الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

العام الدراسي الجديد يفتح ملف التعليم من طرابلس إلى القاهرة

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج
TT

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

الطلاب الليبيون في مصر... بين نقص الأموال وتعديل المناهج

لا يتوقف رنين هاتف الدكتور علي الأحول، رئيس مجلس إدارة جمعية الأخوَّة الليبية الاجتماعية الثقافية بمصر. وتيرة الاتصالات تزداد مع اقتراب بداية العام الدراسي من كل سنة. فمشاكل الدارسين الليبيين في مصر كثيرة، وتتجه إلى التعقيد كلما طالت مدة انتظار مئات ألوف المهجَّرين من ليبيا إلى عديد المدن المصرية. ومن أهم المشاكل التي تواجه الطلاب الليبيين في مصر، تجديد الإقامة للدارسين وأسرهم، والبحث عن مقاعد شاغرة في المدارس والجامعات، وإيجاد الأموال اللازمة لسداد مصاريف الدراسة التي ترتفع قيمتها سنة وراء سنة.

عوائق مادية

في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، يقول الدكتور الأحول، الذي يقيم في شرق القاهرة منذ خروجه من ليبيا، بعد سقوط النظام السابق في أواخر عام 2011، حيث كان في ذلك الوقت منسقا عاما لملتقى القبائل والمدن الليبية: «اليوم نواجه معضلة كبيرة في مسيرة تعليم مئات الألوف من الطلاب الليبيين. هؤلاء يفترض أن تتاح لهم الدراسة بمصر دون رسوم؛ لأن قيمتها أصبحت كبيرة جدا، وتفوق قدرة هؤلاء الدارسين وأسرهم». ويضيف: «مصروفات الدراسة في الجامعة بآلاف الدولارات، ولا توجد إمكانية».
وفي وسط تجمع يضم عشرات عدة من الطلاب الليبيين الباحثين عن مخرج لتأمين مستقبلهم في الدراسة، يوضح الطالب محمود حسن: «لا أريد أن أقول إن ألف دولار يمكن أن تغير مسيرة حياتك. الواقع أنه يمكن فقط لمائة دولارات أن تضعك على الطريق الصحيح، أو تخرج بك إلى منعطف خطر». ويدرس محمود في الفرقة الثالثة في إحدى الجامعات الخاصة بمصر، ويحاول جمع أموال لشقيقه لاستكمال دراسته الجامعية.
ويزيد موضحا عقب اجتماع بين ممثل للطلاب الليبيين في مصر، ووزير التعليم الليبي (في حكومة فايز السراج)، عثمان عبد الجليل، إن «تأخر التحويلات المالية من ليبيا، وعدم وصول منح التعليم الخاصة بالدارسين الليبيين في مصر، تعد من القضايا التي أصبحت تهدد المسيرة التعليمية للطلاب هنا».

إهمال للمناهج

في الأعوام الثلاثة التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، كان الجدل يدور حول طرق تنقيح مناهج التعليم، وحذف ما يعتقد البعض أنه كان ذا طبيعة سياسية تتعلق بمحاباة وتمجيد النظام السابق، إلا أن الاهتمام بقضية المناهج تراجع إلى الوراء، بعد أن طفت على السطح مشاكل أكبر تتعلق بمسيرة التعليم نفسها، وقدرتها على الاستمرار في دولة يتقاسم السلطة فيها ثلاث حكومات، وقوى أخرى، وتعاني انقساما في المؤسسات، وبخاصة المؤسسة المالية المنوط بها توفير الأموال اللازمة من أجل انتظام الطلاب في الدراسة سواء داخل ليبيا أو خارجها.
وقبل أسابيع قليلة من بداية العام الدراسي المنتظر، استعرض رئيس اتحاد الطلاب الليبيين في مصر، أصيل الجويفي، هذه المعضلة مع الوزير عثمان، ضمن عديد المشاكل الأخرى التي يعانيها أبناء الليبيين، حيث يقدر عدد الأسر الليبية التي فرت من الفوضى في بلادها، إلى مدن مصرية عدة، بمئات الألوف. ولم يقتصر الاجتماع على شرح الجويفي للعراقيل التي يمر بها الدارسون بسبب نقص الأموال، وصعوبة التحويلات المالية من المصارف الليبية إلى نظيرتها في مصر، ولكن الجويفي تطرق كذلك إلى قضايا أخرى، من بينها مشكلة تجديد الإقامة بمصر.
ويقول الدكتور الأحول، إن العراقيل التي يوجهها التلاميذ والطلاب الليبيون، من الصفوف الابتدائية إلى الجامعة، تعد بمثابة كارثة. هذا له تأثير سيئ على مستقبل الليبيين. تخيل جيلا كاملا غير قادر، معظمه، على الانتظام في الدراسة... «شبابنا في سن المراهقة، والانقطاع عن الدراسة يؤدي إلى فراغ قاتل. الحقيقة المُرَّة تتلخص في أنه لم تعد توجد إمكانية للدراسة».

قضايا الإقامة

لم يتمكن الشقيق الأصغر لمحمود، ويدعى جمعة، من تقديم الأوراق التي تخول له الانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، بسبب عدم وجود أموال. ونزحت أسرة هذين الشابين من بنغازي بسبب الحرب بين الجيش والمتطرفين. واستأجرت شقة في ضاحية فيصل في غرب القاهرة. ويعمل الشابان في مقهى يديره ليبي في ضاحية الهرم القريبة، لإعالة والديهما العجوزين وشقيقتيهما.
ولأسباب محلية في القاهرة، تتعلق بنظام تحصيل الرسوم الدراسية من غير المصريين، يجد الليبيون صعوبة في توفير المقابل المالي للدراسة، ولا سيما في مدارس القطاع الخاص وجامعاته، والتي تشترط سداد آلاف الدولارات من أجل قبول الطالب للدراسة فيها. ويقول محمد، إن شقيقه جمعة لم يتمكن من تقديم أوراق نجاحه في الثانوية لجامعة من الجامعات الحكومية، الأقل كلفة، والسبب يرجع إلى أن مدة الإقامة القانونية للأسرة بأكملها، على الأراضي المصرية، انتهت منذ أكثر من عامين. ويضيف، أن أوراق الإقامة شرط من شروط التقديم. «إذا أردت تجديد الإقامة لي ولأسرتي فلا بد أن أسدد كل المتأخرات المالية للإقامة... هذا فوق طاقتنا».
ولحل مشكلة التعليم الأساسي على الأقل، تسعى سلطات طرابلس لفتح ثلاث مدارس عامة ليبية، في بعض المدن المصرية التي يكثر فيها الليبيون، حيث تقول مصادر في الحكومة إن الليبيين يتركز وجودهم في أربع مناطق بمصر، هي «مدينة نصر (شرق القاهرة)»، و«الرحاب (في القاهرة الجديدة)»، و«السادس من أكتوبر (غرب العاصمة)»، و«الإسكندرية (في شمال غربي البلاد)».

مدارس ليبية في مصر

الهدف من تخصيص مدارس ليبية عامة في مصر، هو محاولة استيعاب الأعداد المتزايدة من الدارسين، بدلا من اعتمادهم على المدارس الخاصة باهظة التكاليف، والتي تبدأ مصاريف الدراسة في بعضها، للطالب الواحد، إلى نحو 2600 دولار وتزيد إلى نحو 7000 دولار في السنة. ويقول أحد أولياء الأمور وهو ينتظر دوره لتقديم أوراق ابنه في مدرسة مصرية خاصة تتعامل مع الطلاب الليبيين: «في الحقيقة، وحتى وقت قريب، كانت المصاريف الدراسة لا تزيد على ألفي دولار في السنة، وتشمل المواصلات وثمن الزي المدرسي الموحد، لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكانت وقتها تعد مبالغ كبيرة، إلا أنها زادت أخيرا لتصل في بعض المدارس الخاصة إلى نحو سبعة آلاف دولار».
وقامت سلطات طرابلس أيضا بتوجيه البعثة الدبلوماسية الليبية في القاهرة لحل مشاكل أخرى، من بينها تجديد جوازات السفر مجاناً، وتحصيل تأشيرات الدخول لمصر، وتصريح بالإقامة للمهجرَّين والنازحين. وأكثر الدارسين الليبيين هم في مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية.
ولأسباب يعود معظمها إلى تعدد ولاءات أفراد البعثة الدبلوماسية للحكومات الليبية المنقسمة على نفسها، زادت الصعوبات هذه الأيام، أكثر من السابق، بشأن تنظيم عملية الدراسة لليبيين في مصر. ولم يتمكن فرع من فروع إحدى المدارس الليبية الخاصة من استقبال أكثر من ألف طالب وطالبة، واضطر الفرع إلى فتح باب الانتساب، أي الدراسة من المنزل، وبمصاريف أيضا، وإن كانت بمصاريف أقل... وفي إحدى المرات حدثت انفراجة للطلاب حين قرر الجانب الدبلوماسي الليبي الموالي لمجلس النواب في القاهرة سداد مستحقات الدارسين ومديونياتهم في مصر، لكن مثل هذا الإجراء لا يتكرر كثيرا، ثم إنه غير مضمون.

تباينات في المواد المدرسة

في أول عام دراسي عقب سقوط نظام القذافي، كان الجدل يدور حول تعديل المناهج، وحذف كل ما يشير إلى العهد السابق، وبخاصة مناهج التاريخ والأدب. لكن يبدو أن هذا الموضوع عاد إلى ذيل الاهتمامات، مقارنة بالمشاكل التي أصبحت تهدد منظومة التعليم ككل. ومع ذلك، ما زال يمكن سماع أصوات ترفض الزج، في الكتب الدراسية، باسم ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت القذافي. ويمكن ملاحظة أن بعض الكتب لم تعد تتطرق إلى ثورة 2011؛ لما تسببت فيه من فوضى شردت ألوف الليبيين وحرمتهم من كثير المميزات، وبخاصة انتظام التعليم.
وحرصت بعض مقدمات الكتب الدراسية، في الفترة الأخيرة، على حصر موضوع المقدمة عن منهج الكتاب، دون خوض في الشعارات السياسية، على عكس ما كان يحدث في عامي 2011 و2012، وتقول مقدمة كتاب الأدب للصفوف الثانوية: «هذا كتاب صنفناه في البلاغة والأدب والنصوص، في العصرين العباسي والأندلسي، نقدمه بين أيدي إخواننا المعلمين، وأبنائنا الطلبة، حاولنا من خلاله التعريف ببعض المصطلحات البلاغية، والأساليب الأدبية الرفيعة؛ رغبة منا في أن يدرك الطلاب محاسن العربية، ويلمحوا ما في أساليبها من جلال وجمال، وأن يتدبروا من أفانين القول وضروب التعبير؛ ما يهب لهم نعمة الذوق الرفيع».
بينما هناك كتب دراسية ما زالت تحرص على الإشارة إلى «ثورة فبراير»، ما يسببه ذلك من غضب لدى أنصار النظام السابق، ومنها ما ورد في مقدمة كتاب الأحياء للصف الثالث الثانوي، والتي جاء فيها أن ثورة 17 فبراير «وجَّهت في أكثر من مناسبة بتطوير المناهج التعليمية والخروج بها من كهوف الجبرية والتلقين، إلى فضاءات التفكير والاستقراء والاكتشاف». ويقول والد أحد طلاب الصف الثاني الثانوي الذي يدرس في جامعة خاصة في مدينة نصر، ويعد من أنصار نظام القذافي: التعلم، تعليم... لا نريد خلط هذه العملية بالسياسة.
ويحاول القائمون على التعليم، ورغم الإمكانات الضعيفة، الالتفات إلى متغيرات مهمة، على رأسها الإرهاب والتطرف، الذي اكتوى منه الليبيون خلال السنوات الأخيرة. ولهذا يسعى المطورون وفقا لمصادر حكومية إلى إضافة مواد دراسية في المناهج من شأنها مواجهة الفكر المتشدد، والاستفادة من الإنترنت في نشر الدراسة عبر الفضاء الإلكتروني.

عزوف عن مقاعد الدراسة

وفقاً لشهادات من أولياء أمور تلاميذ وطلاب ليبيين، فإن هناك ألوف الأطفال لم يتمكنوا من الانتظام في الدراسة منذ عام 2011 حتى اليوم. ومنهم من كان في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، ولم يكملوا الدراسة طوال السنوات الست الأخيرة. وأصبح الدارسون الليبيون بين نيران الفوضى في الداخل ونقص الأموال والإمكانات في الخارج. ففي الداخل الليبي وصل عدد المدارس المتضررة من الاقتتال الأهلي إلى نحو 4 آلاف مدرسة، وفي الخارج لا توجد أموال تكفي للعملية التعليمية.
ومن المعروف أن المدارس الحكومية المصرية لا تقبل الدارسين الأجانب في التعليم الأساسي إلا وفقا لشروط صارمة لا تتوفر لدى غالبية الليبيين. أما بالنسبة للدراسة الجامعية، فإن أكثر الجهات تيسيرا على الطلاب الليبيين هي جامعة الأزهر، حيث تكتفي بتحصيل رسوم رمزية من الدارسين، إلا أن غالبية الليبيين لا يفضلون الدراسة في الأزهر، ويبحثون عن جامعات للتخصص في دراسة البترول أو القانون أو الاقتصاد والعلوم السياسية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).