من هم زوّار مولد «سيدنا الحسين» بالقاهرة؟

حشود ضخمة حضرت «الليلة الكبيرة»

المشهد الحسيني بالقاهرة (صفحة مسجد الحسين على «فيسبوك»)
المشهد الحسيني بالقاهرة (صفحة مسجد الحسين على «فيسبوك»)
TT

من هم زوّار مولد «سيدنا الحسين» بالقاهرة؟

المشهد الحسيني بالقاهرة (صفحة مسجد الحسين على «فيسبوك»)
المشهد الحسيني بالقاهرة (صفحة مسجد الحسين على «فيسبوك»)

اعتاد محمد شاهين (65 عاماً) سائق من محافظة الغربية بدلتا مصر أن يشد الرحال كل عام إلى القاهرة في الأسبوع الثالث من شهر ربيع الآخر لحضور مولد الحسين في مسجده بالقاهرة التاريخية، ويوضح أن «هذه العادة تلازمني منذ شبابي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن كنت تخلفت عن الحضور سنوات قليلة لأسباب سفري أو مرضي، لكنني في العادة أحرص على حضور المولد للاستمتاع بأجوائه الروحانية والاحتفال وسط المحاسيب والمريدين، ما يمنحنى شعوراً بالسعادة والرضا».

وبحسب المشيخة العامة للطرق الصوفية في مصر يقام الاحتفال بالليلة الكبيرة لمولد الحسين في الثلاثاء الأخير من ربيع الآخر، ما يوافق هذا العام 21 أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يقام احتفال آخر بمولد الحسين في الأول من شعبان.

وولد الحسين بن علي بن أبي طالب في السنة الرابعة للهجرة التي توافق 626 ميلادية، وهو حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعاش في كنف النبوة، وإثر خلاف على الخلافة بعد موت معاوية بن أبي سفيان، قُتل الحسين في موقعة كربلاء عام 680 ميلادية، ودفن مكان الموقعة، فيما طاف جنود يزيد بن معاوية بالرأس في عدة بلدان، وفق مصادر تاريخية، ذكرت بعضها أن الرأس الشريف استقر في مصر بمسجد الحسين بالقاهرة.

شاهين الذي حضر الليلة الختامية لمولد الحسين يؤكد: «أحب الموالد، وقبل أيام كنت في السيد البدوي، وقررت مع محبين مثلي لآل البيت المجيء للقاهرة في مولد الحسين».

«كثير من الناس يتركون أعمالهم ويتحملون مشقة السفر وزحام المواصلات ويقررن المجيء إلى المولد من فرط محبتهم لآل البيت»، وفق كلام الداعية الصوفي الدكتور يسري جبر، المنتمي للطريقة الشاذلية.

وشهدت الليلة الكبيرة (الختامية) لمولد الحسين بالقاهرة، الثلاثاء، حضوراً حاشداً في ساحة المسجد، وسط القاهرة التاريخية، مجموعات بأعلام ولافتات ملونة تطوف في ساحة المسجد والشوارع المجاورة التي تم إغلاقها بمناسبة المولد.

وبحسب الكتاب المرجعي «الموالد في مصر» للبريطاني جوزيف ويليام مكفرسون، فالمولد هو «عيد شعبي ديني يقام تكريماً لأحد الأولياء في مصر، وهو عادة إسلامية تماثل الأعياد والمواسم التي تقام في أوروبا لتكريم بعض القديسين المسيحيين».

ويلفت الكاتب إلى أن هذه الموالد ليست مجرد احتفالات شعبية، بل بمثابة سياحة دينية، اجتماعية، ثقافية في قلب الشارع والحارة المصرية.

الحشود الغفيرة التي حضرت مولد الحسين في ليلته الكبيرة، الثلاثاء، لم تكن في رأي الدكتور حسن القصبي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إلا «مجرد تعبير عن محبة الناس لآل البيت»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المناسبة تقام سنوياً في هذا المكان المبارك ويحضرها محبون ومتعلقون بآل البيت من كل فئات المجتمع العامي والمتعلم».

وعدّ القصبي الاحتفال بالموالد «من التصوف المعتدل، وإن زاد البعض في هذه الموالد أو تجاوز عفوياً فهذا ليس حكما على الكل، فهي النهاية أماكن تصفو فيها النفوس».

وكانت المشيخة العامة للطرق الصوفية بمصر قد أعلنت في وقت سابق أن هذا المولد وغيره من الموالد يترقبها ملايين المسلمين لما تحمله من روحانية ومكانة خاصة في قلوب المصريين، وأن «الليلة الختامية تشهد أكبر تجمع للمريدين والمحبين في أجواء إيمانية مميزة».

وتحيل الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، الموالد إلى ما تصفه بـ«تجسيد للديمقراطية الدينية في مصر»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الموالد باعتبارها مناسبات تخلط بين الجانب الديني والشعبي تمثل عنصراً ثرياً في المجتمعات الإنسانية»، وتوضح أن «الموالد ارتبطت بأولياء الله الصالحين، ليس فقط في القاهرة بل أيضاً في الصعيد والدلتا، والأولياء مرتبطون في الذاكرة الاجتماعية والدينية بأنهم ينتمون للطرق الصوفية بالدرجة الأولى، وهذه الطرق هي الأساليب الدينية غير التقليدية، فهي رؤية دينية رحبة وواسعة، ومصر من أكثر البلاد التي عاشت حالة الصوفية بشكل ساهم في التماسك الاجتماعي غير التقليدي».

ولفتت إلى أن «الموالد تشهد حضوراً متنوعاً من كل فئات المجتمع، وربما من كل الأديان أيضاً كطقس شعبي، فالخلطة الاجتماعية الثقافية الدينية التي توفرها الموالد انطلاقاً من الفكر الصوفي اخترعتها مصر لتستوعب كل الأديان»، على حد تعبيرها.

ويعدّ «حضور الموالد وهي أمور شائعة بكل بلاد المسلمين ولا تقتصر على مصر، وإن كانت مصر سباقة في هذا فهي دليل على محبة الحضور على اختلاف فئاتهم للصالحين، وهذه المحبة نابعة من محبتهم للنبي وآل البيت»، وفق الدكتور يسري جبر.

وليد طلعت، مهندس كمبيوتر (45 عاماً)، من حي شبرا بالقاهرة، أكد أنه يحرص على حضور المولد من أجل الاستماع لحلقات الذكر والمشاركة فيها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «بالرغم من الزحام الشديد الذي يشهده مولد الحسين تحديداً، لكن الوجود وسط المريدين والمحبين يهون كل شيء».

وكانت الموالد شهدت خلال الأيام الأخيرة هجوماً من تيارات وأصوات مختلفة، خصوصاً بعد الحشود المليونية، وفق متابعين، التي ظهرت في مولد السيد البدوي بطنطا، وتساءل البعض عن شرعية هذه الموالد، والاحتفال بالأولياء وأصدرت مشيخة الطرق الصوفية بياناً وصفت فيه هذا الجدل بأنه «مصطنع ومفتعل لا يستند إلى واقع أو علم أو نية صالحة».

و«يحضر المولد قطاع واسع من عامة المصريين الذين يشاركون بدافع المحبة والولاء، ولا ينتمون بالضرورة إلى الطرق الصوفية»، وفق المشيخة.


مقالات ذات صلة

مصر: تجدد الجدل حول «طقس البشعة» ومدى شرعيته

يوميات الشرق دار الإفتاء المصرية تصدر بياناً يؤكد تحريم البشعة شرعاً (دار الإفتاء المصرية)

مصر: تجدد الجدل حول «طقس البشعة» ومدى شرعيته

جدّد مقطع فيديو تظهر فيه فتاة تقوم بما يُعرف بـ«طقس البشعة» الجدل حول هذه الممارسات الشعبية ومدى توافقها مع الشرع والقانون

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق سمير الإسكندرني قدم أعمالاً جديدة ومختلفة في الموسيقى العربية (صفحة محبي سمير الإسكندراني على فيسبوك)

قرار بإزالة مقبرة سمير الإسكندراني يعيد جدل هدم مدافن المشاهير

أدى إخطار وصل لأسرة الفنان سمير الإسكندراني «1938 - 2020» يدعوهم لنقل رفاته قبل إزالة مقبرته الموجودة في منطقة السيدة نفيسة، لتجديد أحزانهم.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق ارتفاع معدلات الطلاق في مصر (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء)

تغيرات اقتصادية وتكنولوجية تقلص معدلات الزواج في مصر

قادت تغيرات اجتماعية وتكنولوجية واقتصادية حادة ومتسارعة معدلات الزواج والطلاق إلى التغير في مصر؛ في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد المتزوجين.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مسؤولون مصريون في جولة بأحد منافذ بيع السلع (وزارة الزراعة المصرية)

مصر: القبض على «بلوغرز» بسبب «التشكيك» في سلامة الغذاء

أوقفت أجهزة الأمن المصرية اثنين من «البلوغرز» يُدعيان «الأكيلانس» و«سلطانجي» تحدثا عن عدم نقاء المياه المعدنية، وهو ما اعتبرته السلطات «تشكيكاً» بسلامة الغذاء.

عصام فضل (القاهرة )
يوميات الشرق وزرة الداخلية المصرية رصدت مخالفات صُنَّاع محتوى (وزارة الداخلية)

أحكام قضائية تجدد أزمات صُنّاع المحتوى في مصر

تجددت أزمات صُنّاع المحتوى في مصر بعد صدور حكمين قضائيين، السبت، بالحبس والغرامة لاثنين من صناع المحتوى على «تيك توك» بتهم من بينها «خدش الحياء».

محمد الكفراوي (القاهرة )

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، ودارين أرونوفسكي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».