رموز الحرب الأهلية الأميركية... إرث تاريخي أم تمييز عرقي؟

اصطفاف ترمب مع المدافعين عنها وموقفه من أحداث شارلوتسفيل يغضبان المشرعين

رموز الحرب الأهلية الأميركية... إرث تاريخي أم تمييز عرقي؟
TT

رموز الحرب الأهلية الأميركية... إرث تاريخي أم تمييز عرقي؟

رموز الحرب الأهلية الأميركية... إرث تاريخي أم تمييز عرقي؟

«اليهود لن يعوضونا»، «حياة البيض تهم أكثر»، «نظفوا شوارعنا من السود»، كلها شعارات رددها مئات الرجال البيض، بعضهم بلباس عسكري، وبعضهم الآخر مسلح بدروع ورشاشات وأعلام نازية. كلا، لم يكن ذلك مشهداً مقتبساً من وثائقي حول الحرب الأهلية الأميركية، أو حركة الحقوق المدنية في خمسينات وستينات القرن الماضي، بل هي أحداث شهدتها مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا قبل أيام قليلة.
تصدّر النقاش حول عودة العنصرية البيضاء ورموز الحرب الأهلية الأخبار المحلية والنشرات العالمية. وهز مقتل شابة أميركية فيما وصفت بمظاهرات عنصرية تسعى إلى تكريس تفوّق العرق الأبيض، العالم الغربي. وعلى غير العادة، اكتسبت أحداث عنف عنصري في مدينة صغيرة بولاية فرجينيا أبعاداً عالمية، بعد أن أعطتها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب صبغة دولية، وتسببت في إعادة شبح الحرب الأهلية إلى الساحة السياسية، وخلق أزمة هوية داخل اليمين الأميركي.

بدأ التحضير لاحتجاجات شارلوتسفيل قبل أسابيع، عندما قررت حركة «وحدوا اليمين» حشد جماهيرها في ولاية فرجينيا وخارجها، للتظاهر ضد قرار شارلوتسفيل إزالة تمثال «روبرت إي. لي»، الجنرال الذي قاد القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأميركية بين 1861 و1865. وفي 11 و12 الماضيين، استجاب مئات المنتمين إلى حركة اليمين البديل «ألت رايت» لدعوة الاحتجاج، وتدفقوا على شارلوتسفيل مسلحين بهراوات وأسلحة نارية، ورافعين أعلاماً وشعارات نازية. وانضم إليهم منتمون إلى حركة النازيين الجدد، وأفراد من جماعة «كو كلوكس كلان»، المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض والمعادين للسامية، بهدف إجهاض قرار إزالة تمثال لي.
وسرعان ما اندلعت اشتباكات عنيفة بين أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض من جهة، ومحتجين مناهضين للعنصرية نظموا مسيرات مضادة. وأسفرت المواجهات عن مقتل هيذر هيير الثلاثينية المناهضة للعنصرية، وإصابة عشرين آخرين، بعد أن دهس شاب من النازيين الجدد لم يتجاوز العشرين من عمره، مجموعة من المشاركين في المظاهرة المضادة بسيارته.
تعود قضية إزالة رموز الكونفدرالية والعبودية إلى الواجهة في الولايات المتحدة، بعد كل حادث عنف أو تمييز عرقي، ويعود معها الجدل حول ما إذا كانت التماثيل والأعلام وأسماء جنرالات كونفدراليين التي أطلقت على مدارس وشوارع، جزءاً من التاريخ ينبغي الحفاظ عليه، أو رموز اضطهاد واستعباد يجب إسقاطها وتحويلها إلى عبر تاريخية.
وفي عام 1861، أعلنت سبع ولايات جنوبية، هي كارولاينا الجنوبية، وميسيسيبي، وفلوريدا، وألاباما، وجورجيا، ولويزيانا، وتكساس، انفصالها عن الاتحاد بعد انتخاب الجمهوري أبراهام لينكولن رئيساً للولايات المتحدة، والتزامه بوقف العبودية. وشكلت هذه الولايات التي انضمت إليها في وقت لاحق فرجينيا، وأركنسو، وتينيسي، وكارولاينا الشمالية، حكومة كونفدرالية. واندلعت حرب أهلية بين الجانبين، انتهت باستسلام الكونفدرالية في 1865 وحظر العبودية.
يعتبر كثير من سكان جنوب الولايات المتحدة البيض، أن رموز الكونفدرالية الـ1500 جزء من تاريخ تمردهم على الاتحاد الداعم لحظر العبودية، وأنها تذكر بمكانة الرجل الأميركي الأبيض وإرثه السياسي والاجتماعي؛ لكن كثيرين منهم يتجاهل أنها ترمز كذلك إلى هزيمة الولايات الجنوبية عام 1865 بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية، أدت إلى سقوط أكثر من 600 ألف قتيل ودمار مدن بأكملها، كما كان الحال في أتلانتا.
يرى إدوارد أيرز، المحاضر في جامعة «ريتشموند»، في تصريحات لصحيفة «الفايننشيال تايمز»، أن هناك ثلاث حجج يعتمد عليها المدافعون عن التماثيل، هي أن إزالتها تشوه سمعة أجدادهم الكونفدراليين، أو أنها تتسبب في خلافات بين مختلف مكونات المجتمع، أو أنها تؤدي إلى صرف مبالغ من أموال عامة.
وانضم إلى المدافعين عن الحفاظ على تماثيل روبرت لي وأمثاله، رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، بدافع رابع هو الحفاظ على التاريخ. وكتب ترمب في تغريدة على حسابه بـ«تويتر» أول من أمس، أن تاريخ وحضارة الولايات المتحدة يتعرضان «للتمزيق»، بعد إزالة تماثيل لشخصيات من حقبة الكونفدرالية. وأوضح أنه «من المحزن رؤية تمزيق تاريخ وحضارة بلادنا العظيمة، بإزالة التماثيل والصروح الجميلة. لا تستطيعون تغيير التاريخ، ولكن يمكنكم التعلم منه. روبرت إي. لي، وستونوول جاكسون... من التالي: (جورج) واشنطن، (توماس) جيفرسون؟ هذه حماقة!». وقال ترمب في تغريدة ثالثة: «سنفتقد إلى الجمال الذي يتم إزالته من مدننا وبلداتنا وحدائقنا، ولن يتم استبدال شيء به يضاهيه جمالاً».
في المقابل، يعتبر جزء آخر من الأميركيين، أن رموز الكونفدرالية تذكّر بعزيمة بعض الولايات لإبقاء العبودية، وبحقبة التمييز العرقي، ويرون أن مكانها يكمن في المتاحف وكتب التاريخ. وفي تصريحات صحافية سبقت مواجهات شارلوتسفيل، قال كورنيل ويست، أحد أبرز الناشطين اليساريين، إنه «كان ينبغي إزالة هذه التماثيل منذ وقت طويل. شخصيات مثل روبرت لي أو ستونويل جاكسون، كرسوا حياتهم لاستعباد السود، إنهم ليسوا أبطالاً».
بدورها، قالت لوري مارتن، الأستاذة المساعدة في جامعة «لويزيانا»، إن أحداث العنف العرقي، مثل مجزرة تشارلستون في عام 2015، حيث أطلق عنصري أبيض النار على تسعة مصلين سود في كنيسة، أو أحداث شارلوتسفيل الأخيرة: «تسلط الضوء على نقطة أثارها السود وغيرهم كثيراً في السابق: هذه التماثيل رموز للكراهية».
وأزيلت تماثيل لشخصيات بارزة في الكونفدرالية الأميركية، الأسبوع الماضي، في بالتيمور بولاية ماريلاند، وسط اشتداد الحملة لإزالة رموز الحرب الأهلية الأميركية. وعرض التلفزيون المحلي «دبليو بي إيه إل» صوراً لعمال وهم يضعون تمثالي الجنرال روبرت لي وتوماس جاكسون في شاحنة.
كما تمت إزالة نصب النساء وجنود وبحارة الكونفدرالية، فضلاً عن نصب يكرم قاضياً سابقاً في المحكمة العليا، بحسب صحيفة «بالتيمور صن».
وكان القاضي روبرت تاني مسؤولاً عن صدور حكم في 1857، يقضي بأن الأميركيين من أصل أفريقي لا يحق لهم الحصول على الجنسية الأميركية.
وكُتب على قاعدة حجرية كانت تحمل تماثيل لي وجاكسون بالبخاخ الأسود: «حياة السود مهمة».
وصرحت كاثرين بيو، رئيسة بلدية بالتيمور، لصحيفة «بالتيمور صن» بأن المدينة لم تقرر بعد ما الذي ستفعله بالتماثيل بعد إزالتها. وقالت بيو: «كانت إزالتها واجبة. كل ما يهمني سلامة وأمن شعبنا. لقد تحركنا بالسرعة الممكنة».
واللافت في تماثيل الكونفدرالية، هو أن تشييدها انقسم إلى حقبتين زمنيتين: الأولى في 1910 و1920، بهدف ترسيخ قانون «جيم كرو» للتمييز العرقي، الذي ينص على الفصل بين البيض والسود في المدارس وأماكن العمل والمطاعم وحتى الحمامات. ثم بعد ذلك في الخمسينات والستينات التي تزامنت مع إعلان محاكم عليا في أغلب الولايات الأميركية قوانين «جيم كرو» غير دستورية، وازدهار حركة الحقوق المدنية، كما تشير بيانات مركز «ساذرن بوفرتي لو».
ويقول جوزيف لاوندز، محاضر في جامعة «أوريغون»، لصحيفة «الغارديان» البريطانية، إن ظاهرة «جيم كرو» كانت في الحقيقة مشروعاً سياسياً قادته النخبة السياسية الجنوبية لمواجهة ما بدا أنه تحالف بين الطبقات العاملة السوداء والبيضاء في الولايات الجنوبية، ضد ملاك المزارع الكبار. وتابع لاوندز بأن التماثيل كانت جزءاً من استراتيجية التفرقة، وأنها كانت بمثابة رموز ثقافية تعيد اصطفاف المزارعين الفقراء البيض مع الملاك. وأوضح: «كان مشروعاً سياسياً. وكل مشروع سياسي يحتاج إلى رموزه».
من جانبه، كتب العمدة الديمقراطي لمدينة نيو أورلينز، ميتش لوندريو، في مقال بصحيفة «واشنطن بوست»، أن «هذه التماثيل شيدت لإعادة كتابة التاريخ، وتمجيد الكونفدرالية وضمان استمرار فكرة تفوق الجنس الأبيض». وتابع في مقاله الذي نشر في ١١ مايو (أيار) الماضي: «هذه التماثيل ليست رموزاً كئيبة لإرث من العبودية والتمييز العنصري، بل إنها إشادة به. إنها تحكي قصة مغلوطة عن تاريخنا، وتمثل إهانة لحاضرنا ومثالاً متدنياً لمستقبلنا».
بدوره، قال الأميركي جيمس لوين، صاحب كتاب «الأكاذيب التي سمعتها من معلمي»، إنه رغم هزيمة ولايات الجنوب في الحرب الأهلية، فإن التماثيل المنتشرة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة توحي بأن الجانبين تعادلا، كما نقلت عنه صحيفة «لوموند» الفرنسية. وضرب لوين مثلاً بولاية تينيسي التي تحتضن اليوم 727 تمثالاً لرموز الكونفدرالية، واثنين فقط للمنتصرين في الحرب الأهلية.

- عزلة ترمب الجمهورية
أثار الرئيس الأميركي عاصفة انتقادات جمهورية وديمقراطية هذا الأسبوع، على خلفية تعليقاته بشأن أحداث شارلوتسفيل. وقال ترمب في مؤتمر صحافي صاخب، الثلاثاء الماضي، إن اللوم «يقع على الطرفين»، مشيراً إلى أن هناك «أناساً طيبين جداً» في الجانبين.
وأثارت هذه التعليقات توبيخاً علنياً من جانب كبار الجمهوريين ورؤساء الشركات، لإحجام ترمب عن التنديد بشكل صريح بأفعال الداعين لتفوق العرق الأبيض، كما أوردت وكالة «رويترز». في المقابل، لقي الرئيس الأميركي دعماً لدى مؤيديه، وفي مقدمتهم نائبه مايك بنس، ومن طرف اليمين المتشدد.
وبرزت أصوات جمهورية انتقدت تصريحات ترمب بشدة، كزعيم الجمهوريين في مجلس النواب بول راين، وعضوي مجلس الشيوخ ليندسي غراهام وجون ماكين. وكتب راين: «يجب أن نكون واضحين. نظرية تفوق العرق الأبيض كريهة. هذا التعصب مخالف لكل ما يؤمن به هذا البلد. لا يمكن أن يكون هناك أي التباس أخلاقي». بينما أعربت النائبة الجمهورية عن فلوريدا، إيليانا روس ليتينن، عن غضبها فكتبت: «اتهام كلا الطرفين بعد شارلوتسفيل؟! لا. العودة إلى مذهب النسبية حين نتحدث عن (كو كلوكس كلان) وأنصار النازية وتفوق العرق الأبيض؟ لا، قطعاً».
بدوره، قال غراهام على حسابه بـ«تويتر»، إن الرئيس الأميركي «تراجع خطوة» الثلاثاء «بالإشارة مرة أخرى إلى وجود مساواة أخلاقية بين دعاة تفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد، وأعضاء (كو كلاكس كلان)، وأشخاص مثل هيذر»، في إشارة إلى الشابة العشرينية التي قتلت في أحداث عنف فرجينيا. بدورهما، دعا الرئيسان السابقان جورج بوش الأب وجورج دبليو بوش، في بيان مشترك نادر، الأميركيين إلى «رفض التعصب العنصري بكل أشكاله». واستشهد الرئيسان، من دون أن يسميا ترمب، بإعلان الاستقلال، وذكّرا الأميركيين بأن جميع المواطنين «متساوون».
وفي مؤشر على عدم استعداد الحزب الجمهوري للدفاع عن الرئيس الأميركي، لم يسع أعضاء الكونغرس الجمهوريون إلى تبرير تصريحات ترمب أو شرحها، كما سبق أن فعلوا في مناسبات سابقة. وقالت زعيمة اللجنة القومية الجمهورية، رونا رومني ماكدانيل، لشبكة «إيه بي سي»: «في شارلوتسفيل اللوم يقع كليا على (كو كلوكس كلان) ودعاة تفوق العرق الأبيض». أما جون كيش الذي نافس ترمب على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة العام الماضي، فقال لشبكة «إن بي سي»: «عليه أن يصلح الأمر، وعلى الجمهوريين أن يتحدثوا بصراحة».
ولم يجلس ترمب مكتوف الأيدي أمام «عزلته الجمهورية»؛ بل رد على انتقادات زملائه في الحزب. وكتب الرئيس على «تويتر»: «قال ليندسي غراهام الذي يسعى إلى الظهور، كذباً، إنني قلت إن هناك مساواة أخلاقية بين جماعة (كو كلاكس كلان) والنازيين الجدد، ودعاة تفوق العرق الأبيض، وأشخاص مثل السيدة هيير». وتابع ترمب: «يا لها من كذبة مقرفة... إنه لا يستطيع أن ينسى هزيمته في الانتخابات. سكان ساوث كارولاينا سيتذكرون»، في إشارة إلى هزيمة غراهام في الانتخابات التمهيدية العام الماضي.
كما انتقد ترمب الجمهوري جيف فليك، أحد الجمهوريين القلائل الذين انتقدوه مباشرة. وقال ترمب على «تويتر»: «من الرائع أن نرى الدكتور كيلي وورد يتنافس ضد فليك جيف فليك، الضعيف في قضايا الحدود والجريمة، والشخص غير الفاعل في مجلس الشيوخ. إنه كالسم». وكان فليك، الذي يتنافس لإعادة انتخابه، كتب الثلاثاء: «لا يمكن أن نقبل أعذاراً لدعاة تفوق العرق الأبيض، وأعمال الإرهاب الداخلي. يجب أن ندين ذلك». وعاد إلى «تويتر»، الأربعاء، ليقول: «لا يمكن أن نزعم أننا من حزب لنكولن، إذا راوغنا في إدانة دعاة تفوق العرق الأبيض». وكان فليك يشير إلى أبراهام لنكولن، رئيس الجمهورية الذي حظر العبودية وهزم الكونفدرالية الجنوبية في الحرب الأهلية.

- صعود اليمين المتطرف
على عكس الانتقادات الجمهورية، لاقت تصريحات الرئيس الأميركي قبولاً واسعاً لدى اليمين المتطرف. وكان أول المرحبين بها ديفيد ديوك، الزعيم السابق لجماعة «كو كلوكس كلان»، التي تؤمن بتفوق البيض، الذي عبّر عبر حسابه بـ«تويتر» عن «تقديره» لسيد البيت الأبيض، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وكتب ديوك: «شكرا سيدي الرئيس ترمب، على صدقك وشجاعتك في قول الحقيقة عن شارلوتسفيل، والتنديد بالإرهابيين اليساريين».
وتحمس أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض والنازيون الجدد لانتقاد ترمب «اليسار البديل» بشكل خاص، وتحميله جزءاً من مسؤولية العنف الذي شهدته مدينة شارلوتسفيل.
بدوره، كتب أندرو أنغلن، مؤسس موقع «ديلي ستورمر» المؤيد للنازيين الجدد والمعادي للسامية، والذي يشكل مركزاً لليمين المتشدد: «هذا الرجل يقوم بكل ما في وسعه لدعمنا، وعلينا الاصطفاف خلفه». وأضاف: «سيكون من الصعب حقاً أن نحمل أي مشاعر سلبية تجاه ترمب، حتى بعد وقت طويل جداً من الآن».
أما ريتشارد سبينسر، المنظم القومي الأبيض لمسيرة «وحّدوا اليمين»، فأشاد بتصريح ترمب الذي وصفه بـ«العادل والواقعي». وقال سبينسر، إن «ترمب يُعنى بالحقيقة»، مضيفاً أنه «فخور» بالرئيس. وأعاد جاك بوزوبييك، أحد مسؤولي اليمين البديل، نشر تغريدة ترمب عبر «تويتر»، فقال: «بلغنا وقت الذروة الآن»، و«ليلة سعيدة لليسار البديل».
وذكرت وسائل إعلام محلية، أنه تم حظر حسابات كثير من أفراد مجموعات اليمين البديل الذين شاركوا في المسيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«إنستغرام»، فيما أغلقت صفحاتهم على الإنترنت من جانب مواقع استضافة تتبع سياسة مناهضة للتهديدات وخطاب الكراهية، إلا أن بعضهم ظل قادراً على إيصال صوته.

- عنف محلي ذو أصداء دولية
أخذت أحداث شارلوتسفيل والتصريحات الرئاسية التي رافقتها أبعاداً دولية، وأعادت أشباحاً حاولت أوروبا الغربية دفنها في الماضي، بعد أن حصدت أرواح الملايين.
وكانت ألمانيا، التي قسمتها النازية وهدمت مدنها وأشعلت نار الحرب العالمية الثانية، من أول المعلقين على تظاهر النازيين الجدد والعنصريين البيض. ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ما قام به المؤمنون بتفوق العرق الأبيض في فرجينيا بالأمر «المقزز»، معتبرة أنه «هجوم شرير» ضد متظاهرين معارضين، حسبما ذكر متحدث باسمها. فيما ندد وزير الخارجية زيغمار غابرييل في وقت لاحق بـ«الخطأ الجسيم» الذي ارتكبه ترمب، برأيه، إذ لم يدن بوضوح النازيين الجدد، والعنصريين، وجماعة «ألت رايت» اليمينية المتطرفة.
بدوره، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من مقر إجازته الصيفية بمرسيليا، دعمه للنشطاء المناهضين للعنصرية في الولايات المتحدة، في رسالة تجنبت انتقاد رد فعل الرئيس الأميركي. وكتب ماكرون على «تويتر»: «إلى جانب أولئك الذين يكافحون العنصرية وكره الأجانب. نضالنا مشترك، الأمس واليوم».
وفي بريطانيا، رأت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، أن لا مجال للمقارنة بين من يحملون أفكاراً فاشية ومن يعارضونها، في معرض ردها على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أحداث شارلوتسفيل. وقالت ماي: «لا أرى أي مجال للمقارنة بين أولئك الذين يتبنون الأفكار الفاشية وأولئك المعارضين لها. أعتقد أنه من المهم لكل من يتولى منصباً مسؤولاً أن يدين أفكار اليمين المتطرف كلما سمعناها».
وأضافت، في تصريح للصحافيين في بورتسماوث بجنوب بريطانيا: «أنا أمقت تماماً العنصرية والحقد والعنف التي رأينا هذه الجماعات تعبر عنه. المملكة المتحدة بادرت إلى حظر المجموعات اليمينية المتطرفة هنا»، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأثارت تصريحات الرئيس الأميركي جدلاً واسعاً في إسرائيل كذلك، حيث كان وقع الشعارات النازية التي أنشدها اليمينيون المتطرفون في فرجينيا قاسيا على كثيرين. ورفع الإسرائيليون وتيرة انتقادهم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على ما اعتبروه رد فعل ضعيفاً على القوميين البيض العنصريين الأميركيين، وتعليقات الرئيس دونالد ترمب.
وجاء رد فعل نتنياهو في تغريدة بعد ثلاثة أيام على مسيرة القوميين البيض العنصريين، وكتب باللغة الإنجليزية على «تويتر»: «أنا غاضب من التعبيرات المعادية للسامية والنازية الجديدة والعنصرية. على الجميع مناهضة هذه الكراهية».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».