فان دام يخلط بين الرعب والأمن والركود والاستقرار

استنتاجات خاطئة في كتاب الدبلوماسي الهولندي المخضرم عن سوريا

فان دام يخلط بين الرعب والأمن والركود والاستقرار
TT

فان دام يخلط بين الرعب والأمن والركود والاستقرار

فان دام يخلط بين الرعب والأمن والركود والاستقرار

يقدم التعريف الموجز لهذا الكتاب الجديد عن سوريا مؤلفه نيكولاس فان دام بوصفه: «دبلوماسيا هولنديا مخضرما لديه معرفة مباشرة بالشرق الأوسط». وقد تولى فان دام، بعد عمله سفيراً لهولندا في مصر، وتركيا، والعراق، منصب المبعوث الخاص لبلده إلى سوريا؛ وخلال هذه المهمة الأخيرة أخذ يراقب الوضع من قاعدة في دولة الجوار تركيا. وتتجلى الخلفية الدبلوماسية لفان دام بوضوح طوال صفحات الكتاب، الذي يحاول فيه بجهد، من دون أن ينجح دائماً، أن يكون عادلاً تجاه «جميع الأطراف»، أي يحاول عدم الانحياز لطرف دون الآخر، مع نسج الحجج التي تتمحور حول العبارة النمطية القديمة وهي أن «الحوار هو المخرج الوحيد».
وعلى أية حال، هو ينتقد الأنظمة الديمقراطية الغربية التي يقول إنها خدعت المعارضة السورية من خلال قطع كثير من الوعود ومن بينها الوعد بالتدخل العسكري، وهو أمر لم يعتزموا أبداً القيام به. كذلك ينتقد بوجه خاص الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي أطلق عبارة «على الأسد أن يرحل»، ورسم «خطاً أحمر»، تخطاه النظام السوري المستبد بكل جرأة ومن دون أن يصيبه أي أذى.
يتكون النصف الأول من الكتاب من رواية ذات إيقاع سريع للتاريخ السوري قبل اندلاع الثورة الشعبية عام 2011. الصورة التي تظهر من خلال الكتاب هي صورة سوريا التي تعاني الآن من عدم الاستقرار وأعمال العنف بما في ذلك الصراع الطائفي؛ وربط فان دام ذلك بصورة سوريا، التي أعاد تشكيلها الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي تولى السلطة عام 1970، والذي خلّفه على سدة الحكم ابنه بشار الأسد. يقول فان دام هنا: «لقد شهدت سوريا خلال فترة حكم كل من حافظ وبشار استتباب الأمن الداخلي، والاستقرار، على نحو أكبر مما كانت عليه منذ استقلالها».
ولكن ألا يخلط فان دام بين الرعب والأمن، وبين الركود والاستقرار؟ وإذا غضضنا النظر عن الست سنوات الماضية، التي شهدت البلاد فيها مقتل نحو نصف مليون سوري، فإن تلك العقود الأربع من حكم الأب وابنه كانت نموذجاً للأمن والاستقرار، حسب فان دام. طوال تلك السنوات التي يتحدث عنها فان دام، عاشت سوريا مكبلة بقانون الطوارئ، وتم اعتقال الآلاف، أو تعذيبهم، أو إعدامهم.
إن غياب الأمن والاستقرار الحقيقيين، كان يعني أن النظام البعثي غير قادر على بناء مؤسسات راسخة مستدامة لدولة حديثة، لذا رأى المجتمع السوري إلى حد كبير الطاقة الإبداعية وهي تختنق وهو أمر لم يتمكن، حتى لو حاولوا، الحكام المستبدون السابقون بداية من حسني الزعيم القيام به. يمكن القول بعبارة أخرى، وخلافاً لما ذهب إليه فان دام، فإن الأسد الأب والابن قد دمرا كافة فرص إرساء البنية التحتية السياسية لسوريا، ناهيك بالبنية التحتية الأخلاقية اللازمة لتحقيق أمن واستقرار حقيقيين.
ويحاول فان دام تصوير سوريا كمجتمع يسيطر عليه العنف الطائفي دائماً، ويشير في كثير من المواضع إلى «قتل العلويين» على أيدي المسلمين السنة العرب. والمثال الوحيد الذي يذكره هو عملية القتل الجماعي، التي ارتكبها قادة عسكريون ينتمون إلى الطائفة العلوية في حلب خلال فترة حكم حافظ الأسد. امتدت تلك العملية، وهي أكبر عملية قتل جماعي في تلك الحقبة، لمدة أسبوع، وراح ضحيتها مدنيون عزّل تم قتلهم على أيدي قوات الأسد في حماة عام 1982، وقد وصل عدد الضحايا، حسب فان دام، إلى 25 ألف كان أكثرهم من العرب السنة. يعلم من هم على دراية بالتاريخ السوري أنه في الوقت الذي لعبت فيه الطائفية دوراً في كل الأحداث قريباً التي شهدتها تلك البلاد التعسة، إلا لم تكن دوماً هي العامل الأساسي المهيمن. ما عايشته سوريا ولا تزال تعايشه إلى درجة هي حرب طائفيين وليست حرباً طائفية.
إن القتال، الذي تدور رحاه اليوم، ليس بين السنة والعلويين السوريين، وسيكون من الخطأ رؤية نظام الأسد المستبد كنظام علوي فحسب، بل إنه صراع بين جماهير من السوريين المحرومين من الحرية والديمقراطية الذين ينتمون إلى كل الطوائف، وبين نظام مستبد عازم على الوصول إلى آخر مدى من أجل التمسك بالسلطة، أو، كما نلاحظ، بوهم السلطة.
من أجل تحقيق هذه الغاية، ركّز نظام الأسد على الهيمنة على أذرع السلطة الغاشمة من جيش، وشرطة، و15 تنظيماً أمنياً على الأقل، مع الاستعانة بأفراد موالين للأسد أكثر مما هم موالون لطائفة بعينها أو حتى لحزب البعث الحاكم. وتمثل نسبة الضباط العلويين في الجيش السوري، بحسب تقديرات فان دام، 86 في المائة، لكن أهم ما في الأمر هو موالاتهم لعشيرة الأسد، أكثر من موالاتهم لطائفة دينية، على نحو لا يزال سرياً حتى بالنسبة لأتباعها. ويبلغ الدعم الذي يحظى به الأسد، بحسب تقدير فان دام، 30 في المائة من سكان سوريا؛ ويقابل ذلك نسبة العلويين والمسيحيين والإسماعيليين والدروز في البلاد. مع ذلك تحتاج ترجمة الإحصاءات والأرقام، وهي تقديرية فحسب، إلى حقائق من الدعم السياسي للنظام إلى قدر كبير من الخيال. قد يفضل المرء التقديرات، التي يقدمها سامي خيمي، أحد أكثر الدبلوماسيين السوريين خبرة، والذي يوجد في المنفى حالياً، ويقتبس فان من أقواله في الكتاب. طبقاً لخيمي، يحظى نظام الأسد ومعارضوه المسلحون بدعم نحو 70 في المائة من السوريين، أما الباقي فيكرهون الاثنين لأسباب مختلفة.
بحسب فان دام، فإن مطالبة المعارضة السورية، إلى جانب أكثر من مائة دولة، برحيل الأسد كان عقبة كبرى على طريق التوصل إلى حل تفاوضي للصراع. ويقول فان دام إن على المعارضة ومؤيديها من الدول العربية والدول الديمقراطية الغربية المطالبة عوضاً عن ذلك بتعاون الأسد في عملية الانتقال. قد لا يعلم فان دام هذا الأمر، لكنه تحديداً ما كانوا يحاولون القيام به حين تم طرح خطة المسار الثاني التي من كان المفترض بموجبها أن «يتنحى الأسد جانباً» بدلاً من أن «يتنازل عن السلطة» بدعم أوروبي وإلى حد ما أميركي. كان مصير هذه الخطة الفشل، نظراً لرفض الأسد المبادئ الأساسية لها، إلى جانب سحب أوباما للدعم الأميركي اعتقاداً منه أن الأسد سوف يسقط في كل الأحوال.
قد يتساءل المرء عن معنى عنوان الكتاب والعنوان الفرعي له. ما يحدث في سوريا لا علاقة له بـ«تدمير أمة»، ولا من المرجح أن يتم تدمير سوريا كأمة. في الواقع يمكن للمرء القول إنه بمجرد إسقاط النظام الاستبدادي، قد تنهض سوريا من محنتها الحالية أقوى كأمة أكثر من أي وقت مضى. وفي الحقيقة، يتم تسويق موضوع «الدمار» من جانب الأسد والدولتين الداعمتين له روسيا وإيران كأداة في حملة تستهدف نشر الإرهاب النفسي للسيطرة على الشعب السوري وإجباره على الخضوع والخنوع، مثله مثل استخدام شعار «إما الأسد أو سوف نحرق البلاد» من قبل البلطجية الداعمين للأسد بمن فيهم الشبيحة.
قد يمثل وصف الصراع في سوريا بأنه «حرب أهلية» إشكالية، فمنذ الأزمنة القديمة في روما، بين ماريوس وسولا، أو قيصر ومومباي على سبيل المثال، ينطبق مصطلح الحرب الأهلية على الصراع المسلح على السلطة بين معسكرين محليين يتمتعان بالقوة نفسها عند نقطة البداية. ولا ينطبق هذا الوصف على سوريا حيث اندلع الصراع بين متظاهرين غير مسلحين، وقوات مسلحة ذات عتاد ثقيل تابعة للأسد. لم يتحول الصراع الموازي، الذي تطور بعد ذلك بين الجماعات المسلحة المناهضة للأسد، وبقايا جيش النظام، إلى حرب أهلية بسبب وجود عناصر وقوى أجنبية بقوة على الجانبين.
يضيف فان دام إلى كتابه تقديرات تشير إلى أن ما تبقى من أفراد جيش الأسد يزيد على 65 ألف. في الوقت ذاته، يتفاخر اللواء قاسم سليماني، الذي يقود حملة «تصدير الثورة» من طهران، بأن لديه أكثر من 60 ألف رجل في سوريا، من بينهم متطوعون للاستشهاد من لبنان، وأفغانستان، والعراق، وباكستان. بعبارة أخرى، نحو نصف هؤلاء الذين يقاتلون من أجل الحفاظ على أمن وسلامة الأسد في آخر معاقله في دمشق ليسوا من السوريين. في الوقت ذاته من الواضح أنه لولا مظلة الدفاع، التي يوفرها القصف الجوي الروسي، لما كان سيصبح لدى الأسد أي فرصة للعودة ولو رمزياً إلى مناطق مثل حلب.
كذلك هناك تدخل أجنبي واضح في معسكر المعارضة المسلحة. بحسب التقديرات الغربية، يقاتل أكثر من 30 ألف من غير السوريين، يحمل الكثير منهم جوازات سفر أوروبية، إلى جانب تنظيم داعش، والجماعات «الجهادية» المختلفة، بل وحتى جماعات مسلحة كردية في سوريا. قد يكون الدعم المالي، والسياسي، والتدريب، الذي تقدمه أكثر من 50 دولة، إلى المعارضة السورية «قليل جداً ومتأخر للغاية»، كما يؤكد فان دام، لكنه في الوقت ذاته يجعل من الصعب تقليل شأن العنصر غير السوري من هذا الصراع المأساوي. بعبارة أخرى، تمنع الحرب بالوكالة في هذا الصراع، وهو أمر يقرّه فان دام، توصيف الوضع بأنه حرب أهلية بالمعنى الكلاسيكي.
رغم أوجه القصور الواضحة في كتاب فان دام، يعد إسهاماً مرحباً به في الجدال الدولي بشأن الأزمة السورية، فحسبه أنه يقدم لمحة عن الأفكار المتداولة في الدوائر الدبلوماسية الأوروبية.
ما قد لا يتقبله البعض هو تشاؤم فان دام العميق تجاه مستقبل سوريا، حيث يكتب: «ليس لدى سوريا مستقبل جيد في ظل بقاء بشار الأسد في سدة الحكم، مع ذلك تظل فرص سوريا في المستقبل دون وجود الأسد غير واعدة أيضاً». مع ذلك، ومن دون النظر إلى ما سيحدث، فمن المؤكد أن ماكينة الإرهاب التي يستخدمها الأسد قد تعطلت، وحتى مع الدعم الروسي الإيراني، لا يمكن إصلاحها وإعادتها إلى سابق عهدها. لذا ربما لا تكون فرص سوريا في المستقبل قاتمة؛ وعلى أي حال سوف نرى.



الفلسطينية سعاد العامري تحصد جائزة «نوابغ العرب» عن فئة العمارة والتصميم

جائزة «نوابغ العرب» تكرم العقول العربية المبدعة وتمنح فائزاً واحداً في كل فئة من فئاتها الست (الشرق الأوسط)
جائزة «نوابغ العرب» تكرم العقول العربية المبدعة وتمنح فائزاً واحداً في كل فئة من فئاتها الست (الشرق الأوسط)
TT

الفلسطينية سعاد العامري تحصد جائزة «نوابغ العرب» عن فئة العمارة والتصميم

جائزة «نوابغ العرب» تكرم العقول العربية المبدعة وتمنح فائزاً واحداً في كل فئة من فئاتها الست (الشرق الأوسط)
جائزة «نوابغ العرب» تكرم العقول العربية المبدعة وتمنح فائزاً واحداً في كل فئة من فئاتها الست (الشرق الأوسط)

حصدت المعمارية الفلسطينية الدكتورة سعاد العامري جائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة العمارة والتصميم، تقديراً لإسهاماتها الممتدة في صون التراث المعماري الفلسطيني وترميم المباني التاريخية وإعادة توظيفها بما يعزّز الهوية العمرانية، في تكريم يسلّط الضوء على دور العمارة بوصفها «ديواناً للتاريخ» وحافظةً للذاكرة.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الدكتورة العامري على فوزها، مؤكداً أن المعمار تجسيد لهوية الشعوب، وأن الحفاظ على التراث العمراني واجب حضاري يعكس احترام الأمم لماضيها ومستقبلها.

وقال في منشور على حسابه في منصة «إكس»، إن سعاد العامري، مؤسسة مركز المعمار الشعبي الفلسطيني «رِواق»، قدّمت إسهامات رائدة في الحفاظ على التراث المعماري الفلسطيني عبر ترميم المباني التاريخية وإعادة توظيفها بما يخدم المجتمع ويعزز الهوية العمرانية.

وأشار محمد بن راشد إلى مشاركة سعاد العامري في مشروع توثيق معماري يُعد من الأكبر في فلسطين، أفضى إلى سجل يضم أكثر من 50 ألف مبنى تاريخي، وإحياء 50 مركزاً تاريخياً، مع إشراك الأهالي والحرفيين في مشاريع ترميم القرى باستخدام المواد التقليدية في البناء.

وأضاف: «نبارك للدكتورة سعاد العامري فوزها وعطاءها الممتد لعقود، حفظ الله فلسطين، وأعاد لمبانيها وقراها التاريخية الحياة التي تستحق، ولتراثها امتداداً يبقى ما بقيت الذاكرة العربية».

ويأتي هذا التكريم ضمن مشروع «نوابغ العرب» الاستراتيجي الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد لتسليط الضوء على العقول العربية وتجاربها الإنسانية الملهمة للشباب في ميادين متعددة، من بينها العمارة والتصميم.

المعمارية الفلسطينية الدكتورة سعاد العامري

وتأسست تجربة العامري المهنية على الجمع بين البحث الميداني والعمل الترميمي والتدريب، إذ أسست مركز «رِواق» عام 1991، وكرّست جهداً متواصلاً لتوثيق العمران في فلسطين وتدريب أجيال من الحرفيين، مع إصدار دراسات ومراجع تسهم في حماية المعارف المعمارية بالتدوين الذي يوازي في أهميته الترميم. كما ساهمت في تسجيل البيوت الفلسطينية وتوثيق تفاصيلها كاملة، من أنواع البلاط والحجر والنقوش، وصولاً إلى المساقط والخرائط المعمارية الدقيقة.

ومن أبرز المشاريع التي قادتها إحياء القلب التاريخي لمدينة بيرزيت، ومشروع إعادة تأهيل 50 قرية فلسطينية الذي انطلق عام 2005 للحفاظ على الإرث التاريخي والتراث الثقافي للريف الفلسطيني. وعلى الصعيد الأكاديمي، حاضرت في قسم الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت بين عامي 1982 و1996، ودرست الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت، ونالت الماجستير من جامعة «آن آربر» في ميشيغان، والدكتوراه من جامعة إدنبرة في اسكوتلندا.

وأجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالدكتورة العامري أبلغها خلاله بفوزها، مشيداً بما حققته خلال أكثر من ثلاثة عقود في صون التراث المعماري العربي وتقديمه إلى الجمهور العالمي عبر المشاريع الإحيائية والبحثية.

وقال القرقاوي إن مبادرة «نوابغ العرب» التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد تُعيد إحياء الشغف بالبناء والمعرفة، وتدفع نحو نقلة تنموية عربية نوعية عبر إبراز إنجازات المفكرين والمبتكرين والعلماء، مؤكداً أن نماذج ملهمة مثل الدكتورة سعاد العامري تشجّع الشباب على التمسك بالتراث وصناعة إنجازات جديدة، وتدعم عودة العقول العربية إلى بيئتها.

وضمت لجنة فئة العمارة والتصميم البروفسور هاشم سركيس رئيساً، وعضوية الدكتور أدريان لحود والبروفيسور علي ملكاوي.

وتُعد «نوابغ العرب» جائزة عربية لتكريم العقول المبدعة، وتمنح فائزاً واحداً في كل فئة من فئاتها الست، مع جائزة قدرها مليون درهم (272 ألف دولار) لكل فائز لتمويل الأبحاث والمشاريع وتوسيع أثرها عربياً وعالمياً.


مصر تنفي وجود عيوب في تصميم «المتحف الكبير»

تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)
تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر تنفي وجود عيوب في تصميم «المتحف الكبير»

تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)
تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

نفت الحكومة المصرية، السبت، وجود عيوب في تصميم المتحف المصري الكبير، بعد تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن التصميم كان يتوقع حدوث ذلك، ويتوافق معه.

وانتشرت مقاطع فيديو لتساقط الأمطار داخل البهو الرئيسي للمتحف المصري الكبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط انتقادات لتراكم المياه في البهو، مما وصفه البعض بـ«غرق البهو»، في حين تخوف آخرون من أن تضر هذه المياه بالآثار الموجودة فيه، وفي مقدمتها تمثال رمسيس الثاني.

ورد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في بيان اليوم، على هذه الانتقادات، قائلاً: «فيما أُثير بشأن تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف المصري الكبير، فإن تصميم بهو المتحف جاء وفق رؤية معمارية تعتمد على وجود فتحات في السقف بشكل هندسي، يسمح باستدامة دخول الإضاءة والتهوية الطبيعية إلى البهو، وهو أحد العناصر الأساسية في التصميم المعماري للمتحف».

وبدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير عام 1992، ووُضع حجر الأساس في عام 2002؛ حيث أعلنت الدولة المصرية -وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين- مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وفاز التصميم الحالي المُقدّم من شركة «هينغهان بنغ» للمهندسين المعماريين في آيرلندا، الذي اعتمد على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هي المتحف المصري الكبير، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات».

وأضاف بيان مجلس الوزراء أن «تسرّب كميات محدودة من مياه الأمطار إلى البهو في أثناء هطولها أمر متوافق مع التصميم ومتوقع في مثل هذا الوقت من العام».

وافتتحت مصر المتحف الكبير مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحفل ضخم حضره عديد من القادة والرؤساء. ويشهد المتحف منذ افتتاحه إقبالاً جماهيرياً كبيراً، مما دفع إدارته إلى تعديل نظام الحجز فيه ليصبح إلكترونياً حصرياً.

واستبعد خبير الآثار، عضو لجنة التاريخ والآثار في المجلس الأعلى للثقافة، الدكتور عبد الرحيم ريحان، أي ضرر متوقع على تمثال رمسيس الثاني، نتيجة تعرضه لمياه الأمطار، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «التمثال عمره 3200 عام، وهو مصنوع من الغرانيت، وتم اكتشافه في عام 1820، وأمر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بوضعه في ميدان باب الحديد (رمسيس حالياً) في عام 1955، ومن وقتها وهو معرّض لكل عوامل التعرية المختلفة، وتعرّض للأمطار سنوات طويلة، ولم تسبب أي ضرر له».

وكان الإعلامي عمرو أديب قد انتقد، خلال برنامجه «الحكاية»، الجمعة، الصمت الرسمي تجاه ما يُتداول عبر «السوشيال ميديا» من غرق المتحف المصري الكبير، مطالباً المسؤولين بتوضيح حقيقة الأمر.

وتراهن مصر على المتحف الكبير في تحقيق استراتيجيتها السياحية خلال السنوات الست المقبلة، حيث تهدف إلى استقبال نحو 30 مليون سائح بحلول عام 2031، مقابل 15 مليون سائح خلال العام الماضي.

ويضم المتحف المصري ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية تحكي حقباً مختلفة من التاريخ المصري القديم، في سيناريو عرض متحفي يعتمد أحدث التقنيات، وتوقعت تقديرات سابقة أعلنها وزير السياحة المصري، شريف فتحي، في تصريحات متلفزة، أن يزور المتحف يومياً نحو 15 ألف سائح.


«أيام قرطاج السينمائية» للتركيز على القضايا الإنسانية

يشارك الفيلم السعودي «هجرة» في المسابقة الرسمية (إدارة المهرجان)
يشارك الفيلم السعودي «هجرة» في المسابقة الرسمية (إدارة المهرجان)
TT

«أيام قرطاج السينمائية» للتركيز على القضايا الإنسانية

يشارك الفيلم السعودي «هجرة» في المسابقة الرسمية (إدارة المهرجان)
يشارك الفيلم السعودي «هجرة» في المسابقة الرسمية (إدارة المهرجان)

انطلقت السبت فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، والتي تحتفي بالسينما الأرمينية وتسلط الضوء عليها من خلال عروض عدة، مع التركيز على القضايا الإنسانية بالأفلام المختارة للمشاركة في المسابقة الدولية للمهرجان.

وتضم المسابقة الرسمية للمهرجان 14 فيلماً سينمائياً ترتكز معالجاتها حول القضايا الإنسانية بشكل أساسي، من بينها الفيلم السعودي «هجرة» للمخرجة شهد أمين، والذي تدور أحداثه في المملكة عند اختفاء طفلة من جدتها، وتبدأ رحلة البحث عنها، وتتكشف خلالها العديد من الأسرار العائلية. في حين يقدم المخرج التشادي أشيل رونايمو في فيلمه «ديا» قصة «داين» السائق لدى منظمة إنسانية، والذي يقتل عن طريق الخطأ صبياً صغيراً خلال قيادة السيارة.

ومن مصر، يوجد في المسابقة فيلم «كولونيا» للمخرج محمد صيام، وتدور أحداثه حول ليلة واحدة يقضيها أب بعد خروجه من المستشفى مع ابنه، وتكون مليئة بالتوترات قبل أن يرحل في صباح اليوم التالي. في حين يوجد المخرج أبو بكر شوقي بفيلمه «القصص» الذي تدور أحداثه في ستينات القرن الماضي برحلة ترصد مسيرة تستمر عقدين حول شاب مصري تنشأ بينه وبين فتاة نمساوية علاقة صداقة عبر المراسلة بالخطابات.

الملصق الدعائي لفيلم «القصص» (الشركة المنتجة)

وتحضر القضية الفلسطينية في المسابقة الرسمية بفيلمين هما «كان ياما كان في غزة» للمخرجين طرزان وعرب ناصر، وتدور أحداثه حول عالم الجريمة والفساد في غزة عام 2007، في حين تقدم المخرجة التونسية كوثر بن هنية فيلمها «صوت هند رجب» الذي يقدم مأساة الطفلة الفلسطينية التي قُتلت في غزة خلال الحرب، وهو العمل الذي حصد جائزة «الأسد الفضي» في النسخة الماضية من «مهرجان البندقية السينمائي».

ويوجد في المسابقة فيلمان تونسيان هما «سماء بلا أرض» للمخرجة آريج السحيري، وتدور أحداثه حول 3 مهاجرات أفريقيات جمعتهن الصدفة في تونس وسط آمال بحياة أفضل، لكن أحلامهن تصطدم بصعوبات الواقع المرير، ونال الفيلم مؤخراً «النجمة الذهبية» بالنسخة الماضية من «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش».

كما تنافس المخرجة التونسية آمال القلاتي بفيلمها «وين ياخدنا الريح» الذي تدور أحداثه حول «عليسة» - المتمردة - ذات التسعة عشر عاماً، و«مهدي» الشاب الخجول، ذي الثلاثة والعشرين عاماً، حيث يستعين الثنائي بخيالهما للهروب من واقعهما، وعندما يكتشفان مسابقة تتيح لهما فرصة للهروب، ينطلقان في رحلة إلى جنوب تونس، متجاوزين العقبات التي تعترض طريقهما.

ومن الأردن، تقدم المخرجة زين دريعي تجربتها «غرق»، وهو الفيلم الذي يناقش العلاقة بين أُمّ ونجلها المراهق والصدمات التي تحدث بينهما. في حين يشارك المخرج الجزائري يانيس كوسيم بفيلمه «رقية» الذي عُرض للمرة الأولى عالمياً في النسخة الماضية من «مهرجان البندقية». ويُعرض في المسابقة فيلم «إركالا حلم كلكامش» للمخرج محمد الدراجي، وهو العمل الذي يمزج بين الواقع والخيال في أحداثه.

يُعرض الفيلم التونسي «وين ياخدنا الريح» في المسابقة الرسمية (إدارة المهرجان)

وتترأس لجنة تحكيم مسابقة «الأفلام الروائية الطويلة» الكاتبة والمخرجة الفلسطينية نجوى نجار، في حين تضم في عضويتها المخرج التونسي لطفي عاشور، والكاتبة والمخرجة الرواندية كانتاراما غاهيغيري، مع المخرج والمنتج الجزائري لطفي بوشوشي، والناقد السينمائي الفرنسي جون ميشيل فرودون.

ويحتفي المهرجان هذا العام بالسينما الأرمينية التي قدمت على مدار أكثر من 100 عام العديد من الأعمال التي ترسخ الهوية الثقافية الأرمينية، وقد جرى اختيار 11 فيلماً أرمينياً للعرض ضمن فعاليات المهرجان، تنوعت ما بين الوثائقي والروائي، من بينها فيلم «أشباحي الأرمينية» للمخرجة تامارا ستيبانيان الذي شارك أخيراً في عدد من المهرجانات السينمائية.

وقال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، إن «أيام قرطاج السينمائية»، رغم إمكاناته المادية المحدودة نسبياً، يظل «مهرجاناً استثنائياً» تقوده رؤية فكرية واعية قبل أي حسابات أخرى، موضحاً أن «المهرجان يُقام في توقيت تسبقه فيه ثلاثة أو أربعة مهرجانات عربية كبرى، ومع ذلك لا يدخل في سباق (العرض الأول)، بل يراهن على الاختيار الجيد».

وأضاف أن «هذا الوعي يحوّل (قرطاج) إلى ما يشبه البوتقة التي تنصهر فيها حصيلة الأفلام العربية المعروضة على مدار العام، مع منح مساحة أوسع للأفلام غير العربية، وهو ما يمنحه قوة حقيقية واستمرارية ثقافية»، مشيراً إلى أن التركيز على الجانب الإنساني لا يمكن فصله عن جوهر السينما نفسها، فـ«أهم رسالة يمكن أن تقدمها السينما هي خلق هذا النوع من التعاطف الإيجابي مع البشر ومآسيهم؛ لأن الفن الحقيقي هو القادر على دفع المُشاهد إلى الفهم والمشاركة الوجدانية، لا الاكتفاء بالمشاهدة السطحية»، على حد تعبيره.