حلول سورية «مؤقتة» قد تؤدي إلى حروب جديدة

الحل الشامل ينقذ مناطق «خفض التصعيد» من تقسيم أمر واقع

حلول سورية «مؤقتة» قد تؤدي إلى حروب جديدة
TT

حلول سورية «مؤقتة» قد تؤدي إلى حروب جديدة

حلول سورية «مؤقتة» قد تؤدي إلى حروب جديدة

تراجعت حدة القتال بين القوات النظام السوري وفصائل «الجيش الحر»، وأخرى إسلامية بفضل بدء تنفيذ وقف النار في ثلاث من أربع مناطق لـ«خفض التصعيد»، مقابل استمرار قتال معظم الأطراف لتنظيم داعش، شرق البلاد، وإعطاء فرصة لانتقال عناصر «هيئة تحرير الشام» التي تضم «فتح الشام» (النصرة سابقاً) إلى إدلب بانتظار حسم مصيرها. لكن ذلك لا يعني انتهاء الحرب، إذ يُتوقع اندلاع حروب جديدة أو صراعات جدية في البلاد خلال المدى المتوسط والطويل، خصوصاً في حال لم تلحق مناطق الاستقرار المؤقت بحل سياسي شامل عاجل واستقرت على تقسيم أمر واقع. وهنا بعض الاحتمالات:

الجنوب السوري
تعتقد واشنطن أنها حققت اختراقاً بموافقة موسكو على «عدم وجود قوات غير سورية» في مناطق «هدنة الجنوب» في درعا والقنيطرة والسويداء، ما يعني انسحاب تنظيمات تدعمها إيران و«حزب الله» بين ثمانية كيلومترات و32 كيلومتراً، مقابل قناعة موسكو بأنها جلبت واشنطن إلى التعاون رغم التوتر الكبير بينهما. يتضمن اتفاق «هدنة الجنوب» تأسيس مركز رقابة في عمان واحتفاظ المعارضة بسلاحها الثقيل والخفيف وتحديد خطوط القتال وبدء تبادل تجاري مع مناطق النظام وتشكيل مجلس محلي معارض واحتمال عودة اللاجئين من الأردن أو نازحين قرب الحدود. لكن احتمال الحرب هنا يأتي من أن إسرائيل غير راضية عن نتائج الاتفاق، لأنه قيد حركة طائراتها في قصف أهداف لـ«حزب الله» أو تنظيمات إيرانية قرب الجولان أو جنوب البلاد، وقناعتها أن روسيا لن تطلب من مجموعات إيران الانسحاب إلى «مسافة كافية»، ما يعني أنها ستلجأ إلى استئناف ضرباتها الجوية قرب دمشق ومناطق أخرى بين العاصمة السورية والجولان المحتل ما يهدد بمواجهة لها بعد إقليمي ودولي.

اقتتال فصائل المعارضة
مطلوب من فصائل «الجيش الحر» بموجب اتفاقات «خفض التصعيد»، أن تقاتل «داعش» وفكره عسكرياً وسياسياً وتطرد «هيئة تحرير الشام» (النصرة) بعد مهلة سماح، ما يعني احتمال حصول «اقتتال الإخوة» بين فصائل كانت تقاتل معاً ضد قوات النظام في مرات سابقة. حصل الاقتتال سابقاً في الغوطة الشرقية لدمشق قبل أن ينضم «جيش الإسلام» إلى الهدنة في دوما ثم «فيلق الرحمن» في جوبر والغوطة الشرقية، لكن «هيئة تحرير الشام» لا تزال خارج الاتفاق. ونص الاتفاق: «التزم الطرف الأول (الجيش الحر) منع وجود منتسبي (هيئة تحرير الشام)، في المناطق الخاضعة لسيطرته بمنطقة خفض التصعيد، ويشدد على موقفه الرافض لتنظيم (داعش) و(النصرة)، وفكرهما المتطرف في أي من مناطق سيطرته. في حال استعداد منتسبي (جبهة النصرة) للمغادرة مع أو من دون أسرهم إلى إدلب يتم توفير ضمانات للعبور الأمن من الطرف الثاني لهذا الاتفاق».

طموحات قوات النظام
لم تتغير خطة دمشق لـ«حل عسكري». هي تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على مناطق المعارضة لـ«عودة الجميع إلى الدولة»، واعتبار «الهدنة فرصة للمصالحة مع الدولة». كما أن دمشق ترفض وجود مجالس محلية للمعارضة على عكس موقف موسكو ونصوص اتفاقات الهدنة.
كانت وزارة الدفاع الروسية نشرت نحو ألف عنصر من الشرطة العسكرية الروسية (الشيشان) في مناطق «خفض التصعيد». انتشر بعضهم في القنيطرة ودرعا وغوطة دمشق وريف حمص. هم يشكلون سداً حالياً أمام طموحات دمشق التي تفتقر إلى الموارد البشرية في القوات النظامية، لكن مع مرور الوقت وزيادة الثقة في دمشق، قد تتحدى هذه القوات خطوط التماس خصوصاً أن الفرق بين مقاربة روسيا ودمشق ليس مختلفاً كثيراً لجهة بسط سيطرة «سلطة الدولة» و«الحفاظ على وحدة سوريا بموجب نص القرار 2254».

ميليشيات وجيش
في مناطق قوات النظام في «سوريا المفيدة» التي تتمدد إلى الموارد الطبيعية وغاز ونفط شرقي البلاد، بات موضوع إعادة الإعمار بمثابة «معركة» بسبب رفض دول غربية دعم ذلك دون حل سياسي مقبول وغياب القدرة المالية لحلفاء النظام في روسيا وإيران لتعويض كلفة الدمار التي تتجاوز 250 مليار دولار أميركي.
هناك أيضاً، بوادر معارك أخرى بين «أمراء الحرب» ورجال الأعمال الجدد الذي برزوا في اقتصاد الحرب ويتنافسون على حصة في مستقبل البلاد التي زادت فيها معدلات الجريمة والفساد، وتراجعت الكفاية الإدارية وسلسلة ترابط السلطة. لكن الحروب الأخرى المحتملة، هي بين ميليشيات تابعة لإيران تضم عناصر سوريين وأجانب يدينون بالولاء لطهران، وبين قوات النظام التي تضم الجيش وقوات تحاول روسيا الحفاظ عليها. وتطرح موسكو هنا وراء أبواب مغلقة تشكيل مجلس عسكري مشترك يعكس توازنات إقليمية ومحلية داخلية من عرب وأكراد.

إدلب بين الحرب والعزلة
في إدلب نحو مليوني مدني وأكثر من خمسين ألف مقاتل من فصائل إسلامية ومتشددة ومعتدلة، بينها أكثر من عشرة آلاف في «هيئة تحرير الشام». تعتقد واشنطن بوجود عشرة آلاف من «القاعدة» باعتبار أن «النصرة» جزء من «القاعدة». لكن أنقرة تسعى إلى حلول وسط بينها خطة نشرت في صحيفة «يني شفق»، نصت على: «إدارة مدنية لإدلب، تحويل (الجيش الحر) إلى شرطة مدنية، حل (هيئة تحرير الشام) نفسها».
لا تزال الاتصالات جارية لحسم مستقبل إدلب. وهناك اقتراح بـ«عزل إدلب» وضربات جراحية ضد قادة «القاعدة» مع عمليات برية خاطفة. لكن دمشق تراهن على تحويل إدلب إلى «مشكلة دولية» تتطلب «حلاً دولياً» ربما عبر تحالف وتنسيق أميركي - روسي يتضمنان «استعادة النظام شرعية»، بحسب تفكير مسؤولين في إدلب.

أتراك وأكراد
أمام تقدم «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم في شكل رئيسي «وحدات حماية الشعب» الكردية شمال شرقي سوريا، يزداد القلق التركي لثلاثة أسباب: أولاً، تقدم الأكراد بسلاح أميركي وغطاء التحالف الدولي. الثالث، اعتبار أكراد سوريا امتداداً لأكراد جنوب تركيا. الثالث، وجود كيان كردي سوري وزيادة وجود إقليم كردستان العراق سينقلان الإلهام السياسي - الجغرافي إلى تركيا التي باتت تحت ضغط أميركي وروسي.
دفعت هذه الأمور إلى بدايات تنسيق بين إيران وتركيا ضد «غرب كردستان» (شمال سوريا) تشبه التنسيق الثلاثي الذي ضمهما مع دمشق نهاية التسعينات ضد أكراد شمال العراق. رغم تطمينات واشنطن من أنه لا وعود سياسية لأكراد سوريا، وأن السلاح الأميركي والأوروبي سيُسحب من «وحدات الحماية» بعد القضاء على «داعش»، فإن الجيش التركي قد يجد نفسه مضطراً لتوسيع المواجهة ضد الأكراد والتوغل شمال سوريا، كما حصل قبل عقد في العراق.
دمشق كانت غضت الطرف عن إنجازات الأكراد منذ منتصف 2012 لأنهم لم يكونوا أولوية. لكن مع مرور الوقت وزيادة الثقة وتراجع «الجيش الحر» يمكن فتح جبهة جديدة بين دمشق والأكراد أو أن تغض دمشق الطرف عن ضربات يقوم بها الجيش التركي ضد الأكراد. حصل ذلك سابقاً في العراق قبل سنوات. كما أن دمشق لم تقم بالكثير عندما دعم الجيش التركي فصائل «درع الفرات» لإقامة جيب بين حلب والحدود.

وادي الفرات
يدرك «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الجناح السياسي لـ«الوحدات» أن واشنطن خانت أكراد العراق في السبعينات وشيعة العراق في التسعينات والعرب السنة في سوريا في السنوات الأخيرة. لذلك، هم لا يستبعدون خيانة أميركية لأكراد سوريا بعد سنوات من القضاء على «داعش». بعض المسؤولين الأكراد يرى مصلحة في التروي في المعارك ضد «داعش» لتكريس الوجود العسكري على الأرض في فيدرالية شمال سوريا، في حين يُهيئ مسؤولون أكراد آخرون أنفسهم لـ«معركة كبرى» في وادي الفرات باعتبار أن عناصر التنظيم يتجمعون بعد هروبهم من مخارج في الرقة ودير الزور وغرب العراق. صحيح أن الخط الساخن بين موسكو وواشنطن يمنع الاحتكاك شرق سوريا بين قوات النظام و«حزب الله» المدعومة من الجيش الروسي التي تتقدم نحو دير الزور من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا وتتقدم في الرقة وريفها من جهة أخرى.
لكن المواجهة ممكنة خصوصاً أن إيران تريد اختبار مدى التصميم الأميركي عسكرياً شرق سوريا سواء بالتمدد شمال قاعدة التنف الأميركية شرق العراق باتجاه البوكمال ودير الزور لربط «هدنة الجنوب» بـ«إقليم الرقة» أو بتشجيع فصائل في «الحشد الشعبي» العراقي للتوغل شرق سوريا، ما يفسح في المجال لاحتمال مواجهة مع «قوات سوريا الديمقراطية» أو تفككها عرباً وأكراداً بعد فترة على استقرار مؤقت في هذه المنطقة المحررة من «داعش».



مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره، في ظل وقوع حوادث مماثلة بوقت سابق في محافظات مختلفة.

وشغلت المصريين خلال الساعات الماضية واقعة شهدتها مدرسة بورسعيد الثانوية الميكانيكية بمحافظة بورسعيد في مصر، الأحد، بعدما تداول مدونون «اتهامات عن تعدي طالب على آخر بسلاح أبيض ما أصابه بطعنة نافذة في القلب، أدت إلى وفاته».

وكشف وزارة الداخلية المصرية، الاثنين، ملابسات الحادث، مشيرة، في بيان، إلى أن عملية الطعن جاءت على خلفية مشاجرة نشبت بين الطالبين في فناء المدرسة، و«أنه بالانتقال وسؤال شهود الواقعة أفادوا بقيام طالب بالتعدي على المجني عليه بسلاح أبيض (مطواة) كانت بحوزته، فأحدث إصابته، ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة».

وعقب تقنين الإجراءات، وفق البيان، تم «ضبط مرتكب الواقعة بمكان اختبائه بالقاهرة، كما تم ضبط السلاح المستخدم في ارتكاب الواقعة».

وجاء التعقيب سريعاً من وزارة التعليم، حيث أكد الوزير محمد عبد اللطيف، أن «الوزارة لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية أبنائها الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وسلامة سير العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية».

وشدد في بيان، الاثنين، على أنه «لن يتم القبول بتكرار مثل هذا الحادث، أو أي تجاوزات من قبل الطلاب أو المعلمين أو أي مسؤول، وأي تجاوز ستتعامل معه الوزارة بإجراءات صارمة وحازمة».

وكانت الوزارة، في أول رد فعل عقب الحادث، اتخذت إجراءات عاجلة ومشددة تضمنت إلغاء تكليف مديرة المدرسة، وتحويل جميع المسؤولين في المدرسة إلى الشؤون القانونية.

ويدرس نحو 25 مليون طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي في مصر، تضمهم 60 ألف مدرسة، بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم.

الواقعة أثارت تفاعلاً، وأعادت الحديث عن جرائم مشابهة، منها ما شهدته محافظة سوهاج (صعيد مصر)، قبل أيام، من إصابة طالب بالصف الأول الثانوي بجرح قطعي بالرقبة إثر تعدي زميله عليه بسلاح أبيض «كتر» إثر مشادة كلامية لوجود خلافات سابقة بينهما، بحسب وسائل إعلام محلية.

وزارة التعليم المصرية تسعى لحماية الطلاب وتطبيق أسس وقواعد التربية السليمة (الشرق الأوسط)

وخلال يوليو (تموز) الماضي، أقدم طالب بالثانوية العامة في محافظة بورسعيد أيضاً، على طعن زميله داخل إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، بدعوى عدم السماح له بالغش منه. وتكررت الواقعة للسبب نفسه خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما طعن طالب ثانوي بالإسكندرية زميله بآلة حادة عقب الخروج من لجنة الامتحان لعدم تمكينه من الغش، حيث استشاط غضباً لعدم مساعدته.

ومن قبلها في شهر مارس (آذار)، قُتل طالب على يد زميله بسلاح أبيض «كتر» أمام مدرسة ثانوية بمحافظة القليوبية، بسبب معاكسة فتاة.

الخبير التربوي المصري، الدكتور حسن شحاتة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يرجع مثل هذه الوقائع إلى «السلوك العدواني، الذي يكتسبه الطلاب من البيئة والمجتمع خارج المدرسة، من خلال مشاهدة التلفزيون وأفلام العنف، والألعاب العنيفة، وبالتالي ينقلونه إلى داخل المدرسة».

ولفت إلى أن «وقف هذا العنف مسؤولية مشتركة، فالأسرة عليها مهمة تجنيب الأبناء صور وأشكال السلوك العدواني، إلى جانب إفهام الطالب الخطأ من الصواب داخل المدرسة، والقوانين المنظمة للدراسة، والتشديد على الالتزام الأخلاقي داخل المؤسسة الدراسية، وكيف أنها مكان مقدس مثل دور العبادة».

ولا تمثل هذه الوقائع ظاهرة، وفق شحاتة، فهي «حوادث معدودة في ظل وجود 25 مليون طالب في مصر»، مبيناً أنه «مع ارتفاع كثافة الفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية مناسبة للتلاميذ، مما يؤدي إلى عدم تفريغ الشحنات الانفعالية لهم، وهنا يأتي دور المدرسة في إيجاد أنشطة في المدرسة رياضية وموسيقية وفنية، يمارسها الطلاب لتهذيبهم، مع وجود دور للمُعلم في تعليمهم السلوك السوي مع بعضهم البعض».

ويوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة المصرية اليابانية، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحوادث تعد «أعراضاً لتراجع النظام التعليمي»، وغياب «القيم التربوية».

ويلفت «صادق» إلى أن هذه الحوادث تعد امتداداً لإرث معروف بين الأسر تنصح به أطفالها، مثل عبارات: «لو حد ضربك في المدرسة اضربه» أو «خد حقك»، الذي معه «يقرر الطالب الاعتماد على نفسه في الحصول على حقه»، بينما الطبيعي، وفق صادق، عند تعرض الطالب لعنف أو تنمر «يشتكي للمعلم، ويرفع الأمر للإدارة لأخذ موقف ومعاقبة الطالب المعتدي؛ لكن مع غياب المعلم المؤهل وضعف إدارات المدارس، يغيب ذلك العقاب، وبالتالي نجد هذا العنف».