الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

أوروبا والإسلام... علاقة تزيد عن الألف عام

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
TT

الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة مؤخرا على الساحة الفكرية هو ذاك المتعلق بالعلاقة بين القارة الأوروبية وبين الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين، وهي علاقة في حقيقة الأمر تعود إلى قرون طويلة مضت، نعم ربما لم تكن بأكملها سخاء رخاء، لكن بنوع أو آخر شهدت نوعا من أنواع التعاون والتعايش.
والآن يتساءل المراقبون هل العمليات الإرهابية الأخيرة عطفا على تنامي الأصوليات الراديكالية سوف تشكل عقبة وقطعاً على طريق التعايش المشترك أم أوروبا التنوير والتسامح، سوف يقدر لها القفز فوق هذا الحاجز واعتباره جملة اعتراضية لا أكثر في علاقة تزيد عن الألف عام.

في هذه القراءة التحليلية، نحاول أن نطوف مع القضية الملحة وذلك عبر رؤى لعدد من كبار المفكرين الغربيين والمسلمين على حد سواء من أجل وضع ملامح ومعالم هذه العلاقة، والتي تؤثر ولا شك على مستقبل الحياة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط معا.
لا يمكن القفز مرة واحدة من أربعة عشر قرناً خلت إلى الواقع المعاصر الأوروبي الحديث لتبيان شكل العلاقة بين أوروبا والمسلمين، وسط المخاوف الآنية، ولهذا يتوجب أن نقترب عبر القرنين السابقين على الأقل.
تحدثنا ديبا كومار أستاذ مشارك الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة «روتجرز» الأميركية في كتابها «فوبيا الإسلام والسياحة الإمبريالية»، عن الغرب الذي بات قبل قرن ونصف تقريبا ينظر إلى الشرق بوجه عام وإلى العثمانيين بوجه خاص على أنهم أدنى من الغرب وغير قادرين إلا على إفراز مجتمعات استبدادية، ثم تحولت هذه الصورة الجدلية إلى صورة غرائبية أثناء الحقبة الرومانية، وتعايشت مع هذه الفانتازيا مع رؤى أدق للإسلام ظهرت أثناء عصر التنوير وإيجازا، كما تقول المؤلفة، وعلى العكس من أكذوبة أن الغرب والشرق كانا دائما في حالة صراع فإن الصراع تعايش في حقيقة الأمر مع التعاون، وبعيدا عن فكرة أن الشرق شرق والغرب غرب وأن الاثنين لا يمكن أن يلتقيا أبدا، فإن ما شهدناه هو أن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب، بقدر ما يمكننا حتى أن نتحدث عن شرق منفرد وغير منفرد، يوجد بينهما تداخل وثيق.
السؤال الحيوي والجوهري هنا... «هل كان للغرب دوما صورة سلبية ومشوهة عن الإسلام والمسلمين؟ والجواب الأول لم يكن ذلك كذلك أبدا، وإنما وجد لا سيما في مراحل الاستعمار من عمل على تعزيز «شيطنة الإسلام والمسلمين»
.يعن لنا ونحن نتناول المخاوف جراء الحوادث الإرهابية في العقدين الماضيين عامة، وفي العامين الأخيرين خصوصا أن نتساءل، هل كانت الإسلاموفوبيا عقبة كئود قائمة بدورها على خط الاتصال والتواصل بين الجانبين قبل حدوث تلك العمليات ووقوع قتلى ومصابين وإراقة دماء أوروبية على الإسفلت؟
أفضل من يقدم لنا جواب في هذا الإطار إيدوي بلينيل الكاتب والصحافي الفرنسي في كتابه القيم «من أجل المسلمين»، ومن ترجمة الأستاذ عبد اللطيف القرشي، وعنده أن قضية الإسلام يتم توظيفها بكثافة لصناعة عدو داخلي لخلق حالة من الفزع لدى جزء هام من الرأي العام الأوروبي عامة والفرنسي خاصة، ذاك الذي أصبح يتبنى مواقف عنيفة ضد قضايا الهجرة، التي صارت مرادفة - في كثير من وسائل الإعلام – للإسلام والتطرف والإرهاب والغزو الثقافي وغيرها من مفردات القاموس الكزينوفوبي (الخوف من الأجانب والغرباء).
يقودنا بلينيل إلى تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان عام 2013 (قبل ظهور داعش) وفيه يبدو واضحا استفحال العنف، وإن المعطى الأكثر ثباتا وتجذرا في هذا العنف هو التعصب المعادي للمسلمين والتكتل المناهض للإسلام.
وعليه فإذا قورنت المرحلة الحالية في أوروبا بمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية تحديدا، فإنه يمكننا القول إن المسلم متبوع بالمغاربي عوض اليهود قد بات في التمثلات الأوروبية الحديثة هو كبش الفداء، حسب تعليق علماء الاجتماع والسياسة الذين استشارتهم اللجنة.
في هذا الإطار أصبحت تطرح قضايا جديدة مثل اقتراح منع الرموز الدينية (الحجاب) في الجامعات والمدارس العليا، وبات التوظيف المتهافت للإسلاموفوبيا بذريعة حماية «العلمانية» وتحصينها يؤكد على استعجالية وراهنية التصدي للتوظيف السياسي لقضايا الهجرة والإرهاب.
هنا قد ينبغي على الأوروبيين أن يفصلوا فصلا عقلانيا بين هاتين القضيتين، سيما وأنه ليس بينهما علاقة السبب والنتيجة كما يحاول البعض التدليل على ذلك بِلَيّ عنق الحقائق وتزييف الوقائع، ويدعو إلى مقاربة سؤال الإسلام بمفاهيم التلاقح الثقافي والتنوع الحضاري وتعدد الهويات وديناميتها... لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك وهناك من يزرع الشكوك في طريق المسلمين وعلاقتهم بأوروبا؟
يبقى بطريرك الاستشراق برنارد لويس، زارعا للشكوك، ومنذ وقت طويل، وهو لا ينسى رغم تجنسه بالجنسية الأميركية قبل بضعة عقود، إنه أوروبي الأصول، بريطاني النزعة، ولهذا فإنه يقدم صورة لأوروبا العنصرية، ذات الرؤية غير التصالحية أو التسامحية مع الإسلام والمسلمين، والغريب والعجيب، أنها رؤية سبقت الأحداث الإرهابية الأخيرة، وسبقت ظهور «داعش»، وقد أوردها في كتابه «الإيمان والقوة والدين والسياسة في الشرق الأوسط»، الصادر عام 2010 عن جامعة أكسفورد.
يفرد الفصل الثاني عشر من مؤلفة للحديث عن أوروبا والإسلام، والكتاب من ترجمة الأستاذ أشرف محمد كيلاني، وفيه ينزع لويس إلى فكرة التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها، من خلال حديثه عن الأقلية الأوروبية المتعصبة، والتي تتكاثر عتادا وعددا وعدة في الأعوام الأخيرة.
هذه الأقلية ترى أن ما يحدث في أوروبا اليوم هو الموجة الثانية لهجوم المسلمين... أنهم يتحدثون بصوت عال، «يجب ألا نخدع أنفسنا فيما يتعلق بماهية تلك الهجمة وما تعنيه وهي تتخذ أشكالا مختلفة هذه المرة، اثنين تحديدا: الإرهاب والهجرة... كيف فعلها لويس قبل عام من انفجار ما عرف بـ«الربيع العربي» الذي قادنا إلى الهجرة واللاجئين وأذكى من نيران الإرهاب القاعدي ثم الداعشي دفعة واحدة؟
أما الإرهاب عنده فهو جزء من القضية الأكبر للعنف، واستخدامه في خدمة الدين، ويروج لأن الإسلام يوصي ويأمر به كحقيقة حياتية وأن المسلمين يؤمنون بأن العالم ينقسم إلى دار الإسلام، حيث يسود الحكم والقانون الإسلامي، وتعرف البقية بدار الحرب.
أما الشكل الآخر الأكثر ارتباطا بين المسلمين وأوروبا فهو الهجرة، ومن هنا يفهم المرء، ميل لويس إلى ترجيح فكرة فقدان أوروبا لطبيعتها الديموغرافية، وإشاعة طرح أسلمة القارة المسيحية، عبر تكاثر أعداد المسلمين بها.
البحث المعمق في قراءة فكر برنارد لويس يقودنا إلى ما لا يمكن أن نتوقعه، من عينة وجود أرضية خصبة تجمع الأصوليين المسلمين ببعض الحلفاء في أوروبا أيضا.
يرى الرجل، أن الإسلاميين الراديكاليين لهم جاذبية يسارية لدى العناصر المعادية لأميركا في أوروبا، كبديل عن السوفيات، ولهم جاذبية يمينية لدى العناصر المعادية لليهود في أوروبا كبديل عن النازيين، وقد تمكنوا من كسب تأييد كبير تحت كلا العنوانين، وغالبا من نفس الشعب، ويرى البعض في أوروبا أن الضغائن تفوق الولاءات بوضوح.
وثمة اختلاف مثير للاهتمام في ألمانيا، حيث أكثرية المسلمين من الأتراك، وهناك غالبا ما كانوا يميلون لمساواة أنفسهم باليهود، ويعتبرون أنفسهم قد خلفوا اليهود كضحايا للعنصرية والاضطهاد الألماني.
يذكر أحدهم اجتماعا عقد في برلين لمناقشة أوضاع الأقليات المسلمة الجديدة في أوروبا، وفي المساء طلبت مجموعة من المسلمين الأتراك أن ينضم «لويس» إليهم وسماع ما لديهم بهذا الشأن، وهو ما كان مثيرا للاهتمام حقا، وكانت أكثر عبارة علقت في ذهنه ما قاله أحدهم: «على مدى ألف عام لم يتمكنوا (يقصد الألمان) من قبول 400 ألف يهودي، فأي أمل هناك في أن يقبلوا مليوني تركي؟
لكن لويس يضع كعادته السم في العسل، إذ يشير إلى أن المسلمين الأتراك يستخدمون هذه العبارة ويلعبون على الشعور بالذنب لدى الألمان لتعزيز أجندتهم الخاصة...
ضمن خطوط البحث عن مستقبل العلاقة بين أوروبا ومسلميها والإسلام بشكل عام نجد أن هناك من يروج لفكرة أسلمة القارة الأوروبية.
يذهب الكاتب الفرنسي اليميني الأمازيغي اليهودي الأصل إيريك زيمور، صاحب كتاب «انتحار فرنسا»، والداعي لطرد المسلمين منها، إلى أن منهج مقارنة وضعية اليهود في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ووضعية المسلمين في فرنسا اليوم هو وضع معيب، فاليهودي - كما جاء في مقال له بصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بتاريخ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، كان يقدم بوصفه ثريا حقق نجاحا غير مستحق، أما الخوف الذي يثيره المسلمون اليوم فراجع إلى كثرتهم العددية وإلى التطرف والإرهاب الإسلاميين حسب وصفه، فضلا عن أن كون العنف الذي يتهدد اليهود في فرنسا يقف وراءه في أغلب الحالات مسلمون.
في السياق نفسه سار الكتاب والصحافي في موقع «أتلانتيكو» للأخبار اليميني «بونوا رايسكي» والمتخصص في مهاجمة الإسلام، فقد كتب مقالا عنوانه «من الواجب علينا أن نكون إسلاموفوبيين»، وقد حاول رايسكي دوما تعويم قضية الإسلاموفوبيا الفرنسية في مناخ دولي يتميز بالجرائم المرتكبة ضد المسيحيين في نيجيريا والعراق والسودان وذبح الرهائن الغربيين في مناطق «داعش».
من هنا يطفو على السطح التساؤل: «هل سيكون هناك أوروبا متأسلمة أم إسلام متأورب؟ والجواب غير واضح أو محسوم حتى الساعة سيما وأن الأحداث الإرهابية الأخيرة تخلط المشهد خلطا مخيفا.
نحن على الأرجح أمام مرحلة جديدة من علاقة أوروبا بالإسلام والمسلمين؟ باختصار غير مخل يمكننا القول إن العلاقة المباشرة بين أوروبا والإسلام قامت خلال ثلاث مراحل أو أزمنة مختلفة من حيث الجوهر، وفي كل محطة من هذه الحقبات كان المحاور المسلم الذي تلتقيه أوروبا مختلفا، وبما أننا نستطيع ولو تجاوزا اعتبار هذا المحاور ممثلا للإسلام، والناطق باسمه، فإنه يمكن القول كذلك إن هذا الناطق باسم الإسلام والمضطلع بهذا الدور كان يختلف في كل زمن من تلك الأزمنة.
على هذا النحو برز العرب في زمن أول، والأتراك العثمانيون في مرحلة ثانية، والمغول في مرحلة ثالثة.
ومن ثم هنا من يرى أننا إزاء مرحلة رابعة من علاقة أوروبا بالمسلمين داخلها بداية وتاليا خارجها مع الأخذ في عين الاعتبار التبعات والاستحقاقات التي تولدها المواجهات الإرهابية في الداخل على العلاقة مع مسلمي العالم الخارجي؟
أفضل ما يمكن أن نختتم به السطور المتقدمة حيث الحيرة والضبابية تلف المشهد،، سطور إيدوى بلينيل الفرنسي المنتمي بحق إلى عصر الأنوار، والذي لم تغير موقفة طلقات رصاص الإرهابيين في مسرح «الباتاكلان»، ولا شر سائق شاحنة «نيس»، وغير ذلك من حوادث إرهابية شهدتها فرنسا.
بلينيل يرى أن الخلط بين جماعة بشرية بأكملها بالانتماء أو بالثقافة أو بالعقيدة وتصرفات بعض الأفراد الذين يحسبون أنفسهم عليها أو يتباهون بالانتماء إليها هو تمهيد للظلم، والتزام الصمت أمام خطابات كهذه هو تعويد لوعينا على الإقصاء، من خلال إضفاء شرعية التمييز، وإسباغ الاحترام على التشويش.
وفى كل الأحوال تبقى أوروبا أمام اختبار صعب. والتاريخ حافظ لما جرى في القرن الماضي، عندما بينت المأساة الأوروبية النتائج الكارثية لدوامة العداء والكراهية، ومن خلال التقبل السلبي لصناعة المشكلة اليهودية، ولمجرد مسؤولية الأوروبيين عن الإرث، ولهذا نجد البعض في الداخل الأوروبي يرفضون بكل قوة هذه الصناعة الحداثية الماكرة والملحة للمشكلة الإسلامية، وإن كانوا أقلية في وسط عدد أكبر وأصوات أعلى لتيارات اليمين العنصري، وأصحاب الاتجاهات القومية السوفياتية.
أغلب الظن أن قادة الرأي وحملة مشاعل التنوير في القارة الأوروبية هم المنوط بهم تصحيح المشهد في الداخل الأوروبي، حيث صار تقديم الإسلام باعتباره ديناً مقاوماً للحداثة أمراً مألوفاً، الأمر الذي يزكي نيران التصادم بين المسلمين في أوروبا وأصحاب اليمين فيها من الأوروبيين المتشددين، وبهذا يفتحون الباب واسعاً لمزيد من الأصولية القاتلة، إذ ساعتها تبقى الأصولية الإسلامية هي التعبير عن التعارض الجوهري بين الإسلام والغرب، ناسين أو متناسين أن العالم الإسلامي دخل بالفعل في مرحلة الثورة الديموغرافية كما يقول المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود، بل والثورة الثقافية والفكرية التي أدت سابقاً إلى تطور البلاد التي تعد اليوم أكثر المناطق تقدماً في العالم، وهو يتوجه على طريقته ناحية نقطة يلتقي فيها بتاريخ كلي وأكثر شمولاً.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».