دراسة عالمية: جيل الألفية يرحب بالتكنولوجيا ضمن حدود

«تغير المناخ» أكثر ما يقلقه... ويرحب بالتنقل بحثاً عن الرزق

مسح عالمي يظهر أن جيل الألفية شديد التفاؤل تجاه التكنولوجيا وأكبر مخاوفه التغير المناخي (رويترز)
مسح عالمي يظهر أن جيل الألفية شديد التفاؤل تجاه التكنولوجيا وأكبر مخاوفه التغير المناخي (رويترز)
TT

دراسة عالمية: جيل الألفية يرحب بالتكنولوجيا ضمن حدود

مسح عالمي يظهر أن جيل الألفية شديد التفاؤل تجاه التكنولوجيا وأكبر مخاوفه التغير المناخي (رويترز)
مسح عالمي يظهر أن جيل الألفية شديد التفاؤل تجاه التكنولوجيا وأكبر مخاوفه التغير المناخي (رويترز)

في دراسة واسعة حول «جيل الألفية»، أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن أبناء هذا الجيل قلقون من قضية التغير المناخي كأبرز اهتماماتهم، متقدمة على الصراعات وعدم المساواة. وأظهرت أيضا أن هذا الجيل يتمتع بمرونة شديدة تجاه البحث عن الذات ومصادر الرزق، إلا أنه رغم ترحيب هذا الجيل الكبير بالتكنولوجيا والذكاء الصناعي، فإنه يرفض بشكل كبير أن تتغلغل تلك التقنيات «تحت جلودهم».
وأطلق المنتدى الاقتصادي العالمي أمس النسخة الثالثة من المسح السنوي الخاص بجيل الألفية، وهو الدراسة المسحية الأكثر تنوعاً جغرافياً في العالم فيما يخص هذا الجيل، حيث شارك بها أكثر من 31 ألف شاب من 186 دولة في الفئة العمرية ما بين 18 و35 عاما، موضحين آراءهم في مجالات متعددة كالمجتمع، والأعمال، والسياسة، والاقتصاد، والتكنولوجيا، فضلاً عن تطلعاتهم فيما يخصّ المهنية ومكان العمل.
وكان من أبرز نتائج الدراسة أن المشاركون اختاروا «تغير المناخ وتدمير الطبيعة» كأخطر قضية عالمية، وهذه هي السنة الثالثة على التوالي التي يتصدر فيها هذا الموضوع المشاكل العالمية بالنسبة لهم. أما جديد هذا العام، فهو أن 91 في المائة من المشاركين في الدراسة يوافقون - أو يوافقون بشدة - على ما هو ثابت علميا بأن البشر هم المسؤولون عن تغير المناخ. أما القضيتان الأخريان اللتان شكلتا القضايا العالمية الثلاث الأولى، وفقاً لجيل الألفية فكانتا «الصراعات والحروب على نطاق واسع»، و«عدم المساواة».
وبحسب الدراسة، يرى 79 في المائة من الشباب أن التكنولوجيا لا تدمر الوظائف؛ وإنما تخلق فرص عمل. ويتسق ذلك مع نتائج الدراسة السابقة لعام 2016. إلا أن نتائج هذا العام تعتبر أكثر شمولية، وذلك أن الأعداد التي شملتها دراسة عام 2017 أكثر بكثير. وتعتبر نسبة هذه النتيجة قوية عبر مختلف المناطق حول العالم، وعلى أخلاف مستويات الدخل.
ويرى غالبية المشاركين أن «الذكاء الصناعي» هو «الاتجاه المقبل الأكبر في عالم التكنولوجيا». أما القطاعات الثلاثة الأولى التي قد تستفيد من التقدم التكنولوجي، فكانت التعليم بنسبة 20 في المائة من الأصوات، يليه الصحة بنسبة 15 في المائة، ثم التصنيع بنسبة 14 في المائة.
ورغم ذلك أظهرت النتائج أن حماس الشباب للتكنولوجيا محدود، حيث إن 44 في المائة رفضوا فكرة غرس شريحة تحت بشرتهم لزيادة قدراتهم. وبالسؤال عما إذا كانوا سيثقون في القرارات التي يتخذها الروبوت نيابة عنهم، أجاب 51 في المائة من المشاركين في الدراسة بأنهم يرفضون، أو يرفضون بشدة.
أما عندما سئلوا إن كانوا سيدعمون ما بات يعرف بـ«الروبوتات الإنسانية»، وهي الروبوتات التي تحاول محاكاة سلوك البشر، فقد جاءت غالبية الإجابات بالنفي بنسبة 48 في المائة، وكان خيار الإجابة «نعم» قد حصل على نسبة 14 في المائة فقط، بينما حصلت إجابة «ربما» على 36 في المائة.
وبالنظر إلى إجابات المناطق والأقاليم المختلفة، وجد أن المشاركين من غالبية الدول لا يزالون يعارضون الفكرة، باستثناء أبناء منطقة أميركا الشمالية، حيث اختار 44 في المائة منهم الإجابة بـ«ربما». أما على الصعيد الإقليمي، فإن المعارضة الأكبر جاءت من إقليم أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 59 في المائة.
وبحسب المسح، يعتقد ما نسبته 56 في المائة من جيل الألفية بأنه يتم تجاهل آراء الشباب قبل اتخاذ القرارات الهامة في بلادهم. ويرون بأن أفضل ثلاث طرق لتمكين الشباب في المجتمع هي من خلال ريادة الأعمال والأعمال الناشئة، وإمكانية الوصول إلى الإنترنت، ووسائل الإعلام الحرة ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن الغالبية العظمى من الشباب المستطلع آرائهم، وبنسبة نحو 81 في المائة، على استعداد للانتقال والعيش خارج بلد إقامتهم للعثور على وظيفة أو إحراز التقدم في حياتهم المهنية.
وللعام الثالث على التوالي، تتصدر الولايات المتحدة الأميركية خيار الشبان الباحثين عن التقدم في حياتهم المهنية في الخارج، كالبلد الأفضل في ذلك على مستوى العالم، تليها كندا بنسبة 12 في المائة، ثم المملكة المتحدة بنسبة 10 في المائة، وألمانيا 8 في المائة، وأستراليا 5 في المائة.
ولكن الدراسة كذلك أكدت أنه «لا بد من الإشارة إلى أن كافة أفراد جيل الألفية ليسوا على استعداد للانتقال بحثاً عن وظيفة. فعلى الرغم من أن غالبية الإجابات جاءت بالموافقة على التحرك عبر الحدود، فإن أكثر من ثلث الشبان والشابات الذين شملتهم الدراسة من إقليم أفريقيا جنوب الصحراء، وبنسبة 37 في المائة، ليسوا على استعداد للانتقال... وهي النسبة الأعلى على الإطلاق. كما أن عدد الرافضين في منطقة يوراسيا كان عالياً نسبياً أيضاً، حيث وصل إلى 25 في المائة». كما تجدر الإشارة إلى أن ما يزيد على خُمس جيل الألفية بقليل من منطقة أميركا الشمالية أشاروا أيضاً بأنهم ليسوا على استعداد للعيش خارج بلدهم بحثاً عن وظيفة أو للتقدم في حياتهم المهنية.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.