شاشة الناقد: الرجال فقط عند الدفن

«الرجال فقط عند الدفن»
«الرجال فقط عند الدفن»
TT

شاشة الناقد: الرجال فقط عند الدفن

«الرجال فقط عند الدفن»
«الرجال فقط عند الدفن»

- الفيلم: الرجال فقط عند الدفن
- إخراج: عبد الله الكعبي
- النوع: الإمارات العربية المتحدة (2017)
تقييم: (****) من خمسة
على الرغم من العنوان، فإن وجود الرجل محدود بصرياً. فقط وجوده في خلفية المشاهد وكمظلة مخفية تعيش النساء تحتها وتتبع تقاليد فرضها المجتمع عليها. ما هو إنساني وطبيعي مهدور إذا كانت المرأة هي الفاعلة. مسموح ومسكوت عنه إذا كان الرجل هو الفاعل. على ذلك، هذا الفيلم الذي بوشر بعرضه في الإمارات هذا الأسبوع بعد أن ربح أحد جوائز مهرجان دبي الأولى في نهاية العام الماضي ليس صرخات ضاربة الأطناب في دعوتها لتحرير المرأة. في الواقع، يتجنب الكاتب والمخرج عبد الله الكعبي في هذا الفيلم الروائي الأول له، أي دعاوى مباشرة ويعمد إلى جعل الأحداث الماثلة تتضمن ما يكفي من أسباب وتفاصيل إنسانية كافية لأن تشكل الرسالة حول تأثير التقاليد على نماذجه النسائية.
في مطلع هذا الفيلم المفاجئ في مستواه، تطلب الأم فاهمة (حورية الكعبي) من ابنتها غنيمة (هبة صباح) العاملة في إحدى المحطات الإذاعية أن تترك كل شيء وتحضر. الأم عمياء (مع مفاجأة لاحقة في هذا الصدد) وعندما تجلس على سطح المنزل مع شقيقتها عارفة (سليمة يعقوب) وابنتها غنيمة وتبدأ بالإفصاح عن سبب هذا اللقاء، تنقلب بها الكرسي فتهوى من على السطح إلى الأرض. هي ما زالت حيّـة لكن لدقيقة واحدة إذ يدهسها زوج غنيمة (عبد الرضا نصاري) بسيارته بعدما فوجئ بها أمامه.
لا تدع هذه الصدفة تهز إيمانك بالفيلم، لكنها من وجهة نظر نقدية لا تلعب دوراً حاسما. كان يمكن لها أن تموت من شدة السقطة ما يبعد عن الفيلم شبح الصدفة رغم أن المخرج يستفيد من هذا الوضع قدر الإمكان.
إذ تقع الأحداث في العراق (وباللهجة العراقية) في أعقاب حرب 1988. ينقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء هي أيام العزاء المتوالية. ما يحدث في هذه الأجزاء هو وصول نساء أخريات للبيت للتعزية وفي الوقت ذاته للكشف عن أحداث تعود إلى الماضي حيث لا شيء مما في ذلك الماضي كان ظاهراً للعيان حتى للنساء المجتمعات. هناك أسرار تعرفها العمّـة وأخرى تكشفها الجارة أو الصديقة. مواقف تفاجئ غنيمة وأخرى تدهم الجميع. ومثل حياكة سجادة بالطريقة اليدوية القديمة تشترك كل هذه الأسرار والحكايات والمواقف الصادرة من عواطف مكبوتة في صياغة ما يحدث خلال تلك الأيام الثلاثة. وما يدور يخلق شخصيات من لدن شخصيات أخرى. غنيمة، الأكثر عناداً، تضطر لتفهم أوضاع سواها وتدفع ثمن جهلها السابق وتخسر حين يقرر زوجها أن لا وجود له في حياتها.
عبد الله يتخلص من هذا الفيلم الأول من شظايا الأساليب التقليدية في سرد الحكاية. لا مشاهد تطوف بك في أوجه كثيرة لتقول ما يمكن لمشهد واحد أن يعبر عنه داخل المنزل، في عتمة الليل، صمتاً أو همساً.
الكاميرا ثابتة (بيد مدير التصوير بيمان شادمنفاز) تتخلص من عبء تصميم كان سيخفف وطأة الثبات على أسلوب الفيلم البصري. لا تتحرك ولا تتقدم ولا تتأخر بل تنصب نفسها في كادرات محسوبة همها الأول أن تنقل مباشرة ما يحدث مع ولكل شخصية على حدة. هنا يبرز تصميم المخرج لكل كادراته. إنها رسوما لشخصيات بينها مسافات محسوبة، لقطات من زوايا تعبر عن الموقف النفسي السائد في المشهد الذي تقوم بتصويره. كل هذا يؤلف عملاً فنياً غير مسبوق إماراتياً وقليل التطرّق إليه عربياً (يشبه إلى حد أعمال التونسيين فاضل الجعايبي وفاضل الحريري ذات المصادر المسرحية في الثمانينات).

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.