أميركا بين المواجهات الآنية ومخاوف الاحتراب المستقبلي

الأصولية والعنصرية والقومية

مظاهرات اليمين المتطرف ذات التوجهات النازية في الولايات المتحدة وتأثيرها على ما جرى في مدينة شارلوتشفيل بولاية فيرجينيا (أ.ف.ب)
مظاهرات اليمين المتطرف ذات التوجهات النازية في الولايات المتحدة وتأثيرها على ما جرى في مدينة شارلوتشفيل بولاية فيرجينيا (أ.ف.ب)
TT

أميركا بين المواجهات الآنية ومخاوف الاحتراب المستقبلي

مظاهرات اليمين المتطرف ذات التوجهات النازية في الولايات المتحدة وتأثيرها على ما جرى في مدينة شارلوتشفيل بولاية فيرجينيا (أ.ف.ب)
مظاهرات اليمين المتطرف ذات التوجهات النازية في الولايات المتحدة وتأثيرها على ما جرى في مدينة شارلوتشفيل بولاية فيرجينيا (أ.ف.ب)

والثابت أنه أخيراً نَحَتْ العنصرية الأميركية طريقاً مغايراً تجاه غير البيض والمهاجرين، كما نمت باطراد الجماعاتُ اليمينية العنصرية، لا سيما ذات التوجهات النازية منها، وجاءت رئاسة دونالد ترمب لتفتح الباب واسعاً أمام طروحات «أميركا أولاً»، التي اعتبرها الكثيرون داخل أميركا وخارجها رجع صدى لـ«ألمانيا فوق الجميع». في ظل هذه الخلفية المبسطة هل يمكن للمرء أن يفهم أبعاد ما جرى في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا؟
صباح السبت الثاني عشر من أغسطس (آب) الحالي. المكان حديقة عامة في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، حيث يقبع هناك نصب تذكاري للجنرال روبرت لي، أحد أبرز دعاة انفصال ولايات الجنوب عن اتحاد الولايات الأميركية، خلال الحرب الأهلية قبل نحو قرنين من الزمان.
هنا كان البعض من سكان المدينة قد قرروا إزالة نصب الجنرال انطلاقاً من أنه يُذكِّر بفترة تاريخية مؤلمة في التاريخ الأميركي؛ زمن عبودية السود، وقد امتلك هؤلاء قناعة بأن بقاء النصب على هذا الحال يوجه إهانة لأميركا الحرة، حيث الجميع متساوون أمام القانون، السود والبيض، المولود على الأرض والمتجنِّس بجنسيتها، لكن يبدو أن هذه حقائق مبتورة.
من ولايات بعيدة مثل أوهايو وميشيغان وويسكنن، جاءت جماعات عنصرية يمينية مدججة بالأسلحة المرخصة شرعيّاً، مطلقين شعاراتهم التقليدية الرافضة للسود واليهود، الأجانب والمهاجرين، ليحدث الصدام المتوقع، ثم فجأة تدهس سيارة أحدهم بعضاً من المتظاهرين، ويتحول حرم جامعة فيرجينيا التاريخية، التي أسسها أحد أكبر وأهم الرؤساء التاريخ الأميركي، توماس جيفرسون، إلى ساحة حرب ومصابين، في استعلان للتعصب العرقي والكراهية، وعودة جماعات اليمين المتطرف كما النازي الأميركي و«الكو كلوكس كلان»، و«الآرية البيضاء»، و«التحالف الوطني»، وغيرها الكثير.
وتستدعي تطورات المشهد الأصولي والعنصري الأميركي طرح علامة استفهام مثيرة: «هل هناك منهجية مؤسسية حتى الساعة داخل البلاد ضد السود؟»... في مؤلفه الشيق «العنصرية... مقدمة قصيرة» يحدثنا البروفسور علي راتانسي أستاذ علم الاجتماع الزائر في جامعة سيتي – لندن، عن التمييز العنصرى الصارخ داخل أميركا، وعن أشكال اللامساواة في الولايات المتحدة الأميركية؛ فعلى سبيل المثال، في عام 2001 كان الدخل المتوسط الحقيقي للأسر السوداء 62 في المائة فقط من دخل الأسر البيضاء، وهو رقم يهبط إلى 58 في المائة إذا تم استبعاد الإسبان.
وتبلغ نسبة الأطفال الأميركيين السود الذين ينشأون في الفقر، بحسب التعريف الرسمي للدولة، ثلاثة أضعاف النسبة بين الأطفال البيض، فيما ظلت معدلات البطالة بالنسبة إلى الرجال السود ثابتة بكل صلابة عند مستوى ضعفين على الأقل مقارنة بكل الرجال البيض لفترة طويلة. ويظل الأميركيون الأفارقة أكبر جماعة مفصولة سكنيّاً عن غيرها في الولايات المتحدة، ويرجع هذا جزئيّاً إلى رفض الأميركيين البيض العيش في مناطق يعيش فيها أكثر من 20 في المائة من السود. والاختلافات في معدلات وفاة الرضع مؤشر واضح على صحة السكان، وهي كبيرة بدرجة خطيرة، وتبلغ معدلات وفيات الرضع السود ضعف مثيلاتها بين البيض. ويكمل نحو 75 في المائة من الأميركيين الأفارقة الآن دبلومة المدرسة الثانوية، لكن 14 في المائة فقط يحصلون على درجة جامعية... هل كان ما حدث إذن في تشارلوتسفيل أمراً غريباً أو مثيراً؟
من أين جاء مثيرو الشغب في أميركا خلال الأحداث الأخيرة؟ لا يعرف الكثيرون أن هناك حزباً نازياً أميركياً تأسس عام 1958 في مدينة أرلينحيتون بولاية فيرجينيا عينها، بواسطة جورج روكويل، الذي خطَّط لحكم أميركا في سبعينات القرن الماضي، لكن اغتياله قطع عليه الطريق، إذ قتله منشقّ عن الحزب، وقد كانت أفكاره وبالاً على الأميركيين، ومستمَدَّة من عمق الطروحات الهتلرية النازية، فقد كانت خريطته الفكرية إذا وصل لرئاسة أميركا تبدأ بالقضاء على اليهود بطرق هتلر ذاتها، عطفاً على ترحيل الأميركيين من أصول أفريقية، وإعادة بناء الدستور بأصل نازي.
عطفاً على ذلك كانت وما زالت حركة «الكو كلوكس كلان» واحدة من أعنف تلك الحركات، وقد قامت كثيراً بحوادث عنف وإحراق منازل وأراضٍ، واختطاف للسود وللأجانب.
أما التحالف الوطني الذي تأسس سنة 1974 على يد بروفسور الفيزياء ويليام لوثر بيرس فيعد أخطر جناح نازي جديد، في أميركا، ويحفل بقتلة ومفجرين وسارقي بنوك... ويكفي الإشارة إلى أن تيموثي ماكفاي مفجِّر مبنى الاتحاد الفيدرالي في أوكلاهوما عام 1995، كان ينتمي إلى هذا الجناح النازي المتشدد.
غير أن المشهد لا يتوقف عند الجماعات النازية أو اليمينية العنصرية الأميركية على هذا النحو التقليدي؛ فبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن جيلاً جديداً من اليمين المتطرف بدأ يترسخ حضوره أخيراً في الولايات المتحدة... لماذا وكيف؟
الجواب ولا شك يأخذنا في طريقين؛ الأول مادي، والثاني ذهني، أي أن الأول متصل بالأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد، والثاني بالحالة السياسية في العقد الماضي والعامين الأخيرين تحديداً.
لتكن البداية مع الشق الأول المادي، ومدخلنا إليه هو أن المتظاهرين الذين ملأوا الدنيا شغباً في فيرجينيا، إنما جاءوا من ولايات ومناطق يطلق عليها حزام «الصدأ» للدلالة على تدهور الأوضاع الاقتصادية.
في هذا السياق يتذكر المرء ما قاله المؤرخ الأميركي الأشهر هوارد زين في مؤلفة العمدة «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة»، وتحديداً في الفصل الرابع والعشرين من الجزء الثاني، الذي يجيء تحت عنوان «الثورة القادمة لحراس النظام».
أما حراس النظام، فهم جماهير الشعب الأميركي التي بدأت تشعر بحالة من السخط والغضب على الطغمة الأوليجاركية في البلاد، التي تتحكم في الثروات في غير عدالة.
يشير زين إلى أن نسبة واحد في المائة فقط من الشعب يملكون ثلث الثروة، وباقي الثروة موزع على التسعة والتسعين في المائة الباقية بطريقة تجعلهم في صراع دائم، مثل الصراع بين أصحاب الأملاك الصغيرة ضد من لا يملكون، والسود ضد البيض، والسكان الأصليين ضد الوافدين، والمثقفين والمهاجرين ضد الأمير. والشاهد أن هوارد زين يحذر وينذر الأميركيين، لا سيما القيادات الرسمية، من أن ما جرى في العشرينات عندما قُدِّر لجماعة «الكو كلوكس كلان» العنصرية أن تستقطب ملايين الأعضاء، يمكن أن يتكرر ما دام بقي ملايين الأميركيين يتطلعون لحلول للمشكلات الخطيرة التي تضرب أميركا اقتصادياً واجتماعياً أسرياً وأخلاقياً، تلك التي تجعل منهم عاجزين، وحيدين، محبطين، ما أدى إلى عزلتهم عن بقية الناس، وعزلتهم عن العالم وعن عملهم وعن أنفسهم، فراحوا يعتنقون مذاهب يمينية متطرفة.
يبقى الطريق التحليلي والتفسيري الثاني لتصاعد المد القومي الأميركي عند بعض المحللين السياسيين داخل أميركا وخارجها، مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بفوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئاسة، وما صاحب حملته من شعارات كانت واضحة وكافية لإطلاق وحش العنصرية من القمقم.
هنا يمكن الإشارة إلى أن تلك الصحوة الأصولية قد بدأ ازدهارها من جديد خلال سنوات حكم باراك أوباما، وهو ما أشارت إليه صحيفة «لاكروا» الفرنسية في تقرير أخير لها، معتبرة أن الأمر كان رد فعل طبيعياً رافضاً لأن يصل رئيس من أصول أفريقية لمقعد الرئاسة، وقد جاء ترمب ليوقظ أشباح أميركا العنصرية.
جعل ترمب تركيزه على الداخل الأميركي خلال حملته الانتخابية الرئاسية، واستعار كثيراً من الصور التمثيلية والتشبيهية التي لعب من خلالها الحكم النازي على مشاعر الألمان، وقد نجح ترمب بالفعل في الحصول على أصوات اليمين المتطرف، الذي عزف بدوره على التدهور الديموغرافي للرجل الأبيض، وللفرص الاقتصادية الضائعة التي يتمتع بها اليوم السود واللاتين والمهاجرون، ولا ينكر أحد أن ترمب قد روج بالفعل لطروحات اليمين البديل «الت رايت» المناهضة للهجرة، وكارثية هذا البديل هي أنه استطاع تقديم ثقافة بديلة في شكلها الظاهر مغاير للجماعات العنصرية التقليدية، لكنها في الباطن قد تكون أشد خطراً وهولاً، ما دعا البروفسور جورج مايكل الأستاذ المتخصص في حركات اليمين المتطرف في جامعة «وستفيلد ستايت» لأن يجزم بأن هذه الحركة مرشحة للامتداد».
لا يمكن للمتابع للشأن الأميركي أن يوجه اتهامات رسمية أو مباشرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب بوصفه «راعي العنصرية» الأميركية في طبعاتها الجديدة، لكن ضمناً يمكن للمرء بأن يقطع بأن السياقات الأولى لحكمه والطغمة التي تحيط به تدفع دفعاً مباشراً الولايات المتحدة في طريق العنصرية والتزمت، قبل أن ينعطف المسار نحو العنف ولاحقاً إلى الاحتراب الطائفي والعرقي، وصولاً إلى ما يخشاه البعض ويتوقعه البعض الآخر، أي الحرب الأهلية بين الأميركيين. خذ إليك بعضاً من الأسماء التي أحاطت بترمب خلال حملته الانتخابية وبعضها سار معه ولازمه حتى الساعة.
بداية مع ديفيد ديوك القومي المتطرف، الداعي لتفوق الجنس الأبيض ورئيس حركة «الكو كلوكس كلان» السابق، الذي أعلن دعمه الصريح لدونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الماضية، وقد قال ذات مرة: «أشعر بفرح غامر عندما أرى أن ترمب يتبنى معظم القضايا التي دافعت عنها... شعاري سيظل أميركا أولاً».
ولا يزال ديوك بمثابة المرشد الروحي لتلك الجماعة العنصرية، التي يقول مكتب المباحث الاتحادية أن عددها يتزايد بشكل كبير، لا سيما أنهم يعزفون على أوتار الوظائف والفرص التشغيلية، حيث كثير من البيض لا يجدون فرص عمل في الوقت الذي يعتبرون فيه السود والمهاجرين يقتنصون تلك الفرص اقتناصاً.
الشخصية الأخرى الأقرب مباشرة إلى ترمب، ريتشارد سبنسر برتراند، رئيس معهد الأمن القومي الأميركي، الذي عمل طويلاً في الخفاء لتعزيز الانتماء إلى الهوية البيضاء وإنشاء دولة عرقية من شأنها أن تبعد الأقليات. وفي قراءة موسعة عبر موقع «تقرير واشنطن» نجد ربطاً واضحاً بين سبنسر البالغ من العمر 38 عاماً، وحركة اليمين البديل التي تعمل على جمع القوميين البيض من شمال البلاد إلى جنوبها، وفي احتفالية بفوز ترمب، وبحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» قال سبنسر: «دعونا نحتفل مثل عام 1939، في إسقاط لا تخطئه أذهان الحضور عن العام الذي تم فيه اختيار أدولف هتلر مستشاراً لألمانيا، وشرع فيه النازيون في خلق دولتهم العرقية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».