تمكين المرأة السورية والمشاركة في المجالس المحلية... إنجازات خارج مناطق النظام

المنظمات النسوية الجديدة في سوريا تأسست بعد عام 2011

شبكة «أنا هي» في مدينة غازي عنتاب التركية تعمل على تمكين النساء سياسياً للوصول إلى مراكز قياديّة («الشرق الأوسط»)
شبكة «أنا هي» في مدينة غازي عنتاب التركية تعمل على تمكين النساء سياسياً للوصول إلى مراكز قياديّة («الشرق الأوسط»)
TT

تمكين المرأة السورية والمشاركة في المجالس المحلية... إنجازات خارج مناطق النظام

شبكة «أنا هي» في مدينة غازي عنتاب التركية تعمل على تمكين النساء سياسياً للوصول إلى مراكز قياديّة («الشرق الأوسط»)
شبكة «أنا هي» في مدينة غازي عنتاب التركية تعمل على تمكين النساء سياسياً للوصول إلى مراكز قياديّة («الشرق الأوسط»)

«لم أسمع بتمكين النساء وتفعيل دور المرأة في المجتمع إلا بعد انتسابي لشبكة المرأة السورية»، بملامح جدية ونبرة صوت واثقة تغلفها ابتسامة ودودة استهلّت كندة حديثها عن موضوع تمكين المرأة.
تنحدر كندة عمرين (28 سنة) من مدينة حمص (وسط سوريا)، نزحت من بلدها منتصف عام 2012 متجهة إلى تركيا، تقيم اليوم في مدينة غازي عنتاب، وبعد مضي خمس سنوات على زواجها قررت الانفصال عن زوجها؛ وتعهدت بتربية طفلها الوحيد ذي الأربع سنوات، بعد ابتعاد والده عنه.
تروي كندة كيف بقيت ستة أشهر تعاني الأمرين بعد طلاقها، لا زوج يعيل الأسرة، ولا عمل يؤمن دخلاً لتغطية نفقات العيش الباهظة في تركيا، لكن اتصالاً من صديقتها بداية شهر مارس (آذار) الماضي غيّر مسار حياتها، حيث دعتها لحضور ورشة تدريبية عن إدارة المشاريع التنموية نظمتها «شبكة المرأة السورية».
يومذاك؛ تعرفت كندة على معنى كلمة «الجندرة»، وفي بداية حديثها إلى صحيفة «الشرق الأوسط» قالت: «ظننت أنه مفهوم بسيط يعني المرأة، بعد الورشة اكتشفت أن معناه أوسع ويعني تمييز الأدوار بحسب النوع الاجتماعي».
كندة وبعد حضور الورشة قررت الانتساب للشبكة وتطمح بأن تصبح ناشطة نسوية، مؤكدة أن أهم ورشة حضرتها هذا العام كانت عن «التمكين السياسي للنساء»، وتعرفت لأول مرة في حياتها ماذا تعني «الكوتا»، وشرحت أنه نظام انتخابي إيجابي لتحقيق المساواة والتقليل من التمييز بين فئات المجتمع المختلفة خصوصاً بين الرجال والنساء.
وتقول كندة: «الكوتا تقوم على تخصيص نسبة من المقاعد في الهيئات التشريعية للنساء، إذ لا يجوز أن تقل المقاعد المخصصة التي تشغلها السيدات عن النسبة المقررة في القانون الانتخابي»، وتضيف: «هذه المفاهيم غيرت حياتي، أشعر أن درجة الوعي عندي زادت بنسبة 70 في المائة».
وتأسست شبكة «المرأة السورية - نساء شمس» في يوم المرأة العالمي 8 مارس سنة 2013، على يد نخبة من السوريات الناشطات في الشأن العام، تركزت موضوعاتها الأساسية على التمكين السياسي للنساء وبناء القدرات، للوصول إلى سيدات قادرات على صنع القرار ومتميزات في مجال عملهنّ.
الناشطة خولة دنيا والتي تدير مكتب الشبكة في مدينة غازي عنتاب التركية، نقلت أن الكثير من النساء السوريات وبعد حضور الورشات والندوات التي تنظمها الشبكة، «انعكس ذلك أثراً إيجابياً في حياتهنّ. كندة مثلاً وجدت عملا بعد حضور أول دورة، كانت بحاجة إلى استعادة ثقتها بنفسها، وهذه الورشات غيرت مسار حياة الكثيرات من النسوة نحو الأفضل».
وأشارت الناشطة خولة، إلى أن «الرجال يشاركون في جميع أنشطة الشبكة بنسبة 20 في المائة، بعد المشاركة تختلف نظرتهم إلى النساء، وكيف أنهنّ قادرات على القيادة وصنع القرار».
وتشارك شخصيات من الشبكة في جولات محادثات السلام السورية «الماراثونية» التي انعقدت في مدينة جنيف السويسرية، من بينها جمانة سيف التي تعمل ضمن المنصة المدنية للمحادثات، وأليس مفرج وكانت عضواً مفاوضاً في وفد المعارضة السورية، إلى جانب بسمة قضماني، وهي عضو في هيئة التفاوض العليا المعارضة، ومرح البقاعي المستشارة الإعلامية في وفد المعارضة.
تضم شبكة «المرأة السورية» شخصيات ومنظمات نسائية غير حكومية مستقلة، وتعمل على تعزيز المشاركة الفاعلة للمرأة وصولاً إلى المناصفة بنسبة 50 في المائة، في مراكز صنع القرار بالهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحسب الناشطة خولة دنيا.
ومنذ بداية عام 2012 ظهرت منظمات وشبكات نسوية كثيرة في سوريا، منها «شبكة الصحافيات السوريات»، ومبادرة «شابات سوريات» بغية إشراك النساء في المناصب الحكومية، ومبادرة «لاجئات لا سبايا» لمناصرة قضايا النساء اللاجئات وكشف الانتهاكات الممارسة ضدهن في دول اللجوء، وشبكة «أنا هي» التي انبثقت عن حلقة سلام عنتاب، وغيرها.
منظمة «النساء الآن لتمكين المرأة السورية» تأسست في يونيو (حزيران) عام 2012، وافتتحت مراكز مجتمعية في البقاع اللبناني والداخل السوري، بدأت عملها بتوفير دورات تعليمية للنساء والشابات في مراكزها، تضمنت إعطاء دروس في برامج الكومبيوتر «وورد، إكسل، فوتوشوب»، إضافة إلى دورات لغة إنجليزية وفرنسية ودورات لمحو الأمية.
وأشارت لبنى القنواتي المديرة المحلية للمنظمة، إلى أن «المشاريع الأساسية لعملنا هي المراكز المجتمعية التي تستهدف النساء والفتيات، عبر برامج متنوعة من التمكين الاقتصادي والمعرفي أو برامج الحماية والمناصرة والتمكين المجتمعي».
وكانت الخطوة الأبرز في عمل المنظمة؛ افتتاح قسم خاص بالدعم النفسي، مع وجود مرشدة نفسية وفريق تدريب لتوسيع الأنشطة، وإعطاء محاضرات مختلفة تمس الحياة اليومية للمرأة السورية وما تتعرض له من صعوبات، مع استشارات خاصة تتعلق بالصدمات والاضطرابات النفسية التي تواجهها النساء خلال الحرب، على حد تعبير لبنى القنواتي.
واعتبرت القنواتي نقطة قوة عمل المنظمة بعقد الشراكات مع المنظمات النسوية والمجالس المحلية في الداخل السوري، بهدف تطوير الخدمات المقدمة للمرأة السورية. وعن أبرز التحديات تقول لبنى: «القصف والمعارك يمثلان خطراً كبيراً على حياة النساء وعلى صعوبة تنقلاتهنّ، لكن نحن نقوم بتطبيق سياسة حماية العاملات والمشاركات في أنشطتنا».
ويعد مركز بلدة سراقب المجتمعي بريف إدلب (غرب سوريا)، أحد المراكز النشطة التابعة لمنظمة «النساء الآن»، تديره الناشطة لينا الحسين، وقد شارك المركز في الانتخابات المحلية التي شهدتها سراقب أواسط يوليو (تموز) الماضي، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء نحو 36 في المائة، مقابل 64 للرجال بحسب بيانات اللجنة الانتخابية. وعلقت لينا على ارتفاع نسبة مشاركة النساء بالقول: «تم توجيه دعوة لنا من المجلس المحلي لمراقبة الانتخابات لتشجيع النسوة على المشاركة، كنا ثلاث سيدات قمنا بمراقبة الصناديق وشاهدنا نساء من مختلف الأعمار منهنّ طاعنات في السن أو مريضات، قمنَ بالتصويت والمشاركة».
أما في بلدة الأتارب التابعة لريف حلب الشمالي، فقد خاضت عائشة بكور الانتخابات المحلية للمجلس المدني التي جرت في شهر أغسطس (آب) الماضي، وأخبرت عائشة كيف أنها نظمت مع مجموعة من نساء البلدة بداية العام الحالي، مبادرة مع شبكة «أنا هي» بعنوان (حلقة سلام الأتارب - نضال امرأة)، تمحورت حول إدخال العنصر النسائي في المجلس المحلي، وانبثقت من المبادرة الهيئة النسائية لمدينة الأتارب وتضم نحو 55 سيدة.
وأثناء التحضير للانتخابات المحلية في الأتارب، طالبت الهيئة النسائية لجنة الانتخابات بإشراك النساء في عملية الترشح للمجلس، وخاضت 5 سيدات إلى جانب 96 رجلاً العملية الانتخابية، وفازت عائشة بكور بمقعد في المجلس المحلي، وتترأس اليوم مكتب حماية المرأة والطفولة، وهو مكتب أسس حديثاً بعد انتخاب أول امرأة في المجلس المحلي منذ خروج البلدة عن سيطرة النظام السوري عام 2013.
ولفتت عائشة إلى أن «مشاركة السيدات في الشأن العام تحد بحد ذاته»، وتعزو الأسباب إلى أن «المجتمع تقليدي تحكمه عادات وتقاليد، طالتنا الكثير من الانتقادات، لكننا مصرّات على المتابعة حتى تمثَّل المرأة مناصفة مع الرجال في كل الهيئات والمؤسسات».
وتابعت عائشة حديثها، بالقول: «كان يقال لنا سابقاً إن المرأة لا تستطيع الدخول إلى مخفر، فكيف تصبح شرطية وتؤسس شرطة نسائية؟.. اليوم هناك 5 فتيات يعملن في الشرطة الحرة في البلدة، ونأمل أن يصل العدد إلى 60 امرأة».
وتقول نور برهان مديرة شبكة «أنا هي»، إن الشبكة التي تأسست في شهر (مارس) عام 2014، «قامت بالكثير من المبادرات والحملات ساهمت بتعزيز دور النساء في مجتمعاتها المحلية، ودخول نساء إلى المجالس المحلية مثل تجربة بلدة الأتارب من بين أكثر القصص الناجحة في عملنا».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.