خليل رامز سركيس... حفيد البساتنة ووريث «لسان الحال»

رحيل {الفتى التسعيني} البليغ في العاصمة البريطانية

خليل رامز سركيس
خليل رامز سركيس
TT

خليل رامز سركيس... حفيد البساتنة ووريث «لسان الحال»

خليل رامز سركيس
خليل رامز سركيس

عن عمر يناهز 96 عاماً، أسلم الكاتب اللبناني خليل رامز سركيس الروح بعد ظهر أول من أمس في العاصمة البريطانية لندن، المدينة التي اختارها منذ زمن مديد لإقامته. وهو أحد الأدباء الساعين إلى بلاغة متسامية وحسّ شفيف وأسلوب نهضوي، يكاد يصبح مفقوداً وشحيحاً.
بدأ الكتابة صحافياً متحمساً، وهو المتحدر من أسرتين أدبيتين عريقتين ومعروفتين بإنجازاتهما. جد أبيه لوالدته هو المعلم الجليل بطرس البستاني صاحب معجم «محيط المحيط» أول قاموس عربي عصري، ومطلق مشروع «دائرة المعارف» باللغة العربية التي صدر منها في حياته ستة أجزاء. أما جده لوالده فهو الأديب والصحافي خليل خطار سركيس صاحب مجلة «المشكاة» ومؤسس «المطبعة الأدبية» التي كانت تطبع جريدة «لسان الحال» الشهيرة وكتب فيها - كما هو معلوم - كبار أدباء ذاك الزمان.
في أجواء عابقة بالأدب والفكر، نشأ خليل رامز سركيس، خاصة وان والده كان قد تولى إدارة «لسان الحال» منذ عام 1911، ليرثها بعد ذلك، وينتخب نائباً عن بيروت، ويصبح وزيراً للتربية.
ولد خليل رامز سركيس عام 1921، تلقى تعليمه في «جامعة القديس يوسف» و«الجامعة الأميركية» في بيروت. تولى الشاب المتطلع إلى الكتابة بعد تمرس في صحف أخرى رئاسة تحرير جريدة «لسان الحال» خلفاً لوالده من 1942 حتى 1959، ثم أصبح المستشار الأدبي لـ«الندوة اللبنانية».
صحافياً، كاتباً، مفكراً، ميالاً للتسامي والبحث عن جوهر المعاني، كتب خليل رامز سركيس في الفلسفة والإيمانيّات والترجمة والنقد والسيرة. كتبه تكاد تكون بأسلوبها المكثف المقطر بحثاً عن قالب ينقل معاني نهلها من مسيحيته المثالية، وحبه لبلده الذي تركه ما إن بدأت الحرب الأهلية اللبنانية وذلك عام 1976 هارباً من البشاعة والعنف. عبّر باستمرار عن عشقه الدائم للإنسان، ودوره ككائن صالح يستطيع أن يبني ويتعاضد مع من حوله من أجل سعادة أرقى. تتلمذ سركيس على الفكر الغربي وكان متأثراً بالمدرسة «الشخصانية»، أي تبلور شخصية الإنسان وسموه، ومعانقته للآخر وتوقه المستمر إلى الأعلى. يتبدى ذلك واضحاً في كتبه لا سيما في «أرضنا الجديدة»، و«أيام السماء»، و«مصير». حيث يبقى الإنسان في جوهر النصوص ومحور اهتمام الكاتب، كذلك الحال في رباعيته التي حملت عناوين «أسير الفراغ»، «زمن البراكين»، «جعيتا» و«التراب الآخر».
الإنسان المنفتح، التعددي، الباحث عن وجود أفضل، الساعي إلى الإله، هو ذاك «الشخص» الذي كان يبحث عنه سركيس. فهو الذي كتب «يا لعمل القداسة في وعينا غاية الوجود، وفي محاولتنا إياها وسيلة للكمال! القداسة ليست وقفاً على محترفي الصلاة، بل إنها، أيضاً، من حق الذين بأعمالهم يصلّون. لا ننتظر فراغنا من العمل حتى نصلّي، بل فلنذهب إلى عملنا وصلاتنا معنا فنؤديها بكل شأن لنا. فإذا صلى العالم كله وهو يعمل، كان عمل العالم قداسة كلّه، ولم يكن العالم بعيداً عن الله، ولا كان الله بعيداً عن العالم».
من كتبه «صوت الغائب» و«من لا شيء»، «وصية في كتاب»، «بعلبك»، «الهواجس الأقلية»، «زواج مدني»، «شهادات ورسائل»، و«لبنان»، وكذلك «س وج وإلخ». وقد ترجمت بعض كتبه إلى لغات كثيرة منها الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية.
عمل هو نفسه على ترجمة الكثير من الكتب من بينها «الاعترافات» لجان جاك روسو التي كان قد اعترض على طبعة ثانية لها أصدرتها «المنظمة العربية للترجمة» عام 2012، واعتبر أنها مشوبة بالأخطاء، وكتب أنه لا يعترف إلا بالطبعة الأولى التي صدرت عن «اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع»، عام 1982، و«إن لم تخلُ من بعض الأخطاء المطبعية»، بحسب رأيه. هكذا كان خليل رامز سركيس مدققاً، متابعاً، من أولئك الذين يسعون للإتقان والأناقة في الكتابة التي اعتبرها فناً حرفياً، يتوجب تجويدها والسمو بها.
الكاتب متزوج وله ولدان. وقد كرمته «الجامعة الأنطونية» في لبنان منذ أربع سنوات ولم يتمكن من حضور الاحتفالية. وصدر كتاب بالمناسبة، حمل عنوان «خليل رامز سركيس - فيلسوف الكلمة والآخر» يَحوي ستّ دراسات عنه وثماني شهادات. وهو الجزءُ السابع من «اسم علم»، وهي السلسلة التي تُصدِرُها الجامعة. وفي هذا الكتاب اعتبره المطران جورج خضر «أكتب العرب صيغة»، كما قيل عنه إنه فتى تسعيني ما زال يَدأْبُ على النضارة في امتشاق القلم إِزميلَ نقْشٍ في ضوء الكلمات وفي حُبّ لبنان».



مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثل في مصطبة لطبيب ملكي لدى الدولة المصرية القديمة، تحتوي نقوشاً ورسوماً «زاهية» على جدرانها، بالإضافة إلى الكثير من أدوات الطقوس والمتاع الجنائزي.

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، كشفت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية المشتركة التي تعمل في جنوب منطقة سقارة الأثرية، وتحديداً في مقابر كبار رجال الدولة القديمة، عن مصطبة من الطوب اللبن، لها باب وهمي عليه نقوش ورسومات «متميزة»، لطبيب يُدعى «تيتي نب فو»، عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني، ويحمل مجموعة من الألقاب المتعلقة بوظائفه الرفيعة، من بينها: «كبير أطباء القصر»، و«كاهن الإلهة سركت»، و«ساحر الإلهة سركت»، أي المتخصص في اللدغات السامة من العقارب أو الثعابين وعظيم أطباء الأسنان، ومدير النباتات الطبي.

جدران المصطبة تتضمّن نقوشاً ورموزاً جنائزية بألوانها الزاهية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعد هذا الكشف إضافة مهمة إلى تاريخ المنطقة الأثرية بسقارة، ويُظهر جوانب جديدة من ثقافة الحياة اليومية في عصر الدولة القديمة من خلال النصوص والرسومات الموجودة على جدران المصطبة، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد.

من جانبه، أوضح رئيس البعثة، الدكتور فليب كولمبير، أن المصطبة تعرّضت للسرقة في عصور سابقة، حسب ما ترجح الدراسات الأولية، لكن الجدران ظلّت سليمة وتحمل نقوشاً محفورة ورسوماً رائعة الجمال، ونقشاً على أحد جدران المقبرة على شكل باب وهمي ملون بألوان زاهية. كما توجد مناظر للكثير من الأثاث والمتاع الجنائزي، وكذلك قائمة بأسماء القرابين، وقد طُلي سقف المقبرة باللون الأحمر تقليداً لشكل أحجار الغرانيت، وفي منتصف السقف نقش يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

رموز ورسوم لطقوس متنوعة داخل المصطبة (وزارة السياحة والآثار)

بالإضافة إلى ذلك عثرت البعثة على تابوت حجري، الجزء الداخلي منه منقوش بالكتابة الهيروغليفية يكشف اسم صاحب المقبرة.

وكانت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية قد بدأت أعمال الحفائر في الجزء الخاص بمقابر موظفي الدولة، خلف المجموعة الجنائزية للملك بيبي الأول، أحد حكام الأسرة السادسة من الدولة القديمة، وتلك الخاصة بزوجاته في جنوب منطقة آثار سقارة، في عام 2022.

وكشفت البعثة قبل ذلك عن مصطبة للوزير وني، الذي اشتهر بأطول سيرة ذاتية لأحد كبار رجال الدولة القديمة، التي سُجّلت نصوصها على جدران مقبرته الثانية الموجودة في منطقة أبيدوس بسوهاج (جنوب مصر).

ويرى عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذا الاكتشاف «يكشف القيمة التاريخية والأثرية لمنطقة سقارة التي كانت مركزاً مهماً للدفن خلال عصور مصر القديمة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المصطبة المكتشفة تعود إلى طبيب ملكي يحمل لقب (المشرف على الأطباء)، كان يخدم البلاط الملكي في الأسرة الخامسة (تقريباً في الفترة ما بين 2494 و2345 قبل الميلاد)، وجدران المصطبة مزينة بنقوش زاهية الألوان تجسّد مشاهد يومية وحياتية وأخرى جنائزية؛ مما يوفّر لمحة عن حياة المصريين القدماء واهتماماتهم بالموت والخلود».

ويضيف العالم المصري أن المصاطب تُعد نوعاً من المقابر الملكية والنخبوية التي ظهرت خلال بدايات عصر الأسرات الأولى، قبل ظهور الشكل الهرمي للمقابر.

المصطبة المكتشفة حديثاً في سقارة (وزارة السياحة والآثار)

وتضم النقوش داخل المصطبة صوراً للطبيب الملكي وهو يمارس مهامه الطبية، إلى جانب مناظر تعكس الحياة اليومية مثل الصيد والزراعة، ويلفت عبد البصير إلى أن «النقوش تحتفظ بجمال ألوانها المبهجة؛ مما يدل على مهارة الفنانين المصريين القدماء وتقنياتهم المتقدمة».

ويقول الدكتور حسين إن هذا الاكتشاف يعزّز فهمنا لتاريخ الدولة القديمة، ويبرز الدور المحوري الذي لعبته سقارة مركزاً دينياً وثقافياً، مؤكداً أن هذا الاكتشاف «يُسهم في جذب مزيد من الاهتمام العالمي للسياحة الثقافية في مصر، ويُعد حلقة جديدة في سلسلة الاكتشافات الأثرية التي تُعيد إحياء تاريخ مصر القديمة وتُظهر للعالم عظمة هذه الحضارة».

تجدر الإشارة إلى أن وزارة السياحة والآثار أعلنت قبل يومين اكتشاف 4 مقابر يعود تاريخها إلى أواخر عصر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة، في منطقة سقارة بالجيزة، وأكثر من 10 دفنات من عصر الأسرة الـ18 من الدولة الحديثة.