لإنقاذ العربية عودوا إلى الكتاتيب أو تصالحوا مع العامية

باحثة تدعو إلى تحفيظ القرآن وألفية ابن مالك قبل بلوغ السادسة

سهير السكري - هنادا طه - د.بلال عبد الهادي
سهير السكري - هنادا طه - د.بلال عبد الهادي
TT

لإنقاذ العربية عودوا إلى الكتاتيب أو تصالحوا مع العامية

سهير السكري - هنادا طه - د.بلال عبد الهادي
سهير السكري - هنادا طه - د.بلال عبد الهادي

طرح مثير للجدل تقترحه الدكتورة المصرية سهير السكري كحل لإنقاذ اللغة العربية من التدهور، يناقض الطروحات الحديثة، ويعيدنا إلى زمن «الكتّاب» مع تعديلات طفيفة، مما يفتح سجالاً واسعاً، حول إذا ما كان وضع اللغة المتردي والذي يزداد سوءاً في المدارس، يمكنه أن يرجعنا إلى أكثر الأساليب كلاسيكية. وهو ما ترفضه د. السكري معتبرة أنها تعتمد على دراسات علمية، وعلى معارفها كأستاذة لغويات، وكخريجة لجامعة «جورج تاون».
وتتلخص طريقة د. السكري في نقاط محددة وواضحة، وهي تعليم إلزامي يبدأ من سن الثالثة ويتركز حتى السادسة على الحفظ والتغييب والتكرار لآيات مختارة من القرآن الكريم بالتجويد المصري الذي به إيقاع موسيقي، ولجميع الأطفال بصرف النظر عن أديانهم، ولا يسمح وفق هذه الطريقة للمحفّظ، بتقديم أي شرح أو تفسير للأطفال. وهو في رأيها ما يساعد على بناء النطق السليم وإتقان مخارج الألفاظ وتعلم المفردات والتراكيب. كما يتم تحفيظ أبيات من ألفية ابن مالك عبر أغنيات وبنغمات سهلة لمعرفة قواعد اللغة العربية معرفة تامة. وبدءاً من سن الخامسة حتى السادسة يتم تعليم الكتابة. وفي رأيها أن هذا يقضي على الأمية بشكل كامل ويوفر الميزانيات التي باتت تهدر دون طائل.
وترفض الدكتورة السكري الاتهامات الموجهة إلى طريقتها بأنها قديمة، وعفى عليه الزمن وتقول في حديث لنا معها: «دعوا الطفل يتعلم هذا حتى سن السادسة. وكي لا يقال عن طريقتي أنها قديمة يمكن في هذه الفترة أن نعلم الطفل الإنجليزية والفرنسية وأي لغة نريدها وصولاً إلى ست لغات مختلفة وفي وقت واحد، ولا ضير في ذلك. وبعد أن يتم التلميذ السادسة اعملوا ما تشاءون، لأنه يكون قد اكتسب ما هو بحاجة إليه». وتوضح: «أنا لا أريد تغيير المناهج وإنما استباقها في الفترة التي يكون فيها الطفل مهيأ لتعلم اللغة وامتصاصها بتلقائية».
عادت الدكتورة السكري إلى مصر، وهي تسعى للترويج لطريقتها وتقوم بتطبيقها حالياً على 700 مدرسة من مدارس «مؤسسة مصر الخير» وتطمح لأن تتبنى وزارة التربية فكرتها، فما هو حظها من النجاح وأي مغامرة يمكن أن تؤدي إليها هذه التجربة، خاصة وأن آراء الاختصاصيين متباينة جداً، ليس فقط حول فكرة الحفظ غيباً التي تتناقض مع النظريات التربوية المطبقة حالياً، وإنما أيضاً حول الفصل التام بين الفصحى والعامية حيث تعتبر د. سكري أن هناك «طلاقاً رسمياً» بينهما، وأن الطفل العربي يعاني من مرض «الازدواجية اللغوية»، حسب تعبيرها. فإن تقول «إرم الورقة في الزبالة» بالعامية المصرية تختلف عن الفصحى «إرم الورقة في الزبالة» لأنها تعني هنا كوماً من الزبالة وليس سلة مهملات كما تشرح لنا، غير آخذة بعين الاعتبار، أن المفردة يمكن أن تعبر عن جزء من كل، في بعض الأحيان.
تختلف الدكتورة هنادا طه، أستاذة كرسي الأدب العربي، في «جامعة زايد» في الإمارات، وخبيرة تربوية وهي أيضاً خريجة جامعات أميركية مع د. السكري في التشخيص والعلاج. وتقول: «لم أقرأ أي بحث علمي يتوافق مع ما تطرحه، ولا أجد له أي سند في الدراسات الحديثة. ليس هناك أي بحث يقول إن الإنسان يكتسب مفردة وتبقى في الذاكرة لأمد طويل بمجرد الحفظ، ودون أن ترتبط بمعنى. أشعر أن ثمة تناقضاً بين المشكلة والحل المطروح. أعتقد أن تجريب هذا النهج في 700 مدرسة دفعة واحدة، هي مخاطرة كبيرة. ثمة عوامل كثيرة ستلعب دورها، وما يجب أن يقاس لدى الأطفال هو فقط نتائج تحفيظ القرآن والألفية، لأن هذا الطرح وحده هو الذي سيكسب قلوب الناس وليس عقولهم».
كما يعترض الدكتور بلال عبد الهادي، أستاذ الألسنية في «الجامعة اللبنانية» على الفصل الحاد بين العامية والفصحى عند د. السكري، بحيث إنها تعتبر الطفل العربي يدخل المدرسة بزاد من المفردات لا يتجاوز «3 آلاف كلمة تحتوى عليها مفردات اللغة العامية. أمّا حصيلته من اللغة الفصحى، أي اللغة التي سيستخدمها في القراءة والكتابة بعد سن السادسة، فتكاد تكون صفراً».
ويقول د. عبد الهادي: «ثمة للأسف خطأ شائع يقوم على تحقير العامية، وهذا يسيء إلى الفصحى ويشوش على الطفل علاقته بلغته. نحن نعتبر العامية فاسدة، وعاجزة وهذا غير صحيح». ويرى ضرورة البناء على الجسور التي تربط بين الفصحى والعامية، عند دخول الطفل إلى المدرسة بدل اعتبارها غير موجودة ويضيف: «علينا أن ننطلق من مسلمات جديدة، لا من تصورات لا سند لها في الواقع. الطفل عندنا، يعيش مع لغة عربية عامية وقليل من الفصحى. هذا القليل يتسرب إلى ذاكرته من وسائل الإعلام، ويأتيه أيضاً، من عاميته نفسها، من خلال وجود كلمات فصيحة فيها مثال كلمات (سبيل)، (طفل)، (ولد)، (بنت). هذه المفردات لا تتغير في الفصحى ومثلها الكثير. وأجد أنه يمكننا إدخال التلامذة إلى عالم العربية من خلال هذه الكلمات الموجودة في عاميتهم. وهذا يحتاج إلى جهد جماعي يقوم على جمع كل هذه الألفاظ وتركيب نصوص لحمته وسداه من هذه المفردات. وعلينا أن نرصد تأثير ذلك عند الطفل، حيث سينتابه الفرح لأنه لن يشعر بالغربة في انتقاله إلى الفصحى، بل سيجدها مألوفة وقريبة إلى قلبه ولسانه. وحين أتكلم عن الفصحى في العاميات، فهذا يعني أيضاً أن لكل لهجة مفردات مختلفة، ويتوجب العمل على مختلف العاميات». ويضيف عبد الهادي: «وفي اللهجة العامية تراكيب جزء كبير منها موجود في الفصحى. في حال تم التركيز عند الأطفال على التراكيب المشتركة نكون قد بنينا جسراً للصغير يسمح له باللعب بهذه الفصحى تماماً كما يفعل بالعامية. أما سلخ الطفل عن رصيده اللغوي القوي والانطلاق إلى الفصحى باعتبار أنه لا يملك شيئاً هو نوع من الهدر المعرفي».
وهو رأي يشابه ما تقول به د. هنادا طه، إذا ترى أن قول د. السكري بأن الناطقين الأصليين باللغة الإنجليزية يدخلون المدرسة وفي جعبتهم بين 16 و25 ألف كلمة، يستطيعون استخدامها فوراً فيما الطفل العربي يدخل وفي جعبته صفر، هذا أمر غير مثبت لأسباب كثيرة، والأبحاث كثيرة حول الموضوع». وتضيف بالقول: «المستوى الاجتماعي للأهل يلعب دوراً كبيراً. الأطفال الغربيون أحياناً، قد يدخلون المدرسة وليس في جعبتهم عدد كبير من المفردات بسبب تدني المستوى الثقافي للعائلة. هذا أمر مرتبط بالغنى والفقر. فابن عائلة متعلمة تكون خلفياته أغنى من المتحدر من والدين بسطاء. الأمر مشابه في مجتمعاتنا. لكن ثمة ظاهرة مختلفة عند العرب هي أن العائلات الميسورة لا تتحدث مع أولادها العربية وثمة تأثير للخدم الذين يوكل لهم الأولاد، لذلك فهم يذهبون إلى المدرسة كأبناء الفقراء في شح معرفتهم اللغوية». وتستدرك د. طه: «المستوى الأفضل للأطفال عندنا هو للذين يتحدرون من طبقة متوسطة ولوالدين متعلمين، ويدركون أهمية قضاء وقت مع الأولاد، والتحدث معهم لإغناء معرفتهم اللغوية».
تتحدث د. السكري عن نظرية علمية لا يبدو أنها تقنع آخرين من الاختصاصيين وتعتبر أن «الطفل يولد وثلث دماغه خلايا وراثية أما الثلثان الآخران فينتظران الامتلاء. وهي فترة نمو محمومة وجنونية تريد الاستفادة منها، وتسميها فترة التعليم التلقائي، وهي التي يجب اغتنامها. وتتحدث أيضاً عن الشق الأيمن من الدماغ الذي هو معني بالعواطف والمشاعر الذي يتعاطى مع الموسيقى والذي يجب الاستفادة منه في هذه الفترة، فيما الشق الأيسر يكون مشحوناً بالمعلومات. وترى أن بعض الآيات مثل «إن الله غفور رحيم»، كما «كان الله غفوراً رحيماً» هي تراكيب ستبقى في ذهن الطفل حين يغيبها لمدة 10 دقائق ثم يترك ليستريح ويعاود الحفظ.
د. هنادا طه تسأل: «هل هناك في الغرب من يحفّظ التلامذة جزءاً من الإنجيل أو الإلياذة على سبيل المثال. هذا أمر لا يمكن أن يحدث أبداً. كل ما يكتسبونه هي مفردات لها علاقة بالتواصل»، وتستدرك: «ليس من ثلاث سنوات بل من صفر إلى أن يدخل الطفل إلى المدرسة أي خمس سنوات، يجب أن نقرأ له كل يوم نصوصاً يستطيع أن يتماهى معها، مثل أدب الأطفال على سبيل المثال، التي فيها قصص تشبهه أو لها علاقة بما يعيشه في يومه. أنا مثلاً حفظت أجزاء من القرآن في فترة المراهقة، ولا بد أنها كانت مفيدة جداً، لكن هذا جاء في فترة متأخرة. أما في السنوات الأولى فالطفل بحاجة للاستماع إلى حديث الكبار وأفلام الكارتون ونصوص تجيب على تساؤلاته وتخاطب اهتماماته بلغة بيضاء، لا تكون مغرقة في العامية». تميز د. طه بين «الفصحى» التي هي لغة القرآن الكريم والمعلقات التي لا نتداولها بمفرداتها في يومياتنا، و«الفصيحة» التي هي لغة الصحف والروايات ولغة هذا الزمن التي نتواصل بها. وتشرح: «إذا سرنا في طريقة د. السكري سينشأ جيل لديه مفردات لا يفهم شيئاً منها ولا تستخدم. في عمر الست أو سبع سنوات أرى الأنسب تعليم الطفل سورة (الرحمن) من القرآن الكريم مثلاً. إذ ماذا يتعلم طفل صغير في الثالثة حين يحفظ (العرجون القديم) أو (والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا)، أين ترى سيستخدمها، وفي أي مناسبة، وأي سياق؟» كما تعتبر د. طه «أن طرح د. السكري لا يأخذ بعين الاعتبار المسيحيين، والأقباط والكلدان والأرمن. «ماذا نقول لهم، يتوجب عليكم حفظ القرآن؟ أنا مسلمة لكن علينا أن نراعي التنوع في مجتمعاتنا، وثمة مسلمون ربما لا يرون جدوى من تحفيظ أولادهم دون شرح. لكنه بالطبع طرح يحدث صدى، ويمس وتراً حساساً وعاطفياً في بلدان كثيرة، ولدى فئة كبيرة من الناس، نظراً لأنه يدغدغ مشاعر دينية وعاطفية».
أما د. عبد الهادي فيرى أن «الحفظ ضروري ولكن أيضاً يجب أن يخضع لمعايير هدفها تعزيز القوالب اللغوية في ذهن الطفل، ولكن ليس عن طريق نصوص قديمة، وإنما باعتماد نصوص يراها على الشاشة، في الشارع في ملعب المدرسة، عن طريق الأغنيات المشوقة والجميلة. ويذكر بعبارة عربية مأثورة تقول: «لكل زمان بيان» والبيان العربي في القرن الحادي والعشرين هو غيره في الأزمنة السابقة. فيما يخص تعليم اللغة العربية الفصحى.



المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
TT

المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

قال المخرج المصري، أبو بكر شوقي، إنه يبحث دوماً عن الأفلام التي تدخله عوالم جديدة، كما في فيلميه السابقين «يوم الدين» و«هجان»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن عالم المراسلات قد استهواه في أحدث أفلامه «القصص» الذى انطلق من قصة لقاء والديه عبر الخطابات البريدية.

وأشار شوقي إلى أنه لا يهتم بالسياسة، ولا يتخذ موقفاً من أحداثها خلال الفيلم، لكنها جاءت ضمن السياق التاريخي للفترة الزمنية التي تدور بها أحداثه، معبراً عن سعادته بعرض الفيلم بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وبردود الفعل التي تلقاها من الجمهور.

وشارك فيلم «القصص» بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الخامسة، ولاقى اهتماماً لافتاً؛ حيث نفدت تذاكره مبكراً في جميع عروضه، وهو من بطولة نيللي كريم، وأمير المصري، وأحمد كمال، والممثلة النمساوية فاليري باشنر، ويشارك الفيلم في مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان قرطاج السينمائي، يومي 18 و19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

لقطة من فيلم «القصص» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

وأبدى المخرج المصري سعادته بمشاركته بمهرجان البحر الأحمر للعام الثالث على التوالي، حسبما يقول: «في العام قبل الماضي كنت مشاركاً بالفيلم السعودي (هجان)، وفي الدورة الماضية كنت عضواً بلجنة التحكيم، وهذا العام شاركت بفيلم (القصص)، وسعدت برد فعل الجمهور، فشرف لأي مخرج أن يجد فرصة لعرض فيلمه أمام هذا الجمهور المحب للسينما بالمملكة، وشعرت من ردود الفعل أن الجمهور الذي حضر الفيلم أحبه لأنه ذكرهم بزمن مختلف».

وعن تأثره بقصة لقاء والده المصري ووالدته النمساوية يقول شوقي: «الموضوع بدأ برغبتي في كتابة قصتهما ولقائهما في أثناء فترة السبعينات، وقد انطلق من واقعة حقيقية ليصبح مزيجاً بين الواقع والخيال، فبطل الفيلم عازف بيانو وبطلته كاتبة، وهما ليستا وظيفتي أبي وأمي، لقد أضفت لهما وقائع من خيالي وأخرى حدثت بالفعل؛ لذا قمنا بتغيير عنوانه من (صيف 67) إلى (القصص) لأنه مزيج من القصص التي نِشأت عليها في طفولتي من خلال حكايات أسرتي وهم بارعون في حكي القصص، ومع تكرار الحكي تكبر القصص، ويدخل فيها الخيال بشكل أكبر».

وظهر والدا شوقي بأحد مشاهد الفيلم، ولم يلاحظهما أحد، فقد قدمهما في مشهد خاطف يقول عنه: «لقد ظهرا في مشهد صغير صُوِّر بفيينا، هو مشهد صغير وسريع، رأيته نوعاً من التحية لهما، فقد ألهماني القصة».

تبقى السياسة حاضرة في الفيلم عبر خطب الزعيم جمال عبد الناصر وهزيمة 1967، ثم فترة حكم السادات بما شهدتها من أحداث مهمة مثل نصر أكتوبر (تشرين الأول) والانفتاح الاقتصادي ومقتل الرئيس الأسبق، فهل أراد المخرج محاكمة رموز السياسة بالفيلم؟ ينفي شوقي ذلك الأمر قائلاً: «لست مهتماً بالسياسة مثلي في ذلك مثل أحد أبطال الفيلم الذي يقول (السياسة لا تخصنا)، أنا أيضاً لا أهتم بها، لكنني تناولتها ضمن السياق التاريخي للفيلم؛ إذ تُعد خلفية للقصص التي نرويها، من خلال العائلة التي تحاول التعايش مع الواقع بكل صخبه وأزماته وأفراحه وأحزانه».

المخرج أبو بكر شوقي تحدث عن فيلمه «القصص» (الشرق الأوسط)

واستعاد أبو بكر شوقي عبر فيلمه تفاصيل صغيرة لم تغب عنه رغم تنقله في إقامته بين مصر والنمسا، وقد اعتاد أن يكتب أفلامه بنفسه، ويقول عن هذه التفاصيل: «هي أشياء تربيت عليها، أتذكرها منذ طفولتي، فقد عشت معظم سنوات حياتي في مصر، وحين كبرت عشت بالنمسا بحكم أن جزءاً من عائلتي بها، وأتذكر جيداً أن جهاز التلفزيون كان مفتوحاً طوال الوقت، وأن أغنية (وطني حبيبي الوطن الأكبر) كانت تعرض به مرات عديدة على مدى 24 ساعة، لم أكن وُلدت حين ظهرت، لكنها كانت تُعرض كثيراً في سنوات طفولتي».

وشَكلت الموسيقى والأغاني عنصراً أساسياً بالفيلم لتعكس زمنه في كل مشهد، وعَد شوقي الفيلم «رسالة حب للميلودراما المصرية فترة الستينات، حيث كانت الموسيقى عالية والتمثيل كبير والتيمات مختلفة»، مؤكداً أن الأغاني التي شكلت جزءاً من حياة الناس في تلك الفترة كانت أساسية بالفيلم.

وكشف شوقي عن أنه بدأ العمل على كتابة الفيلم خلال جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت في تعطيل إنتاج الفيلم مدة طويلة، مشيراً إلى أنه كان قد بدأ الكتابة قبلها، وسعى للبحث عن تمويل للفيلمـ، ويوضح: «خلال تلك الفترة حصلنا على دعم مؤسسة البحر الأحمر، والفيلم إنتاج مشترك بين مصر والنمسا وفرنسا والسويد، وأشكر كل الجهات على مساندة الفيلم؛ لأنه فيلم كبير يتضمن شخصيات عديدة، ومقسم لخمسة فصول، وأحداثه تدور خلال فترة زمنية طويلة، لكن تصوير الفيلم استغرق 34 يوماً فقط بين مصر والنمسا».

قاد أبو بكر شوقي ممثليه من المصريين والنمساويين ببراعة، ووضعهم في أدوار مغايرة، فظهرت نيللي كريم في دور أم لثلاثة شبان، وقدم أمير المصري دوراً جديداً عبر مراحل سنية مختلفة، ويقول المخرج: «لقد كنت محظوظاً بهذا الفريق الكبير المتناغم من الممثلين وبقية فريق العمل، والفنانون النمساويون محترفون، ويتمتعون بشهرة في النمسا، وسعدت بالعمل مع أمير المصري، كما أن نيللي كريم أدت دورها ببراعة وهي ممثلة محترفة، وتعرف مدى التحدي الذي يواجهه الممثل في تقديم شخصيات متباينة».

مع كل فيلم يكتبه، يبحث شوقي عن تحدٍ جديد يطرق من خلاله أبواباً لم يألفها، مثلما يقول: «أبحث دائماً عن الدخول في عوالم جديدة، فأول أفلامي (يوم الدين) تناول مستعمرة مرضى الجذام، وكان ذلك أمراً جديداً وملهماً، وثاني أفلامي (هجان) تطرق لعالم سباق الهجن، ولم أكن أعرف عنه الكثير، وفي (القصص) استهوتني فكرة الخطابات بين المحبين التي لم يعد لها وجود، وشكل المراسلات في الستينات والسبعينات».


أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
TT

أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

ظل عمود ماركوس أوريليوس في وسط روما القديمة قائماً متحدياً الزمن منذ تشييده منذ 1840 عاماً، غير أن العمر الطويل كانت له آثار سلبية على العمود المصنوع من الرخام، حيث عانى من آثار التلوث والتغيرات الجوية ودخول المياه لأجزائه. لكن العمود الشهير بنقوشه الحلزونية الملتفة على كامل العمود دخل في مرحلة من الترميم الدقيق يستخدم فيها المرممون أشعة الليزر الدقيقة لتنظيفه تماماً كما يستخدم جراحو التجميل الليزر لإزالة التجاعيد.

وخلال عملية الترميم الجارية حالياً سُمح للصحافة بالتقاط تفاصيل العمل عن قرب، حيث يقوم المرممون بإزالة طبقاتٍ من الأوساخ المتراكمة على مدى عقود من الزمن عن أحد أهم معالم المدينة التاريخية.

منظر عام لموقع ترميم عمود ماركوس أوريليوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي في وسط روما (أ.ب)

تُركز أجهزة الليزر المحمولة أشعةً ضوئيةً متذبذبةً على الحجر، فتُزيل الحرارة الناتجة عنها رواسب التلوث السوداء لتكشف عن رخام كرارا الأبيض تحته. تقول مارتا بومغارتنر، كبيرة مهندسي المشروع لـ«رويترز»: «إنه نفس مبدأ الطبيب في إزالة الشعر أو الجلد الزائد. تُحقق تقنية الليزر نتائج ممتازة في الترميم، وقد اخترنا استخدامها على كامل الواجهة الخارجية للعمود».

نحتت هذه النقوش الحلزونية حوالي عام 180 ميلادي، وتلتف 23 مرة حول العمود، لتصل إلى ارتفاع يقارب 40 متراً (130 قدماً)، وتصور أكثر من 2000 شخصية، من بينها آلهة وجنود ووحوش. ويظهر أوريليوس نفسه في عدة مواضع، حيث تُقدم النقوش معلومات قيّمة للباحثين عن هذه الحقبة من التاريخ الروماني. وتظهر النقوش حرص الفنانين القدماء على تصوير تفاصيل الحرب المروعة. فبينما يلتف النقش البارز للأعلى، يصوّر جنوداً يسحبون نساءً مع أطفالهن من شعورهن. وتتناثر جثث الأعداء المقطوعة الرؤوس على الأرض، وتثور الخيول في لهيب المعركة، ويبدو أسرى الحرب مرعوبين وأعناقهم موثقة.

نقش بارز يُعرف باسم «معجزة المطر» على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

بدأت أعمال الترميم في مارس (آذار)، ومن المقرر أن تنتهي مطلع العام المقبل بتكلفة مليوني يورو (2.3 مليون دولار أميركي)، وهي الأموال التي جُمعت من قروض ومنح ميسرة قدمها الاتحاد الأوروبي لإيطاليا لمساعدتها على التعافي من جائحة «كوفيد - 19»، وقالت بومغارتنر: «لقد تلقينا هذا التمويل الكبير، لذا كانت فرصة لا تُفوَّت».

ونقلت «أسوشييتد برس» جانباً من عملية الترميم التي شملت لجانب استخدام أشعة الليزر النبضية القصيرة لأول مرة، استخدام فريق المرممين مواد كيميائية، وإسفنجاً، وراتنجاً لإزالة الأوساخ المتراكمة من الضباب الدخاني في العاصمة الإيطالية، وسدّ الثقوب التي خلّفها تجمد الماء في الطقس البارد وتمدده داخل النصب التذكاري. كما عانى النصب من التآكل الذي طمس بعض وجوه الشخصيات المنقوشة.

نقش بارز يصور مشهد معركة على عمود ماركوس أوريليوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي في وسط روما (أ.ب)

توفر السقالات المربعة العريضة المحيطة بالعمود المساحة اللازمة للمرممين للعمل براحة. إذ يمكنهم التراجع خطوةً إلى الوراء والتأمل في التماثيل التي تتزايد أحجامها تدريجياً كلما ارتفعنا على العمود، وهي تقنية تهدف إلى جعلها أكثر وضوحاً من الأرض. يقول فالنتين نيتو، أحد المرممين العاملين في المشروع: «كانت هذه طريقةً لجعل الناظر يقرأ القصة بنفسه. إنها تجذب المشاهد حقاً، فيرى المشهد تلو الآخر، بكل تفاصيله الرائعة».

أجرى البابا سيكستوس الخامس أول عملية ترميم في أواخر القرن السادس عشر، حيث استبدل تمثال أوريليوس الأصلي في الأعلى بتمثال القديس بولس، الذي لا يزال موجوداً هناك حتى اليوم. أُجريت آخر عملية تنظيف في ثمانينات القرن الماضي، لكن مع مرور الوقت وعوامل التعرية، يستمر التلف، حيث يجد المرممون مناطق بدأ الرخام فيها بالانفصال، مما يستدعي تثبيتاً سريعاً، وأضاف بومغارتنر: «نأمل ألا تحدث مفاجآت في المستقبل. سيتم الآن مراقبته باستمرار، وسنتمكن من التدخل عند الحاجة».


«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)
المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)
TT

«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)
المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)

مرّة جديدة، ينجح المخرج والممثل والكاتب اللبناني طارق سويد في إحراز المختلف بقلمه ورؤيته الفنّية الإبداعية، وذلك من خلال مسرحية «شي تيك توك شي تيعا» التي تُعرض على مسرح «أتينيه» في منطقة جونية، على أن تنتقل قريباً إلى أحد مسارح بيروت.

يُدرك سويد أبعاد القلم الفنّي الذي يملكه وأهدافه، فيكتب من باب الوجع الإنساني، ويغمس نصّه بحفنة من الكوميديا السوداء، مولِّداً حالة من الضحك والألم، مُغلِّفاً إياها بسخرية ذكية، تشغل حواس الجمهور بالفكرة والمشهد والأداء.

المشهد الأول من «شي تيك توك شي تيعا» يجمع أبطال قصص طفولية (الشرق الأوسط)

وقد اختار أبطال المسرحية من بين طلابه الموهوبين في أكاديمية «بيت الفنّ» التي تديرها زميلته الممثلة فيفيان أنطونيوس. وهو الفريق نفسه الذي سبق أن تعاون معه في «مش مسرحية»؛ العمل الذي لاقى يومها نجاحاً لافتاً. فكانت إعادة التجربة دليلاً على كمٍّ واضح من التطوّر والنضج في أداء هذه المواهب الشابة.

يتألّف العرض من 6 مسرحيات قصيرة وسريعة، يلتزم فيها سويد بالمقولة الشهيرة: «خير الكلام ما قلَّ ودلَّ». يزوّد كل واحدة بجرعات من الضحك والنقد، مستفيداً من قلمه الذي يضع الإصبع على الجرح، من دون مبالغة أو تكرار أو إطالة، ممّا يحافظ على إيقاع متماسك من البداية حتى النهاية.

يتناول العمل مجموعة من القضايا الإنسانية، تتقدّمها مكانة المرأة في المجتمع، فيُوجّه إليها رسالة مباشرة للخروج من القوقعة المفروضة عليها. كما يُهدي سويد العرض إلى والدته الحاضرة بين الجمهور؛ فهي مُلهمته والداعمة الأولى له في تجاوز محطات صعبة من حياته. ويعرّج النص أيضاً على فكرة الزواج وبداياته، وقصص الحبّ التي كثيراً ما تُختصر نهاياتها بدقائق قليلة. وفي إحدى المسرحيات، يطالب الرجل بأن يضع نفسه، ولو مرّة واحدة، في موقع المرأة، فيُعيد تقييم دورها بوضوح ومن دون أحكام مسبقة.

المشهد الأخير مع مواقع التواصل ووهم الشهرة (الشرق الأوسط)

كما يعتمد النص أسلوباً تفاعلياً ذكياً بين الممثلين والجمهور، يظهر بوضوح في مشهد يتداخل فيه عرضٌ داخل عرض. ويتناول علاقة الحماة بالكنّة والزوج، وكيف يمارس بعض الناس التنمّر على الآخرين بدافع المتعة الشخصية.

المسرحية الأولى أطول زمنياً؛ لأنها تُشكّل امتداداً لعرضه السابق «مش مسرحية». وفيها يستعيد قصصاً طفولية نشأت عليها أجيال، مثل «بياض الثلج»، و«ليلى والذئب»، و«سندريلا»، متّخذاً منها نماذج لمجتمع لا يزال الفساد متغلغلاً في مفاصله.

يبقى المُشاهد متيقّظاً لكلّ تفصيل بصري طيلة العرض، من الديكور إلى الأزياء؛ إذ لا يترك سويد مجالاً للتشتُّت، فيملأ الفواصل بين المسرحيات بلوحات فنّية معاصرة، وتحضر راقصة باليه تختزل كلّ عرض برقصة تعبيرية حالمة، جامعاً بذلك عناصر الفنون البصرية في قالب حديث وغني.

نهايات الحب ومشاكل الزواج في أحد المَشاهد (الشرق الأوسط)

في العرض الخامس، يفتح سويد باباً جريئاً على موضوع الأقنعة التي يرتديها الناس في كلّ زمان ومكان، فيهربون عبرها من مواجهة مشاعرهم الحقيقية. ويُقدّم ما يشبه محاكمة سريعة لشخصيات اعتادت التخفّي خلف أدوار الضحية أو المثالية أو التنمُّر، فنشهد صراعات داخلية بين حقيقة تناديهم وأقنعة تمنعهم من معرفة ذواتهم.

إخراجياً، يعتمد سويد أسلوباً مختلفاً، يدخل فيه إلى عمق المشكلة، فيفكّكها ويضعها تحت المجهر. يُحذّر ويُنبّه، من دون أن يفرض حلولاً جاهزة، فيفتح مساحة للنقاش ووقفة صادقة مع الذات.

لوحات فنية كلاسيكية تفصل بين عرض وآخر (الشرق الأوسط)

أما في القسم الأخير، فيوجّه أقسى ضربة إلى عالم مواقع التواصل والمؤثّرين فيه، حيث يُمنع الصدق ويُسمح بالزيف، ومن لا يُجاري الموجة يلفظه التيار. ينتقد سويد ثقافة التفاهة، والتسويق الفارغ، والضجّة بلا مضمون. ويستحضر شخصيات للدلالة عليها، مثل «دكتور تفاهة» و«صانع محتوى بلا محتوى». فالمتحكّمون بهذه اللعبة مجهولو الهوية، تماماً كما الذباب الإلكتروني. يوجدون في كلّ «ترند» وظاهرة، ينفخون في الناس وهْم النجومية والشهرة، والعكس صحيح.

ومع ذلك، يختار طارق سويد في الختام طريق النجاة، مُنطلقاً من قناعة راسخة بأنه «لا يصحّ إلا الصحيح»، وأنّ قيم العيب والأصالة لم تنقرض؛ فأهلها لا يزالون قادرين على نشر الفضيلة وسط عالم مُتغيّر.