دمشق تعرض «مصالحات» لـ«الالتفاف» على «هدنة الجنوب»

TT

دمشق تعرض «مصالحات» لـ«الالتفاف» على «هدنة الجنوب»

واصلت قوات النظام السوري مساعيها لـ«الالتفاف» على اتفاقات «خفض التصعيد» جنوب غربي البلاد، عبر محاولات تهدف إلى إلحاق بلدات وقرى واقعة تحت سيطرة المعارضة بركب «المصالحة» لإعادة بسط سيطرتها عليها.
وكانت بين المحاولات في ريفي القنيطرة الشمالي والجنوبي. وسمحت قوات النظام للأهالي النازحين من بلدات وقرى في القطاعين الشمالي والجنوبي بمحافظة القنيطرة المشمولة باتفاق «خفض التصعيد» جنوب غربي البلاد، والتي تسيطر عليها المعارضة بالعودة إلى بلداتهم وقراهم طيلة فترة عيد الأضحى الذي انتهى الاثنين الماضي.
وتحدثت لـ«الشرق الأوسط» مصادر أهلية، دخلت يوم الوقفة إلى قرية طرنجة في القطاع الشمالي وتسيطر عليها المعارضة، والواقعة على طريق بلدتي «خان أرنبة» الواقعة تحت سيطرة النظام - «جباثا الخشب» الواقعة تحت سيطرة المعارضة، عن دخول المئات من العائلات إلى قرى القطاع الشمالي. وذكرت أن فتح الطريق جاء بعد تواصل النظام، عبر وسطاء، مع وجهاء وأعيان من البلدة والمجلس المحلي وفصائل المعارضة من «جباثا الخشب»، بهدف فتح الطريق الواصل بين البلدتين خلال أيام العيد.
وأغلق النظام الطريق الواصل بين جباثا الخشب وخان أرنبة، وتقع عليه الكثير من القرى التي تسيطر عليها المعارضة، منذ عام ونصف العام، بهدف حصار تلك البلدات والقرى وتجويع الفصائل ومن تبقى فيها من أهالي، ما اضطر أهالي تلك البلدات والقرى لاختيار طريق بديل يربطها بريفي القنيطرة ودرعا المحررين لتأمين احتياجاتهم.
ولفتت مصادر إلى أن ما أقدم عليه النظام «لم يكن كرمى لعيون الأهالي»، فقد كان «واضحا من لكنة حديث الوسطاء أنه يريد من الأهالي إقناع أبنائهم المنضوين في فصائل المعارضة بـتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم مقابل العفو عنهم ورضوخا لما يسميه المصالحة».
وقالت: «الأهالي والفصائل رفضوا بالمطلق تسليم سلاحهم، لأن اتفاق خفض التصعيد بالأصل لا ينص على ذلك». وأضافت: «كيف يسلمون سلاحهم ويصبحون صيدا سهلا للمسلحين الموالين للنظام في بلدة حضر»، المحاذية لطرنجة وتشكل الأقلية الدرزية أغلب سكانها. ونقلت المصادر عن قياديين في الفصائل قولهم «الموت أشرف من أن نسلم سلاحنا».
ونص الاتفاق الثلاثي الأميركي - الروسي - الأردني الذي تم الإعلان عنه في يوليو (تموز) الماضي خلال قمة الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ، على إبعاد «القوات غير السورية» من حدود الأردن إلى عمق 30 كيلومتراً، وقف العمليات الهجومية بين قوات النظام والمعارضة، السماح بإقامة مجالس محلية، تقديم مساعدات إنسانية وطبية، ترسيم خريطة «المنطقة الآمنة»، إقامة نقاط مراقبة دولية وعودة رمزية للنظام ومؤسساته في الجنوب، وذلك إلى حين «توفر ظروف بحث التسوية السياسية».
وذكرت المصادر أن الفصائل «ليس لديها أي مشكلة بعودة مؤسسات النظام للعمل في البلدات والقرى التي تسيطر عليها». وأوضحت أنها لم تشاهد وجود أي نقاط مراقبة في الطريق الواصل بين جباتا الخشب وخان أرنبة.
وفي بيان له، قال فرع القنيطرة لحزب «البعث» الحاكم في البلاد إن فتح الطرق للقطاعين الشمالي والجنوبي هي «بادرة حسن نية ولإعادة بناء الثقة (...) وتمهيداً للمصالحة الكاملة في قرى جباثا الخشب وطرنجة وأوفانيا والمزارع المحيطة بها وقرى القطاع الجنوبي وعودة الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم وتسوية أوضاع المغرر بهم والراغبين من المسلحين».
وفي أول أيام عيد الأضحى، سمح النظام أيضا لأهالي المنطقة الموجودين في مناطق سيطرته، بدخول مناطق المعارضة في الريف الجنوبي من القنيطرة، ولا سيما قرى وبلدات أم باطنة وممتنة ومسحرة والعجرف والمشيرفة وأم العظام ونبع الصخر ومجدوليا ورويحينة. وقدرت مصادر أهلية عدد العائلات التي دخلت إلى تلك المناطق بالمئات.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.