خلافات داخل «فتح» في غزة احتجاجاً على قرارات عباس

TT

خلافات داخل «فتح» في غزة احتجاجاً على قرارات عباس

شهدت حركة فتح في قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة، جدلاً وخلافات واسعة داخل صفوفها، لدرجة أن بعض قياداتها قدمت مطالب بتجميد العمل التنظيمي للحركة، احتجاجاً على الخطوات التي ما زال الرئيس محمود عباس يتخذها ضد موظفين بالسلطة، ينتمي غالبيتهم للحركة، والتي تشمل خصومات مالية وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر.
وتأتي هذه الخطوات في ظل محاولات أحمد حلس، عضو اللجنة المركزية للحركة، إعادة بناء التنظيم، الذي أصبح يعاني في السنوات التي تلت سيطرة حماس على قطاع غزة خلافات كبيرة، تسببت أخيراً في ظهور ما يسمى بالتيار الإصلاحي، بقيادة محمد دحلان الذي تم فصله من قبل القائد العام للحركة محمود عباس عام 2011.
ويحاول تيار دحلان استغلال حالة الترهل التنظيمي لحركة فتح في غزة لتوسيع حضوره ونشاطاته داخل القطاع، وذلك عبر استقطاب أكبر عدد ممكن من عناصر الحركة، مستغلاً الخلافات التي تعيشها.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن بعض مسؤولي الأقاليم في المناطق اتفقوا على تجميد العمل التنظيمي وكل النشاطات المتعلقة بالأطر التنظيمية الفاعلة، احتجاجاً على ما تم وصفه بـ«القرارات المجحفة تجاه أبناء حركة فتح». وبحسب المصادر ذاتها، فإن اجتماعاً عقد بين مسؤولي تلك الأقاليم، وعرف خلافات في وجهات النظر، حيث طالب البعض بضرورة عدم السماح لإفشال الجهود الجديدة لإعادة بناء التنظيم.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن مسؤولي الأقاليم، الذين اتفقوا على تجميد نشاطاتهم، أبلغوا القيادي حلس بقرارهم، لكنه عارض الخطوة بشدة، واعتبر أن الهدف منها إفشال مشروعه الرامي إلى إعادة ترتيب الصف الداخلي لحركة فتح بغزة، والعمل وفق خطة تنظيمية معينة لإنهاء الخلافات الداخلية بشأن كل القضايا ومعالجتها، بما في ذلك القرارات الرئاسية الأخيرة بشأن الموظفين في غزة.
ويعتبر حلس من أشد المعارضين للقيادي المفصول محمد دحلان، حيث كانت تشهد ساحة قطاع غزة تنافساً كبيراً بينهما خلال سنوات ما قبل سيطرة حماس على القطاع، أي إبان قيادة دحلان لجهاز الأمن الوقائي بغزة، فيما كان حلس قيادياً داخل مؤسسات الحركة، ويلتف حوله كثير من كوادر وعناصر الحركة. وقد نجح حلس في منتصف الشهر الماضي في تشكيل هيئة قيادية عليا لحركة فتح بغزة، تتكون من 19 قيادياً، وذلك بعد مباحثات أجراها لأكثر من شهر مع كثير من قيادات الحركة في القطاع، وتوافق مع القيادة الجديدة لتشكيل مجلس استشاري مكون من 60 قيادياً لدعم ومساندة الهيئة العليا، بهدف إعادة بناء التنظيم من جديد وإعادته للواجهة. لكن يبدو أن حلس يتخوف من محاولات إفشال جهوده الأخيرة، خصوصاً أن تيار دحلان يعمل بحرية تنظيمية أكبر بعد تفاهماته الأخيرة مع حماس.
ورفضت قيادات ومتحدثون باسم حركة فتح التعقيب على الأنباء المتعلقة بتجميد العمل التنظيمي. إلا أن تصريحات أطلقها حلس خلال اجتماعه بالعشرات من المحامين والأطباء المحسوبين على حركة فتح حول قرارات الخصومات المالية والتقاعد المبكر، تؤشر إلى أن هناك خلافات بين فتح غزة والضفة بشأن هذه القضايا.
وقال حلس إنه عرض عليهم استثناء من يشاءون من الخصومات والتقاعد، لكن تم رفض ذلك من قبلهم، مؤكداً ضرورة أن يكون الحل شاملاً جميع الموظفين باعتبار أن جميعهم فلسطينيون، وأنه لا يجب التفريق بينهم، وأعرب عن أمله في أن يتم التوصل إلى حل قريب لمعالجة جميع القضايا التي تتعلق بالموظفين، خصوصاً في قطاعات الصحة والتعليم، التي تأثرت بشكل سلبي من تلك القرارات.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.