وفد أميركي رفيع يبحث سبل تحريك محادثات السلام في الشرق الأوسط

تمسك عربي بـ«حل الدولتين»... والفلسطينيون يريدون «مرجعية» للمفاوضات و«سقفاً زمنياً»

TT

وفد أميركي رفيع يبحث سبل تحريك محادثات السلام في الشرق الأوسط

وصل جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى إسرائيل، مساء أمس، في إطار جولة في الشرق الأوسط تهدف إلى بحث سبل تحريك محادثات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، ومن المقرر أن يلتقي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، اليوم، بعد محادثات يجريها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبدأ كوشنر، الذي يرأس وفداً أميركياً رفيعاً يشمل ممثل ترمب الخاص للمفاوضات جيسون غرينبلات، ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، جولة شرق أوسطية من الأردن، أول من أمس، وزار بعدها السعودية وقطر ومصر وإسرائيل.
واجتمع كوشنر بنائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان، أول من أمس (الثلاثاء)، في جدة، بحضور الوفد الأميركي ومسؤولين سعوديين. وأكد الجانبان التزامهما بتعزيز علاقتهما وتعاونهما الوثيق، كما وافقا على دعم توجههما الهادف إلى تحقيق سلام حقيقي ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحقيق أمن واستقرار وازدهار الشرق الأوسط وما وراءه. كما أكد الجانبان أولويتهما المشتركة المتمثلة في قطع كل أشكال الدعم للإرهابيين والمتطرفين وتنسيق التطوير المستمر للمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف.
وتوجّه الوفد الأميركي بعد ذلك إلى الدوحة، حيث بحث مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «أهمية مكافحة الإرهاب والتطرف، وإحلال السلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن تعزيز التعاون بين الدوحة وواشنطن»، دون أن تُذكر أي تفاصيل أخرى.
واستهلّ كوشنر، وهو صهر الرئيس الأميركي، جولته في المنطقة من عمّان، حيث بحث مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني آليات إعادة إحياء مفاوضات السلام المجمدة بين إسرائيل والفلسطينيين. وأكد الملك عبد الله الثاني، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، أهمية إطلاق مفاوضات «جادة وفاعلة»، فيما تسعى الإدارة الأميركية إلى استئناف مفاوضات السلام المتوقفة بالكامل منذ أبريل (نيسان) 2014.
وتركّز اللقاء بين العاهل الأردني والوفد الأميركي على «جهود تحريك عملية السلام، ومساعي إعادة إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استناداً إلى حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع»، بحسب ما جاء في بيان للديوان الملكي الأردني.
وكان العاهل الأردني والرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد وجّها يوم الاثنين دعوة من عمان إلى إطلاق مفاوضات سلام جديدة «جادة وفاعلة» بين إسرائيل والفلسطينيين تتم وفق «جدول زمني واضح». كما حذّر الملك عبد الله الثاني، مطلع الشهر الحالي، من أن مستقبل القضية الفلسطينية «على المحك»، وأن الوصول إلى حلّ سلمي للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين «يزداد صعوبة».
واستبق مسؤول فلسطيني لقاء كوشنر ووفده بعباس، اليوم، بإعادة التأكيد على تمسك القيادة الفلسطينية بعدم العودة إلى المفاوضات قبل تحديد مرجعية للعملية السلمية. وقال جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو مساعد لعباس، إن «الجانب الفلسطيني سيبقى على موقفه بعدم العودة للمفاوضات دون وقف كامل للاستيطان، وتحديد مرجعية لعملية السلام ضمن سقف زمني محدد».
ويتطلع الأميركيون إلى اتفاق سلام إقليمي وهي نقطة خلاف شديد بين الفلسطينيين والأميركيين، كما قالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط». وبحسب تلك المصادر، فإن الأميركيين يحاولون ضم الفلسطينيين إلى تفاهمات شاملة، ولا يتعاملون بخصوصية مع القضية الفلسطينية.
وقالت المصادر إنهم «لم يقدموا رؤية واضحة من أجل السلام، وليس لديهم خطة عمل مفهومة حتى الآن». وتابعت أن «الرئيس (عباس) اتفق مع المسؤولين العرب على أن تكون مبادرة السلام العربية أساساً ومرجعية لأي عملية سلمية، وليس شيئاً آخر، بما في ذلك رفض أي تعديلات».
وبحسب المصادر نفسها «يوجد اتفاق فلسطيني - مصري - أردني - سعودي على عدم إجراء تعديلات على المبادرة العربية». وأوضحت أن «هذا ما تم الاتفاق عليه، أيضاً، في اللقاء المشترك الأخير في القاهرة»، في إشارة إلى اللقاء الأردني - الفلسطيني - المصري.
في هذا الصدد، جرى اتصال هاتفي أمس بين الرئيس محمود عباس والملك الأردني عبد الله الثاني لتنسيق المواقف. وقال بيان فلسطيني إنه «جرى خلال الاتصال استعراض الأوضاع السياسية العامة، خصوصاً في ضوء جولة الوفد الأميركي في المنطقة. كما تم التأكيد على استمرار الاتصال والتشاور بين الرئيس والعاهل الأردني، خلال المرحلة المقبلة، على الأسس التي تم الاتفاق عليها خلال القمة العربية، التي عُقِدت أخيراً في منطقة البحر الميت».
وكانت القمة التي عُقِدت في مارس (آذار) الماضي دعت إلى إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية - إسرائيلية جدية وفاعلة، تنهي الانسداد السياسي، وتسير وفق جدول زمني محدد لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين. وقالت إن «السلام خيار عربي استراتيجي، تجسده مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002، التي دعمتها منظمة التعاون الإسلامي، والتي لا تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية وقدرة على تحقيق مصالحة تاريخية».
ويأتي لقاء عباس وكوشنر اليوم وسط غضب السلطة الفلسطينية الشديد من الموقف الأميركي. وكان الرئيس الفلسطيني قد قال إنه لا يفهم كيف يدير الأميركيون الأمر، واتهمهم بالفوضى، كما أكد عباس أنه ينوي الطلب من الوفد الأميركي إعلان موقف واضح من مسألة حل الدولتين والاستيطان الإسرائيلي.
وعوّل الفلسطينيون بداية على قدرة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب، على رعاية مفاوضات جادة، ووضعوا مطالب متعلقة بأن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، وأن تركز أولاً على الحدود، وأن تكون محددة بسقف زمني، وضمانات لإنهاء الاحتلال، وأن تلتزم إسرائيل قبلها بوقف الاستيطان وإطلاق سراح أسرى.
لكن بعد جولات مباحثات فلسطينية - أميركية، لم يصل الفلسطينيون إلى نتائج. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن اللقاء بين عباس والأميركيين سيكون اللقاء رقم 20، ولم يعلن الأميركيون موقفهم من القضايا الأكثر حساسية، أي الدولة الفلسطينية والاستيطان.
وهاجم مسؤولون فلسطينيون الوفد الأميركي، خلال الأسبوع الأخير، أكثر من مرة. وقال نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني، إنه ليست هناك توقعات كبيرة من زيارة الوفد الأميركي. بدوره، اعتبر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمساعد المقرب من عباس، محمد شتيه، أن القيادة غير متفائلة بنجاح الوفد الأميركي. فيما رأى أمين عام الرئاسة، الطيب عبد الرحيم، أن عدم إعلان الإدارة الأميركية التسليم بحل الدولتين واتخاذ موقف من الاستيطان، يجعل زيارات الأميركيين «مجرد حديث».
وتخطط القيادة الفلسطينية في حال فشل الأميركيين إلى العودة إلى مجلس الأمن لطلب تطبيق قراراته المتعلقة بإنهاء الاحتلال وحق الفلسطينيين في تقرير المصير، كما تعمل على العودة إلى الأمم المتحدة من أجل طلب عضوية كاملة للدولة الفلسطينية.
في المقابل، تعتبر الإدارة الأميركية أن جولة كوشنر ووفده في الشرق الأوسط تأتي في إطار مساعي الإدارة الأميركية لتحريك محادثات السلام. وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إن «الرئيس (ترمب) طلب أن تركز المناقشات على سبل التوصل إلى محادثات سلام إسرائيلية - فلسطينية جوهرية، ومحاربة التطرف والوضع في غزة، بما في ذلك حول كيفية التخفيف من الأزمة هناك، وتقوية علاقاتنا مع الشركاء الإقليميين والخطوات الاقتصادية الممكن اتخاذها سواء الآن أو بعد توقيع اتفاق سلام يضمن الأمن والاستقرار والازدهار للمنطقة». وتابع المسؤول في بيان أنه «في حين أن المحادثات الإقليمية من شأنها أن تلعب دوراً مهمّاً، فإن الرئيس يؤكد أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يتفاوض عليه إلا بين الطرفين بشكل مباشر، وأن الولايات المتحدة ستواصل العمل عن قرب مع الطرفين لإحراز تقدم نحو تحقيق هذا الهدف».
واستطرد أنه «قد سبق للرئيس أن أشار إلى أن التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني دائم سيكون صعب التحقيق، لكنه لا يزال متفائلاً بأن السلام ممكن. ومن أجل تعزيز فرص السلام، يتعين على جميع الأطراف أن تشارك في خلق بيئة تفضي إلى صنع السلام مع إتاحة الوقت والمكان اللذين يحتاجان إليهما الأطراف للتوصل إلى اتفاق».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم