موقوف في تركيا مدرج على لائحة بلجيكا لـ«الإرهابيين الأشد خطورة»

مرتبط بـ«خلية فرفييه»... وأنجب طفله الثاني في سوريا

TT

موقوف في تركيا مدرج على لائحة بلجيكا لـ«الإرهابيين الأشد خطورة»

قالت السلطات الأمنية البلجيكية، إن الشخص الذي اعتقلته تركيا الخميس الماضي ويدعى مهدي أ. (24 عاماً)، كان من سكان بلدية مولنبيك في بروكسل والمعروفة بغالبية سكانها من المهاجرين العرب والمسلمين. وسافر مهدي عام 2014 إلى سوريا برفقة زوجته وطفله، لكن أثناء تواجده هناك ضمن صفوف «داعش» أنجب طفله الثاني.
وأشارت وسائل إعلام محلية في بروكسل، ومنها صحيفة «ستاندرد»، إلى أن السلطات كانت قد عثرت على بطاقة مهدي في المنزل الذي كان يختبئ فيه عناصر «خلية فرفييه» في يناير (كانون الثاني) 2015. ودهمت الشرطة المنزل عقب تبادل لإطلاق النار مع ثلاثة أشخاص كانوا قد عادوا من سوريا قبل فترة وجيزة، ويُشتبه في أنهم كانوا يخططون لتنفيذ هجوم إرهابي يستهدف عناصر الأمن في شوارع فرفييه وفي مراكز الشرطة بهذه المدينة الواقعة شرق البلاد. وانتهت عملية إطلاق النار بمقتل شخصين واعتقال الثالث من بين المتورطين في المخطط المزعوم.
وقال الباحث البلجيكي المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، بيتر فأن أوستابين، في تصريحات إلى وكالة الأنباء البلجيكية، إن مهدي كان قريبا لأحد هذين القتيلين ويدعى «خالد» المتورط في قضية تجنيد وتسفير شباب إلى سوريا.
وذكرت مصادر أمنية لوسائل إعلام في بلجيكا، أن مهدي موجود في لوائح «مركز تحليل المخاطر الإرهابية» في بروكسل، وبالتحديد في الفئة الأولى منها المخصصة لإرهابيين الأشد خطورة والتي تضم أسماء عناصر تنظيم داعش في سوريا والعراق. كما أن اسمه موجود أيضاً ضمن قائمة أعلنت عنها السلطات قبل أيام وتضم أكثر من 250 شخصاً جرى تجميد أرصدتهم وممتلكاتهم لصلتهم بـ«داعش» ونشاطات ذات صبغة إرهابية، في إطار جهود بلجيكا لوقف أي عمليات مشتبهة لتمويل الإرهاب.
وفيما يتعلق باعتقال مهدي في إسطنبول، ذكرت بعض وسائل الإعلام البلجيكية، أنه اعتقل مع زوجته وطفليه، وهو ما يتناقض مع تقارير إعلامية سابقة أشارت إلى أنه أرسل زوجته إلى بلجيكا قبل أيام من اعتقاله.
ويرد اسم مهدي في لوائح «إنتربول» لأشخاص مطلوبين للسلطات البلجيكية على خلفية ملف له صلة بالإرهاب. ومن المتوقع أن يتم تسليمه إلى بروكسل في أعقاب التحقيق معه من جانب السلطات التركية.
ويُضاف مهدي بذلك إلى القائمة الطويلة للأشخاص الذين خرجوا من حي مولنبيك ولهم صلة بتفجيرات إرهابية ضربت أوروبا في الأعوام الأخيرة، ومنهم صلاح عبد السلام وشقيقه إبراهيم اللذان تورطا في هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 والتي خلّفت 130 قتيلاً. وألقي القبض على صلاح في بروكسل، بينما فجّر شقيقه إبراهيم نفسه في باريس. كذلك من سكان مولنبيك المتهمين بالإرهاب شاب يدعى بلال فجّر نفسه في الهجمات نفسها في باريس، وأيضا هناك عبد الحميد اباعود الذي يعتقد بعضهم أنه «العقل المدبر» لتفجيرات باريس والمخطط لمؤامرة «خلية فرفييه» البلجيكية في يناير (كانون الثاني) 2015. وقُتل أباعود في أحد أحياء باريس أثناء مداهمة أمنية.
وتعتقد دول أوروبية عدة، أنه مع تراجع «داعش» في العراق وسوريا، فإن مخاطر شن متطرفي التنظيم لهجمات في القارة تتزايد، ولا سيما مع عودة بعض المتشددين الأوروبيين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط إلى بلادهم. كما أن المخاوف من عودة محتملة لمتشددين أوروبيين دفعت «إنتربول» إلى إصدار تحذير لدول القارة من خطورة أشخاص «ربما تلقوا تدريبات لصنع أجهزة متفجرة... ويعتقد أن بإمكانهم السفر عبر الدول للمشاركة في أنشطة إرهابية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟