يحضر الضوء هذا العام في «نور الرياض 2025» حاملاً ذاكرة فنية سعودية خالدة، حيث ركز الاحتفال بفعالياته المتنوعة على إرث الفنانة الراحلة صفية بن زقر، التي تعد واحدة أبرز رائدات الفن التشكيلي السعودي، رحلت العام الماضي، وبقي فنها حاضراً في الوجدان، وفاعلاً في قراءة تاريخ المجتمع المحلي بصرياً.
ويعيد عرض عملها «مشاهد من حفل زفاف» في مركز الملك عبد العزيز التاريخي تقديم جزء من مشروعها الطويل في توثيق الحياة الاجتماعية السعودية ضمن تجربة ضوئية معاصرة تُعيد قراءة التراث بعين حديثة.
وصوّر العمل الفني لبن زقر تفاصيل البيئة الاجتماعية السعودية من الزفاف، والعائلة، والملابس التقليدية، وآلة الخياطة، وصولاً إلى موسيقى العود، والطعام، وأعيدت صياغته داخل أبعاد ضوئية جديدة في الحركة، والتجربة، ليتسق مع شعار احتفال نور الرياض 2025 «في لمح البصر»، الذي يربط بين التغيرات السريعة في المدينة والذاكرة البصرية التي تمثلها أعمال بن زقر.

وقال عبد الله بن زقر، شقيق الفنانة الراحلة، إن اختيار احتفالية نور الرياض 2025 تكريم إرث صفية «موفق، وفي مكانه»، مضيفاً أن الأعمال التراثية الفنية لصفية تحمل مضموناً بصرياً يُجسّد قصص الماضي في لوحات تربط أصالة مناطق السعودية وعاداتها بالحداثة في تقنيات العرض الضوئية، والبصرية، وهو ما يتيح للجيل الجديد أن يقرأ الماضي بطريقة حديثة.
وكشف عبد الله بن زقر، خلال حديثه لصحيفة «الشرق الأوسط»، عن أبرز الرسائل التي عملت صفية على إيصالها طوال مسيرتها، وقال: «توقفت صفية –رحمها الله– في مرحلة مبكرة عن بيع لوحاتها في المعارض، لأنها كانت تؤمن بأن هدفها ليس تجارياً، بل كان توثيقياً للمجتمع، وأرادت أن يبقى هذا السجل متاحاً للمهتمين، وأن يخرج من فكرة الاقتناء الشخصي إلى المشاركة المجتمعية الواسعة، وقد حرصت على أن تكون أعمالها مرجعاً حياً للعادات، والملابس، والزينة، وكل تفاصيل الحياة اليومية، وكان هذا مشروعها الذي ثابرت عليه لأكثر من خمسين عاماً، وسعت من خلاله لتسجيل التراث بريشتها، ونجحت في ذلك».
وأشار بن زقر إلى أن الرسالة التي يتمنى أن تصل إلى الجيل الجديد من خلال حضور أعمال شقيقته اليوم هي المثابرة، والإخلاص في كل عمل، وأضاف: «أتمنى أن يعرف الجيل الجديد أن تحقيق الهدف الفني يحتاج إلى استمرارية، وإصرار، ومثابرة، وإخلاص، حيث عاشت صفية هذه القيم، وكل يوم في حياة الفنان هو ضربة فرشاة من المحتمل أن تتحول إلى حوار ثقافي يرفع وعي المجتمع، ويمنحه متعة أعمق بالحياة».


جسر فني يربط بين الأجيال
وجسد حضور صفية بن زقر في «نور الرياض 2025» هذا العام استمراراً لتأثيرها رغم رحيلها في 2024، إذ جاء عملها باعتبار أنه جسر يربط بين جيل عاش تفاصيل ما وثقته الفنانة، وجيل يختبر هذه التفاصيل مجدداً اليوم عبر الضوء.
وشملت رحلة الفنانة صفية بن زقر محطات مهمة، ابتداءً من نشأتها في حارة الشام بمدينة جدة، إلى تلقي تعليمها المدرسي في القاهرة، ثم دراستها لفن الرسم والغرافيك في كلية سانت مارتن للفنون في لندن، ثم إقامة معرضها الأول عام 1968، والذي حقق نجاحاً كبيراً، وفتح لها الطريق لتقديم 18 معرضاً فردياً، و6 معارض جماعية محلياً، ودولياً.
وحصلت بن زقر خلال مسيرتها على تكريمات عديدة، من بينها «كأس ودبلوم دي إكسيلانس» في إيطاليا عام 1982، ووسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 2016، وفي عام 1995 أسست «دارة صفية بن زقر» التي أصبحت مرجعاً لتوثيق المجتمع، ومنبراً ثقافياً لحفظ أعمالها، ومقتنياتها، كما شهدت الدارة افتتاحها الرسمي عام 2000 برعاية الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك، لتواصل بعدها دورها الثقافي في خدمة الفن، والتراث السعودي.







