أنغولا تطوي صفحة دوس سانتوس الحاكم منذ 38 عاماً

ثلث سكانها يعيشون على أقل من دولارين يومياً رغم غناها بالنفط والألماس

وزير الدفاع السابق جواو لورنشو الأوفر حظا ومرشح حزب الحركة الشعبية لتحرير انغولا (ا.ف.ب)
وزير الدفاع السابق جواو لورنشو الأوفر حظا ومرشح حزب الحركة الشعبية لتحرير انغولا (ا.ف.ب)
TT

أنغولا تطوي صفحة دوس سانتوس الحاكم منذ 38 عاماً

وزير الدفاع السابق جواو لورنشو الأوفر حظا ومرشح حزب الحركة الشعبية لتحرير انغولا (ا.ف.ب)
وزير الدفاع السابق جواو لورنشو الأوفر حظا ومرشح حزب الحركة الشعبية لتحرير انغولا (ا.ف.ب)

قد يؤدي قرار الرئيس جوزي إدواردو دوس سانتوس غير المتوقع بعدم خوض الانتخابات، لأسباب صحية، إلى أكبر انتقال سياسي منذ عقود في أنغولا. لكن من المرجح فوز حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الحاكم، الذي ينتمي إليه دوس سانتوس في هذه المستعمرة البرتغالية التي نالت استقلالها عام 1975، بمعظم المقاعد. إذ ينتخب الشعب برلماناً جديداً، وبالتالي رئيساً جديداً بشكل غير مباشر، يتم اختياره من داخل الحزب الذي يحظى بأغلبية المقاعد.
ويأمل مواطنو أنغولا في أن يؤذن تغيير الحرس القديم ببدء عهد جديد للبلاد، حيث يقول البنك الدولي إن ثلث السكان يعيشون على أقل من دولارين يوميّاً.
وتتنافس خمسة أحزاب سياسية وتحالف واحد من أجل الفوز بـ220 مقعداً برلمانياً في الدولة الغنية بالنفط والألماس، الواقعة في جنوب القارة الأفريقية، والبالغ تعداد سكانها نحو 30 مليون نسمة.
وفُتِحَت مراكز الاقتراع وبدأ الأنغوليون أمس الأربعاء الإدلاء بأصواتهم في انتخابات عامة ستشكل نهاية لحكم دوس سانتوس الذي استمر 38 عاما. وشهدت فترة حكمه نهاية حرب أهلية دامية استمرت من 1975 إلى 2002، وازدهار الاستثمارات في فترة ما بعد الحرب، فيما استغلت الدولة احتياطها النفطي. غير أن العائدات لم تأتِ بفائدة كبيرة على الفقراء، وانهار الإنفاق الحكومي مع تراجع أسعار النفط في 2014. وبلغت نسبة التضخم 40 في المائة نهاية العام الماضي، وسجلت نسبة النمو السنوي أقل من واحد في المائة.
ومرشح دوس سانتوس إلى الرئاسة هو وزير الدفاع السابق جواو لورينشو، ويتوقع أن يتجنب إجراء أي تغيير فوري في حكومة كثيراً ما تواجه انتقادات بسبب الفساد وفشلها في حل مشكلة الفقر المدقع. وقال لورينشو للصحافيين عشية الانتخابات: «مهمتي ستكون إعادة إنعاش الاقتصاد». وأضاف: «إذا نجحت في ذلك، أتمنى أن يذكرني التاريخ كرجل المعجزة الاقتصادية في أنغولا». وخلال تجمع في عطلة الأسبوع الماضي أطل الرئيس دوس سانتوس البالغ من العمر 74 عاماً على آلاف من أنصار الحزب لفترة وجيزة، وقد بدا واهناً، ليعلن ترشيحه للورينشو (63 عاماً)، الذي تعهد بتعزيز الاستثمارات الخارجية، وقال إن حزبه سيحقق انتصاراً انتخابياً بفضل «الدعم الشعبي الكبير».
ويرث لورينشو، الذي تعهد بدعم النمو ومحاربة الفساد، اقتصاداً يعاني من حالة ركود واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وارتفاع التضخم وتصاعد معدلات البطالة، مما يخنق السكان الذين لم يستفيدوا بدرجة تذكر من ازدهار قطاع النفط على مدى عشرات السنين. ومن المتوقع أن تظل الحركة الشعبية لتحرير أنغولا في السلطة ولكن بأغلبية أقل.
وقال أليكس فاينز من مركز الأبحاث شاتام هاوس في لندن لوكالة الصحافة الفرنسية: «دوس سانتوس بكَّر بمغادرته إلى ما بعد هذه الانتخابات بسبب حالته الصحية المتردية. وأضاف: «لورينشو خلف انتقالي مثالي لدوس سانتوس. فهو يحظى باحترام الجيش ولم يتبع حياة بذخ مثل كثيرين آخرين».
وتحدثت تقارير عن مرض دوس سانتوس، وأثارت زياراته المتكررة إلى إسبانيا لأسباب «خاصة» انتقادات أُخِذت عليه، لإخفاء حالته الصحية عن عامة الأنغوليين. وفي وقت سابق هذا العام، اضطرت ابنته إيزابيل التي أصبحت مليارديرة، وأغنى امرأة في أفريقيا إبان حكمه، إلى نفي شائعات عن وفاته في إسبانيا.
وفي وجه الإجراءات الأمنية القاسية والقمع ووسائل إعلام حكومية، سعت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها «يونيتا» و«كاسا سي» لاستغلال الغضب الشعبي تجاه الحكومة.
وقال مرشح «يونيتا» ايساياس ساماكوفا أمام أنصاره خلال الحملة الانتحابية: «أنتم الذين تعانون، أنتم الذين تعيشون في الفقر بلا كهرباء ولا وظائف ولا طعام: التغيير هو الآن».
تولى ساماكوفا (71 عاماً) زعامة «يونيتا» بعد مقتل زعيم التمرد جوناس سافيمي في 2002، ما شكل بداية نهاية الحرب الأهلية.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان إن على الرئيس القادم لأنغولا «أن يخرج البلاد من دوامة القمع». وأضافت: «رئاسة دوس سانتوس شابها سجل مروِّع في حقوق الإنسان. لعشرات السنين، عاش الأنغوليون في أجواء من الخوف فيما كان الكلام علناً يواجَه بالترهيب والسجن».
وقال الممرض ماتيوس سايمون (28 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية إنه خسر وظيفته لأن المستشفى لم يعد قادراً على دفع راتبه. وقال: «أعيش في منزل بلا ماء ولا كهرباء»، مضيفاً: «حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا لا يفعل شيئاً من أجلنا. لا بد من تغيير الآن».
وقالت تيلما فرانشيسكو (33 عاما) صاحبة مخبز لـ«رويترز» خارج لجنة اقتراع في العاصمة: «أتبع هذا الحزب طول حياتي. كبرت معه». وأضافت: «الأحزاب الأخرى غير قادرة على الحكم». وانتظر الناخبون ومنهم فرانشيسكو في طوابير منتظمة، صباح أمس، في حين انتشر رجال الشرطة وأفراد الجيش على مداخل الشوارع.
وثارت تساؤلات عن حجم النفوذ الذي سيتمتع به لورينشو في حال فوزه، نظراً إلى أن زعيم البلاد المخضرم دوس سانتوس سيستمر في قيادة الحركة وسيكون له على الأرجح القول الفصل في صنع القرارات.



محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
TT

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة، في البلد الذي كان يعد واحداً من أكثر ديمقراطيات أفريقيا استقراراً، ولكنه يشهد منذ سنوات توتراً سياسياً متصاعداً، واتهامات بالتحول نحو «الديكتاتورية».

وقالت السلطات القضائية، الأربعاء، على لسان المدعي العام لدى محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، إن «قائد الحرس الجمهوري المكلف بحماية رئيس الدولة، تلقى اتصالات من الوزير السابق أوزوالد هوميكي، ورجل الأعمال أوليفييه بوكو لتنفيذ انقلاب بالقوة يوم 27 سبتمبر (أيلول) 2024».

وفي هذه الأثناء أعلنت محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، أنها اعتقلت قائد الحرس الجمهوري دجيمون ديودوني تيفويدجي، في حدود الساعة الواحدة من فجر يوم الثلاثاء الماضي، حين كان يتسلّم من وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي، أكياساً من النقود تجاوزت قيمتها مليوني يورو.

وقال المدعي العام إن القائد العسكري والوزير السابق جرى اعتقالهما «أثناء عملية تسليم مبلغ مليار وخمسمائة مليون فرنك غرب أفريقي (ما يزيد قليلاً عن مليوني يورو)»، مشيراً إلى أن المحكمة قررت «فتح تحقيق لتحديد جميع الأشخاص المتورطين» في محاولة الانقلاب.

وتشير المعلومات الصادرة عن السلطات القضائية في بنين إلى أن المبالغ التي كان الوزير السابق ينوي تسليمها لقائد الحرس الجمهوري مصدرها رجل الأعمال أوليفييه بوكو، الصديق المقرب من الرئيس باتريس تالون، وفي نفس الليلة اعتقل رجل الأعمال.

خلفيات سياسية

رجل الأعمال أوليفييه بوكو (60 عاماً)، كان حتى وقت قريب واحداً من أكثر الرجال قرباً من الرئيس باتريس تالون، وهو مالك مجموعة «Dfa» للإمدادات الغذائية، ويوصف بأنه اليد اليمنى للرئيس تالون منذ نحو 20 عاماً.

إلا أن العلاقة بينه الرئيس ورجل الأعمال بدأت تتوتر منذ العام الماضي، حين بدأ رجل الأعمال يظهر طموحات سياسية ورغبة في حكم البلاد، وبدأت تتشكل كتل سياسية تدعم ترشح رجل الأعمال للانتخابات الرئاسية المقبلة (2026)، وأصبح يقدم من طرف بعض الأوساط على أنه الخليفة المثالي للرئيس الحالي باتريس تالون.

وفي عام 2023، استقال وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي (المعتقل معه حالياً)، بعد أن دعا إلى دعم ترشح أوليفييه بوكو لخلافة الرئيس تالون، الذي يحكم بنين منذ 2016، وأعيد انتخابه عام 2021، ويمنعه الدستور الحالي من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.

وتشير أوساط سياسية عديدة إلى أن تالون استاء كثيراً من طموحات رجل الأعمال، وهو الذي يرفض الإفصاح عن مستقبله السياسي، وإن كان يفكر في تعديل الدستور للبقاء في الحكم لفترة أطول، كما سبق وفعل عدد من قادة أفريقيا، رغم ما ينطوي ذلك على مخاطر سياسية.

ردود فعل

على المستوى الداخلي في بنين، تزيد هذه الاعتقالات من تعقيد الوضع السياسي، وذلك ما عبرت عنه مجموعة من المحامين عقدت مؤتمراً صحافياً يوم الثلاثاء، قالت فيه إن على السلطات أن تفرج فوراً عن أوليفييه بوكو، قبل أن يصفوا اعتقاله بأنه «اختطاف خارج القانون».

وقال المحامون: «في الوقت الذي نعقد فيه هذا المؤتمر الصحافي، لا يمكن لعائلته ولا نحن كمحامين عنه، معرفة مكان أو حالة السيد بوكو، الذي ربما يكون محروماً من الطعام وخاصة من أدويته». وأضاف المحامون أن «هذا الانتهاك الصارخ للإجراءات القانونية يحدث في سياق لم يكن فيه السيد بوكو عرضة لأي إجراء قضائي، ولم يتم استدعاؤه أو إصدار أي أمر بالقبض عليه».

من جهة أخرى، أصدرت مجموعة سياسية تدعم ترشح بوكو للرئاسة في عام 2026، بياناً دانت فيه اعتقاله ووصفته بأنه «انتهاك خطير للحقوق الأساسية»، و«اضطهاد سياسي واضح»، و«أساليب قمعية غير مقبولة».

ويأتي هذا الاعتقال ليدعم خطاب المعارضة حين تتهم الرئيس باتريس تالون بالتحول نحو الحكم الاستبدادي في بنين، التي كانت تُعتبر واحدة من أكثر الديمقراطيات استقراراً في المنطقة.

السياق الدولي

بعد اعتقال رجل الأعمال وقائد الحرس الرئاسي، واتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم، يزداد الوضع السياسي غموضاً في بنين، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية، في ظل موجة الانقلابات التي تجتاح دول غرب أفريقيا.

وتعد دول الساحل، المحاذية لدولة بنين، بؤرة موجة الانقلابات العسكرية، وهي مركز الصراع الدائر بين روسيا والصين من جهة، والغرب من جهة أخرى، والذي أصبحت دائرته تتسع لتشمل دول غرب أفريقيا عموماً.

وتقعُ دولة بنين في عمق غرب أفريقيا، مطلة على المحيط الأطلسي، وخاصة خليج غينيا الاستراتيجي، وتحدها من الشمال دولتا النيجر وبوركينا فاسو، وهما البلدان اللذان يحكمان من طرف الجيش، وتوجها نحو التحالف مع روسيا، بعد قطيعة علنية مع الغرب، وخاصة فرنسا.

وسبق أن وجهت دول الساحل (النيجر، مالي وبوركينا فاسو) اتهامات إلى بنين بأنها تحولت إلى مركز للقواعد العسكرية والاستخباراتية الفرنسية، بل إن النيجر قطعت العام الماضي جميع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع بنين، وأغلقت الحدود بين البلدين.

واندلعت إثر ذلك أزمة حادة بين النيجر وبنين، تتعلق بتصدير إنتاج النيجر من النفط، وهي الدولة الحبيسة التي كانت تعتمد على الموانئ في بنين، ودخلت الصين على الخط لنزع فتيل الأزمة، بصفتها متضررة من الأزمة حيث تتولى استغلال أكبر الحقول النفطية في النيجر.