«الاختفاء القسري» سلاح في سوريا... و«اقتصاد الحرب» زاد المعاناة

مرصد حقوقي يتحدث عن 85 ألف مختفٍ معظمهم لدى النظام

TT

«الاختفاء القسري» سلاح في سوريا... و«اقتصاد الحرب» زاد المعاناة

من خلال الصور وبعض المقتنيات التي بقيت لدى عائلاتهم والذكريات التي لا تفارقهم بحلوها ومآسيها، لا يزال المخفيون قسراً في السجون السورية حاضرين. وحاولت «منظمة العفو الدولية» في «اليوم العالمي للمخفيين» التركيز على هذا الملف الموجع بدعوة المجتمع الدولي للتحرك والكشف عن مصير عشرات آلاف الأشخاص الذين اعتقلوا منذ بدء الحرب السورية عام 2011.
وتحدثت فدوى محمود عن المعاناة التي يسببها عدم معرفة مصير ومكان وجود زوجها عبد العزيز الخير ونجلها ماهر طحان منذ 20 سبتمبر (أيلول) 2012، قائلة: «تمرّ الأيام ثقيلة للغاية، وأنا أعيش على الأمل الذي يساعدني على الاستمرار ويدفعني إلى بذل كل ما في وسعي من أجل إطلاق سراحهما. لا أفقد الأمل في عودتهما، وأتخيل اللحظة التي أعلم فيها بإطلاق سراحهما».
وكان زوج فدوى وابنها قد اختفيا إثر القبض عليهما من قبل الاستخبارات الجوية عند نقطة تفتيش بعد خروجهما من مطار دمشق عام 2013 مع أن الحكومة السورية تنفي ذلك.
وفي تقرير لها، قدرت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» عدد المخفيين في سوريا بنحو «85 ألفاً؛ 90 في المائة منهم تقع مسؤولية اختفائهم على النظام السوري الذي مارس عمليات الخطف بشكل ممنهج ضد جميع أطياف الشعب السوري كسلاح حرب مرتبط بعمليات القتل والعنف الجنسي والابتزاز المادي»، وأشارت «الشبكة» إلى أن عمليات الإخفاء القسري توسَّعت مع انتشار المجموعات المسلحة غير الرسمية التي تُقاتل إلى جانب قوات النظام والأمن السوري، كالميليشيات الإيرانية، و«حزب الله» اللبناني، وغيرها، والتي أنشأت مراكز احتجاز خاصة بها وقامت بعمليات اعتقال وخطف حمل معظمها صبغة طائفية وحصلت بشكل جماعي.
من جهتها، قالت الباحثة في الشؤون السورية، في «العفو الدولية» ديانا سمعان لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض» الذي نظم في بيروت «ليس أكثر من صرخة من المنظمة وأهالي المخفيين علّها تصل إلى المجتمع الدولي للضغط على النظام وحث سوريا وإيران على القبول ببحث هذه القضية مع المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا والمعارضة السورية، أو على الأقل إعطاء معلومات عن أماكن وجودهم». وأوضحت أن معظم المخفيين قسرا في سجون النظام السوري من الناشطين في مجال حقوق الإنسان أو المعارضين السياسيين، ويمتنع عن إعطاء أي معلومات عنهم أو حتى الاعتراف بوجودهم.
ورغم الجهود التي تبذلها «العفو الدولية» في هذه القضية، فإن هناك صعوبة كبيرة في الحصول على معلومات، حيث لا يزال معتقلون يتعرضون لتعذيب في سجون النظام أثبتته صور كثيرة تم تسريبها من السجون. وبحسب تقارير حقوقية، فإن بين المخفيين عشرات النساء والأطفال. وأعطت سمعان مثالا على ذلك؛ طبيبة الأسنان رانيا العباسي التي اختطفت هي وزوجها وأبناؤها الستة، من دون معرفة مكان احتجازهم. وتلفت إلى معلومات تشير إلى تحوّل موضوع المخفيين إلى «اقتصاد حرب» حيث باتت قضيتهم موضع استغلال من أشخاص يدّعون معرفة معلومات عنهم بهدف الحصول على أموال، وهو ما يجعل العائلات تخضع لهم ليكتشفوا فيما بعد تعرضهم للخديعة.
وقال فيليب لوثر، مدير «البحوث وكسب التأييد» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المنظمة، إن محنة الأشخاص المخفيين قسرا تُعد مأساة قوبلت بتجاهل دولي كبير، داعيا «روسيا والولايات المتحدة لاستخدام نفوذهما للضغط على الحكومة السورية والجماعات المسلحة المعارضة على التوالي لحملهما على السماح لمراقبين مستقلين بالوصول إلى مرافق الاحتجاز والإفصاح عن أسماء وأماكن وجود الأشخاص المحرومين من حريتهم، والسماح لجميع المعتقلين بالاتصال بعائلاتهم».
وفي حين تشير المنظمة إلى أن الأغلبية الساحقة من المختفين في سوريا فُقدوا في مراكز اعتقال النظام، تلفت إلى أن نحو ألفي شخص اختفوا عقب اعتقالهم من قبل جماعات المعارضة المسلحة وتنظيم داعش، وذكرت أنه في 9 سبتمبر (أيلول) 2013 اختطفت إحدى جماعات المعارضة المسلحة النشطاء السلميين السوريين رزان زيتونة ووائل حمادة وسميرة خليل وناظم حمادي الذين عملوا في مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وهي منظمة غير حكومية تقوم بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان. ولم تحصل عائلاتهم على أي معلومات بشأن مصيرهم حتى اللحظة.
وبحسب تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فإن ما لا يقل عن 85 ألفاً و36 شخصاً ما زالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا منذ مارس 2011؛ بينهم مئات النساء والأطفال، موضحا أن النظام السوري مسؤول عن إخفاء ما لا يقل عن 76 ألفاً 656 شخصاً، فيما ما لا يقل عن 4698 شخصاً مختفون لدى تنظيم داعش، وما لا يقل عن 1121 شخصاً لدى تنظيم «جبهة فتح الشام»، بينما أخفت قوات الإدارة الذاتية ما لا يقل عن 1143 شخصاً، وتتحمل فصائل المعارضة المسلحة مسؤولية إخفاء ما لا يقل عن 1418 شخصاً. ووفق التقرير، فقد كانت النسبة الكبرى من ضحايا الاختفاء القسري من محافظة ريف دمشق، تليها محافظتا درعا ودمشق.
وعلى غرار «العفو الدولية» و«الشبكة السورية» وفي «اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري»، دعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في مصير آلاف المفقودين وتحديد أماكن المقابر الجماعية في سوريا.
وقالت المنظمة في بيان: «لا بد على الفور من إنشاء مؤسسة تكلف بالتحقيق في مصير وأماكن وجود المفقودين، والوصول إلى رفات المجهولين والمقابر الجماعية في سوريا».
وفي الرسالة التي حملت توقيع 66 من المنظمات السورية الناشطة في مجالات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، سلط الضوء على المعاناة اليومية للسوريين من الاعتقال العشوائي من قبل النظام السوري بشكل خاص.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.