لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

سليمان ينهي عهده بقطيعة من «حزب الله».. و«الشغور» الرئاسي بعده يدخل البلاد في ظل المجهول

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»
TT

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

من المقرر أن يغادر الرئيس اللبناني ميشال سليمان مقر القصر الرئاسي في منطقة بعبدا، المشرفة على بيروت، يوم الأحد المقبل، بعد خطاب وداعي يلقيه مساء السبت، انكب هو ودوائر القصر الرئاسي على إعداده منذ أشهر عدة. ولكن لبنان الذي عاش في عهده اضطرابات أمنية كادت تودي به إلى أتون حرب أهلية جديدة، يواجه المجهول، بسبب الشغور الرئاسي.
وإذا كان الرئيس الأسبق إميل لحود، أنهى عهده بظل «قطيعة» سياسية كبرى من فريق «14 آذار»، فإن الرئيس سليمان ينهي عهده أيضا في ظل قطيعة من «حزب الله» والنظام السوري من خلفه، مفسحا المجال أمام «الشغور» للتسلل إلى المنصب المسيحي الأول في لبنان، بعد فشل الفرقاء بنسج تسوية سياسية مماثلة لتلك التي جعلت سليمان رئيسا بعد اتفاق الدوحة عام 2008، إثر أحداث دموية شهدتها بيروت عام 2008.

يبدأ سليمان مطلع الأسبوع المقبل صفحة جديدة من حياته، سيقضيها بين منزله في منطقة اليرزة المجاورة لبعبدا وفي مسقط رأسه عمشيت قرب مدينة جبيل (شمال بيروت)، مختتما مسيرة عسكرية بدأها عمليا منذ عام 1970 أوصلته إلى قيادة الجيش اللبناني لتسعة أعوام، قبل أن تسهل وصوله إلى سدة الرئاسة في لبنان عام 2008.
ست سنوات تولى فيها سليمان رئاسة الجمهورية اللبنانية في ظروف صعبة بل معقدة، داخليا وإقليميا. لم يسلم لبنان، الذي يتغنى أبناؤه بصيغته الفريدة من نوعها في المنطقة وبتنوعه المسيحي - الإسلامي، من رياح التغيير في العالم العربي، خصوصا بعد أن هبت على سوريا. خلال ثلاث سنوات من عهده، أرخت أزمة سوريا بثقلها على الساحة اللبنانية، زادت من حدة الانقسام السياسي خصوصا بعد مجاهرة «حزب الله» بانغماسه في القتال إلى جانب النظام السوري. أزمة ضاعفت تخبط الدولة والاقتصاد وعاثت بالأمن تفجيرات وصواريخ لم تسلم منها البلدات الحدودية، مولدة استنفارا طائفيا وعصبيا وأزمة لاجئين باتت أكبر من قدرة لبنان على تحملها.
لم يحفل العهد الرئاسي بإنجازات نوعية كثيرة، ليس تقصيرا من سليمان الذي يؤكد من يؤيده ومن يعارضه أن الظروف المحلية والإقليمية عاكسته ومنعته تحقيق الكثير، ولكن بفعل الانقسام الداخلي الذي عمقته أزمة سوريا. يكفي التذكير بأنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انصرفت جهود أركان الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس اللبناني، إلى محاولة إطفاء الحريق السوري في العشب اللبناني وتكريس سياسة «النأي بالنفس» عن أزمة سوريا، من دون أن تنجح في ذلك.
وبمعزل عن انعكاسات أزمة سوريا لبنانيا، تعاقبت أربع حكومات خلال عهد سليمان لم تنجز بدورها إلا القليل، ولم تتمكن حتى من ملء الشغور الإداري الذي فاقت نسبته 80 في المائة بفعل المناكفات السياسية، بين فريقي الأزمة، باستثناء ما بدأت بتحقيقه حكومة التسوية الأخيرة. لم تنجز حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة الكثير رغم أنها شكلت امتدادا لتسوية الدوحة. واحتاجت حكومة الرئيس الأسبق سعد الحريري أكثر من أربعة أشهر حتى تبصر النور لتسقط بعد ذلك مع استقالة وزراء «8 آذار» ثم الوزير الشيعي الملك الذي كان محسوبا على سليمان عدنان السيد حسين.
وبعد تخليه عن تحالفه مع «14 آذار» تدريجيا بعد الانتخابات النيابية عام 2009، ساهم النائب وليد جنبلاط بترجيح الكفة لناحية تسمية نجيب ميقاتي رئيسا لحكومة العهد الثالثة عام 2011، وسط مقاطعة «14 آذار» التي امتنعت عن المشاركة فيها. مررت حكومة ميقاتي تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بسلام، وهو ما لم تتمكن حكومة الحريري منه، لكنها لم تحقق الكثير خلال ثلاث سنوات صاخبة أمنيا، اختتمها ميقاتي بتقديم استقالته. ورغم تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة بإجماع نيابي قل نظيره، فإن مشاوراته استغرقت 11 شهرا من الفراغ قبل ولادة حكومته بفعل تسوية سياسية استبقت مرحلة الشغور الرئاسي.
انطلاقا مما تقدم، ليس مبالغة القول إن ثلث عهد سليمان اتسم بالفراغ الحكومي والمناكفات السياسية، وفاقمت أزمة سوريا من سوء علاقته مع «حزب الله»، الذي قاتل في سوريا إلى جانب النظام. وشكل موقفه من كشف مخطط ما يسمى «المملوك - سماحة»، بدء التحول في علاقته مع النظام السوري، علما بأن علاقة وطيدة جمعته مع الطرفين، أي «حزب الله» والنظام السوري، خلال قيادته الجيش اللبناني وفي السنوات الأولى من عهده.
كما شهد عهد سليمان توترات أمنية صاخبة، مع 20 جولة قتال في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، وخاض الجيش مواجهات مع مجموعة الشيخ المتشدد والمطلوب للعدالة أحمد الأسير في مدينة صيدا (جنوبا)، إضافة إلى بروز ظاهرة الانتحاريين والسيارات المفخخة التي ناهز عددها 14 تفجيرا، استهدف معظمها مناطق نفوذ «حزب الله»، إضافة إلى حواجز للجيش اللبناني ومدينة طرابلس.
الصعوبات التي واجهت سليمان في عهده، عبر عنها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بقوله بعد اختتام جلسة الحوار الأخيرة، مطلع الشهر الحالي: «بكلمات مختصرة، لقد قاد رئيس الجمهورية ميشال سليمان البلاد في أصعب الظروف ونجح في أن بقي رئيسا لجميع اللبنانيين دون تحيز لأي فريق من الفرقاء، ونجح في أن أدار هيئة الحوار التي بدأت أيام الرئيس نبيه بري في أصعب الظروف. سينصف التاريخ هذا الرجل لإنجازاته، وكم تحمل من غالبية الفرقاء اللبنانيين من صعوبات ومن مضايقات، لكنه نجح بأعصابه الباردة وحكمته ووطنيته ولبنانيته، في اجتياز أدق المراحل وتجنيب البلاد تشنجات كبيرة وتأكيد أن لا مفر من الحوار».
لكن رغم ضبابية المشهد الداخلي والإقليمي، استطاع سليمان القيام بخطوات مهمة أبرزها إطلاق هيئة الحوار الوطني، التي أقرت «إعلان بعبدا»، الذي نص في أحد بنوده على حياد لبنان عن صراع المحاور وتحديدا أزمة سوريا، رغم أن قوى سياسية تنصلت منه وتحديدا «حزب الله». وقال جنبلاط في هذا السياق، في كلمته في اختتام اجتماعات هيئة الحوار: «معا، أقررنا معه إعلان بعبدا، ونعلم أن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد اليوم على تحقيق هذا الإعلان، لكنه سيبقى مسجلا نقطة بيضاء في تاريخ عهده إلى جانب نقاط مفصلية أخرى».
ويقول الوزير السابق ناظم الخوري، المقرب من سليمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إطلاق هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري هو بلا شك من أبرز إنجازات العهد، بعد أن كان الرئيس نبيه بري أطلق الحوار عام 2006». ويوضح أن الهيئة أقرت، خلال 18 اجتماعا عقدته، نقاطا أساسية، أبرزها «إعلان بعبدا»، الذي أكد «تثبيت الميثاق الوطني والدستور والطائف». كما تخلل اجتماعات هيئة الحوار «الإعلان عن مواقف مصيرية، وآخرها جزم بري باسم جميع المسلمين في لبنان التمسك بالمناصفة، وفي الوقت ذاته نفي أي نية للمطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي جديد في لبنان».
والإنجاز الحواري الثاني، وفق الخوري، هو في «وضع غالبية الأفرقاء تصورهم للاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث، وفي مقدمتهم تصور سليمان الذي لم يناقش للأسف بسبب إشكاليات سياسية». ويعرب الخوري عن اعتقاده أن سليمان «أرسى أسس الحوار الوطني الذي يتوجب على أي رئيس مقبل متابعته بوصفه ضرورة وطنية».
لا ينكر الخوري، وهو من الدائرة الضيقة المقربة من سليمان، أن «ظروفا وانقسامات إقليمية وداخلية أعاقت إنجاز إصلاحات كان الرئيس يأمل تحقيقها ولم يتسن له ذلك، ومن هنا لومه وعتبه على بعض الأفرقاء»، مبينا في الوقت ذاته أنه «وضع أسس إصلاحات ضرورية عدة على غرار تقديمه مشروع قانون انتخاب قائما على النظام النسبي، لكن البرلمان لم يناقشه، وإطلاقه أسس نظام اللامركزية الإدارية قبل نحو شهر». ويشير إلى أن «الأسس المتعلقة بالحوار الوطني واللامركزية وقانون الانتخاب باتت بمثابة مرجعية لأي رئيس مقبل».
وفي موازاة إشارته إلى أن «سليمان أعاد الحضور اللبناني إلى المحافل الدولية بشهادة كل الأفرقاء وحظي باحترام وثقة ومصداقية رؤساء الدول، كما أطلق سياسة (النأي بالنفس)، وفي عهده تبادل لبنان وسوريا العلاقات الدبلوماسية من خلال السفارات»، يشدد الخوري على أن سليمان «نجح سياسيا في تكريس نهج قائم على الحوار والاعتدال والإدارة الحكيمة للسياسة اللبنانية».
وفي سجل «الإنجازات» الرئاسية، يتحدث مقربون من سليمان عن جهوده في دعم الجيش اللبناني وتسليحه، لا سيما الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار، وتعد الهبة الكبرى في تاريخ الجيش اللبناني، إضافة إلى دور سليمان في إنشاء مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين.
وكان سليمان عدد في وقت سابق ما كان يرغب في إنجازه قبل نهاية عهده بـ«تحقيق استرداد الجنسية للمغتربين، وتأمين حق اقتراع المغتربين، ووضع قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية، وتطبيق الاستراتيجية الدفاعية». ويذكر أن سليمان كان من أشد المعارضين لقانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي توافق الأفرقاء المسيحيون عليه في بكركي، وينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها. كما عارض تمديد البرلمان اللبناني لنفسه في يونيو (حزيران) الماضي، وقدم طعنا إلى المجلس الدستوري لإبطال تنفيذه، لكن الانقسامات السياسية داخل المجلس حالت دون قيامه بدوره.
وينقسم الأفرقاء اللبنانيون في تقييم عهد سليمان، وإن كانوا يجمعون على الصعوبات الأمنية والسياسية، الداخلية والإقليمية، التي كانت بالمرصاد. يثني فريق 14 آذار عموما على التحول في خطاب سليمان من «حزب الله» وسوريا. يقول العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، نائب رئيس حزب القوات، لـ«الشرق الأوسط»، إن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف السياسية المطلوبة في السنوات الثلاثة الأخيرة»، فيما يرى الباحث السياسي، المقرب من «حزب الله»، طلال عتريسي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن سليمان «لم ينجح في الحفاظ على ثوابت وردت في خطاب قسمه، ولم يكن لعهده نهج واضح».
التحول في علاقة سليمان بـ«حزب الله» بدا واضحا في العام الأخير من عهده الرئاسي تحديدا. في خطاب عيد الجيش، في الأول من أغسطس (آب) الماضي، أكد سليمان أنه «أصبح ملحا درس الاستراتيجية الوطنية للدفاع وإقرارها في ضوء تطورات المنطقة، والتعديل الطارئ على الوظيفة الأساسية لسلاح المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية»، في إشارة إلى مشاركة الحزب في القتال بسوريا. وجاء الرد بعد أسبوعين على لسان رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد الذي قال إن «إعلان بعبدا ولد ميتا ولم يبق منه إلا الحبر على الورق». وساءت العلاقة بين الطرفين تدريجيا لتبلغ أقصاها مع دعوة سليمان الأفرقاء أثناء المشاورات لتشكيل حكومة سلام، إلى التخلي عن «المعادلات الخشبية»، في إشارة إلى تمسك حزب الله بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فكان الرد الأقسى من الحزب الذي دعا «ساكن القصر» إلى «التمييز بين الخشب والذهب».
أثارت مواقف سليمان غضب «حزب الله»، الذي قاطع جلسات الحوار الأخيرة، وكذلك فعل بعض حلفائه المقربين من النظام السوري. وفي سياق متصل، برز موقف لافت لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي قال في حديث تلفزيوني أول من أمس، إن «مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة هي ردة فعل على عدم التمديد، ولو قبلنا بالتمديد له لكان اليوم في صلب (8 آذار)».
وسأل فرنجية: «كل السلاح الذي كان يأتي من سوريا إلى (حزب الله) ألم يكن ميشال سليمان يمرره عندما كان قائدا للجيش؟ أكنا لنقبل به رئيسا لو لم يلتزم الاستمرار بهذه السياسة؟ أكان استطاع أن يصل إلى الرئاسة لو لم يعد (حزب الله) بالاستمرار بنفس السياسة معه؟ هل أصبح وطنيا في الشهرين الأخيرين من عهده؟». وذهب فرنجية إلى حد القول إن «سليمان يتمنى التحدث مع الأسد لكن الرئيس (بشار) الأسد يرفض الحوار معه»، لافتا إلى أن «إعلان بعبدا لا شيء فيه غير الحياد الذي لم يعد موجودا».
وفي هذا السياق، يرى الباحث والأستاذ الجامعي طلال عتريسي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «لا إنجازات مهمة متعلقة بالحياة السياسية أو بالملفات الكبرى أو عمل المؤسسات، يمكن التوقف عندها لدى مراجعة عهد سليمان»، مشيرا إلى أن «الظروف الإقليمية جعلت الرئيس في حالة من المد والجزر تفاعلا مع الأوضاع القائمة، مع النظام السوري وضده، مع المقاومة وضدها، عدا عن الفوضى الأمنية في الشمال وصيدا..». ويقول عتريسي، المواكب للشأن الإيراني والمقرب من «حزب الله»: «لا الظروف ساعدت سليمان ولا هو نجح بالعمل تحت راية شعار أو نهج واحد»، مشيرا إلى أنه «بدا في المرحلة الأخيرة أن الهدف من غزله السابق لـ(حزب الله) توظيفه من أجل التمديد». ويرى أن «مشكلة سليمان أن ثوابته لم تعد معروفة، بعد أن أخذته التجاذبات الإقليمية باتجاه معين وأثرت على مواقفه السياسية، خصوصا من المقاومة».
يعارض عتريسي القول إن «إعلان بعبدا» هو إنجاز. ويعلق بالقول: «إذا كان (إعلان بعبدا) إنجازا فهذا كارثة»، مذكرا بأن «رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عارض مضمونه الذي جاء بعد مشاركة شبان من الشمال في القتال في سوريا ثم بات من مؤيديه، في حين أن (حزب الله) أيده ثم بات اليوم من معارضيه». ويستنتج عتريسي أن «أيا من القوى السياسية لا تدافع عن إعلان بعبدا بعدما لم يتحقق شيء مما ورد فيه».
ويذهب عتريسي إلى حد القول إن «سليمان لم يتمكن من جمع المسيحيين حوله، إذ فضل خوض صراعات مع بعض القوى المسيحية وعمد لتهميش بعضها كالنائب ميشال عون، وساهم ذلك في أن يضعف نفسه بنفسه».
في المقابل، لا يلتقي وهبي قاطيشا، نائب جعجع، مع عتريس إلا لناحية التأكيد على أن «الظروف المحلية والإقليمية لم تسعف سليمان كثيرا»، لكن قاطيشا يرى أن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف الوطنية المطلوبة». ويضع التحول في مواقفه من «حزب الله» في إطار «المواقف الوطنية الأساسية التي ينبغي على أي رئيس لبناني غير خاضع للضغوط الخارجية أن يعلنها». ويضيف: «صحيح أن الرئيس جاء بتسوية في الدوحة وكان قريبا من (حزب الله) خلال قيادته للجيش من أجل حل بعض المشاكل وضرورات التنسيق، لكنه عندما تحرر من الضغط السوري باتت مواقفه أكثر انسجاما مع قناعاته الوطنية».
يعارض قاطيشا الربط بين مواقف سليمان الأخيرة من «حزب الله» وقرار الأخير عدم التمديد له. يقول إنه «لو كان سليمان طامحا إلى التمديد، لما أعلن هذه المواقف الوطنية الصحيحة المنتقدة لقتال الحزب في سوريا، ولبقي يساير الحزب على حساب القضايا الوطنية»، متابعا: «لكنه عوض ذلك، فضل ترك الحكم كبيرا على أن يقدم على تسويات صغيرة».
ولا ينكر قاطيشا تباين وجهة نظر «القوات» مع سليمان في محطات كثيرة، لكنه يوضح: «إننا وقفنا إلى جانبه بوصفه رمزا وطنيا ولم نذهب بعيدا في انتقاداتنا، في حين أن قوى أخرى على غرار عون وفرنجية المرتبطين بسوريا والسلاح، أخذا مواقف يمكن وصفها، على الأقل، بأنها لا أخلاقية». ويرى قاطيشا أن «سليمان لم يتمكن من استيعاب الطرف الآخر ولم يسلم من شره». وفي موازاة تصنيف قاطيشا «إعلان بعبدا، رغم تنصل حزب الله منه، والهبة السعودية للجيش، إضافة إلى وقوف سليمان سدا منيعا في اجتماعات الحكومات المتعاقبة» في إطار «إنجازات العهد الرئاسي»، يشدد على أن واحدة من أبرز ميزات الرئيس هي كونه «دستوريا بامتياز، إذ شكل الدستور مرجعه في المحطات كافة انطلاقا من قناعته أنه ليس بإمكان أحد أن يكون أقوى من الدستور». وعلى وقع كل هذه الانتقادات والإشادات، يغادر سليمان القصر الرئاسي «براحة ضمير وفخر بما أنجزه رغم كل الظروف الصعبة والانقسامات الحادة»، وفق ما يؤكده الوزير السابق ناظم الخوري لـ«الشرق الأوسط»، متابعا: «يكفيه أنه كان قادرا على التجديف وسط المياه الهائجة، ونجح بمعية الرئيس سلام في تشكيل حكومة تسوية».
كما يبقى للتاريخ أن يحكم على عهد سليمان، الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، والأول بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وأن يقيم إنجازاته وإخفاقاته. يبقى أن النائب وليد جنبلاط كان سباقا في الحكم على هذه التجربة، بمقارنته بين سليمان والرئيس الأسبق فؤاد شهاب، وقوله إن «سليمان برفض أي مشروع تمديد يلتقي مع رئيس كبير من رؤساء لبنان هو الراحل فؤاد شهاب».

* «المقاومة» في خطاب القسم
* خصص الرئيس اللبناني ميشال سليمان في خطاب قسمه الرئاسي جزءا للحديث عن المقاومة، في إشارة إلى «حزب الله»، جاء فيه: «إن نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كيانا وجيشا لها، ونجاحها في إخراج المحتل يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الإسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازما مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية. فلا تستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني. يتزامن هذا اليوم، مع الذكرى الوطنية للتحرير والنصر، فلتكن حافزا لنا لمزيد من الوعي لما يتربص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديمقراطية، التي ضحينا من أجلهما لنصون الوطن».
- يعد ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، أي بعد توقيع اتفاق الطائف، علما بأن ولايته تنتهي في 25 مايو (أيار) المقبل. ولد في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948 في عمشيت، قضاء جبيل. متأهل من السيدة وفاء سليمان، ولهما ثلاثة أولاد: ريتا ولارا وشربل. تخرج من المدرسة الحربية بصفة ملازم عام 1970، وتولى قيادة الجيش اللبناني بتاريخ 21 ديسمبر (كانون الأول) 1998 ولغاية 25 مايو (أيار) 2008. حصل في عام 1980 على إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. يتقن اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.



«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
TT

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)

مرحلتا «التعايش» أو «المساكنة» الأولى والثانية في فرنسا كانتا في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران الاشتراكي مع رئيسيْ حكومة من اليمين الديغولي هما جاك شيراك (بين عاميْ 1986 و1988) وإدوار بالادور (بين 1993 و1995)، ثم في زمن الرئيس شيراك، حين شغل الاشتراكي ليونيل جوسبان منصب رئاسة الحكومة طيلة خمس سنوات (1997 و2002). وانتهت المرحلة الأخيرة بإعادة انتخاب شيراك لولاية ثانية من خمس سنوات.

الحكم العامودي

رغم تعاقب العهود والتغيّرات في الآيديولوجيا والأولويات وبرامج الحكم، لم تعرف حقاً أزمات خطيرة؛ بفضل صلابة المؤسسات التي أرساها الجنرال شارل ديغول التي وفرت التعاقب السلمي والسلس على السلطة.

أما اليوم، فإن قراري الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء 9 يونيو (حزيران) الماضي، حل البرلمان بعد الهزيمة التي ضربت تحالف الأحزاب الثلاثة المؤيدة له في الانتخابات الأوروبية، والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، أدخلا فرنسا في أزمة عميقة لا أحد يعرف كيف الخروج منها ولا الحدود التي ستقف عندها.

لوبن ومعها بارديلا (آ ب)

ويوماً بعد يوم، تتكشف الظروف، التي أحاطت بقرار ماكرون الفجائي، الذي اتخذه بمعزل عن الحكومة ومن دون القيام بالمشاورات التي يُلزمه بها الدستور، وتحديداً مع رئيسيْ مجلسي الشيوخ والنواب ورئيس الحكومة. ولم يعد سراً أن الأخير، غابرييل أتال (35 سنة)، كان معارضاً بقوة لقرار ماكرون الذي يدين له بكل شيء، ولكونه أصغر رئيس حكومة في تاريخ البلاد منذ عام 1802، حين وصل الجنرال نابوليون بونابرت - ولاحقاً الإمبراطور - إلى منصب «القنصل الأول» ما يساوي منصب رئيس الحكومة.

كذلك اعتبر إدوار فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، والرئيس الحالي لحزب «هورايزون» المتحالف مع ماكرون، أن الأخير «قتل الأكثرية الرئاسية»، لذا «يتوجب الذهاب إلى أكثرية مختلفة لن تكون كسابقتها». أما فرنسوا بايرو، الحليف الرئيس لماكرون ورئيس حزب «الحركة الديمقراطية» المنضوية تحت لواء التحالف الداعم له، فرأى أن المعركة الانتخابية التي تلي حل البرلمان «ليست معركة سياسية بل صراع من أجل البقاء».

ماكرون ومجموعته الضيقة

بناءً عليه، صار واضحاً، اليوم، أن ماكرون اتخذ قراره مع مجموعة ضيقة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. وفي اجتماع دُعيت إليه في قصر الإليزيه يائيل بيفيه ـ براون، رئيسة مجلس النواب، ليس للتشاور، بل لإبلاغها قراره، طلبت منه الأخيرة اجتماعاً على انفراد لتبلغه رفضها حل البرلمان الذي ترأسه منذ سنتين، مذكّرة إياه بالمادة الدستورية التي تُلزم رئيس الجمهورية بالتشاور معها. ولقد وافق ماكرون على طلبها، إلا أن الاجتماع، في غرفة جانبية، لم يدُم سوى دقيقتين.

ما حصل مع بيفيه ـ براون، جرى أيضاً مع جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، المنتمي إلى اليمين التقليدي - حزب «الجمهوريون» - والرجل الثاني في الدولة الذي يشغل هذا المنصب، من غير انقطاع، منذ عام 2014.

إذ نقلت صحيفة «لوموند» أن لارشيه، الذي لم يكن حاضراً الاجتماع الطارئ في الإليزيه، تلقى اتصالاً هاتفياً من ماكرون، في الثامنة والربع من مساء التاسع من يونيو (حزيران) الماضي، وأن الاتصال دام دقيقة ونصف الدقيقة.

وتابعت الصحيفة أن لارشيه، الطبيب البيطري السابق، انتقد ماكرون؛ لعدم احترامه المادة 12 من الدستور، الأمر الذي عدَّه «انتقاصاً من دور المؤسسة التي يرأسها»، وبالتالي من منصبه ومنه شخصياً. وسأل لارشيه، ماكرون: «هل فكّرت ملياً بما قرّرت فعله؟»، وجاء ردّ رئيس الجمهورية: «نعم، أنا أتحمل كامل المسؤولية ومستعد للتعايش» مع حكومة من غير معسكره السياسي.

التعايش مع اليمين المتطرف!

بالنظر لنتائج الانتخابات الأوروبية، التي شهدت احتلال حزب «التجمع الوطني»، اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن، وترؤس الشاب جوردان بارديلا لائحتها، المرتبة الأولى وحصوله على 34 في المائة من الأصوات، كان ماكرون يعني التعايش مع حكومة من اليمين المتطرف. وهذا ما كان سيُدخل فرنسا نادي الدول التي سيطر عليها هذا اليمين؛ أكان بالكامل كما في إيطاليا وهولندا، أم جزئياً كما في المجر والدنمارك والسويد.

إلا أن لارشيه، المعروف باعتداله ووسطيته، انتقد نهج الحكم الماكروني قائلاً له أن «عمودية حكمه - أي إمساكه بالقرار السياسي وحرمان حكومته من هامش من التصرف - قادته إلى العزلة التي يعاني منها راهناً». وخلاصة القول إن قلة اكتراث ماكرون بالمؤسسات وبدور رئيس الحكومة والنقابات، وما يسمى الهيئات الوسيطة، كالنقابات مثلاً، أدت إلى «القطيعة مع الرئيس»، بمن في ذلك المرشحون للانتخابات التي أُجريت دورتاها يوميْ 30 يونيو، و7 يوليو (تموز) الحالي. وكان من أبرز معالم هذه القطيعة أن أحداً من المرشحين لم يطلب دعم ماكرون في حملته الانتخابية؛ لأنه اعتبر أن حضوره سيؤدي إلى نتائج عكسية. كذلك كان اللافت أن أياً من المرشحين لم يضع صورته إلى جانب صورة ماكرون على ملصقاته الانتخابية.

تبعات المبادرة الماكرونية..

لقد أفادت نتائج الدورة الانتخابية الأولى الرسمية والنهائية، التي صدرت عن وزارة الداخلية، أن حزب «التجمع الوطني»، ومعه حليفه أريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» المنشقّ والملتحق بـ«التجمع الوطني»، حصل على 33.15 في المائة من أصوات الناخبين، وعلى 10.7 مليون صوت، في تحوّل لم يعرفه سابقاً، كما تمكّن 37 من مرشحيه من الفوز منذ الجولة الأولى.

ثم حلّت «الجبهة الشعبية الجديدة»، التي تشكلت في وقت قياسي، والتي تضم ثلاثة أحزاب يسارية وحزب «الخضر»، في المرتبة الثانية بحصولها على 28 في المائة من الأصوات.

أما «ائتلاف الوسط»، الداعم لماكرون وعهده، فقد حلّ في المرتبة الثالثة، إذ رسا على ما دون عتَبة الـ21 في المائة. وللعلم، تمكّن اليسار من إيصال 32 نائباً منذ الدورة الأولى، مقابل نائبين فقط للائتلاف الأخير. وأصاب الانهيار أحزاب العهد الثلاثة في الصميم، وكذلك حزب «الجمهوريون» الذي تقلّص ناخبوه إلى 6.75 في المائة، بعدما هيمن، طيلة عقود، على الحياة السياسية في فرنسا.

نعم، جاءت نتائج الجولة الأولى صادمة وبمثابة قرع لجرس الإنذار محذِّرة من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة عبر الانتخابات البرلمانية. وطيلة الأسبوع الفاصل بين الجولتين الأولى والثانية، كان السؤال المحوَري يدور حول ما إذا كان اليمين المتطرف سيحصل على الأكثرية المطلقة في البرلمان أم لا.

وأخذ جوردان بارديلا، الذي رشحه «التجمع الوطني» لرئاسة الحكومة، بينما تتحضر مارين لوبن للعبور إلى قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية لعام 2027، يتكلّم إلى الإعلام وكأنه واصل غداً إلى رئاسة الحكومة.

بيد أن هذه النتائج دفعت «الجبهة الشعبية الجديدة» و«ائتلاف الوسط»، رغم التباعد الآيديولوجي والسياسي بينهما والحملات السياسية والشخصية العنيفة المتبادلة طيلة ثلاثة أسابيع، إلى الاتفاق على سحب مرشحيهما من الدوائر التي حلّوا فيها في المرتبة الثالثة لكي تصب الأصوات كافة لصالح المرشح المناهض لليمين المتطرف، مهما كان لونه السياسي. والحقيقة أن «معجزة» تحقّقت، واتفق الطرفان على سحب 220 مرشحاً أكثريتهم من جبهة اليسار، الأمر الذي قلَب النتائج المرتقبة سلفاً رأساً على عقب.

ظواهر فرضت نفسها

في أي حال، ثمة أربع ظواهر فرضت نفسها:

الأولى أن «الجبهة الجمهورية» التي شكلت لوقف زحف اليمين المتطرف إلى السلطة نجحت في مهمتها. فبدل أن تثبت جولة الإعادة نتائج الجولة الأولى، ها هو اليمين المتطرف يحل في المرتبة الثالثة، ما وأد أحلامه السلطوية مع أنه نجح في إيصال 125 نائباً إلى البرلمان الجديد، مقابل 89 نائباً في البرلمان السابق.

والثانية أن جبهة اليسار، ومَن انضم إليها، حلّوا في المرتبة الأولى مع 195 نائباً، يتبعهم في ذلك ائتلاف الوسط الرئاسي (166 نائباً) الذي خسر 84 نائباً.

والثالثة أن أية مجموعة من المجموعات الرئيسة الثلاث لم تحصل على الأكثرية المطلقة (289 نائباً) أو لامستها، الأمر الذي أوجد وضعاً سياسياً بالغ التعقيد، وجعل تشكيل حكومة جديدة صعب المنال.

والرابعة قوامها أن القرار السياسي انتقل من قصر الإليزيه، حيث خرج ماكرون ضعيفاً في المنافسة الانتخابية بسبب ضعف مجموعته السياسية وفقدان سيطرته على المجموعات الأخرى، إلى البرلمان. وهو ما أعاد فرنسا - بمعنى ما - إلى عهود «الجمهورية الرابعة» عندما كان القرار بيد المشرّعين وليس بيد رئيس الجمهورية.

انتخابات بلا فائز

يعطي الدستور الفرنسي تسمية رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية، كما أنه لا يُلزمه بمهلة محددة لاختياره. بيد أن العُرف يقول إنه يتوجب عليه أن يُوكل المهمة إلى شخصية من «التجمع»، أو الحزب الفائز بالانتخابات، أو الذي يحل في المرتبة الأولى؛ أي في حالة الانتخابات الأخيرة، إلى «الجبهة الشعبية الجديدة».

بيد أن ماكرون يتمهل وتجمعه (ائتلاف الوسط)، ومعهما اليمين التقليدي (حزب «الجمهوريون»)، الذي حصل على 65 نائباً. وهؤلاء يراوغون ويستمهلون ويسوّقون الأعذار لمنع اليسار من الوصول إلى السلطة بحجة هيمنة حزب «فرنسا الأبية»، والمرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون، عليه. ومنذ الأحد الماضي، يوجه هؤلاء سهامهم على ميلونشون؛ لأنهم يرون فيه نقطة الضعف الرئيسة، ويواظبون على نعته بـ«معاداة السامية»، وبالسعي لهدم النظام الديمقراطي، وإثارة الفوضى والطوائفية.

وتضاف إلى ما سبق حجتان: الأولى أن اليسار عاجز عن توفير أكثرية في مجلس النواب باعتبار أنه ليست ثمة مجموعة من المجموعتين الكبريين تقبل بالتحالف معه للوصول إلى العدد السحري (289 نائباً). والثانية أن «لا أحد فاز في الانتخابات الأخيرة»، كما أكد وزير الداخلية جيرالد درامانان... باعتبار أن المجموعات الثلاث نالت أعداداً متقاربة من النواب.

وبالفعل، سارع ماكرون إلى استخدام الحجة الأخيرة في «الرسالة» التي وجّهها إلى الفرنسيين، الأربعاء، عبر الصحافة الإقليمية - وهي الثانية من نوعها منذ حل البرلمان. وعمد الرئيس إلى استخلاص النتائج وطرح تصوّره للأيام المقبلة، فيما تجهد جبهة اليسار، بشِق النفس وبمفاوضات شاقة، إلى التوافق حول اسم مرشح تطرحه لرئاسة الحكومة وسط كمٍّ من الأسماء.

وهنا، لم يتردد أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، في طرح نفسه للمنصب، علماً بأن هناك صراعاً داخلياً قائماً بين الحزب الاشتراكي وحزب «فرنسا الأبية» على تزعّم تجمع اليسار و«الخضر». وحلم ماكرون ومجموعته إحداث شرخ داخل «جبهة اليسار» بحيث يبتعد الاشتراكيون و«الخضر» - وأيضاً الشيوعيون - عن ميلونشون و«فرنسا الأبية»، بحيث يتاح المجال لتشكيل حكومة «قوس قزح» من اليمين وائتلاف الوسط واليسار غير الميلونشوني؛ بمعنى إقصاء أقصى الطرفين خارجها، أي من جهة، اليمين المتطرف ممثلاً بـ«التجمع الوطني»، ومن جهة ثانية، اليسار المتشدد ممثلاً بـ«فرنسا الأبية».

وللتذكير، طلب ماكرون، في رسالته التي لقيت احتجاجات قوية، لا بل تنديداً شديداً بـ«مناورته» الجديدة، من «كل القوى السياسية التي ترى نفسها داخل المؤسسات الجمهورية، أن تنخرط في حوار صادق ونزيه من أجل بناء أكثرية صلبة تكون بطبيعة الحال متعددة». وأردف أنه يريد «التمهّل بعض الوقت من أجل التوصل إلى تسويات بهدوء واحترام للجميع»، مكرّراً من جديد أن «لا أحد فاز» في هذه الانتخابات.