«ستايكيشن»... موضة سياحة العصر

الإقامة في أول برج سكني بلندن والزيارة تشمل التسوق والقصور

أجمل إطلالة على لندن من أعلى برج سكني فيها في الستينات
أجمل إطلالة على لندن من أعلى برج سكني فيها في الستينات
TT

«ستايكيشن»... موضة سياحة العصر

أجمل إطلالة على لندن من أعلى برج سكني فيها في الستينات
أجمل إطلالة على لندن من أعلى برج سكني فيها في الستينات

تطرأ بين الفينة والأخرى مصطلحات جديدة على معجم اللغة الإنجليزية ليصبح استخدامها رسميا ومعترفا بها، ولا يقتصر تسلل تلك المفردات الطارئة على بريطانيا فقط إنما يتعداها ليصبح استخدامها عالميا تماما مثل بعض الكلمات الأجنبية الأخرى التي تعرب في عالمنا، وقد تكون كلمة «ستايكيشن» Staycation من أجدد تلك الكلمات وهي مستمدة من كلمة «فاكيشن» (وتعني العطلة) وتم اللعب على حروفها وأضيف الفعل «ستاي» Stay (ويعني البقاء) وتم تداول هذه المصطلح للدلالة على موضة جديدة للسفر داخل البلد أو المدينة التي نعيش فيها.
وهذه الفكرة آخذة بالتوسع في أوروبا وفي عالمنا العربي نسبة لتكلفة السفر بالطائرة والمواصلات وما يلحقها من مصاريف إضافية يمكن تفاديها في حال اخترنا العطلة المحلية الصحيحة التي تناسب رؤية كل شخص ومتطلباته.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن مدينتي لندن، ولكن وبصراحة لا أمل من الكتابة عن هذه البقعة السياحية الساحرة التي تعتبر من بين أكثر مدن العالم زيارة من حيث عدد السياح الذين يؤمونها سنويا، وميزتها الأهم هي أنها دائمة التجدد وفيها ما يرضي الجميع، فيها ما يسعد العزاب والمتزوجين، العائلات والمثقفين والباحثين عن العروض المسرحية والفنية وحتى الباحثين عما تركوه وراءهم في بلادهم، وهنا أعني الشيشة لأن لهذه الأخيرة حضوراً لافتاً في المشهد السياحي الذي ألقى بسحره ليس فقط على الزوار العرب إنما أيضاً الأجانب.
- اختيار الفندق
إذا كنت تعيش في لندن أنصحك بالإقامة في أحد فنادقها إذا كنت تنوي تمضية عطلة قصيرة، ومن الضروري اختيار المنطقة المناسبة لما تحتاجه، وهذه المرة أردت النزول في فندق بروح عربية فيه مركز صحي وبركة سباحة ولكن بنفس الوقت أردته أن يكون مليئا بالتاريخ الجميل الذي يعكس الاناقة الإنجليزية في مهدها وأن يكون موقعه مناسبا للمشي حتى لا يتعين علي سياقة السيارة أو استخدام التاكسي أو اي وسيلة نقل.
فكان فندق «جميرا كارلتون تاور» Jumeirah Carlton Tower هو الخيار الأنسب بسبب موقعه الجميل في منطقة نايتسبريدج والقريب من شارع «سلوان ستريت» الذي يضم أكثر البوتيكات أناقة في لندن كما أنه على بعد أقل من 5 دقائق مشيا على الأقدام من متجر هارودس وهارفي نيكولز ومنه تصل بسهولة إلى حديقة هايد بارك التي تشق منها طريقك إلى شارع التسوق «أوكسفورد ستريت» الأشهر.
هذا هو مختصر دواعي قراري للإقامة في هذا الفندق الأنيق والذي يحمل في طياته تاريخا لافتا ومعلومات لا يعرفها الكثير.
- قصة مبنى جميرا كارلتون تاور
يمكن رؤية مبنى فندق جميرا كارلتون تاور من أين نقطة حللت بها في محيط بارك لاين ونايتسبريدج وما حولها، والسبب وراء ذلك هو شموخ المبنى العالي الذي بني في عام 1961 وكان حينها أطول برج للسكن والإقامة الفندقية في لندن، وبما أنه يقع في واحدة من أكثر مناطق وسط لندن أناقة فكان مرتعا للطبقة الإنجليزية المخملية والفنانين والفنانات أمثال ماري كوانت وسيد كاريس.. كيف لا وكان أول فندق من فئة خمس نجوم في نايتسبريدج حينذاك وكانت تديره شركة «هوتيل كوربوريشن أوف أميركا» وكان نقطة انطلاق لنوع جديد من عالم الفنادق في المدينة وفي عام 2001 تحولت إدارة الفندق إلى شركة «جميرا» الإماراتية وتحول الاسم من «ذا كارلتون تاور» إلى «جميرا كارلتون تاور».
وخضع الفندق عام 2012 لعملية ترميم وتغيير ديكور ضخمة ولكن تمت مراعاة الديكور الأصلي فظلت الغرف والأجنحة محافظة على ملامحها فترة الستينات ولكن بحلة عصرية وحديثة جدا.
وتقع مقابل الفندق مباشرة حديقة «كادوغن» ويستطيع النزلاء زيارة الحديقة والاستفادة من المرافق المتوفرة بها مثل مزاولة رياضة التنس في ملعبين كبيرين.
واليوم غالبية النزلاء هم من الجنسية العربية أو الأميركية والسبب هو مراعاة الفندق لما يحتاجه السائح العربي وتأمين كل حاجاته كما أن هذه المنطقة هي بين أكثر المناطق المحببة على قلوب الزوار العرب.
فهناك نسبة كبيرة من موظفي الاستقبال من جنسيات عربية مما يسهل عملية تفاهم النزلاء العرب معهم، كما أن الفندق يقع على مسافة 15 كلم من مطار هيثرو وفيه واحد من أهم المراكز الصحية في لندن المطلة على أجمل المناظر.
- «ذا بيك هيلث كلوب أند سبا» واحة من الراحة تحت سقفين
إذا كنت من محبي تمضية بعض الوقت في النادي الرياضي والمركز الصحي فأنت في المكان الصحيح، فيوجد في الفندق واحد من بين أجمل وأكبر المراكز الصحية التي تمتد على طابقين، تجد في الطابق الثاني بركة سباحة كبيرة بسقف زجاجي مدبب تشاهد من خلاله السماء بتبدل فصولها بحسب طقس لندن المتقلب، وتجد أيضاً فيها جاكوزي وغرف ساونا وبخار، ومن الممكن للمقيمين بلندن الحصول على عضوية تخولهم زيارة المركز الصحي والرياضي باستمرار، أما بالنسبة للنزلاء فيمكنهم السباحة واستخدام المركز الرياضي مجانا.
ففي عام 2016 تم تجميل المركز وأضيفت العلاجات في الطابق التاسع وهنا يجب التنويه بأن المنظر الذي تراه من المركز الرياضي يغنيك عن زيارة مبنى الـ«شارد» لأنه يشرف على روعة المدينة ومبانيها الجميلة.
ومن بين أفضل العلاجات التي يقدمها «ذا بيك هيلث كلوب» هو 90 دقيقة تشمل تقشير الوجه بواسطة كريمات «سكيندور كوبيدو» وتدليك للجسم والرجلين، وهذا العلاج هو كفيل بمنحك جرعة إضافية من الحيوية. وأفضل ما يمكن أن تفعله هو الاسترخاء عند الواجهة الزجاجية للمركز وشرب العصائر الصحية التي ابتكرت خصيصا.
وهناك شيء آخر لا يدركه كل من ينزل بالفندق وهو وجود المصعد البانورامي، المصنوع من الزجاج، تستقله من الطابق الثاني ويأخذك إلى النادي الصحي في الطابق التاسع وتشاهد خلال رحلتك بداخله أجمل إطلالة على لندن لأنه يقع من الجهة الخارجية للفندق.
- علاقة الفندق بالفن
هناك علاقة متينة تربط الفندق بمتحف «فيكتوريا إند ألبرت» التاريخي الذي أسس عام 1852، فيقدم الفندق لنزلائه بطاقات مجانية لزيارة المعارض الخاصة في المتحف، وفي كثير من الأحيان يتم التنسيق ما بين المتحف والفندق، ففي عام 2016 قدم الفندق شاي بعض الظهر الإنجليزي بنمط الستينات مع عرض صور من تلك الحقبة لتتناغم الفكرة مع معرض حقبة الستينات والسبعينات للموسيقى.
- اكتشف لندن على الدراجة الهوائية مجانا
إذا أردت التجوال في وسط لندن واكتشاف حديقة هايد بارك، يمكنك ذلك مجانا، من خلال طلب دراجة هوائية من موظفي الاستقبال في الفندق، وهذه الرحلة مفيدة صحيا ويمكن من خلالها التعرف على خضرة لندن التي تمتد على مساحة 173 كلم وبذلك تكون لندن المدينة ألأكثر خضرة بحجمها في العالم.
- التسوق
لا تكتمل زيارة العرب للندن إلا بالتسوق، وهم أكثر من يعرف أهم أماكن التسوق في المدينة وخارجها، ولكن تبقى هناك بعض الحيل التي يعرفها المقيم في المدينة والمتمرس بهواية التسوق، لذا أنصح المهتمين بالتسوق الباحثين عن شراء الماركات العالمية بأسعار جيدة التوجه إلى «بيستر فيلادج» ويمكن شراء تذاكر النقل بواسطة حافلات فخمة، توفر الـ«واي فاي» وتنقل الركاب من عدد كبير من النقاط القريبة من الفندق، من خلال موقع «فيزيت بريتان» www.visitbritain.com الذي يقدم عروضا كثيرة من بينها خدمة النقل إلى قرية التسوق القريبة من مدينة أكسفورد، ويمكن البقاء فيها للتسوق لمدة تتراوح ما بين خمس ساعات ونصف وست ساعات متواصلة، وتصل نسبة التخفيضات إلى 70 في المائة، وهذه الفترة هي من أكثر الفترات التي أنصح فيها الزوار بالتسوق في «بيستر فيلادج» بسبب تخفيضات الصيف الإضافية.
ولمحبي المشي والتسوق بنفس الوقت، يمكنهم التوجه إلى شارع «أكسفورد ستريت» عبر حديقة هايد بارك، وتستغرق المسافة نحو 15 دقيقة، ومن أشهر المحلات التي يقصدها العرب لأنها رخيصة وتتبع الموضة محلات «برايمارك».
- المسرح
يقدم موقع «فيزيت بريتان» أيضاً عروضات كثيرة لمشاهدة العروض المسرحية بأسعار تنافسية، فيمكن شراء ما يعرف بالـ«فاوتشر» أو القسيمة تخولك الاختيار من بين العروضات المشاركة على الموقع، وحاليا هناك عرضان رائعان يناسبان العائلات والأطفال هما «ألادين» Aladdin التابع لشركة ديزني، وهو عرض مسرحي رائع يروي قصة «علاء الدين» الشهيرة، أما العرض الثاني فهو «هاري بوتر» الذي يرتكز على كتب هاري بوتر للروائية البريطانية جي كي رولينغ، وأنصح الكبار بمشاهدة مسرحية «ذا بوك أوف مورمون».
- زيارة القصور
يقع الفندق على مقربة من عدة قصور ملكية مثل قصر باكنغهام وقصر كينزينغتون وخلال فترة الصيف من الممكن حجز تذاكر لزيارة القصور من الداخل، أفضل طريقة لتحاشي الوقوف في طوابير طويلة هي الحجز من موقع «فيزيت بريتان».
كما يمكن شراء قسيمة تخولك الدخول إلى ثلاثة قصور مثل «تاور أوف لندن» الواقع على نهر التميز وهو مليء بالتاريخ والقصص المثيرة. وقصر هامبتون كورت الواقع إلى جنوب غربي لندن وتعود ملكيته للملك هنري الثامن ويعتبر من أجمل الأماكن للمهتمين بالفن، ففيه معرض فني تعرض فيه قطع فريدة تابعة للمجموعة الملكية.
وقصر كينزينغتون الذي يعود بناؤه للقرن السابع عشر وشهد ولادة الملكة فيكتوريا وكان المقر السكني للأميرة ديانا واليوم يسكن به ابنها الأمير وليم وعائلته.
ومن الضروري زيارة تلك القصور من الداخل لأنها تزخر بقطع فنية وجداريات رائعة تماما مثل تلك التي تجدها عند «سلم الملك» في قصر كينزيتغتون الذي يأخذك إلى الشقق السكنية الخاصة بالملك وهذا القسم من القصر هو الأهم في الجولة التعريفية.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.