الطفل بـ30 دولاراً... ظاهرة «الاتجار بالأطفال» تجتاح إيران

سيدة إيرانية تعرض ابنها للبيع (دويتشه فيله)
سيدة إيرانية تعرض ابنها للبيع (دويتشه فيله)
TT

الطفل بـ30 دولاراً... ظاهرة «الاتجار بالأطفال» تجتاح إيران

سيدة إيرانية تعرض ابنها للبيع (دويتشه فيله)
سيدة إيرانية تعرض ابنها للبيع (دويتشه فيله)

تشهد شوارع العاصمة الإيرانية طهران تنامياً كبيراً وملحوظاً في عمليات الاتجار بالبشر، خاصة بيع الأطفال وبأسعار متدنية، من قبل أمهات أصابهن اليأس والفقر والإحباط، وأدمن كثير منهن المخدرات، وسط مجهودات حكومية شبه معدومة من السلطات الإيرانية لمواجهة الظاهرة.
وتُعرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، مصطلح الاتجار بالأطفال، وفقًا لبروتوكول منع قمع ومعاقبة الاتجار بالأطفال، على أنه: «تجنيد الأطفال أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم. وهو يعد انتهاكًا لحقوقهم، ورفاههم ويحرمهم من فرص تحقيق إمكاناتهم الكاملة».
وبحسب الكاتب فرشيد أسد، يُعتبر وضع الأطفال في إيران إحدى الظواهر الاجتماعية المشؤومة. ويأتي أسد ببعض النماذج البسيطة التي تؤكد الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال إيران:
- اعتراف مساعد لشؤون الرعاية الاجتماعية للنظام بوجود 600 طفل تم عرضهم للبيع.
اعترف مساعد لشؤون الرعاية الاجتماعية للنظام أنه: «تم تقديم 1200 طفل إلى هيئة الرعاية الاجتماعية في العام المنصرم وكان من بينهم 600 مولود». واضطر «حبيب الله مسعودي فريد» إلى الاعتراف ببيع الأطفال خلال مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء «آيلنا» الحكومية يوم 16 أغسطس (آب) 2017، وأكد قائلاً: «يوجد موضوع بيع الأطفال وحديثي الولادة في بعض النقاط».
- وأد أحياء في القبور؟
أصدرت وكالة الأنباء الحكومية «آيسنا» في عددها الصادر بتاريخ 12 يونيو (حزيران) 2017 تقريرا تحت عنوان «تحليل من جغرافية عمل الأطفال»، اعترفت فيه بجوانب جديدة من أزمة عمالة الأطفال، كتبت فيه: «لا توجد إحصائية واضحة لأعداد الأطفال العاملين في إيران، ويأتي ذلك في وقت تظهر الإحصائيات الرسمية أن هناك ما يقارب المليونين طفل يعملون في البلاد. ولكن، تؤكد في الوقت نفسه إحصائيات غير رسمية وجود سبعة ملايين طفل عامل في إيران، تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاما. إلا أنه وحسب شهود عيان، هناك آلاف الأطفال دون الخمس سنوات يخضعون للعمل القسري».
- تجارة الأطفال والأعضاء البشرية في نظام الملالي
كتبت وكالة أنباء «فارس» المحسوبة على قوات الحرس في عددها الصادر بتاريخ الأول من يوليو (تموز) 2017: «تحت مطرقة الإيجار وتهريب الأعضاء البشرية، وفي ظل ضعف القانون، تقول عضو المجلس البلدي لطهران فاطمة دانشور، إنه في كثير من الحالات يختفي الأطفال ويتم تهريب أعضاء جسمهم، وبعد فترة يتم العثور على جثث بعض منهم في صحارى من دون كلى وعيون».
- بيع المواليد بأسعار مختلفة
كتب موقع «عصر إيران» الحكومي في عدده الصادر بتاريخ 26 يوليو 2016 التالي: «يختلف ترتيب أسعار بيع المواليد، وتتراوح بين 500 ألف ومليون تومان. وهناك حالات مروعة ومؤلمة كثيرة تقشعر لها الأبدان، فيتراوح سعر الطفل ما بين 30 إلى 60 دولاراً فقط، وتشتريه عصابات المتسولين وتجار المخدرات، في حين يفيد التقرير السنوي للخارجية الأميركية للاتجار بالبشر لعام 2016 بأن سعر الطفل في إيران قد يصل إلى 150 دولاراً.

بيع الوليد قبل المولود
أجرى موقع حكومي حواراً مدهشا مع امرأة تنام في الكراتين. «ناهيد» باعت طفلها غير المولود بـ28 مليون تومان، وأتى الحوار على الشكل التالي:
* لماذا قررت بيع وليدك؟
- بسبب الفقر والبؤس، لا حل آخر.
* هل يوافق زوجك على ذلك؟
- نعم، ترك زوجي هذه الرسالة شخصيا.
* كم من النقود تريدين أن تأخذي مقابل المولود؟
لا شيء، فقط تكاليف الطبيب والأدوية.
* هل هناك من اقترح الشراء لحد الآن؟
- نعم شخص واحد، إلا أننا لم نتوصل إلى اتفاق.
وكشف مدير عام إدارة الشؤون الاجتماعية والثقافية في طهران سياوش شهريور، أن بيع المواليد يتم بشكل منظم، منتقداً بعض المسؤولين الذين ينفون تلك الظاهرة في إيران معمقين أزمة تجارة الإنسان، على حد وصفه.
ونقلت وكالة أنباء «مهر» الإيرانية، عن شهريور قوله: «علينا الاعتراف بحقيقة أن بعض النساء المدمنات والمومسات ينجبن الأطفال للبيع، وأن الوسطاء في هذه التجارة يتفقون مع النسوة وأهلهن على السعر قبل الإنجاب».
وأوضح المسؤول الإيراني أن 80 في المائة من هؤلاء النساء وأطفالهن مصابون بمرض نقص المناعة (الإيدز)، معرباً عن أسفه البالغ لعدم وجود أي نظام يهتم بهؤلاء الأشخاص، وتخلي الحكومة عن دعمهم، على عكس باقي دول العالم.
وشدد على ضرورة وضع حد لمعضلة بيع الأطفال حديثي الولادة، موضحاً أن بعض نساء الأحياء الفقيرة في طهران ينجبن عدداً كبيراً من الأطفال بهدف بيعهم.
من جانبه، كشف رئيس محاكم محافظة أصفهان الإيراني غلام رضا أنصاري، أن بيع الأطفال يتم من قبل مجموعات لديها عاملون في «المنظمة الوطنية للتسجيل المدني»، ومن خلالها يتم إصدار شهادة الميلاد، وأيضاً لديها عاملون في المستشفيات يقومون باختيار الأطفال وتزوير شهادة المستشفى.
وأشار إلى أن أعضاء المجموعات العاملة في مجال بيع وشراء الأطفال يحصلون على مبالغ كبيرة من المال، ويُعطى القليل من هذه المبالغ لوالدي الطفل.
وأيد رضا جعفري، نائب المدعي العام في محاكم طهران، تصريحات رئيس محاكم محافظة أصفهان، قائلاً: «للأسف الشديد لا يوجد قانون لتجريم بيع الأطفال من قبل العوائل ضمن مجموعة القوانين الجنائية للبلاد، وينبغي أن تتم دراسة ظاهرة بيع الأطفال من قبل الخبراء ووضع القوانين اللازمة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة».
وتؤكد المصادر المطلعة أنه في بعض أحياء طهران، التي يعيش فيها أكثر من 14 مليون نسمة، تبلغ نسبة البطالة في أوساط النساء 70 في المائة. وعندما لا يجدن عملا فقد يضطررن إلى التسول أو يقعن في براثن تجار المخدرات. ورغم عقوبة الإعدام في حق المتاجرين بالمخدرات في إيران، فإن هذا القطاع في ازدهار مستمر.
بيت القصيد، أن الظروف الحياتية في إيران باتت متأزمة بوضوح اليوم، حيث يصارع ملايين الأطفال من حكم لم يعط أي هدية للمواطنين والوطن المكبل إلا العشوائيات والمبيت في الكراتين وتفشي الإدمان والانتحار والعاهات الاجتماعية الأخرى.



الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
TT

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

تعود أحداث فيلم «صيفي»، الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات، حيث يأخذ المشاهد في رحلة درامية مشوقة تسلط الضوء على طموح الثراء السريع والتحديات التي تواجهها المجتمعات في تلك الحقبة.

الفيلم، المرشح لجائزة مسابقة الأفلام الطويلة، يحكي قصة رجل أربعيني يُدعى صيفي محمد، الذي يعيش وهم تحقيق ثراء سريع باستخدام مهاراته المحدودة، إلا أنه يجد نفسه محصوراً بين فرقته الشعبية التي تُحيي الأفراح الجماعية، وإدارة متجره الخاص «شريط الكون» الذي يبيع فيه أشرطة كاسيت متنوعة، لا سيما تلك التي تتعلق بالخطب الإسلامية الممنوعة، التي يحصل عليها من المهدي حسام الحارثي، المستشار الديني لرجل الأعمال الشيخ أسعد أمان.

وفي خضم حياة مليئة بالتجارب الفاشلة، يعثر صيفي على شريط يحتوي على تسجيل سري بين الشيخ أسعد والمهدي، يكشف عن فضيحة تضع مكانة الشيخ الاجتماعية على المحك، بعدها يقرر صيفي خوض مغامرة خطيرة لابتزاز المهدي مالياً، مستغلاً سراً يمكن أن يُدمّر حياة الجميع. ومع تسارع الأحداث يضطر صيفي للاختباء في منزل طليقته رابعة، التي تشارك في جلسات تطوير الذات واستشفاء الطاقة، إلى جانب أختها رابية، حينها يجد في علاقتهما المضطربة فرصة للبقاء عندها أطول فترة ممكنة.

مخرج الفيلم وكاتب السيناريو، وائل أبو منصور، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة الفيلم جاءت من شخصية صيفي التي كانت مثيرة بالنسبة لي، فهو شخص يعيش وهم النجاح ولكنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وهذا التناقض جذبني لشخصيته، وحاولت أن أقدم شخصية معقدة ترسخ في ذاكرة المشاهد.

وأوضح أبو منصور أن الفيلم يناقش قضايا حساسة مثل الابتزاز والفساد الديني، وهي مواضيع قد تثير الكثير من الجدل، وأضاف: «كان التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو الحفاظ على التوازن في طرح هذه القضايا دون الإساءة للمعتقدات أو المجتمع أو الأجيال المختلفة، في المقام الأول، لقد كان من الضروري أن نكون حذرين في تقديم هذه المواضيع، بحيث لا نوجه اتهامات مباشرة أو نظهرها بطريقة يمكن أن تضر بالمجتمع أو تؤذي مشاعر الناس».

وتابع مخرج العمل: «حاولنا أن نعرض هذه القضايا من خلال السياق الدرامي الذي يثير التساؤلات ولا يقدم إجابات قاطعة، بل يحفز المشاهد على التفكير والنقد بشكل مفتوح، كانت هناك حاجة لإيجاد طريقة لتقديم هذه المواضيع بشكل واقعي، مع الحفاظ على احترام الأبعاد الاجتماعية والدينية. لكن الأهم من ذلك هو إيجاد الأسلوب الذي يعكس التعقيد البشري لهذه المواضيع، بدلاً من أن نقدمها بشكل سطحّي أو مسيء».

وفي ختام حديثه يقول أبو منصور إنه حرص على أن يكون «صيفي» متوازناً بين إظهار الحقيقة التي قد تحيط بهذه القضايا، والتأكيد على أن هذا لا يعكس المجتمع ككل، بل يعكس جزءاً من واقعه المعقد، وكان الهدف فتح حوار بنّاء بين الأفراد والمجتمع حول هذه القضايا، بدلاً من استغلالها لأغراض إثارة الجدل أو الهجوم.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم الذي تم تصويره في مدينة جدة الساحلية مطلع عام 2023، واستغرق العمل عليه 28 يوماً، روعي فيه اختيار مواقع تصوير تعكس تلك الحقبة الزمنية لتجنب إرباك المشاهد؛ حيث تم اختيار أحياء ومواقع قديمة من المدينة، ومنها حي الرويس وحي البغدادية العتيقة لتكون ساحات لتصوير مشاهد الفيلم».