واقع التعليم في غزة بين الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني

طالبان فلسطينيان في طريقهما إلى المدرسة في غزة (غيتي)
طالبان فلسطينيان في طريقهما إلى المدرسة في غزة (غيتي)
TT

واقع التعليم في غزة بين الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني

طالبان فلسطينيان في طريقهما إلى المدرسة في غزة (غيتي)
طالبان فلسطينيان في طريقهما إلى المدرسة في غزة (غيتي)

تأثر التعليم الفلسطيني في قطاع غزة كثيرا بظروف الحصار الإسرائيلي المشدد الذي دخل عامه الحادي عشر على التوالي، وكذلك الانقسام المتواصل بين حركتي فتح وحماس منذ عشرة أعوام، وتراجع الأوضاع الاقتصادية للسكان كأحد الآثار الناجمة والمترتبة بشكل كبير عن الحصار والانقسام اللذين خلفا الكثير من الضرر للفلسطينيين خاصة في غزة التي تتراجع فيها ظروف الحياة يوما عن آخر.
- استهداف إسرائيلي
وتعرضت قطاعات التعليم خاصة المدارس إلى الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال حروبه الثلاث في قطاع غزة وخاصة الأخيرة في صيف 2014، حيث دمر الاحتلال بطائراته الحربية خمس مدارس بشكل كلي شرق وشمال غزة، وتضررت نحو 182 مدرسة بشكل جزئي وبليغ، حاول الاحتلال عرقلة إعادة إعمار 55 مدرسة منها من بينها المدارس المدمرة كليا إلا أنه تم بناؤها بعد عامين من الحرب.
ومع بداية أحداث الانقسام استنكف المئات من المدرسين عن عملهم خوفا من تعرضهم لقطع رواتبهم خاصة أنه صدر قرار رئاسي من السلطة الفلسطينية بمنع الدوام في الوزارات والمؤسسات الحكومية بعد سيطرة حركة حماس عليها في يونيو (حزيران) عام 2007.
إلا أنه مع مرور الأشهر والأعوام عاد عدد كبير من المدرسين خاصة بعد عام 2011 وتوقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة، وعمل أولئك المدرسون إلى جانب مدرسين جدد عينتهم حركة حماس، وهو الأمر ذاته الذي انطبق على القطاع الصحي وقطاعات خدماتية حكومية هامة.
- مناكفات سياسية
يقول معتصم الميناوي مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، إن قطاع التعليم لم يكن كباقي القطاعات والوزارات وكان الأقل خسارة رغم بعض التنغيصات على العملية التعليمية لفترات نتيجة الصراع والمناكفات، مشيرا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذا القطاع تأثر بشكل أكبر بتوقف حكومة التوافق عقب تشكيلها عام 2014 عن دفع المصاريف التشغيلية للوزارة بغزة.
وأضاف: «هذا التأثير يلمسه الميدان التربوي بشكل مباشر»، مشيرا إلى أن إحدى الأزمات التي لاحقت المعلمين الجدد بغزة الذين تم تعيينهم عقب استنكاف المعلمين السابقين قبل عودة غالبيتهم، عملية صرف رواتبهم بنسبة 40 أو 50 في المائة وهو راتب يعد بسيطا ويؤثر نفسيا وحياتيا وعلميا على عطاء المعلم والوضع التربوي بشكل عام.
وتابع: «رغم ذلك المعلم يعطي كل شيء لديه رغم تفكيره الدائم بأعباء الحياة والمصاريف التي يحتاجها لمنازله، وكلها ظروف تؤثر على حياته وتثقل من كاهله».
وبشأن الحديث الذي يتردد عن نية السلطة الفلسطينية إحالة المدرسين للتقاعد، أشار الميناوي إلى أنه لم يتم إبلاغهم بأي شيء وأن الموسم الدراسي الجديد بدأ وجميع المدرسين عادوا لدوامهم بشكل طبيعي دون أي تأثر حتى اللحظة، معربا عن أمله في أن يكون ما يرد في وسائل الإعلام مجرد سحابة صيف وأن لا يتم تنفيذ هذا القرار الذي في حال نفذ سيؤثر بشكل كبير على المنظومة التعليمية.
- عرقلة وتدني الرواتب
عن المناهج التعليمية، أشار الميناوي إلى وجود تنسيق كامل ما بين غزة والضفة وكذلك فيما يتعلق ببناء المدارس الجديدة وتوفير الأثاث لها. قائلا: «هناك تنسيق وعمل كخلية نحل، ولكننا نأمل في أن ينتهي الانقسام حتى يكون العمل أفضل للجميع».
وحول تأثير الحصار على المسيرة التعليمية في قطاع غزة، قال الميناوي إن الاحتلال الإسرائيلي عرقل العديد من المشاريع لإعادة بناء المدارس التي دمرها خلال حروبه، كما عمل على منع إدخال كميات من الإسمنت للمدارس التي تضررت سواء بشكل جزئي أو بليغ، مشيرا إلى أن ذلك أثر على إعادة تأهيل بعض المدارس. ولفت إلى أن إحدى أزمات صرف رواتب المعلمين بهذه النسبة التي تصل إلى نحو 50 في المائة فقط، تعود بالأساس إلى فرض الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع ما يؤثر على العملية التعليمية برمتها خاصة أنه يؤثر على الراتب المنخفض على المدرس بشكل مباشر.
وأضاف: «كذلك يتأثر الطلاب بالحصار نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي لعوائلهم، خاصة أن عددا كبيرا منهم يعيشون في أجواء نفسية سيئة داخل الفصول المدرسية التي يجب أن تكون مهيأة ومريحة، ولكن عندما يتأثر الطالب بفقر عائلته في بيته يؤثر ذلك عليه في مدرسته وغيرها، ولا يكون في ذات الوضع الذي يشعر به الطالب المنتعش ماديا، وكل ذلك يؤثر على زيادة التحصيل العلمي للطلاب»، مشيرا إلى أن وزارته تبذل جهودا كبيرة من أجل زيادة التحصيل العلمي الموجود أصلا ولكنها تطمح للمزيد ليكون طلاب غزة بأعلى المستويات العلمية، وتعمل من أجل مراعاة الظروف الحياتية لعوائل الطلاب بإعفائهم من الرسوم.
- ظروف اقتصادية صعبة
لوحظ منذ بداية العام الدراسي الجديد الذي بدأ في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تراجع عدد الطلاب في المدارس الخاصة نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها عوائل الطلاب. حيث باتت غالبية العوائل تفضل المدارس الحكومية برسومها البسيطة مقابل ما تدفعه للمدارس الخاصة أو مدارس الأونروا المجانية والمفضلة بشكل أكبر للمواطنين خاصة أن عمليات التحصيل العلمي فيها أكبر من المدارس الأخرى نتيجة ما يتلقاه موظفوها من المدرسين وغيرهم من امتيازات على عكس الظروف التي تمت الإشارة إليها في المدارس الحكومية من عدم تمكن صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم حماس كاملة، وانخفاض رواتب موظفي السلطة مقارنة برواتب المعلمين التابعين للأونروا.
وقال الموظف الحكومي في السلطة عليان أبو ناصر، إنه اضطر إلى نقل ابنه من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية، لعدم قدرته على تسديد أقساط تعليمه، بعد الخصومات التي طالت راتبه، وبلغت نحو 50 في المائة، مشيرا إلى أن ما يتبقى من راتبه لا يكاد يكفي لسد احتياجات منزله، من مأكل ومشرب، طوال الشهر.
وأكد أبو ناصر أن عملية نقل ابنه من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الحكومية ستوفر عليه مبلغا ماليا كبيرا، وسيخفض من المصاريف اليومية. وما زاد من أعباء الوضع الاقتصادي في غزة إقدام السلطة الفلسطينية على خصم 30 إلى 50 في المائة من رواتب موظفيها ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها بهدف معاقبة حماس اقتصاديا. كما قالت.
وأثير مؤخرا في قطاع غزة جدل بشأن نوايا الأونروا تغيير المناهج الدراسية في مدارسها بعد اتهامات من اتحاد العاملين في المنظمة الأممية بنيتها تغيير نحو 2 في المائة من المنهج بما يتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة قضايا اللاجئين وحقوقهم. إلا أن الأونروا نفت تلك الأنباء في بيان رسمي لها وأكدت أنها ستحافظ على المنهاج الذي تقدمه السلطة الفلسطينية.
- لمحة عن هيكلية المدارس
في قطاع غزة 714 مدرسة، منها 392 تابعة للحكومة الفلسطينية و267 لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، و55 تابعة للقطاع الخاص. وبعض هذه المدارس تحتوي على فترتين دراسيتين إحداهما صباحية والأخرى مسائية لكثافة أعداد الطلاب خاصة الذين يتوجهون لمدارس الأونروا.
تمثل مدارس الحكومة، عدد 174 مدرسة للذكور بنسبة (44.38 في المائة)، و158 للإناث بنسبة (40.31 في المائة)، و60 مدرسة مشتركة للصغار بنسبة (15.31 في المائة). فيما تمثل مدارس الأونروا، عدد 115 للذكور بنسبة (43.07 في المائة)، و69 للإناث بنسبة (25.84 في المائة)، و83 مشتركة للصغار بنسبة (31.09 في المائة). بينما تمثل مدارس القطاع الخاص عدد 10 مدارس ذكور بنسبة (18.18 في المائة)، و5 إناث بنسبة (9.09 في المائة)، و40 مشتركة بنسبة (72.73 في المائة).
وتلزم المدارس الحكومية الطلاب في قطاع غزة من المراحل الأساسية بدفع رسوم 40 شيكلا (أي ما يعادل أقل من 12 دولارا)، ويمنح الشقيقان تخفيضا لتصبح الرسوم 20 شيكلا فقط (أي ما يعادل أقل من 6 دولارات). بينما المراحل الثانوية تصل الرسوم إلى 70 شيكلا (ما يعادل أقل من 20 دولارا)، وللشقيقين 50 شيكلا (ما يعادل أقل من 14 دولارا).
يسمح لأبناء «الشهداء» والأسرى الدراسة مجانا، وكذلك للحالات الاجتماعية المستعصية في ظل انتشار الفقر المدقع. إلا أنه رغم ذلك يشتكي ذوو الطلاب من الظروف الاقتصادية الصعبة خاصة أن الطلاب يحتاجون قرطاسية بمبالغ مالية لكل طالب تصل إلى نحو 100 شيكل (ما يعادل 28 دولارا) أو ما يزيد عن ذلك في بعض الأحيان. وتفرض في بعض الأحيان رسوما على بعض كتب المناهج خاصة ممن لا يملك مناهج جديدة. إلا أنها تستثني من ذلك الحالات الاجتماعية التي تعيش ظروفا صعبة.
في حين أن الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الأونروا لا يتم إلزامهم بأي رسوم سنوية، ويمنحون كتب المناهج جميعها مجانا. ومنذ سنوات تلجأ الأونروا مع بداية كل عام دراسي لتوزيع 100 شيكل على كل طالب (ما يعادل 28 دورا)، بالإضافة لتوزيع قرطاسية بسيطة على الطلاب.
فيما يدفع طلاب مدارس القطاع الخاص مبالغ مالية كبيرة سواء للرسوم الدراسية السنوية أو المناهج التعليمية التي يتم تسليمهم إليها، وتختلف تلك الرسوم من مدرسة إلى أخرى بسبب المنافسة فيما بينها. ويبلغ عدد الطلاب في كافة المدارس 523880. منهم 243838 يتلقون تعليمهم في مدارس الحكومة بنسبة (46.54 في المائة)، و261657 في مدار الأونروا بنسبة (49.95 في المائة)، و18385 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (3.51 في المائة).
ويمثل عدد طلاب المرحلة الأساسية منهم 427523 بنسبة (81.61 في المائة)، من بينهم 153920 في مدارس الحكومة بنسبة (36 في المائة)، و261657 في مدارس الأونروا بنسبة (61.2 في المائة)، و11946 في المدارس الخاصة بنسبة (2.79 في المائة). فيما يمثل عدد طلاب المرحلة الثانوية 96357 بنسبة (18.39 في المائة) من مجمل الطلاب، منهم 89918 في مدارس الحكومة بنسبة (92.33 في المائة)، في حين لا يوجد للأونروا أي مدارس لهذه المرحلة، بينما في القطاع الخاص يدرس 6439 طالبا بنسبة (6.68 في المائة).
فيما يبلغ عدد المعلمين في تلك المدارس 24424. منهم 13368 في مدارس الحكومة بنسبة (54.73 في المائة)، و9618 في مدارس الأونروا بنسبة (39.38 في المائة)، و1438 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (5.98 في المائة). ويصل عدد المعلمين في المرحلة الأساسية إلى 18167 بنسبة (74.38 في المائة)، منهم 7620 في مدارس الحكومة بنسبة (41.9 في المائة)، و9618 في مدارس الأونروا بنسبة (52.94 في المائة)، و929 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (5.11 في المائة). بينما يصل عددهم في المرحلة الثانوية 6257 بنسبة (25.62 في المائة). منهم 5748 في مدارس الحكومة بنسبة (91.87 في المائة)، و509 في مدارس القطاع الخاص بنسبة (8.13 في المائة). في حين لا يوجد للأونروا أي مدارس لهذه المرحلة.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.