بكاميرا قاتمة وإيقاع بطيء يبرزان دفء العلاقات الإنسانية في مجتمع ريفي لبناني يدور فيلم «بركة العروس» لباسم بريش، فيأخذنا إلى عمق شخصيات منفصلة تماماً عن المحيط الذي تعيش فيه.
دور الأم تجسده كارول عبود والابنة أمية ملاعب وبينهما علاقة باردة تكسرها مرات عبارات قصيرة. فالصمت السائد في غالبية الفيلم ومدته 78 دقيقة، يغلب على محتواه الحواري. ويبرز بريش بصورة لافتة وقع الأصوات فيه أكثر من أي عنصر سينمائي آخر، فتؤلف خلفية غنية لمجموعة مؤثرات صوتية تسهم في تشغيل فكر المشاهد وتدفعه إلى التوقع.
يستند المشاهد مرات إلى أصوات الشهيق والزفير ليستكشف خوف أو قلق أو فرح صاحبة الدور، ومرات يجعلنا المخرج نتوقع المشهد قبل حصوله، مستخدماً أصوات ماكينة الغسيل ورنة الهاتف وجرس الباب. ويعطي بريش مساحة لا يستهان بها لطبيعة لبنان الخلابة، فينقلها بمساحات واسعة تبدو كلوحات تشكيلية، يجمع فيها مناظر من جبال لبنان ويبرز عبرها علاقة محفوفة بالخطر والمغامرة، تحصل بين الإنسان وبينها.
يبدأ عرض الفيلم في الصالات اللبنانية الخميس 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وقد شاهده أهل الإعلام ضمن دعوة خاصة نظمتها شركة «إم سي للتوزيع».
ويلعب الأدوار الرئيسية في الفيلم كارول عبود وأمية ملاعب. ويشارك فيه الممثلون ربيع الزهر وأنطوانيت نوفيلي وفادية التنير وفادي صقر ونسرين خضر ودانا ضيا. وهو من إنتاج جانا وهبة لشركة «The Attic» بالاشتراك مع شركة «ميتافورا» للإنتاج الفني وكتابة وإخراج باسم بريش. كما شارك غسان سلهب في كتابته وتكفّل نديم صوما بإدارة التصوير.
ويحكي الفيلم قصة مواجهة سلمى (كارول عبود) لماضٍ مرير تستعيد لحظاته فجأة مع ابنتِها ثريا (أمية ملاعب) المطلّقة حديثاً. هذه العلاقة الباردة بين المرأتين يفتقد فيها المشاهد إلى علاقة حقيقية وواقعية بين الأم وابنتها.
استوحى بريش قصة الفيلم من حياته الشخصية وتدور في منزل درزي في إحدى القرى اللبنانية الواقعة في منطقة الشوف.
ولعل أكثر ما يمدك به الفيلم هو هذه الكميات الهائلة من الحزن والقهر والألم. فبالكاد تأخذ خلاله جرعة أكسجين تتنفس معها الصعداء، عبر مشاهد طبيعية جميلة ضمن كادرات قاتمة. ومرات يستخدم بريش هذه الأماكن للإشارة إلى مشاعر الخوف والقلق.
سلمى التي تعيش وحدها في منزل بارد ومعتم لا تفتح شبابيكه إلا في المناسبات، تنقل إلينا حكايتها بصمت مطبق، ويتلقفها مشاهد الفيلم من خلال أدائها المتقن ولغة جسدها المحترفة. وهي بالمناسبة نالت عن دورها هذا جائزة أفضل أداء تمثيلي في مهرجان القاهرة العام الماضي. فأدت دور سلمى التي عاشت لسنوات عدّة وهي تحمي استقلاليتها. وتعيش قصة حب مبهمة ترتكز على تفريغ مشاعرها في علاقة سرية مع رجل من القرية نفسها، كل ماضيها مرسوم على ملامح وجهها القاسية وعلى تعاطيها مع الآخرين بجفاف وقسوة. وعندما تعود إليها ابنتها ثريا مهزومة ومطلقة تستعيد آلامها وأوجاعها.
صحيح أن المؤثرات الصوتية المستخدمة في الفيلم كثيرة، ولكن صوت الفنانة ياسمين حمدان يخترقها بقوة. فتؤدي أغنيات رقيقة ورومانسية على طريقة أسمهان وليلى مراد، تأخذ المشاهد لا شعورياً إلى زمن الأبيض والأسود والفن الجميل. وقصد المخرج استحضار صوتها في مشاهد من الفيلم تحمل الكثير من الوحدة الموجعة والفرحة المختنقة.
وفي منتصف عرض الفيلم بعيد استضافة الأم لابنتها، نتعرف إلى معنى عنوان الفيلم «بركة العروس». فتقفان صامتتان أمام نهر جارف تؤلف مياهه بركة تتدفق المياه فيها بقوة. وتسأل الابنة أمها «لماذا سموها بركة العروس؟»، وترد الأم :«لأنها في أحد الأيام وقعت فيها عروس وماتت. ومنذ ذلك الوقت صارت تعرف بهذا الاسم».
يوميات - فيلم «بركة العروس» لباسم بريش
كلام الصور (شركة إم سي)
كارول عبود بطلة فيلم «بركة العروس»
مناظر طبيعية خلابة يستحضرها المخرج باسم بريش
الأم وابنتها وعلاقة باردة
تقدم كارول عبود أداءً حرفياً في «بركة العروس»