ليس حفل «ملكة الرشاقة» (كوين أوف فتنيس) في موسمه الثامن عرضاً للأزياء أو مسابقة تتبارى فيها النساء على مقاييس جاهزة. هو أقرب إلى منصّة للتعافي ومساحة تُعيد للمرأة ثقتها بنفسها، وتؤكد لها بأنّ الرشاقة ليست شكلاً واحداً، والاهتمام بالجسد لا يعني التحوّل إلى نسخة جديدة مُطابقة لمعايير لم تصنعها النساء أصلاً.
منذ بدايته، أعلن الحفل الذي قدَّمته الإعلامية ليليان إيليا ناعسي أنّ الصحة أولاً. فالمنافسة احتفاء بكلّ مَن قرّرت أن تمنح جسدها فرصة أخرى، وكلّ مَن واجهت التنمُّر وخاضت معركة طويلة مع الوزن الزائد أو مع نظرة مجتمع يختصر المرأة في شكلها.

ولعلّ أهم ما حملته هذه الدورة المنعقدة في فندق بيروتي، أنّ الفائزة كانت امرأة حامل. روان داهود، التي تُوّجت «ملكة على عرش الصحة»، قدَّمت بوجودها على المسرح إحدى أقوى رسائل الحفل. من خلالها، ارتفع صوت يقول إنّ الأمومة ليست نقيض الصحة، والجسد الحامل جدير بأن يُحتَفى به. وجودها كان بمثابة مواجهة مباشرة لفكرة راسخة في الأذهان، هي أنّ على المرأة التنازل عن أمومتها أو تأجيلها لتُرضي مقاييس التحكيم الاجتماعية.
ما تفعله هذه المسابقة السنوية التي تنظّمها اللبنانية إيمان أبو نكد أنها تُعيد صياغة موقع المرأة داخل السردية اليومية التي كثيراً ما تختزلها في الوزن، وتحاصرها في أرقام، وتُخضعها لمعايير تراقب أدق تفاصيل جسدها. فجأة، يصبح شكل الجسد معياراً للحُكم الاجتماعي، فمَن تنقص كيلوغرامات تُصفّق لها البيئة المحيطة، ومَن تكسب وزناً قليلاً تجد نفسها وسط دائرة من النصائح الساخرة والنظرات التي تُشبه السجن.
جاء الحفل ليكسر هذا النمط. خلاله، تُشارك نساء قصصهنّ مع التنمُّر والوجع الطويل الذي خبّأنه خلف ملابس فضفاضة وأبواب مغلقة، قبل أن يُقرّرن الوقوف على المسرح لمُصالحة أجسادهنّ. المسابقة لم تمنحهن «لقباً» بقدر ما منحت كلّ واحدة منهنّ فرصة لرؤية نفسها الجديدة.

في كلمتها، شدَّدت صاحبة المبادرة إيمان أبو نكد على أنّ المسابقة لا تُعنى بالجمال كما يراه الناس، ولا بتوزيع الألقاب أو جمع الأضواء. قالت: «لسنا هنا لنحكم على أحد، وإنما لنقول إنّ الصحة حق. البدانة ليست قبحاً ولا عيباً. هي حالة تستحق الرعاية والدعم والاحتضان. وكلّ امرأة تستعيد صحتها هي ملكة بحدّ ذاتها».
وعلى الخشبة، تصدَّرت قصص المتباريات التسع، فشاركت كلّ منهنّ رحلتها من الألم إلى العناية، ومن السخرية إلى المثابرة، ومن الخجل إلى الظهور الواثق تحت الأضواء.
لم يكن من السهل تجاهُل معنى أن تُصفّق الصالة لنساء لم تمنحهنّ الحياة رفاهية المعايير التي فرضها المجتمع. كثيرات منهنّ مررن بتجارب قاسية، من مضايقات وتعليقات جارحة وفقدان الثقة وانسحاب من الحياة الاجتماعية. بعضهنّ خفن من التقاط الصور، وبعضهنّ توقَّفن عن ارتداء ما يحببن، وبعضهنّ اعتقدن فعلاً أنّ «تاريخ صلاحيتهنّ» اقترب كما تقول قسوة الناس. جاءت هذه المسابقة لتعلن أنْ لا أحد يملك حق تحديد صلاحية أحد.

الأهم أنها لا تقول للنساء إنّ الطريق سهل، ولا تعدهنّ بأنّ الوزن سينقص بلمسة سحرية. تُذكّر بأنّ لكلّ امرأة فرصة أخرى للبدء من جديد، للعودة إلى رياضتها، لتنظيم غذائها، للخروج من دائرة التعرُّض للأذى اللفظي والجسدي، وللتخلّي عن الخجل الذي فرضته التجارب المُرَّة. هنا، يتحوَّل الحفل إلى منبر للنساء اللواتي ينهضن رغم كلّ شيء. فحين صعدت روان داهود إلى المسرح لتسلُّم لقبها، تأكَّد أنّ الجسد، خصوصاً حين يحمل حياة داخله، يستحق التقدير، والأمومة امتداد لقوة المرأة وليست عبئاً على صورتها.
هذا الحفل تصحيح لمسار طويل من أفكار مُسبقة لا تزال ترى أنّ الحامل يجب أن تختفي، والأنثى حين تحمل تصبح «خارج المنافسة». المسابقة فعلت العكس تماماً، فوضعت «سيدة حامل» في المقدّمة، تحت الضوء، وفي قلب التصفيق، دليلاً على أنّ الصحة ليست نقيض الأمومة.

