هدنة في القلمون الشرقي برعاية روسية... ومفاوضات البادية في مراحلها الأخيرة

واشنطن تطلب انسحاب فصائل معارضة إلى الأردن

TT

هدنة في القلمون الشرقي برعاية روسية... ومفاوضات البادية في مراحلها الأخيرة

على غرار اتفاقات خفض التصعيد في مناطق سورية عدة، دخلت منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق تهدئة نتيجة اتفاق بين فصائل المنطقة وموسكو التي تعهّدت بضمان التنفيذ رغم رفض النظام، في وقت وصلت فيه المفاوضات بين أبرز الفصائل التي وقّعت اتفاق القلمون والعاملة في البادية مع غرفة «الموك» إلى مراحلها الأخيرة، بعد الضغوط التي تمارس عليها للخروج من المنطقة الحدودية مع الأردن حيث سجّل بدء إخلاء مخيم اللاجئين.
وعقد أمس اجتماع بين ممثلي فصائل البادية السورية و«غرفة الموك» (غرفة العمليات العسكرية في الجنوب) بقيادة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه). وكشفت مصادر حضرت الاجتماع لـ«الشرق الأوسط»، أن الطرح الذي قدم للفصائل يقضي بانسحابها من الحدود وإخراج العائلات من البادية إلى منطقة الأزرق الأردنية، على أن تلتزم الفصائل بوقف القتال مع النظام وينتقل مقاتلوها إلى مخيم تدريبي عسكري داخل الأردن، وسيتم تجميد تسليم السلاح لهم مع الإبقاء على الرواتب إلى أن يحين وقت دخولهم إلى سوريا، وهو الأمر الذي طلبت الفصائل بعض الوقت لاتخاذ القرار بشأنه، طارحة عبر «رئيس الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب الذي دخل شخصيا على خط المفاوضات، إما تطبيق «اتفاق تخفيف التصعيد» في كل المناطق بين النظام والمعارضة، أو إسقاطها جميعاً، وبالتالي العودة إلى القتال، أي إخضاع البادية لهذا الاتفاق وعدم تسليم المنطقة للنظام. وأشارت المصادر إلى أنه من المتوقع أن يتم الحسم بهذا الشأن خلال الساعات القليلة المقبلة، لافتة إلى أن الفصائل التي أبدت رفضها للانسحاب قادرة على الاستمرار بالمعركة من الناحية العسكرية، إنما ستكون النتائج كارثية بالنسبة لها، موضحة أن «المشكلة تكمن في إقفال طرق الإمداد، إضافة إلى عدم القدرة على نقل الجرحى من المقاتلين إلى المستشفيات، وهو ما يضعها أمام مأزق كبير».
في المقابل، قالت مصادر معارضة مطلعة على المفاوضات، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعطيات تشير إلى تنفيذ المطلب الأميركي - الأردني بالانسحاب من الحدود الأردنية وتسليمها للنظام، مع ضمان أمن قاعدة التنف العسكرية الأميركية، مشيرة إلى أنه «لو كان هناك توجه للتهدئة لما بُدِئ بإخلاء المخيم».
وأكد سعيد سيف المتحدث باسم قوات «الشهيد أحمد العبدو» لشبكة «شام» المعارضة، بدء عملية إخلاء المخيم من قاطنيه، كون المنطقة تخضع لحماية عسكرية أميركية لقربها من قاعدة التنف المحاذية للحدود الأردنية.
وذكر سيف أن ما دفعهم إلى ذلك هو اقتراب قوات النظام والميليشيات الشيعية من منطقة المخيم، وتواصل القصف الجوي على المنطقة القريبة من المخيم، لافتاً إلى أن الأمر جاء بطلب من «غرفة الموك».
وكان كل من «جيش أسود الشرقية» و«قوات الشهيد أحمد العبدو» العاملين في البادية أعلنا، الأسبوع الماضي، عن تعرضهما لضغوط من قبل «غرفة الموك»، للتوقف عن قتال النظام وتسليم منطقة البادية الشامية.
وفي القلمون الشرقي، أعلن، أمس، عن اتفاق بين الروس وفصائل القلمون. وذكرت الفصائل في بيان لها أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع، في مدن وبلدات الضمير، والرحيبة، وجيرود، والمنصورة، والناصرية، وجبلي البترا والمغر.
وقد مثّل الوفد المفاوض من الفصائل العسكرية العاملة في القلمون الشرقي، كل من «قوات الشهيد أحمد العبدو وجيش أسود الشرقية ولواء شهداء القريتين ولواء الصناديد عن فيلق الرحمن، وجيش الإسلام وحركة أحرار الشام الإسلامية».
وقال أبو برزان السلطاني، نائب قائد «جيش أسود الشرقية» لـ«الشرق الأوسط»، إن اتفاق القلمون يأتي ضمن سياق الاتفاقات التي توقع في مناطق سورية عدة، وأوضح أن الروس تعهدوا بتطبيق اتفاق القلمون رغم رفض النظام له، وجاءت موافقة الفصائل نتيجة تعهدات روسية بضمان التنفيذ، مضيفاً: «والآن ليس علينا إلا الانتظار لمعرفة مدى الالتزام».
من جهته، شكّك وائل علوان، المتحدث باسم «فيلق الرحمن»، الذي كان أيضاً شريكاً في اتفاق القلمون، جدية النظام في الالتزام بالاتفاق، على غرار الاتفاقات السابقة التي لم تترجم على الأرض، كما لم يلتزم الجانب الروسي بوعوده، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «تدخل المعارضة اتفاقات كهذه كي لا تتهم بالتعطيل، مع تأكيدها على أنها يجب أن تكون خطوة نحو الحل السياسي في سوريا، وليست بديلاً عنه».
ولم تختلف بنود اتفاق القلمون عن اتفاقات التهدئة السابقة، بحيث تضمّن الوقف الكامل لإطلاق النار وتشكيل لجنة من الطرفين لتحديد وترسيم الإحداثيات الجغرافية التي تعكس الحقائق الميدانية على الخريطة، وقبول الفصائل بروسيا طرفاً ضامناً للاتفاق، وتشكيل قوات مراقبة وقف إطلاق النار، وتمركزها على طول خط الجبهة بين الجهتين، وفقاً للخريطة التي يتم ترسيمها بعد اجتماع اللجنة المكلفة بذلك، كما تشكل لجنة لتسهيل خروج المعتقلين من كلتا الجهتين.
والتزمت موسكو بتسهيل متابعة الطرف الأول (الفصائل) قتال تنظيم داعش، مع اتخاذ الطرفين كامل التدابير اللازمة لتحسين الحالة الإنسانية في المنطقة وتقديم التسهيلات لدخول فوري لقوافل الإغاثة من الأغذية والأدوية والاحتياجات الإنسانية من خلال أربع نقاط عبور: مدخل الضمير، ورحيبة، والناصرية، وجيرود. ويتولى ممثلو روسيا تفتيش القوافل، في موازاة العمل على إجلاء المرضى والسماح بدخول جميع المواد اللازمة لإعادة الإعمار.
ويلتزم الطرف الأول (الفصائل)، بتسهيل جميع المعاملات والنشاطات المدنية والاقتصادية والتجارية والسماح بدخول كميات كافية من البضائع والسلع التي يحددها الطرف الأول إلى المنطقة، على أن تدار المنطقة من قبل المجالس المحلية الحالية، ويتم تشكيل لجنة عدالة وطنية مهمتها الصلح العرقي بين أبناء المنطقة.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.