الممثلون الرجال يقاومون زحف سنوات الحياة

كشف حساب موسم صيف يكاد ينتهي

«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
TT

الممثلون الرجال يقاومون زحف سنوات الحياة

«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به

إذا ما كانت الصورة غير واضحة تماماً بالنسبة للمراقبين والمشاهدين، فهي غامضة تماماً بالنسبة لاستوديوهات هوليوود حالياً.
الذي حدث هو أنّ الصيف جاء ويكاد الآن يمضي من دون أن تحقق معظم الأفلام الكبيرة التي حشدت له الإيرادات الموعودة.
هل هو سوء تخطيط؟ توفير كمي أكثر من المطلوب؟ أم أنّ الجمهور اكتفى من تلك الحكايات التي تقع ما بين الأرض والفضاء وتقدم شخصيات ليس فيها ما يُصدّق بعد ما تم غمسها ببحر من المؤثرات البصرية؟
الأفلام التي تثير هذه الأسئلة كثيرة وكلها مكلفة. لدينا، على سبيل المثال، «المومياء». نقلة إلى الأمس بدمجه بالحاضر حول تلك اللعنة التي تحط على كل من يكشف تلك المومياء الأنثى وشرورها التي يحاول توم كروز التغلب عليه إنقاذاً للبشرية كلها. اللعنة ذاتها أصابت الفيلم الذي أنتجته «يونيفرسال» إذ اكتفى بـ80 مليون دولار في السوق الأميركية وهو الذي تكلف 125 مليوناً. لولا الأسواق الخارجية التي لبّته بنحو 300 مليون دولار لاعتبر الفيلم كارثة.
التقاط نفس
فيلم آخر سقط في هذا الصيف مدوياً هو «الملك آرثر: أسطورة السيف» الذي كلّف وورنر 175 مليون دولار وأنجز 115 مليون دولار حول العالم. هنا صليل السيوف وصهيل الجياد والمعارك المنفّذة على الكومبيوتر بأناس مُبتدعون لم ينقذ الأسطورة الشهيرة للملك آرثر وسعيه لاستحواذ ذلك السيف المغروز في الصخر الذي لا يستطيع إخراجه سواه. الكثافة في استخدام ما يعرف بـCGI (كمبيوتر جنيراتد إيماجيري) شكّلت حاجزاً دون اللقاء مع أبرز ما في تلك الأسطورة من قيمة: المواقف البطولية القادرة على صون تلك الأحداث الأسطورية.
طبعاً لا ينحصر رفض المشاهدين للأفلام بالأفلام التي غازلت حكايات الماضي، بل امتد ليشمل أي فيلم تعدت فيه نسبة المؤثرات البصرية المذكورة الحاجة إليها. المثال الأكبر على ذلك ما حدث لفيلم لوك بيسون «فاليريان ومدينة الألف كوكب» الذي كلّف هذا المنتج - المخرج الفرنسي 177 مليون دولار وأنجز حتى الآن 114 مليون دولار علما بأن أحلام بيسون كانت محاكاة أي إنتاج هوليوود بتقديم فيلم خيالي - فانتازي مليء بالأحداث المستقبلية المشحونة دائماً بالمغامرات. النتيجة كانت أكثر من 5 آلاف استخدام للحيل الغرافيكية وسقوط مدوٍ آخر في صالات السينما الأميركية وغير الأميركية على حد سواء.
إنّه كما لو أنّ الجمهور يريد أن تعطيه هوليوود فرصة لالتقاط أنفاسه، وهو بالتأكيد بات يفضل الانتقاء بعناية على مجرد الإقبال على كل ما هو معروض كما في الأعوام الماضية ما يبرهن على أنّ هوليوود، كعادتها، استثمرت هجمة الجمهور على الأفلام السابقة من النوع الخيالي - العلمي المدموج بالأسطورة والممتزج بالمواقف القتالية والمصنوعة مخاطرها على الكمبيوتر، لإغراق السوق بكل هذا العدد متمنية في كل مرّة أن لا يخطئ الفيلم هدفه.
وفي غمار سقوط الأفلام المذكورة وفوقها «ترانسفورمرز: الفارس الأخير» و«بايووتش» (باراماونت) و«أليان: كوفينانت» (فوكس) و«البرج الداكن» و«ذ إيموجي موڤي» (صوني) و«قراصنة الكاريبي» و«كارز 3» (ديزني) فإنّ هذا الفشل يفتح الباب على موضوع ما إذا كان ممثلو هذه الأفلام يستحقون المكافآت الكبيرة المصروفة عليهم: جوني ديب، وتوم كروز، وروبرت داوني جونيور وسواهم، يتقاضون ما يوازي 20 في المائة من الميزانية (عن طريق الأجر المباشر وطريق النسبة على الدولار الأول).
«المومياء» هو الخسارة الكبيرة الأولى للممثل توم كروز منذ سنوات، وذلك ليس بالنظر إلى إيراداته، بل بمقارنتها بميزانية كل فيلم من أفلامه. فعلى سبيل المثال، لم ينجز «فالكيري»، سنة 2008 سوى 83 مليون دولار، لكن تكلفته لم تزد بدورها عن ذلك المبلغ. فيلمه اللاحق «فارس ويوم» تكلف 117 مليون دولار، لكنّه جلب ضعف ذلك من الإيرادات العالمية. «المومياء» كان من تلك التي شكلت تحدياً للممثل الباحث عن سلسلة جديدة يقوم بها لجانب «المهمّة: مستحيلة» التي ما زالت السلسلة الأكثر شهرة وإيراداً بالنسبة إليه.
سنوات الحياة
جوني ديب ليس في وضع أفضل على الإطلاق. كل الأفلام التي خاض بطولتها خلال السنوات العشر الأخيرة لم تفلح في تثبيت مكانته خارج سلسلة «فرسان الكاريبي» بما فيها الإخفاق الأكبر الذي وقع قبل عامين لفيلم «ذا لون رانجر» الذي تكلف 215 مليون دولار وفوقها نحو 100 مليون دولار لتسويقه وترويجه لكنه اكتفى، بعد ثلاثة أسابيع، بإيراد قدره 250 مليون دولار من بينها 89 مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا.
حتى «فرسان الكاريبي» في جزئه الخامس هذا العام ترنح قليلاً مقلدا ترنح جوني ديب في أدائه شخصية القرصان المذكور. ووضع ول سميث وروبرت داوني جونيور وبن أفلك وهيو جاكمان ومارك وولبرغ وسواهم ممن أدوا بطولات أفلام خيال علمية أو أفلام «أكشن» ليست أفضل بكثير.
التجارب التي حاول عبرها جوني ديب وول سميث وروبرت داوني جونيور تمثيل أدوار إنسانية لم تحقق نجاحاً يجعل أياً من هؤلاء راغباً في ترك الأنواع الجماهيرية التي تبرر له قبض عشرة ملايين و15 مليون و20 مليون دولار عن الفيلم الواحد.
البعض في الواقع لم يجد ما يستطيع استيعابه وخشي الفشل وابتعد تماماً كما الحال مع الكوميدي جيم كاري والممثلة كاميرون داياز. ساندرا بولوك لم تعد تظهر كثيراً بعد موجة من الأفلام المتتابعة انتهت قبل ثلاث سنوات.
في سياق هذا الوضع، تتسلل حقيقة أنّ هوليوود ما زالت تعتمد على ممثلين تجاوزوا سنوات الشباب لأداء أدوار الشباب. ممثلون باتت أعمارهم تتراوح ما بين الخمسين والستين من العمر بينما شخصيات القوّة والمغامرة التي يمثلونها هي ما بين الثلاثين والأربعين سنة من العمر أو نحوها.
هذا دائماً ما حدث في كل سينما شعبية (هندية، مصرية، أميركية، فرنسية، إلخ…) لأن التركيبة الجاهزة للنجاح في مسلسل سينمائي ما تعتمد، في أحد أبرز أركانها، على الممثل الذي يدخل هذه الأدوار وهو لا يزال مناسباً ولا يغادرها إلّا من بعد أن أصبح على مشارف الكهولة. شون كونيري، على سبيل المثال، دخل سلسلة «جيمس بوند»، سنة 1962، وهو في الثانية والثلاثين من عمره وغادرها، سنة 1983، وقد أصبح في الثالثة والخمسين.
لكن غيره، وفي المرحلة الحالية، لا يستطيع أن يتوقف.
روبرت داني جونيور في الثانية والخمسين من عمره، جوني دب بلغ، في يونيو (حزيران) الماضي الرابعة والخمسين من العمر. توم كروز أصبح في الخامسة والخمسين. ليام نيسون، بطل سلسلة Taken أصبح في الخامسة والستين من العمر. التحدي الماثل أمام هؤلاء وسواهم هو أن عليهم أن يظهروا على الشاشة بالقوّة واللياقة البدنية التي كانوا عليها قبل خمسة عشر سنة أو عشرين سنة سابقة.
توم كروز كان يفاخر حتى حين قريب، بأنه يقوم بكل مشاهد المخاطر بنفسه (هو من تدلى بنفسه من برج خليفة في دبي في الجزء قبل الماضي من «المهمة: مستحيلة»)، لكنه في «المومياء» تخلى عن الكثير من تلك المشاهد وأضر بنفسه خلال تصوير ما تبقى منها.
الكثير من شروط هذه اللياقة يتطلب تمارين يومية بحيث إذا ما كشف الممثل عن جسده بداً مقنعاً: عضلات قوية، صدر متين، رشاقة قوام إلخ…
البعض الآخر، كما حال بن أفلك (44 سنة)، وجد لزاماً عليه بناء عضلات وأكتاف ولياقات بدنية في سن ما بعد الشباب لكي يفوز بالدور المعروض عليه. في حالة بن أفلك، فإن القيام بتأدية شخصية باتمان في الفيلم الجديد «باتمان ضد سوبرمان» كان مهمّاً لدرجة أنه دخل إعادة تأهيل بدني شملت إضافة في الوزن (من 89 كيلو إلى 109 كيلو) ورفع أثقال. صحيح أن البدلة السوداء تقوم بواجبها في منح الممثل شكل الرجل المقنع في واحد من تلك الشخصيات الخيالية، مثل سوبرمان وباتمان وآيرون مان، إلا أن العضلات الحقيقية ضرورية خصوصاً عندما ينزع هذا السوبر هيرو بدلته ليظهر في شخصيته الواقعية.
الأعلى نجاحاً
في المقابل، هناك الممثلون الآتون من الرياضة وكمال الأجسام. هؤلاء لا يحتاجون لبناء أبدان قوية لأنّهم تمتعوا بها منذ سنوات ما قبل دخولهم منطقة الأدوار البطولية، لذلك لم يكن عليهم سوى مواصلة التمارين عوض البدء بها من الأساس.
أحد هؤلاء طبعاً آرنولد شوارتزنيغر الذي كان بطلاً في كمال الأجسام ودواين جونسون الذي مارس (آذار) المصارعة. سلفستر ستالون هو أيضاً من ذلك الجيل الذي أدرك أنّ عليه أن يكسب الجمهور بتقديم نفسه على نحو مقنع وذلك من أيام «روكي» في الثمانينات.
لكن حتى هؤلاء، وفوقهم ستيفن سيغال وكيانو ريفز وفن ديزل، باتوا الآن في السن الذي يحتم إيجاد مخرج ما لجنون الكمال الجسماني أو الاعتكاف إلى الأدوار التي لا تتطلب جهوداً بدنية، كما يفعل شوارنزنيغر حالياً.
بعض هؤلاء، كما كيانو ريفز وتوم كروز، بات يخفف من عدد المشاهد التي تتطلب تمثيل المخاطر لكي ينجو من فخ اللامصداقية. ستيفن سيغال بات، على سبيل المثال، لا يقاتل بالخفة ذاتها، وفي أفلامه الأخيرة أخذ يكتفي بتوجيه الضربات عوض ما اشتهر به من المشاركة كليا في القتال.
من ناحيته، فإن ريفز في سلسلة «ماتريكس» كان هو الممثل المقبل - المدبر في سينما الأكشن. اليوم صار لزاما تزويده ببدلاء إذا ما لعب فيلماً يتطلب جهداً بدنياً مميزاً.
كل ذلك يمر في فلتر المعاينة عندما تتهاوى أفلام مكلفة من بطولة ممثلين مشهود لهم بالنجاحات السابقة. والحال أن مراجعة النسبة الناجحة من أفلام الصيف لا تكفي للتأكيد بأن أفلام القوّة والخيال (علمياً أو كأساطير فانتازية) باتت الضمان الأفضل لموسم صيف ناجح.
أحد أهم مزايا الأفلام التي حققت نجاحاً لا بأس به في هذا الموسم كانت تلك التي تمنح المرأة وجوداً بالغ الأهمية في لعبة التشويق والمخاطرة. في شهر مايو (أيار) من هذا العام خرج فيلمان من هذا النوع أولهما بعنوان «حتى الخرفان لها أسنان» (Even Lambs Have Teeth) لكنه لم ينجز أي قدر من النجاح. الثاني Lady Blood Fight بطولة آمي جونستون وهو بدوره لم يكن أكثر من جس نبض. لكن «حراس المجرة، 2» حفل بمشاهد المرأة المقاتلة. في الحقيقة نظرة على الملصق تكفي للإيعاز بأن الشركة المنتجة «ديزني ومارڤل ستديوز» أدركت أن المرأة عليها أن تقود أو، على الأقل، المشاركة فعلياً في البطولة فتم تصميم ملصق يضعها في الصدارة ووراءها شريكها الرجل. في الفيلم تبدي زو سالدانا قدرات قتال مماثلة كتلك التي يوفرها شريكها كريس برات.
والإيراد هنا كان رغيداً: 862 مليون دولار مقابل 200 مليون دولار كميزانية. بذلك هو ثاني النجاحات الكبرى المسجلة بين أفلام الصيف هذه السنة وحتى الآن. إذ يأتي بعد الفيلم الكرتوني «حقارتي 3» (Despicable Me 3) الذي تم عرضه في يونيو وخطف 920 مليون و689 ألف دولار عالمياً.
قبل نهاية شهر مايو خرج «قراصنة الكاريبي 5» إلى العروض وحقق نجاحاً وضعه في المركز السادس إذ بلغت إيراداته العالمية 785.‬559.‬302 دولار وهذا مباشرة بعد «ووندر وومان»، الذي ينتمي إلى البطولات النسائية، الذي جذب 792 مليون دولار وأنجز الرقم الخامس.
في المركز الثاني «القدر والغضب» (The Fate and the Furious) مع فان ديزل في البطولة بمليار و237 مليون و444 ألف دولار، أما المنصة العليا فمن نصيب الفيلم الفانتازي «الجميلة والوحش» الذي جمع مليار و260 ألفاً و122 دولار.
لم ينته الصيف بعد لكن عروض النصف الثاني من هذا الشهر لا تتضمن أفلام «سوبر هيرو» ولا أعمالاً بالغة التكلفة لكي يتم بناء جدار من الأوهام عليها. آخر ما كان في بال هوليوود في هذا المجال («البرج الداكن») سقط بضراوة والأمل في بعض النجاحات الأكثر تواضعاً من حيث الميزانية والمختلفة في نوعها على غرار النجاح الذي ينجزه حالياً «دنكيرك».
هذا إلى جانب أن سينما الرسوم المتحركة لديها عملان أو ثلاثة لإطلاقها أحدها «باليرينا» (وهو إنتاج فرنسي ناطق بالإنجليزية كحال أفلام كرتونية فرنسية أخرى حديثة) و«باتمان وهارلي كوين» وكلاهما سينافسان بعضهما البعض في اليوم الأخير من هذا الشهر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».