مباحثات بين الخرطوم وبكين... على رأسها قضية الديون

نائب رئيس الدولة الصيني يصل الى السودان في زيارة ليومين

TT

مباحثات بين الخرطوم وبكين... على رأسها قضية الديون

استهل مسؤول صيني رفيع المستوى زيارة رسمية للسودان، يجري خلالها مباحثات مع المسؤولين السودانيين، تتناول علاقات البلدين بمجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية. وذلك قبل أيام قلائل من وعود برفع العقوبات الأميركية، سيما أن الصين لعبت دور الحليف للخرطوم إبان المقاطعة الأميركية عليه، لكن العلاقة تأثرت بسبب تراكم الديون، وعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها.
واستقبل رئيس الوزراء السوداني بكري حسن صالح، بمطار الخرطوم، أمس، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ غاو لي، الذي وصل البلاد في زيارة رسمية يجري خلالها مباحثات مهمة من الحكومة السودانية، ويتوقع على نطاق واسع أن تكون قضية ديون بكين على رأسها.
ويبلغ إجمالي الديون الصينية على السودان قرابة 10 مليارات دولار، بما يقارب 20 في المائة من الديون السودانية الخارجية التي تقدر فوائدها بقرابة 50 مليار دولار، بينما يبلغ أصل الدين الخارجي السوداني 17 مليار دولار.
وبسبب عجز السودان عن إيفائه بالتزاماته تجاه الصين، أوقفت تنفيذ بعض المشروعات، رغم أن السودان يعد الشريك الثالث للصين في أفريقيا، وذلك بعد أن منحت بكين الخرطوم مهلتين لسداد الديون، فشلت في الالتزام بالسداد خلالهما.
ويرافق نائب رئيس مجلس الدولة الصيني في زيارته للبلاد التي تستمر ليومين، بدعوة من رئيس الوزراء بكري حسن صالح، وفد رفيع المستوى، ومن المنتظر أن يجري الطرفان والنظراء مباحثات ثنائية، تتضمن لقاءات مع كبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس عمر البشير.
وقال وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، في تصريحات له أمس، إن الزيارة التي يقوم بها المسؤول الصيني ووفده تاريخية، وأضاف: «الزيارة تاريخية ومهمة، بسبب أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، وتقع في إطار علاقات البلدين التي وصلت مرحلة الشراكة الاستراتيجية، التي وقعها رئيسا البلدين في بكين 2015».
وأوضح الغندور أن الجانبين سيجريان مباحثات رسمية بالقصر الرئاسي، مقرراً أن تبدأ بلقاء بين الرئيس السوداني والضيف الزائر، الجمعة، فضلاً عن عقد جولات مباحثات رسمية بالقصر الرئاسي، يلتقي خلالها الوزراء المرافقين نظراءهم السودانيين، وتوقع خلالها عدد من الاتفاقيات الإطارية.
وينتظر السودان الخروج من الزيارة بحصيلة استثمارات صينية، باعتبار بكين تولي أفريقيا أهمية قصوى لسد حاجتها للمواد الخام، خصوصاً المعادن ومواد الطاقة، في الوقت الذي تعد فيه الخرطوم من الشركاء المهمين لبكين في القارة الأفريقية.
يذكر أن الصين تخلت عن تنفيذ عدد من المشروعات الموقعة مع الخرطوم، لعجز الحكومة السودانية عن الإيفاء بتعهداتها بشأن سداد الديون، والالتزام بالجدولة التي اتفق الطرفان عليها.
وينتظر أن ترفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان بحلول الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام الاستثمارات الغربية التي قد تنافس الصين على الأسواق والاستثمارات السودانية.
كان مسؤول رفيع في المالية السودانية قد اعتبر الخشية الغربية من استمرار سيطرة الصين وروسيا على الاقتصاد السوداني أحد أسباب رفع العقوبات، ونقلت تقارير صحافية عن وزير الدولة بالمالية الرحمن محمد ضرار وقتها: «إن واحداً من الأسباب التي جعلت واشنطن ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، تمدد النفوذ الصيني الروسي في السودان». وفي الوقت ذاته، توقع خبراء أن تتوصل الصين والسودان إلى جدولة جديدة للديون حتى لا تتخلي عن السوق السوداني الواعدة للغرب.
وبدأ تراكم الديون الصينية على السودان بعد انفصال جنوب السودان (2011)، وذهاب معظم إنتاجه من البترول إلى الدولة الوليدة. فبعد أن كانت الدولتان تتعاملان بآلية «النفط مقابل المشروعات»، تعثرت هذه الآلية بعد الانفصال، وأخذت الخرطوم نصيب الشركات الصينية من نفطها الخام لتغطية استهلاكها المحلي، مما سبب عجزاً لم تفلح الخرطوم في سداده.
وطلبت الخرطوم من بكين تأجيل السداد، وفي الوقت ذاته الاستمرار في إقامة المشروعات، دون أن تقدم الضمانات الكافية لاستمرار تدفق تمويل المشروعات. وتعثرت العلاقات الاستثمارية بين البلدين، رغم أن بكين كانت شريكاً استراتيجياً للخرطوم أثناء الحصار الاقتصادي الغربي.



كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)

تعهدت وزارة المالية في كوريا الجنوبية، يوم الأحد، بمواصلة اتخاذ تدابير استقرار السوق بسرعة وفعالية لدعم الاقتصاد، في أعقاب إقالة الرئيس يون سوك-يول، بسبب فرضه الأحكام العرفية بشكل مؤقت.

وأكدت الوزارة أنها ستستمر في التواصل بنشاط مع البرلمان للحفاظ على استقرار الاقتصاد، مشيرة إلى أنها تخطط للإعلان عن خطتها السياسية نصف السنوية قبل نهاية العام الحالي، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، دعا زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي-ميونغ، إلى تشكيل «مجلس استقرار وطني» يضم الحكومة والبرلمان لمناقشة القضايا المالية والاقتصادية وسبل تحسين مستوى معيشة المواطنين. وأشار إلى أن التحدي الأكثر إلحاحاً هو تراجع الاستهلاك بسبب الطلب المحلي غير الكافي، وتقلص دور الحكومة المالي. وأضاف لي أن معالجة هذا الأمر تتطلب مناقشة عاجلة لموازنة إضافية يمكن أن تشمل تمويلاً لدعم الشركات الصغيرة، بالإضافة إلى استثمارات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، لمواجهة تحديات نقص الطاقة.

وكان البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المعارض، قد مرر مشروع موازنة 2025 بقيمة 673.3 تريليون وون، متجاوزاً اقتراح الحكومة الذي بلغ 677.4 تريليون وون، وذلك دون التوصل إلى اتفاق مع حزب «قوة الشعب» الذي ينتمي إليه الرئيس يون والحكومة.

من جهته، أعلن بنك كوريا -في بيان- أنه سيعتمد على كافة الأدوات السياسية المتاحة بالتعاون مع الحكومة، للرد على التحديات الاقتصادية، وتفادي تصاعد التقلبات في الأسواق المالية وأسواق العملات الأجنبية. وأكد البنك ضرورة اتخاذ استجابة أكثر نشاطاً مقارنة بالفترات السابقة من الإقالات الرئاسية، نظراً للتحديات المتزايدة في الظروف الخارجية، مثل تصاعد عدم اليقين في بيئة التجارة، وازدياد المنافسة العالمية في الصناعات الأساسية.

كما أكدت الهيئة التنظيمية المالية في كوريا الجنوبية أن الأسواق المالية قد تشهد استقراراً على المدى القصير، باعتبار الأحداث السياسية الأخيرة صدمات مؤقتة؛ لكنها ستوسع من الموارد المخصصة لاستقرار السوق إذا لزم الأمر.

من جهة أخرى، شهدت أسواق الأسهم في كوريا الجنوبية ارتفاعاً للجلسة الرابعة على التوالي يوم الجمعة؛ حيث بدأ المستثمرون يتوقعون تراجع حالة عدم اليقين السياسي بعد تصويت البرلمان على إقالة الرئيس يون. كما لم يتوقع المستثمرون الأجانب أن تؤثر الاضطرابات السياسية الأخيرة بشكل كبير على نمو الاقتصاد أو تصنيفه الائتماني لعام 2025، إلا أنهم أشاروا إلى تأثيرات سلبية محتملة على معنويات السوق، مما قد يؤدي إلى زيادة في سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي، واستمرار عمليات بيع الأجانب للأسواق المحلية.

غرفة تداول بأحد البنوك في سيول (رويترز)

وفي استطلاع أجرته «بلومبرغ»، أفاد 18 في المائة فقط من المشاركين بأنهم يعتزمون تعديل توقعاتهم بشأن نمو الاقتصاد الكوري الجنوبي لعام 2025، بسبب الأحداث السياسية الأخيرة، بينما أكد 82 في المائة أن توقعاتهم ستظل دون تغيير. كما توقع 64 في المائة من المشاركين أن يظل التصنيف الائتماني السيادي كما هو، في حين توقع 27 في المائة خفضاً طفيفاً. ووفقاً للاستطلاع، يُتوقع أن يتراوح سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي بين 1.350 و1.450 وون بنهاية الربع الأول من 2025.

أما فيما يتعلق بأسعار الفائدة، فقد زادت التوقعات بتخفيضات مسبقة من قبل بنك كوريا؛ حيث توقع 55 في المائة من المشاركين عدم حدوث تغييرات، بينما توقع 27 في المائة تخفيضاً في الأسعار قريباً. وتوقع 18 في المائة تخفيضات أكبر. وأشار كيم سونغ-نو، الباحث في «بي إن كي للأوراق المالية»، إلى أن تحركات السوق ستعتمد بشكل كبير على قرارات لجنة السوق الفيدرالية الأميركية في ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث قد يسهم أي تخفيض لأسعار الفائدة من جانب الولايات المتحدة في تعزيز توقعات تخفيض الفائدة في كوريا الجنوبية في الربع الأول من 2025.

وقد أكد كيم أن العوامل السياسية ليست المحرك الرئيسي للأسواق المالية؛ مشيراً إلى أن الاضطرابات السياسية عادة ما تكون لها تأثيرات قصيرة الأجل على الأسواق. وأضاف أن الركود الاقتصادي -وليس الأحداث السياسية- هو المصدر الرئيس للصدمات المالية الكبيرة.

كما أشار كثير من المسؤولين الماليين إلى أن إقالة الرئيس يون قد تعود بالفائدة على الاقتصاد الكوري الجنوبي. وفي مقابلة إعلامية، أكد محافظ هيئة الرقابة المالية، لي بوك هيون، أن عزل الرئيس سيكون خطوة إيجابية للاستقرار الاقتصادي في البلاد، معرباً عن اعتقاده بأن القضاء على حالة عدم اليقين السياسي أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار الاقتصاد، وفق صحيفة «كوريا تايمز».

وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى أن النمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية من المتوقع أن يصل إلى 2.2 في المائة في 2024 بدعم من صادرات أشباه الموصلات، في حين يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2 في المائة في 2025 مع اقتراب الاقتصاد من إمكاناته الكاملة. وأكد الصندوق أن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة، والمخاطر تميل إلى الاتجاه السلبي.

وبينما يظل التضخم قريباً من هدف بنك كوريا البالغ 2 في المائة، شدد الصندوق على ضرورة تطبيع السياسة النقدية تدريجياً في ظل هذه الظروف، مع الحفاظ على تدخلات محدودة في سوق الصرف الأجنبي لمنع الفوضى. كما أشار إلى أهمية تعزيز التوحيد المالي في موازنة 2025 لمواجهة ضغوط الإنفاق الطويلة الأجل، مع التركيز على السياسات المتعلقة بمخاطر العقارات.

كما أشار إلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل لدعم النمو وسط التحولات الهيكلية؛ مشيراً إلى ضرورة معالجة تراجع القوة العاملة من خلال تحسين الخصوبة، وزيادة مشاركة النساء في العمل، وجذب المواهب الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز تخصيص رأس المال، وتحسين مرونة المؤسسات المالية.