انطلاق المناورات الأميركية ـ الكورية الجنوبية ودعوات صينية لتعليقها

تعتمد على عمليات وهمية بأجهزة الكومبيوتر وتستمر أسبوعين

TT

انطلاق المناورات الأميركية ـ الكورية الجنوبية ودعوات صينية لتعليقها

بدأت سيول وواشنطن، أمس، تدريباتهما العسكرية السنوية المشتركة فيما حذر الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي - إن الجارة الشمالية النووية من استخدام تلك التدريبات ذريعة لتأجيج «دوامة» التوتر على شبه الجزيرة.
ويشارك عشرات الآلاف من الجنود الكوريين الجنوبيين والأميركيين في المناورات التي تحمل اسم «أولتشي حارس الحرية» (أولتشي فريدوم غارديان)، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وتعتمد هذه المناورات إلى حد كبير على عمليات وهمية بأجهزة الكومبيوتر ويفترض أن تستمر أسبوعين في كوريا الجنوبية.
وتؤكد واشنطن وسيول أن هذه المناورات دفاعية، لكن بيونغ يانغ ترى فيها تجربة استفزازية لغزو أراضيها، وهي تلوح كل سنة بعمليات انتقامية عسكرية. وقبل بضعة أسابيع فقط، قالت بيونغ يانغ إنها تدرس خططا لإطلاق صواريخ باتجاه جزيرة غوام، الأرض الأميركية في المحيط الهادئ.
ووصف مون التدريبات بأنها «دفاعية في طبيعتها»، وحذر بيونغ يانغ من «استخدامها ذريعة للقيام باستفزازات تؤجج الوضع». وقال مون أمام اجتماع حكومي إنه «على كوريا الشمالية أن تدرك أن استفزازاتها المتكررة هي السبب الذي يدفع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى القيام بالمناورات الدفاعية، ما يؤدي إلى إطالة الدوامة».
وأجرت بيونغ يانغ الشهر الماضي تجربتين على صاروخين باليستيين عابرين للقارات، ما يضع على ما يبدو معظم أجزاء الأراضي الأميركية في مرمى النيران الكورية الشمالية.
ودفع ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى توعد بيونغ يانغ «بالنار والغضب».
وبعد بدء المناورات أمس، جدّدت الصين دعوتها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى تعليق التدريبات المشتركة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، هوا شونيينغ، إن «الوضع الحالي في شبه الجزيرة الكورية حساس جدا، ما يتطلب من الأطراف المعنية مباشرة بما يشمل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بذل جهود مشتركة من أجل تخفيف التوتر».
وأضافت: «لا نعتقد أن التدريبات المشتركة ستساهم في خفض التوتر الحالي، ونحضّ الأطراف المعنية على النظر جيدا في اقتراح التعليق».
وأرجأ الزعيم الكوري الشمالي الأسبوع الماضي خطة لضرب غوام بالصواريخ، لكنه نبه إلى أنه ينتظر الخطوة التالية لواشنطن. وفيما يمضي الحليفان في التدريبات التي تجري سنويا في 1976. يشارك نحو 17 ألفا و500 عسكري أميركي في تدريبات هذا العام، وهو عدد أقل من السنة الماضية.
وكانت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية قد ذكرت أن الولايات المتحدة تنوي التخلي عن خطتها نشر حاملتي طائرات بالقرب من شبه الجزيرة. لكن وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، نفى الأحد أن تكون واشنطن سعت إلى تهدئة مخاوف بيونغ يانغ بخفض عدد الجنود المشاركين في التدريبات. وقال على متن الطائرة التي أقلّته إلى عمّان إن عددهم تم تخفيضه «عمدا، بهدف تحقيق أهداف التدريب». وقال للصحافيين على متن الطائرة: «إنها في الوقت الحاضر تدريبات للتأكد من جهوزيتنا للدفاع عن كوريا الجنوبية وحلفائنا هناك». ووصل الأدميرال هاري هاريس، قائد قيادة المحيط الهادي في سلاح البحرية الأميركي، الأحد إلى كوريا الجنوبية لمتابعة هذه المناورات ومناقشة التهديد الذي يشكله البرنامجان النووي والباليستي لكوريا الشمالية.
وعشية التدريبات، قالت كوريا الشمالية إن الولايات المتحدة «تصب الزيت على النار». وفي مقالة في صحيفة «رودونغ سينمون»، حذّرت بيونغ يانغ من «مرحلة من الحرب النووية لا يمكن السيطرة عليها» على شبه الجزيرة يمكن أن تشمل الأراضي الأميركية. وأضافت المقالة «إذا تصورت الولايات المتحدة أن حربا في شبه الجزيرة هي على أبواب دولة أخرى بعيدا في المحيط الهادي، فإنها تخطئ أكثر من أي وقت مضى».
بدوره، اعتبر البنتاغون في بيان أن «هذه المناورات تسلط الضوء على الشراكة العسكرية طويلة العهد والالتزام والصداقة بين البلدين، والمساعدة في ضمان السلام والأمن في شبه الجزيرة الكورية».
وأوضح مسؤولو البنتاغون أن قوات من أستراليا وكندا وكولومبيا والدنمارك ونيوزيلندا وهولندا والمملكة المتحدة تنضم إلى التدريبات. ولا تتضمن المناورات العسكرية تدريبات ميدانية، مثل مناورات الدبابات أو التعامل مع المتفجرات الحية، وإنما يجلس القادة العسكريون على أجهزة الكومبيوتر للتدرب على تنسيق المعارك وصقل القدرات على صنع القرار. ومن المقرر أن تجري الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناورات عسكرية أكبر في الربيع المقبل، وتشمل تدريبات على الحرائق والمتفجرات الحية والتدريب بالدبابات والطائرات والسفن الحربية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.