عين الداخلية السعودية الشابة

عبد العزيز بن سعود من وزارة «الأمن» يتابع تنفيذ خطط الحج

عين الداخلية السعودية الشابة
TT

عين الداخلية السعودية الشابة

عين الداخلية السعودية الشابة

الوقت يحتّم الكتابة، بعد أن شارف موسم الحج على نهايته، وسط نجاح معتاد من السلطات والأجهزة المعنية في السعودية، في تنظيم وتيسير أمور الموسم الذي يُعد تاريخياً، نظراً لزيادة نسبة الحجاج على كل الأعوام والمواسم في تاريخ رحلة الحج.
وحين تُذكر القطاعات السعودية العاملة في الحج، تبرز وزارة الداخلية بوصفها حجر زاوية في تأمين الموسم وخدمة الحجاج. ورغم مشاركة جميع قطاعات الدولة في محيط أعمالها بالحج، فإن وزير الداخلية السعودي يُعد مظلة جامعة لها.
الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف هو الوزير الأول من الجيل الرابع للأسرة المالكة السعودية، وتسلّم في يونيو (حزيران) الماضي هذه الوزارة السيادية ذات الملفات المتقاطعة بين الأمن والتنمية والشؤون المدنية. وهو، بهذا الدور، يكون على رأس كوكبة القطاعات السعودية المنخرطة في الحج. فكل وزير داخلية في البلاد هو رئيس لجنة الحج العليا. هكذا تسير الأمور.

في الوزارة العتيدة تجتمع على مكتب الوزير الشاب ملفات كثيرة، بينها مشروع مواكبة التحديث الوطني المتمثل في «رؤية السعودية 2030»، وملفات حساسة تدخل في عمق العمل الأمني من خلال قطاع وأجهزة الأمن العام، بالإضافة إلى ملفات العمل الإداري عبر الإشراف على إمارات المناطق، والشؤون المدنية، والإقامة.
يقود الأمير عبد العزيز في وزارة «الأمن»، بالعاصمة الرياض، ملفات الأمن العام، والأحوال المدنية، والجوازات، إضافة إلى الملفات الشائكة في 13 إمارة محلية، علاوة على شؤون القبائل، وهو ما يجعل وزارته إحدى أكثر الوزارات ارتباطاً بالشارع السعودي وزوّار البلاد، وإن غادرت بعض قطاعات الأمن إلى جهاز رئاسة أمن الدولة.
وفي الواقع، لم يكن وجود الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف على رأس وزارة الداخلية أمراً غريباً؛ فهو المرافق لجده وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي قضى جلّ عمره وزيرا لها في أطول فترة يمكثها وزير فيها على مدى أكثر من 35 عاماً. وكان الحفيد الأمير عبد العزيز أحد الذين قضوا فترات لصيقاً ومسانداً في أعمال حكومية وأخرى خاصة، علاوة على متابعة ملفات ذات شأن مهم في الداخلية السعودية.
كما أنه لم ينفك عن الحضور في أروقة الداخلية بوصفه وجها مرافقا لعمه الوزير السابق الأمير محمد بن نايف، حيث جرى تعيينه في مايو (أيار) من العام الماضي، مستشاراً لوزير الداخلية، قبل أن يتولى الوزارة في يونيو الماضي.
وللأمير عبد العزيز خبرة إدارية تموج مع مؤسسات الحكم والأنظمة في السعودية؛ فعلاوة على أنه خرّيج مدرسة إمارة رافق فيها والده أمير المنطقة الشرقية الحالي، إبان عمله لسنوات كثيرة نائبا لإمارة المنطقة، فهو أحد خريجي قسم القانون في جامعة الملك سعود.
عمل بعد تخرجه في الجامعة ونيله درجة البكالوريوس، سنوات عدة في القطاع الخاص، وكلّفه الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز بعضوية اللجنة العليا لـ«جائزة نايف بن عبد العزيز للسنّة النبوية»، كما كلّفه بعضوية اللجنة العلمية للجائزة.
وعلى غرار الأمير نايف، كان الملك سلمان بن عبد العزيز أحد الواثقين بالأمير الشاب، حيث جرى تعيينه بعد أن تولى الملك سدة الحكم في السعودية مطلع عام 2015، مستشاراً بالديوان الملكي، حيث عمل فترة في إدارة الحقوق، ثم في إدارة الأنظمة، وبعد ذلك في الإدارة العامة للحدود بالديوان الملكي، بالإضافة إلى وحدة المستشارين. ومن ثم عمل لمدة 6 أشهر في الشعبة السياسية، كما عمل بعدها مستشاراً في مكتب وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان (ولي عهد المملكة حالياً)، قبل أن يحمله الأمر الملكي في يونيو الماضي، إلى رأس الداخلية، في دلالة على ثقة قيادة الحكم السعودي بكفاءة الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف.
وللأمير الحفيد رأي تقدّره أوساط الحكم في البلاد، مما يجعله في مقدمة الركب الملكي السعودي، كما أن وجوده في منصب رجل الأمن يمثّل تأكيداً على أن السعودية تتجه إلى التحديث الإداري المواكب لتطلعات المجتمع، في وزارة لا تزال ضمن أهم الوزارات في السعودية، منذ تأسيسها.
وفي ظل انتعاشة العمل في البلاد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ستكون الداخلية السعودية جزءاً من منظومة العمل التي تتطور في المملكة. وهكذا يكون الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف على نقطة تماس مع الإصلاحات الداخلية التي تترافق مع نشاط في العمل الخارجي.
ملفات الأمن والداخلية السعودية لا تُعد تحدياً كبيراً أمام الأمير عبد العزيز؛ فهو عايش المرحلة التي حاولت فيها التنظيمات المتطرفة خلق وجود لها داخل السعودية، قبل أن تحطمها الضربات الاستباقية والإنجازات الأمنية منذ عهد جده الأمير نايف وبعده الأمير محمد بن نايف.
كما أن ملفي «داعش» وخلايا الإرهاب في القطيف، شرق السعودية، أصبحا في نطاق التضييق والمتابعات الأمنية لدى رئاسة أمن الدولة، بارتباط حتمي مع قطاعات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، حيث تبرز قطاعات الأمن العام، المتمثلة في دوريات الأمن والشرطة والمرور وأمن الطرق والأمن الدبلوماسي، وكذلك قوات أمن الحج والعمرة، من القطاعات ذات الارتباط بالشؤون الأمنية.
ومما هو متوقع، وفقاً للفلسفة والأسلوب السعودي في مواجهة الإرهاب، أن الأمير عبد العزيز سيكون على النهج ذاته، مع تنشيط جوانب أخرى في العمل الخدمي الأمني، حيث يعد المنهج السعودي في التعامل مع ملف الإرهاب محل ثناء وإشادة من قبل المؤسسات الأمنية الإقليمية والدولية؛ إذ تعتمد السعودية على ثنائية مترابطة بين القوة والرعاية التنموية. كذلك سيكون ملف إبراز القطاع الخدمي المتعلق بالداخلية السعودية، على رأس الأولويات المتوقعة.
ولا ينفك المؤرخون عن ذكر التأثير الأمني على ثبات السعودية، واستمرار قوتها منذ تأسيسها. فميدان الأمن والخطط التي بناها الراحل الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، كان لها تأثير شامل على أصقاع الدولة حتى غدت المملكة - ومنذ عقود ماضية - هي ومجتمعها مضرب المثل في الأمن والسلم وتحقيق الرخاء الاقتصادي، وحتى اليوم.
وعلى وقع ذلك، أسست السعودية مفهوماً جديداً بكيان حديث يحمل في محتواه أبرز القطاعات الأمنية التي تعد رأس حربة، نظير العمل النوعي الذي تقوم به في محاربة الإرهاب من خلال جهاز «رئاسة أمن الدولة»، وفق التعريف الشامل وهو ما تقوم به الدولة للحفاظ على كيان الدولة المادي والبشري من الأخطار، ويعيد ذلك تعريفاً للمصالح والمخاطر، مما يحقق الحماية للتركيبة الاجتماعية وعناصر القوة للكيان الوطني، لما لذلك من دور في تحقيق الرؤية الشاملة للأمن وما يؤثر عليه إقليمياً وعالمياً.
ويمثّل القرار الملكي الذي أصدره الملك سلمان، بعد شهر من تعيين الأمير عبد العزيز على رأس وزارة الداخلية، رؤية وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، بأن مفهوم رئاسة أمن الدولة يوجد بوصفه كيانا ضمن أفضل الممارسات المطبقة عالمياً. وجاء الأمر بناء على توجهات وقناعات عليا من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والتي حظيت بالموافقة الملكية من قبل الملك سلمان.
وستتمكن قطاعات، في إطار الفصل بين قطاعات الداخلية السابقة، من تحقيق الجودة والفاعلية في تقديم خدمات المرور والشرطة وكذلك الجوازات وسواها، بعد أن كان ملف الإرهاب هو الحيّز الأكبر في نطاق عمل الوزارة قبل القرار الملكي.
وتملك وزارة الداخلية السعودية كثيرا من الخبرات في العمل الإداري والتنموي في جميع اتجاهاته، وإن كان لا يظهر سوى قوتها الأمنية وتضحيات رجالها، فهناك جناح آخر تقوم به الوزارة في إطار عملها الحثيث للوقوف في هذا الجانب، يتمثل في رعايتها الموقوفين والعائدين من مناطق الصراعات بعد أن تورطوا فيها، ونجحت الداخلية في إعادة المئات من المتورطين في قضايا تتعلق بالانضمام إلى التيارات المتطرفة، وأصبحوا اليوم لَبنات تنخرط في الحياة المجتمعية والعملية بعد الوقفات الحقيقية من قبل الوزارة في دعمهم وإعادتهم إلى الصواب، خصوصا ممن كانوا ضحايا للتفسيرات المنحرفة للدين الإسلامي.
اليد الإصلاحية للداخلية نابعة من إطار التصدي للتطرف بالوقوف مع من يثبت نيته في العودة عن درب ساقهم إليه بعض دعاة التطرف، والأصوات الإعلامية المتشددة التي لا تمثل الإسلام وجوهره، فخلال أعوام خمسة امتدت بين 2003 و2008 أضحى تجفيف منابع الفكر المتطرف ظاهرا، مقارنة بعدد من الدول التي تنتهج مسار البرامج الإصلاحية والتأهيلية المشابهة، فيما لا تزال هذه البرامج والمراكز تقوم بعملها حتى اليوم.
أمام الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، ملفات شتى ومهام متنوعة، في وزارة لها مواقف القوة والتقدير، والتي ما زالت تسير بثبات على ما تأسس، مع تطوير هو سمة الكون أمام تحقيق الآمال السعودية لمجتمعها المتوثب للتغيير في مجالات عدة، بتحطيم أشكال الإرهاب والحفاظ على السلم الاجتماعي، في طريق وثبة السعودية الجديدة التي يرعاها الملك سلمان المتعهد الدائم بضخ روح الشباب في مفاصل الدولة بقيادات ذات كفاءة، وبمتابعة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، في طريق البلاد نحو المستقبل.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.