«لوبي المال» قوة نافذة جديدة في المشهد السياسي الجزائري

علي حداد - عبد المجيد تبون
علي حداد - عبد المجيد تبون
TT

«لوبي المال» قوة نافذة جديدة في المشهد السياسي الجزائري

علي حداد - عبد المجيد تبون
علي حداد - عبد المجيد تبون

كشفت الأزمة الأخيرة التي أطاحت بعبد المجيد تبون من رئاسة الوزراء في الجزائر عن الدور النافذ لرجال الأعمال في المشهد السياسي بالبلاد. ورغم أن بعضهم يربط بين صعود «لوبي المال» والفراغ الذي تركه حل «جهاز الاستعلام والأمن» (المخابرات) مطلع عام 2016، فإن كثيرين يقولون إن تغلغل نفوذ رجال الأعمال في مؤسسات الدولة ومفاصلها بدأ قبل ذلك التاريخ بكثير.
وظلت المعارضة السياسية تشكو خلال فترة ترؤس عبد المالك سلال لحكومته منذ مايو (أيار) 2013 إلى مايو 2017، من تقوّي نفوذ «منتدى رجال الأعمال» وتدخل هذه المؤسسة التي يرأسها رجل الأعمال علي حداد في صناعة القرار السياسي بما في ذلك تعيين مسؤولين على مستوى الوزارات والولايات (المحافظات) وغيرها.
ولعل أبرز محطة مثيرة للجدل اتخذها «منتدى رجال الأعمال» كانت في عام 2014، وتحديداً قبل شهرين من تنظيم الانتخابات الرئاسية. حينها، اقترح رؤساء بعض الشركات خلال الجمعية العامة لـ«المنتدى»، دعم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رابعة، وسط اعتراض بعضهم على اعتبار أن الخطوة سياسية تتعارض مع الأهداف المعلنة للمنتدى. لكن رجال الأعمال المناصرين لبوتفليقة أصروا على الاقتراح وتمكنوا من تنظيم تصويت برفع الأيادي على دعم التجديد لرئيس الجمهورية، وكانت النتيجة لصالحهم. دفعت تلك الخطوة، بعدد من رؤساء الشركات إلى الاستقالة أبرزهم سليم عثماني رئيس مجلس إدارة «مجمع رويبة للعصائر».
المفاجأة أن رئيس «المنتدى» حينها، رضا حمياني، الوزير السابق للشركات الصغيرة والمتوسطة، أقر بعد ذلك «التصويت»
بمدة قصيرة أن ما حدث تم بضغوط، ثم أعلن استقالته. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، عقدت الجمعية العامة لـ«المنتدى» وانتخبت علي حداد رئيساً للمنتدى بعدما كان المرشح الوحيد للمنصب. ويرأس حداد شركة تعنى بالإنشاءات العمرانية.
ولاحقاً استقال أيضاً رجل الأعمال البارز يسعد ربراب، رئيس «مجمع سيفيتال» من «المنتدى»، وحاول جاهدا شراء «مجمع الخبر» الإعلامي الذي ينشر جريدة يومية وله قناة إعلامية تحملان نفس الاسم، إلا أنه عجز عن تحقيق مراده. ورفضت الحكومة استيلاء مجمع «سيفيتال» على «الخبر» بسبب ما سمته مخالفة الصفقة لقانون الإعلام الجزائري الذي يمنع امتلاك شخص معنوي لاسمين اثنين، كون رجل الأعمال يملك يومية «ليبرتي» الناطقة بالفرنسية. واشتد تذمر المعارضة السياسية أيضاً من الفضائح المالية لعدد من الوزراء. وفي أبريل (نيسان) 2016، ورد اسم وزير الصناعة والمناجم السابق عبد السلام بوشوارب ضمن فضيحة بنما المتعلقة بالملاذات الضريبية.
ويبدو أن تبون أراد، بعد تعيينه رئيساً للوزراء في مايو (أيار) الماضي، التصدي لهذا التداخل بين السياسة ودور رجال الأعمال، فصرح لدى عرض برنامج حكومته أمام البرلمان يوم 18 يونيو (حزيران) الماضي قائلاً: «من اليوم فصاعدا ستكون هناك حدود واضحة بين الدولة ورجال الأعمال، وسيتم التفريق بين السلطة والمال». وأضاف: «قد يروج أننا سنصطدم بأصحاب المال، فهذا غير صحيح، بل نحن متيقنون أن الثروة لا تأتي إلا بالمؤسسات الاقتصادية، فالمال لن يتوغل في دواليب الدولة». لكن تبون فشل في الأخير وانتصر «لوبي المال».



«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
TT

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

> أورين كاس، المستشار الاقتصادي السابق لحملة المرشح الجمهوري الرئاسي السابق السيناتور ميت رومني الرئاسية، توقّع في سنوات سابقة «نشوء تيار محافظ متعدّد الأعراق منسجم مع الطبقة العاملة كأساس لحزب جمهوري فعلي، يمكن أن يحقق غالبية حاكمة دائمة». لكنه قال بالأمس إن ما سمعه مجتمع الأعمال في وول ستريت، في مؤتمر الحزب «ينبغي أن يُشعرهم بالفزع والقلق العميقين».

وحقاً، يرى مراقبون ومحللون أن ما يجري اليوم من تغييرات على بنية الحزب الجمهوري الأميركي وخطابه، هو نتيجة تلاقي التغيّرات الاقتصادية والديموغرافية والثقافية، بما في ذلك الحركة العمالية الصاعدة حديثاً، التي يجد الحزب الجمهوري نفسه منجذباً إليها بشكل متزايد، على الأقل اسمياً. وهذا التطوّر، خاصة، أدى إلى تسريع مغازلته لها، من خلال محاولته تجديد نفسه عبر خطاب شعبوي. وهنا يعلق النائب الجمهوري اليميني جيم جوردان موضحاً: «أعتقد أن الرئيس ترمب جعل حزبنا كما كان ينبغي أن يكون عليه دائماً... حزب شعبوي متجذّر في المبادئ المحافظة».

في وضع كهذا، كان جي دي فانس هو الخيار الأكثر تميّزاً الذي يمكن أن يتخذه ترمب، من أجل الدفع بخطابه السياسي ومحاولته توسيع «الترامبية» السياسية على المدى الطويل. وحقاً، بعد ما يقرب من تسع سنوات، تحول ترمب إلى الوجه الوحيد للسياسة الجمهورية والزعيم بلا منازع لحركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

ومن جهة ثانية، مع اختيار ترمب لفانس، بدا أنه يدفع به ليكون طليعة القيادة السياسية الجديدة والشابة للحزب الجمهوري، رافعاً إياه إلى مكانة بارزة على المستوى الوطني في حركة سياسية كانت تختمر على اليمين منذ عدة سنوات.

تسمية فانس لنيابة الرئيس خلال فعاليات المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي في ميلووكي (سي إن إن)

ومع تعريف نفسه بأنه عضو في «يمين ما بعد الليبرالية»، بات فانس أول مرشح جمهوري لمثل هذا المنصب الرفيع، يعلن انتماءه لهذا التيار الجديد. وفي حين يشترك أتباع «ما بعد الليبرالية» في الاهتمام ببناء مجتمعات قوية، وبسياسات اقتصادية حمائية قد تساعد في كسب تأييد البيئات العمالية التي مزّقها نقل وظائف التصنيع إلى الخارج، فإنهم يضيفون أيضاً ثقلاً فلسفياً إلى هجوم ترمب على «الدولة العميقة». وفي ظل القيد الدستوري الذي يمنع أي شخص من تولي الرئاسة الأميركية أكثر من فترتين، فرضت هذه الفترة القصيرة أهمية إضافية إلى مسألة ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لـ«الترامبية»، الحركة التي ارتبطت بترمب الذي نجح في تحويل الحزب الجمهوري بشكل كامل. وبالتالي، من المنطقي، أن جي دي فانس، ابن الـ39 سنة، سيكون على الفور المرشح الأوفر حظاً للسباق الرئاسي الجهوري لعام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلّا في عام 2037، إذا فاز مرتين بالرئاسة.

في الحقيقة، لا يُنظر الآن إلى فانس بصفته سياسياً فحسب، بل بصفته مثقّفاً قادراً على صياغة فلسفة حكم، إلى الحد الذي وصفه فيه الحركي والمفكر اليميني ستيف بانون - كبير مستشاري ترمب السابق -، بأنه «كما كان القديس بولس بالنسبة ليسوع المسيح، فإن فانس المتحول المتحمس، سينشر إنجيل الترمبية أبعد من ترمب نفسه».

وبالفعل، يأمل الجمهوريون في أن يؤدي اختيار هذا السياسي العصامي الشاب إلى تعزيز التوجهات الديموغرافية الجديدة للحزب لدى الطبقة العاملة، والشباب، وبخاصة، بعدما روى في كتابه «مرثاة هيلبيلي»، الذي حولته منصة «نيتفليكس» إلى فيلم بالاسم نفسه عام 2020، نشأته الصعبة في المناطق الفقيرة في ولايتي أوهايو وكنتاكي. ومن ثم أصبح كتابه الأكثر مبيعاً والأكثر قراءة تقريباً، حتى من قبل الليبراليين، الذين يسعون إلى فهم كيف أخفق الديمقراطيون في الانتخابات التي خرج فيها الناخبون البيض من الطبقة العاملة بأعداد قياسية لانتخاب ترمب... وهذا ما حصل فعلاً يومذاك، ولا سيما، في ولايات «الصدأ» التي أصبحت متأرجحة، وقد تحسم نتيجة السباق الرئاسي هذا العام.