تحمل الأيام الأخيرة من شهر أغسطس (آب)، وتحديداً يوم 22 منه، أهمية وقيمة خاصة للاقتصاد الروسي، لأن روسيا في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات تمكنت من تحقيق حلمها بالحصول على عضوية في منظمة التجارة العالمية.
ولا تقتصر أهمية الحدث على النتائج التي قد يجنيها الاقتصاد الروسي بعد الانضمام للمنظمة الدولية الوحيدة التي تنظم العلاقات التجارية بين الدول وتضبطها، إذ تصبح العضوية أكثر قيمة وتأثيراً ربما من الناحية المعنوية، ذلك أن الاقتصاديين الروس خاضوا على مدار ثمانية عشر عاماً مفاوضات شاقة مع المنظمة في طريقهم إلى العضوية التامة. من جانب آخر فإن العضوية تعني لروسيا اعترافاً دوليا بأن اقتصادها ونشاطها التجاري يلبيان شروط ومتطلبات التجارة العالمية، هذا فضلا عن أن العضوية تفتح الطريق أمام المنتجات الروسية للمنافسة في الأسواق العالمية، ضمن شروط متكافئة نوعا ما للجميع.
وكانت روسيا تقدمت منذ عام 1994 بطلب العضوية التامة في منظمة التجارة العالمية، وبعد سبع سنوات فقط تمكنت بداية من تحقيق الشروط المطلوبة لتوقيع بروتوكول الانضمام للمنظمة، وذلك خلال المؤتمر الوزاري في مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2011. وفي صيف العام التالي صادق البرلمان الروسي على البروتوكول، ومن ثم صادق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي 22 أغسطس عام 2012 أصبحت روسيا عضوا كامل الحقوق في المنظمة، وتساهم حاليا بنحو 2.2 في المائة من أجمالي ميزانيتها، أو بعبارة أخرى قدمت روسيا 4.6 مليون دولار كمساهمة في إجمالي ميزانية منظمة التجارة العالمية عام 2016. وبهذا أصبحت روسيا عضوا يشارك مع الدول الأخرى في وضع معايير وقوانين تنظيم ضبط إيقاع التجارة العالمية، وتعمل من خلال هذه المشاركة على حماية المصالح الروسية.
وخلال ثمانية عشر عاما من المفاوضات والانتظار، درس الخبراء الاقتصاديون الروس كل قواعد المنظمة، وقاموا بتحليل الخطوات المطلوب من روسيا تنفيذها لتحصل على العضوية، بما في ذلك التداعيات السلبية التي قد تخلفها العضوية على بعض القطاعات الإنتاجية والتجارية الروسية، وكيفية التخفيف من حدة تلك النتائج، واعتماد تشريعات جديدة، وتغيير القديمة، بما يضمن أرضية تشريعية وطنية تتناسب مع شروط العضوية. ووضعت الحكومة الروسية جملة تدابير لتفادي التداعيات السلبية، الأمر الذي جعل عملية الانضمام تمر دون أثر سلبي يذكر. وأخذت روسيا على عاتقها التزامات باتخاذ إجراءات لتغيير بعض القواعد الوطنية التجارية خلال «المرحلة الانتقالية» والتي تستمر من عامين إلى ثلاث سنوات بعد الحصول على العضوية. وعلى سبيل المثال لا الحصر التزمت روسيا بتخفيض الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية، مثل الرسوم على الأدوات المنزلية الكهربائية، وعلى الإلكترونيات من 15 في المائة (في عام 2011)، حتى 7 - 9 في المائة، وعلى السيارات المستوردة من 25 حتى 15 في المائة، وعلى الحليب ومشتقاته من 25 إلى 20 في المائة، وغيره.
وكمثال على التزاماتها المنبثقة عن عضويتها في منظمة التجارة العالمية، في مجال الائتمان، وسعت روسيا حصة المساهمة الأجنبية في مؤسسات التأمينات من 25 حتى 50 في المائة، وبعد تسع سنوات من العضوية في المنظمة ستسمح روسيا لفروع شركات التأمينات الأجنبية بالعمل في السوق المحلية، إلا أنه وبموجب اتفاق تم التوصل إليه في إطار المنظمة، فإن عمل تلك الشركات لن يحصل على امتيازات تنافسية مقارنة بشروط عمل شركات التأمينات الروسية.
وتمكنت روسيا خلال السنوات الخمس الماضية من جني بعض ثمار عضويتها في منظمة التجارة العالمية. ويقول مكسيم ميدفيدكوف، مدير قسم المفاوضات التجارية في وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، إن روسيا استفادت من العضوية في المنظمة، مؤكداً «حصلنا على تلك الإيجابيات التي كنا نأمل بها من خلال العضوية في المنظمة»، موضحا أن «العضوية خففت من التمييز بحق منتجاتنا وخدماتنا التجارية، وفي الحالات التي لم تتوقف فيها سياسات التمييز، تمكنا من إطلاق عملية فض النزاعات، وتحديداً في مسألة أساليب التحقيق في إجراءات مكافحة الإغراق بحق البضائع الروسية».
كما أن روسيا انخرطت في العمليات التفاوضية داخل المنظمة، وقامت بالتعاون مع الأعضاء الآخرين بتنظيم اتفاقية تيسير التجارة، وذلك من خلال تقليص العقبات والإنفاق والإداريين، وتسهيل العمليات الجمركية، الأمر الذي يساعد الشركات على توفير الموارد، حسب قول المسؤول من وزارة التنمية الاقتصادية الروسية.
وبشكل عام، تتيح العضوية في المنظمة لروسيا المشاركة في النزاعات التجارية، وحل خلافاتها مع الدول وفق الأسس والقوانين العامة المتعارف عليها في المنظمة. وبعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات ضد روسيا على خلفية الأزمة في أوكرانيا عام 2014. صرح مسؤولون روس أنهم سيستفيدون من امتياز توفره العضوية في منظمة التجارية العالمية، وهو إمكانية الدفاع عن المصالح التجارية في إطار آليات فض النزاعات، وقالوا إنهم سيقدمون دعوى ضد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة... إلا أن هذه الخطوة من جانب موسكو قد لا تأتي بنتيجة، لأنه حتى إذا كانت العقوبات تتعارض مع معايير وقواعد منظمة التجارة العالمية، فإن الدولة التي أقرت العقوبات يمكنها دوما الاعتماد على الوضع الاستثنائي، حيث يحق للدولة أن تخرج عن قواعد منظمة التجارة العالمية، عندما يتعلق الأمر بتهديد الأمن القومي.
رغم هذا قامت روسيا في مايو (أيار) الماضي بتوجيه طلب إلى المؤسسات المعنية في منظمة التجارة العالمية لإجراء مشاورات حول موضوع العقوبات على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وما زالت حالة من الانقسام تهيمن في الأوساط الاقتصادية بشأن تقييم عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية، وما إذا كانت خطوة سلبية أم إيجابية. ويرى خبراء واقتصاديون أن روسيا تمكنت عبر العضوية من تحسين الظروف لوصول منتجاتها إلى الأسواق الخارجية، وتوسيع إمكانيات الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الروسي، ورفع القدرة التنافسية للمنتجات الروسية. ويشير أصحاب وجهة النظر هذه إلى أن العملية التشريعية في روسيا أصبحت أكثر شفافية منذ الحصول على العضوية، وأصبح بوسع رجال الأعمال افتتاح أسواق جديدة لمنتجاتهم. أما المعارضين لعضوية روسيا في المنظمة فيقولون إن روسيا لم تعد قادرة على ضمان الحماية التامة للمنتجين المحليين، وأن تستخدم لهذا الغرض أدوات مثل رفع الرسوم الجمركية وغيرها من تدابير تمييزية بحق المنتجات المستوردة. ويؤكد خبراء اقتصاديون أن تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات الأجنبية ألحق الضرر بالقطاع الصناعي، وتحديدا قطاع صناعة السيارات، والتعدين والإنتاج الزراعي.
روسيا تحصي منافع ومضار خمس سنوات من عضويتها في منظمة التجارة العالمية
حالة الانقسام والجدل لا تزال قائمة بشأن تقييم الفوائد
روسيا تحصي منافع ومضار خمس سنوات من عضويتها في منظمة التجارة العالمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة