الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

العام الدراسي الجديد يفتح ملف التعليم من طرابلس إلى القاهرة

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج
TT

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

لا يتوقف رنين هاتف الدكتور علي الأحول، رئيس مجلس إدارة جمعية الأخوَّة الليبية الاجتماعية الثقافية بمصر. وتيرة الاتصالات تزداد مع اقتراب بداية العام الدراسي من كل سنة. فمشاكل الدارسين الليبيين في مصر كثيرة، وتتجه إلى التعقيد كلما طالت مدة انتظار مئات ألوف المهجَّرين من ليبيا إلى عديد المدن المصرية. ومن أهم المشاكل التي تواجه الطلاب الليبيين في مصر، تجديد الإقامة للدارسين وأسرهم، والبحث عن مقاعد شاغرة في المدارس والجامعات، وإيجاد الأموال اللازمة لسداد مصاريف الدراسة التي ترتفع قيمتها سنة وراء سنة.

عوائق مادية

في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، يقول الدكتور الأحول، الذي يقيم في شرق القاهرة منذ خروجه من ليبيا، بعد سقوط النظام السابق في أواخر عام 2011، حيث كان في ذلك الوقت منسقا عاما لملتقى القبائل والمدن الليبية: «اليوم نواجه معضلة كبيرة في مسيرة تعليم مئات الألوف من الطلاب الليبيين. هؤلاء يفترض أن تتاح لهم الدراسة بمصر دون رسوم؛ لأن قيمتها أصبحت كبيرة جدا، وتفوق قدرة هؤلاء الدارسين وأسرهم». ويضيف: «مصروفات الدراسة في الجامعة بآلاف الدولارات، ولا توجد إمكانية».
وفي وسط تجمع يضم عشرات عدة من الطلاب الليبيين الباحثين عن مخرج لتأمين مستقبلهم في الدراسة، يوضح الطالب محمود حسن: «لا أريد أن أقول إن ألف دولار يمكن أن تغير مسيرة حياتك. الواقع أنه يمكن فقط لمائة دولارات أن تضعك على الطريق الصحيح، أو تخرج بك إلى منعطف خطر». ويدرس محمود في الفرقة الثالثة في إحدى الجامعات الخاصة بمصر، ويحاول جمع أموال لشقيقه لاستكمال دراسته الجامعية.
ويزيد موضحا عقب اجتماع بين ممثل للطلاب الليبيين في مصر، ووزير التعليم الليبي (في حكومة فايز السراج)، عثمان عبد الجليل، إن «تأخر التحويلات المالية من ليبيا، وعدم وصول منح التعليم الخاصة بالدارسين الليبيين في مصر، تعد من القضايا التي أصبحت تهدد المسيرة التعليمية للطلاب هنا».

إهمال للمناهج

في الأعوام الثلاثة التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، كان الجدل يدور حول طرق تنقيح مناهج التعليم، وحذف ما يعتقد البعض أنه كان ذا طبيعة سياسية تتعلق بمحاباة وتمجيد النظام السابق، إلا أن الاهتمام بقضية المناهج تراجع إلى الوراء، بعد أن طفت على السطح مشاكل أكبر تتعلق بمسيرة التعليم نفسها، وقدرتها على الاستمرار في دولة يتقاسم السلطة فيها ثلاث حكومات، وقوى أخرى، وتعاني انقساما في المؤسسات، وبخاصة المؤسسة المالية المنوط بها توفير الأموال اللازمة من أجل انتظام الطلاب في الدراسة سواء داخل ليبيا أو خارجها.
وقبل أسابيع قليلة من بداية العام الدراسي المنتظر، استعرض رئيس اتحاد الطلاب الليبيين في مصر، أصيل الجويفي، هذه المعضلة مع الوزير عثمان، ضمن عديد المشاكل الأخرى التي يعانيها أبناء الليبيين، حيث يقدر عدد الأسر الليبية التي فرت من الفوضى في بلادها، إلى مدن مصرية عدة، بمئات الألوف. ولم يقتصر الاجتماع على شرح الجويفي للعراقيل التي يمر بها الدارسون بسبب نقص الأموال، وصعوبة التحويلات المالية من المصارف الليبية إلى نظيرتها في مصر، ولكن الجويفي تطرق كذلك إلى قضايا أخرى، من بينها مشكلة تجديد الإقامة بمصر.
ويقول الدكتور الأحول، إن العراقيل التي يوجهها التلاميذ والطلاب الليبيون، من الصفوف الابتدائية إلى الجامعة، تعد بمثابة كارثة. هذا له تأثير سيئ على مستقبل الليبيين. تخيل جيلا كاملا غير قادر، معظمه، على الانتظام في الدراسة... «شبابنا في سن المراهقة، والانقطاع عن الدراسة يؤدي إلى فراغ قاتل. الحقيقة المُرَّة تتلخص في أنه لم تعد توجد إمكانية للدراسة».

قضايا الإقامة

لم يتمكن الشقيق الأصغر لمحمود، ويدعى جمعة، من تقديم الأوراق التي تخول له الانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، بسبب عدم وجود أموال. ونزحت أسرة هذين الشابين من بنغازي بسبب الحرب بين الجيش والمتطرفين. واستأجرت شقة في ضاحية فيصل في غرب القاهرة. ويعمل الشابان في مقهى يديره ليبي في ضاحية الهرم القريبة، لإعالة والديهما العجوزين وشقيقتيهما.
ولأسباب محلية في القاهرة، تتعلق بنظام تحصيل الرسوم الدراسية من غير المصريين، يجد الليبيون صعوبة في توفير المقابل المالي للدراسة، ولا سيما في مدارس القطاع الخاص وجامعاته، والتي تشترط سداد آلاف الدولارات من أجل قبول الطالب للدراسة فيها. ويقول محمد، إن شقيقه جمعة لم يتمكن من تقديم أوراق نجاحه في الثانوية لجامعة من الجامعات الحكومية، الأقل كلفة، والسبب يرجع إلى أن مدة الإقامة القانونية للأسرة بأكملها، على الأراضي المصرية، انتهت منذ أكثر من عامين. ويضيف، أن أوراق الإقامة شرط من شروط التقديم. «إذا أردت تجديد الإقامة لي ولأسرتي فلا بد أن أسدد كل المتأخرات المالية للإقامة... هذا فوق طاقتنا».
ولحل مشكلة التعليم الأساسي على الأقل، تسعى سلطات طرابلس لفتح ثلاث مدارس عامة ليبية، في بعض المدن المصرية التي يكثر فيها الليبيون، حيث تقول مصادر في الحكومة إن الليبيين يتركز وجودهم في أربع مناطق بمصر، هي «مدينة نصر (شرق القاهرة)»، و«الرحاب (في القاهرة الجديدة)»، و«السادس من أكتوبر (غرب العاصمة)»، و«الإسكندرية (في شمال غربي البلاد)».

مدارس ليبية في مصر

الهدف من تخصيص مدارس ليبية عامة في مصر، هو محاولة استيعاب الأعداد المتزايدة من الدارسين، بدلا من اعتمادهم على المدارس الخاصة باهظة التكاليف، والتي تبدأ مصاريف الدراسة في بعضها، للطالب الواحد، إلى نحو 2600 دولار وتزيد إلى نحو 7000 دولار في السنة. ويقول أحد أولياء الأمور وهو ينتظر دوره لتقديم أوراق ابنه في مدرسة مصرية خاصة تتعامل مع الطلاب الليبيين: «في الحقيقة، وحتى وقت قريب، كانت المصاريف الدراسة لا تزيد على ألفي دولار في السنة، وتشمل المواصلات وثمن الزي المدرسي الموحد، لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكانت وقتها تعد مبالغ كبيرة، إلا أنها زادت أخيرا لتصل في بعض المدارس الخاصة إلى نحو سبعة آلاف دولار».
وقامت سلطات طرابلس أيضا بتوجيه البعثة الدبلوماسية الليبية في القاهرة لحل مشاكل أخرى، من بينها تجديد جوازات السفر مجاناً، وتحصيل تأشيرات الدخول لمصر، وتصريح بالإقامة للمهجرَّين والنازحين. وأكثر الدارسين الليبيين هم في مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية.
ولأسباب يعود معظمها إلى تعدد ولاءات أفراد البعثة الدبلوماسية للحكومات الليبية المنقسمة على نفسها، زادت الصعوبات هذه الأيام، أكثر من السابق، بشأن تنظيم عملية الدراسة لليبيين في مصر. ولم يتمكن فرع من فروع إحدى المدارس الليبية الخاصة من استقبال أكثر من ألف طالب وطالبة، واضطر الفرع إلى فتح باب الانتساب، أي الدراسة من المنزل، وبمصاريف أيضا، وإن كانت بمصاريف أقل... وفي إحدى المرات حدثت انفراجة للطلاب حين قرر الجانب الدبلوماسي الليبي الموالي لمجلس النواب في القاهرة سداد مستحقات الدارسين ومديونياتهم في مصر، لكن مثل هذا الإجراء لا يتكرر كثيرا، ثم إنه غير مضمون.

تباينات في المواد المدرسة

في أول عام دراسي عقب سقوط نظام القذافي، كان الجدل يدور حول تعديل المناهج، وحذف كل ما يشير إلى العهد السابق، وبخاصة مناهج التاريخ والأدب. لكن يبدو أن هذا الموضوع عاد إلى ذيل الاهتمامات، مقارنة بالمشاكل التي أصبحت تهدد منظومة التعليم ككل. ومع ذلك، ما زال يمكن سماع أصوات ترفض الزج، في الكتب الدراسية، باسم ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت القذافي. ويمكن ملاحظة أن بعض الكتب لم تعد تتطرق إلى ثورة 2011؛ لما تسببت فيه من فوضى شردت ألوف الليبيين وحرمتهم من كثير المميزات، وبخاصة انتظام التعليم.
وحرصت بعض مقدمات الكتب الدراسية، في الفترة الأخيرة، على حصر موضوع المقدمة عن منهج الكتاب، دون خوض في الشعارات السياسية، على عكس ما كان يحدث في عامي 2011 و2012، وتقول مقدمة كتاب الأدب للصفوف الثانوية: «هذا كتاب صنفناه في البلاغة والأدب والنصوص، في العصرين العباسي والأندلسي، نقدمه بين أيدي إخواننا المعلمين، وأبنائنا الطلبة، حاولنا من خلاله التعريف ببعض المصطلحات البلاغية، والأساليب الأدبية الرفيعة؛ رغبة منا في أن يدرك الطلاب محاسن العربية، ويلمحوا ما في أساليبها من جلال وجمال، وأن يتدبروا من أفانين القول وضروب التعبير؛ ما يهب لهم نعمة الذوق الرفيع».
بينما هناك كتب دراسية ما زالت تحرص على الإشارة إلى «ثورة فبراير»، ما يسببه ذلك من غضب لدى أنصار النظام السابق، ومنها ما ورد في مقدمة كتاب الأحياء للصف الثالث الثانوي، والتي جاء فيها أن ثورة 17 فبراير «وجَّهت في أكثر من مناسبة بتطوير المناهج التعليمية والخروج بها من كهوف الجبرية والتلقين، إلى فضاءات التفكير والاستقراء والاكتشاف». ويقول والد أحد طلاب الصف الثاني الثانوي الذي يدرس في جامعة خاصة في مدينة نصر، ويعد من أنصار نظام القذافي: التعلم، تعليم... لا نريد خلط هذه العملية بالسياسة.
ويحاول القائمون على التعليم، ورغم الإمكانات الضعيفة، الالتفات إلى متغيرات مهمة، على رأسها الإرهاب والتطرف، الذي اكتوى منه الليبيون خلال السنوات الأخيرة. ولهذا يسعى المطورون وفقا لمصادر حكومية إلى إضافة مواد دراسية في المناهج من شأنها مواجهة الفكر المتشدد، والاستفادة من الإنترنت في نشر الدراسة عبر الفضاء الإلكتروني.

عزوف عن مقاعد الدراسة

وفقاً لشهادات من أولياء أمور تلاميذ وطلاب ليبيين، فإن هناك ألوف الأطفال لم يتمكنوا من الانتظام في الدراسة منذ عام 2011 حتى اليوم. ومنهم من كان في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، ولم يكملوا الدراسة طوال السنوات الست الأخيرة. وأصبح الدارسون الليبيون بين نيران الفوضى في الداخل ونقص الأموال والإمكانات في الخارج. ففي الداخل الليبي وصل عدد المدارس المتضررة من الاقتتال الأهلي إلى نحو 4 آلاف مدرسة، وفي الخارج لا توجد أموال تكفي للعملية التعليمية.
ومن المعروف أن المدارس الحكومية المصرية لا تقبل الدارسين الأجانب في التعليم الأساسي إلا وفقا لشروط صارمة لا تتوفر لدى غالبية الليبيين. أما بالنسبة للدراسة الجامعية، فإن أكثر الجهات تيسيرا على الطلاب الليبيين هي جامعة الأزهر، حيث تكتفي بتحصيل رسوم رمزية من الدارسين، إلا أن غالبية الليبيين لا يفضلون الدراسة في الأزهر، ويبحثون عن جامعات للتخصص في دراسة البترول أو القانون أو الاقتصاد والعلوم السياسية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند
TT

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

ارتفع عدد الطلاب الأجانب بالتعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي بنسبة 3.4 في المائة؛ أي نحو مليون طالب، وبزيادة تصل إلى 35 ألف طالب عن عام 2016، والذين جاءوا إلى الولايات المتحدة الأميركية على تأشيرات الطلاب غير المهاجرين.
وحسب تقرير مؤسسة «الأبواب المفتوحة (أوبن دورز)» الذي نشر في آخر 2017، فإن الزيادة في عدد الطلاب تأتي للمرة السابعة، وإن عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في كليات وجامعات أميركا ارتفع بنسبة 85 في المائة منذ 10 سنوات.
تم نشر تقرير «الأبواب المفتوحة» عن التبادل التعليمي الدولي، من قبل معهد التعليم الدولي الذي يعد من أهم منظمات التبادل الثقافي الرائدة في الولايات المتحدة. وقد «أجرى معهد التعليم الدولي إحصاءات سنوية عن الجامعات حول الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة منذ عام 1919، وبدعم من مكتب الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية منذ أوائل السبعينات. ويستند التعداد إلى استطلاع شمل نحو 3 آلاف من المؤسسات التعليمية المرموقة في الولايات المتحدة».
وحسب التقرير المفصل، فإن هذا العدد من الطلاب الأجانب لا يشكل إلا 5 في المائة من عدد الطلاب الذين يدرسون في قطاع التعليم العالي بالكليات والجامعات الأميركية، حيث يصل مجمل العدد حسب التقرير إلى 20 مليون طالب؛ أي بارتفاع بنسبة تتراوح بين 3 و4 في المائة عن عام 2007. ويعود سبب الارتفاع إلى ازدياد عدد الطلاب الأجانب وتراجع عدد الطلاب الأميركيين في البلاد منذ أن سجل عدد الطلاب الأميركيين أعلى معدل في عامي 2012 و2013.
وحول أصول الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأميركية، فقد ذكر التقرير أنه للسنة الثالثة على التوالي كان أكبر نمو في عدد الطلاب من الهند، وعلى مستوى الدراسات العليا في المقام الأول وعلى مستوى التدريب العملي الاختياري (أوبت). ومع هذا، لا تزال الصين أكبر دولة من ناحية إرسال الطلاب الأجانب، حيث يبلغ عدد الطلاب في الولايات المتحدة نحو ضعف عدد الطلاب الهنود. لكن ما يؤكد عليه التقرير هو النمو في عدد الطلاب الآتين من الهند.
ومن هنا أيضا فقد وجد التقرير أن 50 في المائة من إجمالي الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة من دولتي الصين والهند.
ووصلت نسبة التراجع لدى الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة إلى 14.2 في المائة، ويعود ذلك، حسب التقرير، إلى حد كبير للتغييرات في برنامج المنح الدراسية للحكومة السعودية الذي يقترب الآن من عامه الرابع عشر.
التراجع الملحوظ في عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، كان من اليابان والمملكة المتحدة وتركيا، وبنسبة أقل من اثنين في المائة لكل من هذه الدول. وإضافة إلى كوريا الجنوبية، فقد انخفض عدد طلاب هونغ كونغ بنسبة 4.7 في المائة. وكانت أكبر نسبة انخفاض بين الطلاب الأجانب من البرازيل، حيث وصلت نسبة الانخفاض إلى 32.4 في المائة. ويعود ذلك أيضا إلى نهاية البرامج الحكومية البرازيلية التي تساعد الطلاب الذين يدرسون في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة.
وحول أسباب التراجع في عدد طلاب هذه الدول بشكل عام، يقول تقرير «أوبن دورز» إنه من المرجح أن تشمل عوامل التراجع مزيجا من العوامل الاقتصادية العالمية والمحلية في هذه الدول؛ «وفي بعض الحالات توسع فرص التعليم العالي في داخل هذه الدول وتراجع عدد السكان».
ويكشف التقرير الأخير أن 25 من أفضل الجامعات الأميركية و10 ولايات أميركية يستقبلون أكبر عدد من الطلاب الأجانب السنة الماضية. وكان على رأس المستقبلين كما هو متوقع ولاية كاليفورنيا، تبعتها ولاية نيويورك، وولاية تكساس في المرتبة الثالثة، وماساتشوستس في المرتبة الرابعة.
ويتضح من التقرير أن 22.4 من مجمل الطلاب الأجانب الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة الأميركية، جاءوا إلى الجامعات الـ25 الأولى في ترتيب الجامعات التي استقبلت الطلاب الأجانب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وحسب غرفة التجارة الأميركية، فإن لارتفاع عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي؛ إذ ارتفع ما يقدمه هؤلاء الطلاب إلى الاقتصاد الأميركي من 35 مليار دولار إلى 39 مليار دولار العام الماضي. ويبدو أن سبب الارتفاع يعود إلى أن ثلثي الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة يتلقون تمويلهم من الخارج، أي من حكوماتهم وعائلاتهم وحساباتهم الشخصية. ولا تتوقف منفعة الطلاب الأجانب على الاقتصاد؛ بل تتعداه إلى المنافع العلمية والبحثية والتقنية.
وحول الطلاب الأميركيين في الخارج، يقول التقرير إنه رغم التراجع الطفيف في السنوات القليلة الماضية، فإن عدد هؤلاء الطلاب تضاعف 3 مرات خلال عقدين. ووصلت نسبة الارتفاع إلى 46 في المائة خلال العقد الماضي. كما أن عدد هؤلاء الطلاب في الخارج وصل إلى 325.339 ألف طالب لعامي 2015 و2016.
ويبدو أن معظم الطلاب الأميركيين يرغبون بدراسة العلوم والهندسة والرياضيات في الخارج وتصل نسبة هؤلاء الطلاب إلى 25.2 في المائة من إجمالي عدد الطلاب. وبعد ذلك يفضل 20.9 في المائة من هؤلاء الطلاب دراسة إدارة الأعمال والعلوم الاجتماعية.
ولا تزال الدول الأوروبية المحطة الرئيسية للطلاب الأميركيين في الخارج، وقد ارتفع عدد هؤلاء الطلاب بنسبة 3.5 في المائة عامي 2015 و2016. وتأتي على رأس لائحة الدول المفضلة للطلاب الأميركيين بريطانيا، تليها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا التي احتلت المركز الخامس بدلا من الصين العامين الماضيين. كما ارتفع عدد الطلاب الأميركيين في الفترة نفسها في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والدنمارك وتشيكيا ونيوزيلندا وكوبا وهولندا. ولاحظ التقرير أيضا ارتفاعا في عدد الطلاب الأميركيين الذين يذهبون إلى دول الكاريبي ودول أميركا اللاتينية للدراسة الجامعية.
ووصلت نسبة الارتفاع في هذه الدول إلى 5.6 في المائة، ووصل عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في دول الكاريبي ودول أميركا اللاتينية إلى 53.105 ألف طالب.
لكن أهم نسب الارتفاع على عدد الطلاب الأميركيين في الخارج كما جاء في التقرير، كانت في اليابان التي سجلت نسبة ارتفاع قدرها 18 في المائة، وكوريا الجنوبية بنسبة 3 في المائة.
ورغم هذه الارتفاعات في كثير من الدول، خصوصا الدول الأوروبية، فإن هناك تراجعات في عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في بعض البلدان كما يشير التقرير الأخير، ومن هذه الدول كما يبدو الصين التي تراجع عدد الطلاب الأميركيين فيها بنسبة 8.6 في المائة، أما نسبة التراجع في فرنسا فقد وصلت إلى 5.4 في المائة، حيث وصل عدد الطلاب إلى 17.215 ألف طالب، وسجلت البرازيل نسبة كبيرة من التراجع في عدد الطلاب الأميركيين الذين يأتون إليها، ووصلت نسبة هذا التراجع إلى 11.4 في المائة، ووصل عدد الطلاب إلى 3.400 ألف طالب. أما الهند فقد تراجع عدد الطلاب الأميركيين فيها خلال العامين الماضيين بنسبة 5.8 في المائة، ووصلت هذه النسبة إلى واحد في المائة في اليونان التي عادة ما تستقطب الطلاب المهتمين بالميثولوجيا اليونانية والراغبين بدراسة اللغة اليونانية نفسها.
مهما يكن، فإن عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في الخارج لا يزيدون بشكل عام على 10 في المائة من مجمل عدد الطلاب الأميركيين الباحثين عن جامعة جيدة لإنهاء تحصيلهم العلمي قبل دخول عالم العمل والوظيفة.