عين الداخلية السعودية الشابة

عبد العزيز بن سعود من وزارة «الأمن» يتابع تنفيذ خطط الحج

عين الداخلية السعودية الشابة
TT

عين الداخلية السعودية الشابة

عين الداخلية السعودية الشابة

الوقت يحتّم الكتابة، بعد أن شارف موسم الحج على نهايته، وسط نجاح معتاد من السلطات والأجهزة المعنية في السعودية، في تنظيم وتيسير أمور الموسم الذي يُعد تاريخياً، نظراً لزيادة نسبة الحجاج على كل الأعوام والمواسم في تاريخ رحلة الحج.
وحين تُذكر القطاعات السعودية العاملة في الحج، تبرز وزارة الداخلية بوصفها حجر زاوية في تأمين الموسم وخدمة الحجاج. ورغم مشاركة جميع قطاعات الدولة في محيط أعمالها بالحج، فإن وزير الداخلية السعودي يُعد مظلة جامعة لها.
الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف هو الوزير الأول من الجيل الرابع للأسرة المالكة السعودية، وتسلّم في يونيو (حزيران) الماضي هذه الوزارة السيادية ذات الملفات المتقاطعة بين الأمن والتنمية والشؤون المدنية. وهو، بهذا الدور، يكون على رأس كوكبة القطاعات السعودية المنخرطة في الحج. فكل وزير داخلية في البلاد هو رئيس لجنة الحج العليا. هكذا تسير الأمور.

في الوزارة العتيدة تجتمع على مكتب الوزير الشاب ملفات كثيرة، بينها مشروع مواكبة التحديث الوطني المتمثل في «رؤية السعودية 2030»، وملفات حساسة تدخل في عمق العمل الأمني من خلال قطاع وأجهزة الأمن العام، بالإضافة إلى ملفات العمل الإداري عبر الإشراف على إمارات المناطق، والشؤون المدنية، والإقامة.
يقود الأمير عبد العزيز في وزارة «الأمن»، بالعاصمة الرياض، ملفات الأمن العام، والأحوال المدنية، والجوازات، إضافة إلى الملفات الشائكة في 13 إمارة محلية، علاوة على شؤون القبائل، وهو ما يجعل وزارته إحدى أكثر الوزارات ارتباطاً بالشارع السعودي وزوّار البلاد، وإن غادرت بعض قطاعات الأمن إلى جهاز رئاسة أمن الدولة.
وفي الواقع، لم يكن وجود الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف على رأس وزارة الداخلية أمراً غريباً؛ فهو المرافق لجده وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي قضى جلّ عمره وزيرا لها في أطول فترة يمكثها وزير فيها على مدى أكثر من 35 عاماً. وكان الحفيد الأمير عبد العزيز أحد الذين قضوا فترات لصيقاً ومسانداً في أعمال حكومية وأخرى خاصة، علاوة على متابعة ملفات ذات شأن مهم في الداخلية السعودية.
كما أنه لم ينفك عن الحضور في أروقة الداخلية بوصفه وجها مرافقا لعمه الوزير السابق الأمير محمد بن نايف، حيث جرى تعيينه في مايو (أيار) من العام الماضي، مستشاراً لوزير الداخلية، قبل أن يتولى الوزارة في يونيو الماضي.
وللأمير عبد العزيز خبرة إدارية تموج مع مؤسسات الحكم والأنظمة في السعودية؛ فعلاوة على أنه خرّيج مدرسة إمارة رافق فيها والده أمير المنطقة الشرقية الحالي، إبان عمله لسنوات كثيرة نائبا لإمارة المنطقة، فهو أحد خريجي قسم القانون في جامعة الملك سعود.
عمل بعد تخرجه في الجامعة ونيله درجة البكالوريوس، سنوات عدة في القطاع الخاص، وكلّفه الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز بعضوية اللجنة العليا لـ«جائزة نايف بن عبد العزيز للسنّة النبوية»، كما كلّفه بعضوية اللجنة العلمية للجائزة.
وعلى غرار الأمير نايف، كان الملك سلمان بن عبد العزيز أحد الواثقين بالأمير الشاب، حيث جرى تعيينه بعد أن تولى الملك سدة الحكم في السعودية مطلع عام 2015، مستشاراً بالديوان الملكي، حيث عمل فترة في إدارة الحقوق، ثم في إدارة الأنظمة، وبعد ذلك في الإدارة العامة للحدود بالديوان الملكي، بالإضافة إلى وحدة المستشارين. ومن ثم عمل لمدة 6 أشهر في الشعبة السياسية، كما عمل بعدها مستشاراً في مكتب وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان (ولي عهد المملكة حالياً)، قبل أن يحمله الأمر الملكي في يونيو الماضي، إلى رأس الداخلية، في دلالة على ثقة قيادة الحكم السعودي بكفاءة الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف.
وللأمير الحفيد رأي تقدّره أوساط الحكم في البلاد، مما يجعله في مقدمة الركب الملكي السعودي، كما أن وجوده في منصب رجل الأمن يمثّل تأكيداً على أن السعودية تتجه إلى التحديث الإداري المواكب لتطلعات المجتمع، في وزارة لا تزال ضمن أهم الوزارات في السعودية، منذ تأسيسها.
وفي ظل انتعاشة العمل في البلاد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ستكون الداخلية السعودية جزءاً من منظومة العمل التي تتطور في المملكة. وهكذا يكون الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف على نقطة تماس مع الإصلاحات الداخلية التي تترافق مع نشاط في العمل الخارجي.
ملفات الأمن والداخلية السعودية لا تُعد تحدياً كبيراً أمام الأمير عبد العزيز؛ فهو عايش المرحلة التي حاولت فيها التنظيمات المتطرفة خلق وجود لها داخل السعودية، قبل أن تحطمها الضربات الاستباقية والإنجازات الأمنية منذ عهد جده الأمير نايف وبعده الأمير محمد بن نايف.
كما أن ملفي «داعش» وخلايا الإرهاب في القطيف، شرق السعودية، أصبحا في نطاق التضييق والمتابعات الأمنية لدى رئاسة أمن الدولة، بارتباط حتمي مع قطاعات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، حيث تبرز قطاعات الأمن العام، المتمثلة في دوريات الأمن والشرطة والمرور وأمن الطرق والأمن الدبلوماسي، وكذلك قوات أمن الحج والعمرة، من القطاعات ذات الارتباط بالشؤون الأمنية.
ومما هو متوقع، وفقاً للفلسفة والأسلوب السعودي في مواجهة الإرهاب، أن الأمير عبد العزيز سيكون على النهج ذاته، مع تنشيط جوانب أخرى في العمل الخدمي الأمني، حيث يعد المنهج السعودي في التعامل مع ملف الإرهاب محل ثناء وإشادة من قبل المؤسسات الأمنية الإقليمية والدولية؛ إذ تعتمد السعودية على ثنائية مترابطة بين القوة والرعاية التنموية. كذلك سيكون ملف إبراز القطاع الخدمي المتعلق بالداخلية السعودية، على رأس الأولويات المتوقعة.
ولا ينفك المؤرخون عن ذكر التأثير الأمني على ثبات السعودية، واستمرار قوتها منذ تأسيسها. فميدان الأمن والخطط التي بناها الراحل الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، كان لها تأثير شامل على أصقاع الدولة حتى غدت المملكة - ومنذ عقود ماضية - هي ومجتمعها مضرب المثل في الأمن والسلم وتحقيق الرخاء الاقتصادي، وحتى اليوم.
وعلى وقع ذلك، أسست السعودية مفهوماً جديداً بكيان حديث يحمل في محتواه أبرز القطاعات الأمنية التي تعد رأس حربة، نظير العمل النوعي الذي تقوم به في محاربة الإرهاب من خلال جهاز «رئاسة أمن الدولة»، وفق التعريف الشامل وهو ما تقوم به الدولة للحفاظ على كيان الدولة المادي والبشري من الأخطار، ويعيد ذلك تعريفاً للمصالح والمخاطر، مما يحقق الحماية للتركيبة الاجتماعية وعناصر القوة للكيان الوطني، لما لذلك من دور في تحقيق الرؤية الشاملة للأمن وما يؤثر عليه إقليمياً وعالمياً.
ويمثّل القرار الملكي الذي أصدره الملك سلمان، بعد شهر من تعيين الأمير عبد العزيز على رأس وزارة الداخلية، رؤية وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، بأن مفهوم رئاسة أمن الدولة يوجد بوصفه كيانا ضمن أفضل الممارسات المطبقة عالمياً. وجاء الأمر بناء على توجهات وقناعات عليا من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والتي حظيت بالموافقة الملكية من قبل الملك سلمان.
وستتمكن قطاعات، في إطار الفصل بين قطاعات الداخلية السابقة، من تحقيق الجودة والفاعلية في تقديم خدمات المرور والشرطة وكذلك الجوازات وسواها، بعد أن كان ملف الإرهاب هو الحيّز الأكبر في نطاق عمل الوزارة قبل القرار الملكي.
وتملك وزارة الداخلية السعودية كثيرا من الخبرات في العمل الإداري والتنموي في جميع اتجاهاته، وإن كان لا يظهر سوى قوتها الأمنية وتضحيات رجالها، فهناك جناح آخر تقوم به الوزارة في إطار عملها الحثيث للوقوف في هذا الجانب، يتمثل في رعايتها الموقوفين والعائدين من مناطق الصراعات بعد أن تورطوا فيها، ونجحت الداخلية في إعادة المئات من المتورطين في قضايا تتعلق بالانضمام إلى التيارات المتطرفة، وأصبحوا اليوم لَبنات تنخرط في الحياة المجتمعية والعملية بعد الوقفات الحقيقية من قبل الوزارة في دعمهم وإعادتهم إلى الصواب، خصوصا ممن كانوا ضحايا للتفسيرات المنحرفة للدين الإسلامي.
اليد الإصلاحية للداخلية نابعة من إطار التصدي للتطرف بالوقوف مع من يثبت نيته في العودة عن درب ساقهم إليه بعض دعاة التطرف، والأصوات الإعلامية المتشددة التي لا تمثل الإسلام وجوهره، فخلال أعوام خمسة امتدت بين 2003 و2008 أضحى تجفيف منابع الفكر المتطرف ظاهرا، مقارنة بعدد من الدول التي تنتهج مسار البرامج الإصلاحية والتأهيلية المشابهة، فيما لا تزال هذه البرامج والمراكز تقوم بعملها حتى اليوم.
أمام الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، ملفات شتى ومهام متنوعة، في وزارة لها مواقف القوة والتقدير، والتي ما زالت تسير بثبات على ما تأسس، مع تطوير هو سمة الكون أمام تحقيق الآمال السعودية لمجتمعها المتوثب للتغيير في مجالات عدة، بتحطيم أشكال الإرهاب والحفاظ على السلم الاجتماعي، في طريق وثبة السعودية الجديدة التي يرعاها الملك سلمان المتعهد الدائم بضخ روح الشباب في مفاصل الدولة بقيادات ذات كفاءة، وبمتابعة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، في طريق البلاد نحو المستقبل.



مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.