تخرج بك إلى منعطف خطر». ويدرس محمود في الفرقة الثالثة في إحدى الجامعات الخاصة بمصر، ويحاول جمع أموال لشقيقه لاستكمال دراسته الجامعية.
ويزيد موضحا عقب اجتماع بين ممثل للطلاب الليبيين في مصر، ووزير التعليم الليبي (في حكومة فايز السراج)، عثمان عبد الجليل، إن «تأخر التحويلات المالية من ليبيا، وعدم وصول منح التعليم الخاصة بالدارسين الليبيين في مصر، تعد من القضايا التي أصبحت تهدد المسيرة التعليمية للطلاب هنا».

إهمال للمناهج

في الأعوام الثلاثة التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، كان الجدل يدور حول طرق تنقيح مناهج التعليم، وحذف ما يعتقد البعض أنه كان ذا طبيعة سياسية تتعلق بمحاباة وتمجيد النظام السابق، إلا أن الاهتمام بقضية المناهج تراجع إلى الوراء، بعد أن طفت على السطح مشاكل أكبر تتعلق بمسيرة التعليم نفسها، وقدرتها على الاستمرار في دولة يتقاسم السلطة فيها ثلاث حكومات، وقوى أخرى، وتعاني انقساما في المؤسسات، وبخاصة المؤسسة المالية المنوط بها توفير الأموال اللازمة من أجل انتظام الطلاب في الدراسة سواء داخل ليبيا أو خارجها.
وقبل أسابيع قليلة من بداية العام الدراسي المنتظر، استعرض رئيس اتحاد الطلاب الليبيين في مصر، أصيل الجويفي، هذه المعضلة مع الوزير عثمان، ضمن عديد المشاكل الأخرى التي يعانيها أبناء الليبيين، حيث يقدر عدد الأسر الليبية التي فرت من الفوضى في بلادها، إلى مدن مصرية عدة، بمئات الألوف. ولم يقتصر الاجتماع على شرح الجويفي للعراقيل التي يمر بها الدارسون بسبب نقص الأموال، وصعوبة التحويلات المالية من المصارف الليبية إلى نظيرتها في مصر، ولكن الجويفي تطرق كذلك إلى قضايا أخرى، من بينها مشكلة تجديد الإقامة بمصر.
ويقول الدكتور الأحول، إن العراقيل التي يوجهها التلاميذ والطلاب الليبيون، من الصفوف الابتدائية إلى الجامعة، تعد بمثابة كارثة. هذا له تأثير سيئ على مستقبل الليبيين. تخيل جيلا كاملا غير قادر، معظمه، على الانتظام في الدراسة... «شبابنا في سن المراهقة، والانقطاع عن الدراسة يؤدي إلى فراغ قاتل. الحقيقة المُرَّة تتلخص في أنه لم تعد توجد إمكانية للدراسة».

قضايا الإقامة

لم يتمكن الشقيق الأصغر لمحمود، ويدعى جمعة، من تقديم الأوراق التي تخول له الانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، بسبب عدم وجود أموال. ونزحت أسرة هذين الشابين من بنغازي بسبب الحرب بين الجيش والمتطرفين. واستأجرت شقة في ضاحية فيصل في غرب القاهرة. ويعمل الشابان في مقهى يديره ليبي في ضاحية الهرم القريبة، لإعالة والديهما العجوزين وشقيقتيهما.
ولأسباب محلية في القاهرة، تتعلق بنظام تحصيل الرسوم الدراسية من غير المصريين، يجد الليبيون صعوبة في توفير المقابل المالي للدراسة، ولا سيما في مدارس القطاع الخاص وجامعاته، والتي تشترط سداد آلاف الدولارات من أجل قبول الطالب للدراسة فيها. ويقول محمد، إن شقيقه جمعة لم يتمكن من تقديم أوراق نجاحه في الثانوية لجامعة من الجامعات الحكومية، الأقل كلفة، والسبب يرجع إلى أن مدة الإقامة القانونية للأسرة بأكملها، على الأراضي المصرية، انتهت منذ أكثر من عامين. ويضيف، أن أوراق الإقامة شرط من شروط التقديم. «إذا أردت تجديد الإقامة لي ولأسرتي فلا بد أن أسدد كل المتأخرات المالية للإقامة... هذا فوق طاقتنا».
ولحل مشكلة التعليم الأساسي على الأقل، تسعى سلطات طرابلس لفتح ثلاث مدارس عامة ليبية، في بعض المدن المصرية التي يكثر فيها الليبيون، حيث تقول مصادر في الحكومة إن الليبيين يتركز وجودهم في أربع مناطق بمصر، هي «مدينة نصر (شرق القاهرة)»، و«الرحاب (في القاهرة الجديدة)»، و«السادس من أكتوبر (غرب العاصمة)»، و«الإسكندرية (في شمال غربي البلاد)».

مدارس ليبية في مصر

الهدف من تخصيص مدارس ليبية عامة في مصر، هو محاولة استيعاب الأعداد المتزايدة من الدارسين، بدلا من اعتمادهم على المدارس الخاصة باهظة التكاليف، والتي تبدأ مصاريف الدراسة في بعضها، للطالب الواحد، إلى نحو 2600 دولار وتزيد إلى نحو 7000 دولار في السنة. ويقول أحد أولياء الأمور وهو ينتظر دوره لتقديم أوراق ابنه في مدرسة مصرية خاصة تتعامل مع الطلاب الليبيين: «في الحقيقة، وحتى وقت قريب، كانت المصاريف الدراسة لا تزيد على ألفي دولار في السنة، وتشمل المواصلات وثمن الزي المدرسي الموحد، لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكانت وقتها تعد مبالغ كبيرة، إلا أنها زادت أخيرا لتصل في بعض المدارس الخاصة إلى نحو سبعة آلاف دولار».
وقامت سلطات طرابلس أيضا بتوجيه البعثة الدبلوماسية الليبية في القاهرة لحل مشاكل أخرى، من بينها تجديد جوازات السفر مجاناً، وتحصيل تأشيرات الدخول لمصر، وتصريح بالإقامة للمهجرَّين والنازحين. وأكثر الدارسين الليبيين هم في مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية.
ولأسباب يعود معظمها إلى تعدد ولاءات أفراد البعثة الدبلوماسية للحكومات الليبية المنقسمة على نفسها، زادت الصعوبات هذه الأيام، أكثر من السابق، بشأن تنظيم عملية الدراسة لليبيين في مصر. ولم يتمكن فرع من فروع إحدى المدارس الليبية الخاصة من استقبال أكثر من ألف طالب وطالبة، واضطر الفرع إلى فتح باب الانتساب، أي الدراسة من المنزل، وبمصاريف أيضا، وإن كانت بمصاريف أقل... وفي إحدى المرات حدثت انفراجة للطلاب حين قرر الجانب الدبلوماسي الليبي الموالي لمجلس النواب في القاهرة سداد مستحقات الدارسين ومديونياتهم في مصر، لكن مثل هذا الإجراء لا يتكرر كثيرا، ثم إنه غير مضمون.

تباينات في المواد المدرسة

في أول عام دراسي عقب سقوط نظام القذافي، كان الجدل يدور حول تعديل المناهج، وحذف كل ما يشير إلى العهد السابق، وبخاصة مناهج التاريخ والأدب. لكن يبدو أن هذا الموضوع عاد إلى ذيل الاهتمامات، مقارنة بالمشاكل التي أصبحت تهدد منظومة التعليم ككل. ومع ذلك، ما زال يمكن سماع أصوات ترفض الزج، في الكتب الدراسية، باسم ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت القذافي. ويمكن ملاحظة أن بعض الكتب لم تعد تتطرق إلى ثورة 2011؛ لما تسببت فيه من فوضى شردت ألوف الليبيين وحرمتهم من كثير المميزات، وبخاصة انتظام التعليم.
وحرصت بعض مقدمات الكتب الدراسية، في الفترة الأخيرة، على حصر موضوع المقدمة عن منهج الكتاب، دون خوض في الشعارات السياسية، على عكس ما كان يحدث في عامي 2011 و2012، وتقول مقدمة كتاب الأدب للصفوف الثانوية: «هذا كتاب صنفناه في البلاغة والأدب والنصوص، في العصرين العباسي والأندلسي، نقدمه بين أيدي إخواننا المعلمين، وأبنائنا الطلبة، حاولنا من خلاله التعريف ببعض المصطلحات البلاغية، والأساليب الأدبية الرفيعة؛ رغبة منا في أن يدرك الطلاب محاسن العربية، ويلمحوا ما في أساليبها من جلال وجمال، وأن يتدبروا من أفانين القول وضروب التعبير؛ ما يهب لهم نعمة الذوق الرفيع».
بينما هناك كتب دراسية ما زالت تحرص على الإشارة إلى «ثورة فبراير»، ما يسببه ذلك من غضب لدى أنصار النظام السابق، ومنها ما ورد في مقدمة كتاب الأحياء للصف الثالث الثانوي، والتي جاء فيها أن ثورة 17 فبراير «وجَّهت في أكثر من مناسبة بتطوير المناهج التعليمية والخروج بها من كهوف الجبرية والتلقين، إلى فضاءات التفكير والاستقراء والاكتشاف». ويقول والد أحد طلاب الصف الثاني الثانوي الذي يدرس في جامعة خاصة في مدينة نصر، ويعد من أنصار نظام القذافي: التعلم، تعليم... لا نريد خلط هذه العملية بالسياسة.
ويحاول القائمون على التعليم، ورغم الإمكانات الضعيفة، الالتفات إلى متغيرات مهمة، على رأسها الإرهاب والتطرف، الذي اكتوى منه الليبيون خلال السنوات الأخيرة. ولهذا يسعى المطورون وفقا لمصادر حكومية إلى إضافة مواد دراسية في المناهج من شأنها مواجهة الفكر المتشدد، والاستفادة من الإنترنت في نشر الدراسة عبر الفضاء الإلكتروني.

عزوف عن مقاعد الدراسة

وفقاً لشهادات من أولياء أمور تلاميذ وطلاب ليبيين، فإن هناك ألوف الأطفال لم يتمكنوا من الانتظام في الدراسة منذ عام 2011 حتى اليوم. ومنهم من كان في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، ولم يكملوا الدراسة طوال السنوات الست الأخيرة. وأصبح الدارسون الليبيون بين نيران الفوضى في الداخل ونقص الأموال والإمكانات في الخارج. ففي الداخل الليبي وصل عدد المدارس المتضررة من الاقتتال الأهلي إلى نحو 4 آلاف مدرسة، وفي الخارج لا توجد أموال تكفي للعملية التعليمية.
ومن المعروف أن المدارس الحكومية المصرية لا تقبل الدارسين الأجانب في التعليم الأساسي إلا وفقا لشروط صارمة لا تتوفر لدى غالبية الليبيين. أما بالنسبة للدراسة الجامعية، فإن أكثر الجهات تيسيرا على الطلاب الليبيين هي جامعة الأزهر، حيث تكتفي بتحصيل رسوم رمزية من الدارسين، إلا أن غالبية الليبيين لا يفضلون الدراسة في الأزهر، ويبحثون عن جامعات للتخصص في دراسة البترول أو القانون أو الاقتصاد والعلوم السياسية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

وسائل التواصل الاجتماعي... روابط مباشرة بين الجامعات والطلاب

وسائل التواصل الاجتماعي... روابط مباشرة بين الجامعات والطلاب
TT

وسائل التواصل الاجتماعي... روابط مباشرة بين الجامعات والطلاب

وسائل التواصل الاجتماعي... روابط مباشرة بين الجامعات والطلاب

لا يخفى على أحد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الاجتماعية على شبكة الإنترنت بالنسبة للأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة والشركات التجارية والحكومات وأجهزة الأمن المحلية والدولية والمراكز الطبية هذه الأيام. إذ يتزايد استخدام هذه الوسائل بوتيرة مثيرة للاهتمام ويتعدد استخدامات هذه الوسائل في كثير من الحقول الهامة لتحسين أدائها وتطويرها وربط ما أمكن من معلومات ببعضها بعضا وتوفيرها لجميع المعنيين بأسرع وأوضح صورة ممكنة. ومن هذه الحقول بالطبع الحقل التعليمي، إذ كان من أول الحقول التي عملت على استغلال شبكة الإنترنت وحاولت الاستفادة من تقنياتها وقدراتها على التحفيز وتطوير أداء المعلمين والطلاب على حد سواء. وقد بدأت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا تلعب دورا جوهريا كبيرا في الحياة التعليمية، أكان ذلك في المدارس العادية أم في الجامعات الهامة.

تفوق في التواصل والأكاديميا
تشير الأرقام الأخيرة إلى أن نصف سكان المعمورة يستخدمون شبكة الإنترنت هذه الأيام، وأن عدد الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة ارتفع بنسب 21 في المائة من عام 2015 أي منذ عامين فقط. وقد وصل عدد الذين يستخدمون هذه الوسائل الاجتماعية إلى 2.8 مليار مستخدم العام الماضي.
وأظهرت آخر الدراسات لمؤسسة «يوني شوتس» الطلابية لإنتاج الفيديو، أن جامعة تتربع على عرش الجامعات البريطانية من ناحية عدد المتابعين لوسائلها الخاصة بالتواصل الاجتماعي. وأن جامعة كامبردج في المرتبة الثانية في هذا المجال.
أما في المرتبة الثالثة فقد جاءت كلية لندن للاقتصاد التي تعتبر من الجامعات الهامة على الصعيد العالمي في مجال العلوم الإنسانية. وقد حاولت شركة إنتاج الفيديو هذه التي أسسها بعض الخريجين التعرف عما إذا كان أي ترابط بين ترتيب صحيفة الـ«غارديان» البريطانية لأفضل الجامعات لعام 2018 وبين النتائج التي توصلت إليها حول عدد المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي لهذه الجامعات.
وكما تقول تقول سيتا فارداوا في مقال خاص على موقع مؤسسة «ذا»، إن العلاقة بين ترتيب أفضل الجامعات وترتيب الجامعات من ناحية عدد المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي لديها متنوع جدا وغير واضح وليس مشروطا. ففيما كان هناك ترابط في حالة جامعتي أكسفورد وكامبردج اللتين تحتلان المركزين الأول والثاني في كل من التصنيفين، جاءت جامعة لندن متروبوليتان (جامعة لندن الحضريةLondon Metropolitan University - وهي جامعة بحثية عامة) في المركز الرابع في ترتيب المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعية، بينما كانت في الترتيب 117 على لائحة صحيفة الـ«غارديان» لأفضل الجامعات.
لا بد من التذكير هنا بأن مؤسسة «ذا» أو موقع «ذا»، يهتم بتأمين المعلومات تزويد البيانات التي تدعم التميز الجامعي في كل قارة في جميع أنحاء العالم. وهي من المراجع الهامة والرائدة «في تصنيف الجامعات الأكثر تأثيرا في العالم، ولديها خبرة تقارب خمسة عقود كمصدر للتحليل والبصيرة في التعليم العالي»، كما لديها خبرة «لا مثيل لها في الاتجاهات التي يقوم عليها أداء الجامعة عالميا. وتستخدم بياناتنا وأدوات قياسها من قبل كثير من الجامعات المرموقة في العالم لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم الاستراتيجية».

{فيسبوك» نافذة للجامعات
وبالعودة لـ«يوني شوتس»، فقد أظهرت نتائج الدراسة الأخيرة أن الـ«فيسبوك» كان المنصة الأكثر اختيارا من قبل المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي والتي فضلوا استخدامها لمتابعة جميع الجامعات، وحصدت على أعلى الأرقام مقارنة مع بقية وسائل التواصل الأخرى.
ويقول مؤسس «يوني شوتس» روس ليندغرين، في هذا الإطار إنه «قررنا التركيز على (فيسبوك) و(إنستغرام) و(يوتيوب) في بحثنا الأولي لأن المحادثات التي أجريناها مع الطلاب تشير إلى أن هذه هي أكثر المنصات استخداما في السنوات الأخيرة». وقال روس ليندغرين، مؤسس «يوني شوتس»: «قررنا التركيز على (فيسبوك) و(إنستغرام) و(يوتيوب) في بحثنا الأولي لأن المحادثات التي أجريناها مع الطلاب تشير إلى أن هذه هي أكثر المنصات استخداما في السنوات الأخيرة». ويبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، التي ارتفع استخدامها في السنوات الأخيرة في بال ليندغرين، إذ أضاف أن المؤسسة تخطط في المستقبل للبحث في حجم استخدامات ومتابعات «تويتر» واستخدام «سناب شات». ومن النتائج التي أظهرتها الدراسة التي شملت 121 جامعة أيضا، أنه كان للجامعات التي كانت الأكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي، أيضا أكبر عدد من الأتباع على جميع المنصات. وخصوصا في منصة حجم استخدام الـ«يوتيوب».
وتشمل هذه المنصات، عدد المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي، عدد زيارات موقع الجامعة (بالملايين) خلال الأشهر الستة الأخيرة لعام 2017، وعدد المتابعين لـ«فيسبوك» في كل جامعة، عدد المتابعين لـ«إنستغرام» في كل جامعة، وعدد المتبعين لـ«يوتيوب» في كل جامعة.

وسيلة للطلاب الأجانب
وعلى صعيد آخر، أكد المدير الإداري في مؤسسة «هوبسونز» الخاصة بالتعليم العالي جيرمي كوبر أن الطلاب حول العالم يستخدمون مواقع الشبكات الاجتماعية للبحث واختيار كلياتهم هذه الأيام وأكثر من أي وقت مضى، وذلك في تعليق خاص حول كيفية استخدام الطلاب الأجانب لوسائل الإعلام الاجتماعية لاختيار إحدى الجامعات البريطانية للدراسة.
وقد كشف «المسح الدولي للطلاب - ISS» السنة الحالية أن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي تتزايد وتنمو باطراد بالنسبة للطلاب الدوليين أو الأجانب. كما أظهر المسح أن «حملات وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي تشكل كيف ينظر هؤلاء الطلاب المحتملون إلى المملكة المتحدة كمكان للدراسة».
ويقول كوبر، إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الآن بالنسبة للشباب الوسيلة الرئيسية لجمع المعلومات والتواصل مع أصدقائهم ومعارفهم. ويبدو من النتائج التي حصل عليها «المسح الدولي»، أن «83 في المائة من الطلاب المحتملين يستخدمون قنوات اجتماعية للبحث عن الجامعات، أي بزيادة قدرها 19 في المائة بين عامي 2016 و2017». وفيما «تختلف التفضيلات من بلد إلى آخر، فإن مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية (فيسبوك) و(يوتيوب) و(إنستغرام) تهيمن على استخدام الشبكات الاجتماعية الأخرى والمعروفة».
ويبدو أن الطلاب يبدأون باستخدام وسائل الاتصال هذه قبل إجراء أي تحقيق حول مستقبلهم التعليمي وأين سيدرسون، الأمر الذي يشير إلى أهمية المشاركة المبكرة على هذه الوسائل. ويترافق هذا مع ارتفاع في نسبة عدد الطلاب والمهتمين باستخدام «واتساب» للتواصل مع الجامعات التي يهتمون بها ووصلت نسبة الارتفاع إلى 42 في المائة، بينما فضل 35 في المائة استخدام «فيسبوك».
وأهم ما كشفه بحث «المسح الدولي» هو أن هناك رابطا مباشرا وهاما وإيجابيا أيضا بين شعبية قنوات وسائل التواصل الاجتماعي للجامعات وعدد الطلاب الدوليين الذين تجذبهم هذه الجامعات.
ويبدو أيضا هناك دور كبير لطبيعة اللغة المستخدمة لقنوات التواصل الاجتماعي للجامعات، وطبيعة الترحيب بالطلاب الأجانب، في جذب الطلاب. إذ إن هذه القنوات قادرة على تكوين وتشكيل الكيفية التي ينظر بها الطلاب إلى الجامعات البريطانية بشكل عام.
ويتبين من نتائج «المسح الدولي» أن 84 في المائة من الطلاب الدوليين المحتملين يقولون إن حملات مثل حملتي «كلنا دوليون - #WeAreInternational» و«لندن مفتوحة - #LondonIsOpen» - بالإضافة إلى حملة عمدة لندن - تؤثر بشكل إيجابي على تصورهم عن المملكة المتحدة.

ترحيب إلكتروني
لاستقطاب الدارسين
يؤكد جيرمي كوبر في هذا المضمار، أن ترحيب الجامعات مهم جدا في عملية استقطاب الطلاب ومنحهم الشعور الإيجابي نحو الجامعة، إذ إن 31 في المائة من الطلاب الذين تم استطلاعهم يعتبرون عملية الترحيب العامل الرئيسي في اختيارهم للجامعة التي يريدون الدراسة فيها.
وعندما سأل الطلاب: ما إذا كانوا يستخدمون وسائل الاتصال الاجتماعي كجزء من عملية البحث عندما يقررون المكان الذين سيدرسون فيه، 90 في المائة من الطلاب الصينيين قالوا إنها جزء ضرورة في عملية البحث واتخاذ القرار، بينما جاء طلاب تايلاند في المرتبة الثانية بنسبة 86 في المائة ومن ثم طلاب ماليزيا بنسبة 80 في المائة وثم طلاب هونغ بنسبة 79 في المائة وبعدها طلاب الهند بنسبة 78 في المائة وثم نيجيريا بنسبة 72 في المائة وبعدها طلاب المملكة العربية السعودية بنسبة 68 في المائة وبعدها سنغافورة وكندا والولايات المتحدة الأميركية.