أفلام ستيفن سودربيرغ تلعب على حبال عدّة

أقسم أنه لن يعود للإخراج ونكث

TT

أفلام ستيفن سودربيرغ تلعب على حبال عدّة

بعد أربع سنوات من قراره الشهير بأنه سيتوقف عن الإخراج نهائياً، يعود المخرج ستيفن سودربيرغ إلى المهنة التي نشأ عليها ناكثاً وعده، أو، على الأقل، يعود وقد غيّـر رأيه في القرار الذي اتخذه سنة 2013.
خلال تلك السنوات الفاصلة مال إلى الإنتاج وحده. كان سبق له وأن أنتج أفلامه أو قام بوظيفة المنتج المنفذ لأفلام كثيرة، لكن عمله كمنتج فقط خلال تلك السنوات الأخيرة بدا اختياراً يبقيه قريباً من العمل وبعيداً عن وجع رأس الإخراج.
وجدناه منتجاً منفذاً لفيلم كوميدي - موسيقي (خفيف ورديء) عنوانه «ماجيك مايك XXL» سنة 2015 ولفيلمين في العام 2014 هما التسجيلي Citizenfour وهو الفيلم الذي أخرجته لورا بويتراس عن إدوارد سنودون (سبقت به فيلم أوليڤر ستون الروائي)، و«دم المسيح اللذيذ»، فيلم روائي مر تحت الرادار لسبايك لي وشغل سودربيرغ عليه كان محدوداً كمنتج مشارك.
وسودربيرغ يحب التصوير وقد سبق له أن صوّر بعض أفلامه مخرجاً بينها فيلمه الأخير قبل قرار التوقف Side Effects («تأثيرات جانبية») وبعد قراره الاعتزال صوّر كذلك «ماجيك مايك XXL».
لكن شغله الأكثر كثافة في الفترة المذكورة أعاده إلى سنواته التلفزيونية، فما بين 2013 و2016 مارس دور المنتج المنفذ لأربعة أفلام ومسلسلات. الأول بينها كان فيلماً تلفزيونياً بعنوان «خلف الشمعدان» وقام بإخراجه كذلك وثانيها هو مسلسل بعنوان The Knick وهذه الكلمة اختصار لاسم مستشفى في حي هارلم في نيويورك اسمه Knickerbocker Hospital تخصص، في أواخر القرن التاسع عشر بعلاج الفقراء والمعوزين من مقيمين ومهاجرين أول.
المشروع الثالث كان ثلاث عشرة حلقة من مسلسل عنوانه «خبرة صديقة» (The Girlfriend Experience) والرابع والأخير تبعاً لجدول عروضه كان مسلسلاً من عشرين حلقة بعنوان «شجر بلوط أحمر» (Red Oaks) وهذا كان من النوع الكوميدي وتمحور حول تجارب عاطفية شبابية تقع أحداثها في ثمانينات القرن الماضي.

* سلاسة وخفة
فيلم العودة هو «لوغَن لاكي» (Logan Lucky) كتبته ربيكا بلنت أو هكذا تعلن بطاقة الفيلم. بعض المتابعين عن كثب ارتاب معتبراً أن ربيكا ليست سوى اسم مستعار اتخذه المخرج تمويهاً. هذا معقول خصوصا أنه قام أيضاً بتصوير الفيلم وتوليفه بنفسه كما أنتجه عبر شركته الخاصّـة. بكلمات أخرى، هذا الفيلم قد يكون بكامله من صنع البيت.
يدور «لوغَن لاكي» حول شقيقين (شانينغ تاتوم وآدم درايفر اللذان لا يتماثلان في أي من ملامحهما كما لو كان كل منهما من قبيلة مختلفة كلياً) عاطلين عن العمل ويخططان الآن للقيام بسرقة كبرى بمعاونة خريج سجون (دانيال كريغ). أفلام السرقات هو جزء من الدراما (يطلقون عليه Heist Films) التي قد تكون بوليسية أو كوميدية، وسودربيرغ اختار أن يمزج النوعين كما كان فعل مع ثلاثيته الشهيرة «أوشن» التي بدأها سنة 2001 بفيلم Ocean‪’s‬ 11 وتابعها سنة 2004 بفيلم Ocean‪’‬s 12 ثم أكملها بفيلم Ocean‪’‬s 13 سنة 2007. وقد يعود إليها في العام المقبل، كمنتج فقط، في فيلم جديد أسمه Ocean‪’‬s Eight.
«لوغَـن لاكي» مُـعالج بالسلاسة ذاتها وبالخفة نفسها ولا يطلب، على عكس الأفلام التي أطلقها في بداية عهده بالإخراج وحتى عشر سنوات سابقة، منه أن يكون أكثر من ذلك. ضمن هذه التوليفة، يوفر المخرج أحداثاً ومفارقات مُـساقة للترفيه، مثل أن يد أحد الشقيقين (أدام درايفر) بلاستيك، بعدما خسر ذراعه في الحرب العراقية. وأن محترف السرقات (دانيال كريغ) سيكون قادراً على الفرار من السجن الذي يقضي فيه عقوبته ثم العودة إليه من دون عوائق بعد إتمام السرقة.
هذه المعالجات الخفيفة ليست جديدة على سودربيرغ فما مارسه سابقاً كان مزيجاً منها من أفلام أرادت (وأحياناً ما نجحت) أن تكون فنية.
فيلمه الأول «جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو» أعجب لجنة تحكيم مهرجان «كان» التي ترأسها المخرج الألماني فيم فندرز سنة 1989 فمنحته الذهبية عن عمل هو إلى حد تجريبي مع مدخل إلى أعماق نفسية وعاطفية معقدة إنما سهلة التناول. ليس الفيلم التحفة ولم يكن أفضل الأفلام المتاحة إذ كانت هناك أفلام أفضل منه شاركت وخرجت بخفي حنين. يكفي، على سبيل المثال: «افعل الشيء الصحيح» لسبايك لي الذي لم يكن مجرد فيلم برسالة اجتماعية بل عمل ممتاز فنياً. كذلك «مطر أسود» للياباني شوهاي إيمامورا، ثم ماذا عن «كاميرا باراديسو» لجيسيبي تورناتوري؟
فيلم سودربيرغ الثاني: «كافكا» (1991) كان أفضل من فيلمه الأول، لكن إذ تكاثرت أفلامه بعد ذلك تشعبت في رغباته وفي مستوياتها أيضاً. ما برهن عليه فيلمه الأول ذاك، وأكدته أفلامه اللاحقة مباشرة، قدرته على إنجاز أفلامه على نحو مستقل في أسلوبه ورؤيته وإن كانت لديه تراجعاته في هذا الشأن.
ما يغيب عن النقاد الذين يرون سودربيرغ مخرجاً مستقلاً فقط حقيقة أنه حقق أفلاماً من إنتاج هوليوود وبل بأسلوب يرضيها كما هي الحال في ثلاثية «أوشن» المذكورة (آنتجتها وورنر) وفيلم «إرين بروكوفيتش» (يونيفرسال). كما أن خفة تناول أفلامه شبه الكوميدية (مثل «خفي» (Out of Sight) و«بلزنتفيل» لجانب الثلاثية الشهيرة) ليست بالجودة التي عرفته بعض أفلامه اللاحقة مثل «ترافيك» و«الألماني الطيب» وإن هذا مردّه أنه لا يمتلك كل القدرات المطلوبة للانتقال بالنجاح نفسه بين نوع وآخر.
لكن «ترافيك»، على تميّـزه، كان، بدوره، متشابك السرد لذاته على عكس أفلام أليخاندرو غونزاليز إيناريتو الأولى مثلاً. تلك التي سردت أحداثاً متوازية تبدو كل منها مقطوعة الصلة مع سواها. وبعض أفلام سودربيرغ الأخرى، مثل «ملك الهضبة» (1993)، كانت فارغة. أما «شيزوبوليس» فساده الادعاء. «سولاريس» (2002)، الذي كان إعادة صنع لفيلم أندريه تاركوڤسكي العميق بالعنوان ذاته، جاء محض فراغ مبهم خصوصاً حين محاولته دفع المضمون إلى الواجهة.
سودربيرغ نجح في The Limey (تعبير يُساق لوصف شخص إنجليزي وقام به على الشاشة ترنس ستامب بجدارة) سارداً حكاية رجل إنجليزي يسافر إلى لوس أنجليس باحثاً عن قاتل ابنته. ضمن سودربيرغ حكايته المثيرة بأسلوبه الذاتي الذي لا يعرقل ذلك السرد المتمعن وغير السهل.
يكاد «ترافيك» أن يقلد «ذا لايمي» لناحية التعامل مع مكوّنات الحياة اليومية في عالمنا الحاضر، لكنه فيلم بلا فضاءات شاسعة (كالتي في ذلك الفيلم أو في أفلام أخرى لسودربيرغ) وفي حين أن شخصياته مكتوبة حسب ارتباطها الاجتماعي، لذلك هي رمادية غالباً، إلا أن استنتاجات الفيلم تبقى فرضية وأحياناً ساذجة ومنها أن الإدمان على المخدرات ناتج فقط عن تهاوي الأسر خصوصاً الثرية التي كانت تستطيع، حسب الفيلم، فعل أكثر مما فعلت لضمان سلامة المجتمع.
بعد حين، نجد سودربيرغ، سنة 2008 ينجز فيلماً من جزأين حول الثوري تشي غيفارا. وكبداية لا يوجد سبب لفصل فيلم ليحتل رقعتين خصوصا أن لا الفيلم الأول حقق نجاحاً تجارياً ولا الثاني طمر الهوة التجارية لأنه أفضل بقليل من الجزء الأول.
«تشي» ليس بسوء فيلم رتشارد فلايشر السابق بالعنوان ذاته (ذلك الذي قام عمر الشريف بتمثيله سنة 1974). على العكس هو أفضل منه كمادة وكعمل جاد في هذا الصدد. لكن المعالجة جافة والفيلم معاد للدراما في الوقت الذي امتلأت فيه حياة تشي غيفارا بالدراما سواء في حياته الشخصية أو في مهامه السياسية. زاد من الطين بلّـة أن المخرج لا يمنح الفيلم موقفاً. ليس مع تشي وليس ضده. ليس مع سياسته ولا يعاديها. يمعن النظر ولا يقترب. في النهاية يترك الحاجة لفيلم أفضل معلقة حتى اليوم.



شاشة الناقد: ‫ THE CROW

من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
TT

شاشة الناقد: ‫ THE CROW

من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
من «جلال الدين» (مهرجان مينا).

هناك صنف من الأفلام العربية والغربية على حد سواء تتبنى الرغبة في تقديم موضوع بهدف أخلاقي وتعليمي أو إرشادي يتداول موضوع القيم المجتمعية والإنسانية والدينية على نحو إيجابي.

الرغبة تغلب القدرة على توفير فيلم بمعايير وعناصر فنية جيدة في أغلب الأحيان. يحدث هذا عندما لا يتوخى المخرج أكثر من تبني تلك الرغبة في حكاية توفر له تلك الأهداف المذكورة. لعله غير قادر على إيجاد عناصر فنية تدعم فكرته، أو لا يريد تفعيل أي وسيلة تعبير تتجاوز الحكاية التي يسردها.

هذا ما يحدث مع فيلم حسن بنجلون «جلال الدين»، فهو، في غمرة حديثه، يستند إلى الظاهر والتقليدي في سرد حكاية رجل ماتت زوجته بعد معاناة، فانقلب حاله من رجل يشرب ويعاشر النساء ويلعب القمار، إلى مُصلِح ورجل تقوى ودين.

يبدأ الفيلم برجل يدخل مسجداً وينهار مريضاً. لن يتجه الفيلم لشرح حالته البدنية، لكننا سنعلم أن الرجل فقد زوجته، وهو في حالة رثاء شديدة أثّرت عليه. ننتقل من هذا الوضع إلى بعض ذلك التاريخ وعلاقته مع زوجته الطيّبة وابنه الشاب الذي يبدو على مفترق طرق سيختار، تبعاً للقصّة، بعض التيه قبل أن يلتقي والده الذي بات الآن شيخاً.

في مقابلاته، ذكر المخرج بنجلون أن الفيلم دعوة للتسامح وإبراز القيم الأخلاقية والإنسانية. هذا موجود بالفعل في الفيلم، لكن ليس هناك جودة في أي عمل لمجرد نيّته ورسالته. هاتان عليهما أن تتمتعا بما يتجاوز مجرد السرد وإبداء النصيحة وإيجابيات التطوّر من الخطأ إلى الصواب. في «جلال الدين» معرفة بكيفية سرد الحكاية، مع مشاهد استرجاعية تبدو قلقة لكنها تؤدي الغرض منها. لكن ليس هناك أي جهد إضافي لشحن ما نراه بمزايا فنية بارزة. حتى التمثيل الجيد توظيفياً من ياسين أحجام في دور جلال الدين له حدود في رفع درجة الاهتمام بالعمل ككل.

«الغراب» (ليونزغايت)

فيلم حسن بنجلون السابق لهذه المحاولة: «من أجل القضية»، حوى أفكاراً أفضل في سبيل سرد وضع إنساني أعلى ببعض الدرجات من هذا الفيلم الجديد. حكاية الشاب الفلسطيني الذي لا يجد وطناً، والصحافية اليهودية التي تتعاطف معه، لم تُرضِ كثيراً من النقاد (على عكس هذا الفيلم الجديد الذي تناقل ناقدوه أفكاره أكثر مما بحثوا في معطياته الأخرى) لكنه كان أكثر تماسكاً كحكاية وأكثر إلحاحاً. بدوره لم يحمل تطوّراً كبيراً في مهنة المخرج التي تعود إلى سنوات عديدة، لكنها كانت محاولة محترمة لمخرج أراد المزج ما بين القضية الماثلة (بطل الفيلم عالق على الحدود بين الجزائر والمغرب) وتلك الدعوى للتسامح التي يطلقها الفيلم الجديد أيضاً.

• فاز بالجائزة الأولى في مهرجان مينا - هولاندا.

‫ THE CROW

ضعيف

أكشن عنيف لغراب يحمل قضية بلا هدف

بعد ساعة وربع الساعة من بداية الفيلم يتحوّل إريك (بل سكارغارد) إلى غراب... ليس غراباً بالشكل، بل - ربما، فقط ربما - روحياً. أو ربما تحوّل إلى واحدة من تلك الشخصيات العديدة التي مرّت في سماء السينما حيث على الرجل قتل مَن استطاع من الرجال (وبعض النساء) لمجرد أنه يريد الانتقام لمقتل شيلي (ف. ك. أ. تويغز)، الفتاة التي أحب، والتي قتلوها. لم يقتلوها وحدها، بل قتلوه هو أيضاً، لكنه استيقظ حياً في أرض الغربان وأصبح... آسف للتكرار... غراباً.

يستوحي الفيلم الذي أخرجه روبرت ساندرز حكايته من تلك التي وضعها جيمس أو بار الذي وُلد، كبطل شخصيّته، يتيماً وماتت صديقته في حادثة سيارة. لكن لا الحكاية الأولى (من سلسلة «الكوميكس» بالعنوان ذاته) مُعبّر عنه في هذا الفيلم ولا يستوحي المخرج ساندرز من أفلام سابقة (أهمها فيلم بالعنوان ذاته حققه سنة 1994 أليكس بروياس بفاعلية أفضل). كذلك هناك إيحاء شديد بأن شخصية كرو مرسومة، بصرياً، لتشابه شخصية جوكر في فيلم تود فيلبس الشهير، كما قام به يواكيم فينكس.

في الـ75 دقيقة الأولى تأسيس للشخصيات. إريك صغيراً شهد مقتل حصانه المفضل. بعد 3 دقائق هو شاب في مصحة ما تريد تهيئة مَن فيها لحياة أفضل، لكنه يفضل الهرب مع شيلي التي كانت هربت من الموت على يدي أحد رجال الشرير ڤنسنت (الممثل داني هيوستن الوحيد الذي يعرف ما يقوم به). كانت شيلي تسلمت على هاتفها مشاهد لعصبة ڤنسنت، لذلك لوحقت وقُتلت. لكن عصبة كهذه يقودها رجل لا يموت (حسب الفيلم) لِمَ عليها أن تخشى صوراً على الهاتف؟ ليس أن الفيلم يحتاج إلى مبرر واقعي، بل يفتقر إلى تبرير حتى على هذا المستوى.

مشاهد الأوبرا التي تقع في خلفية الفصل الذي سيقوم فيه إريك بقتل أكثر من 30 شريراً من أزلام الرئيس، ويتلقى أكثر من ضعف ذلك العدد من الرصاصات التي لا تقتله (لأنه ميت - حي ومن نوع نادر من الغربان التي لا تموت) قُصد بها التزاوج بين مقطوعة فنية ومقطوعة من العنف المبرح. لكن كلا الجانبين يتداخل مع الآخر من دون أثر يُذكر.