احتشد مئات الآلاف في ساحة المسجد الأحمدي بمدينة طنطا (دلتا مصر)، والمنطقة المحيطة به، لمتابعة الاحتفالات بالليلة الختامية لمولد السيد أحمد البدوي، فتوافد محبو ومريدو السيد البدوي من مختلف محافظات مصر والدول العربية والإسلامية، وسط أجواء روحانية تسودها السكينة.
وأكد محافظ الغربية، اللواء أشرف الجندي، أن المحافظة بكامل أجهزتها عملت بأقصى طاقتها لضمان راحة الزائرين وتأمين الاحتفالات بالشكل الذي يليق بمكانة لمحافظة الغربية ووجهها الحضاري، مشيراً إلى أن هذا الحدث الديني الكبير يجسد الصورة الأصيلة للتسامح والمحبة بين أبناء الوطن، كما يمثل أحد أهم المقاصد الدينية والسياحية في مصر، ويسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمحافظة، وفق بيان للمحافظة، الخميس.
وتحظى الموالد في مصر بأهمية كبيرة تجذب إليها الآلاف من المريدين والمحبين كل عام، ومن بينها مولد السيد البدوي المعروف بلقب «شيخ العرب» ومولد إبراهيم الدسوقي في الدلتا، ومولد السيدة ومولد الحسين في القاهرة، ومولد عبد الرحيم القناوي ومولد أبو الحجاج الأقصري في جنوب مصر.
ويرى المتخصص في التاريخ والأدب الشعبيين، الدكتور عمرو منير، أستاذ التاريخ والتراث بجامعة قناة السويس أن الليلة الختامية لمولد السيد البدوي لم تكن مجرّد احتفال ديني بل مرآة لفلسفة مصر العميقة في توازنها بين الروح والعمران، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «حين يتوافد الآلاف من كل محافظات مصر إلى طنطا لا يبحثون فقط عن البركة بل عن معنى الانتماء نفسه إن المولد في جوهره، فعل وطني بقدر ما هو طقس صوفي؛ لأنه يعيد وصل الإنسان بجذوره، ويؤكد أن روح مصر الحقيقية لا تنفصل عن حب أوليائها وميراثها الشعبي».

وأشار منير إلى الروح المصرية المتوارثة في الموالد، والأسواق، والأغاني، والبهجة التي تصنع وجدانها الجمعي، موضحاً أن «المشهد الإنساني في ساحة السيد البدوي هو إعلان حيّ عن ميلاد مصر جديدة تُعيد تعريف قوتها الناعمة من خلال ثقافتها الشعبية وروحها الصوفية التي لا تموت، فالتصوف المعتدل الذي يتجلى في هذا المولد هو امتداد للروح النقية في صفائها وإخلاصها وسموّها الأخلاقي، وهو أيضاً صدى بعيد لهدية مصر إلى الإنسانية: الرهبنة، التي علّمت العالم أن التفرغ للروح لا يعني اعتزال الحياة، بل تهذيبها وتطهيرها».
وكان محافظ الغربية أكد على إجراءات الحماية والتأمين للمولد، عبر تعزيز الخدمات الطبية في محيط المسجد الأحمدي وساحة المولد، من خلال نشر سيارات الإسعاف وإقامة نقاط إسعاف ثابتة ومتحركة، إلى جانب تكثيف الوجود الأمني وتنظيم الحركة المرورية لتسهيل دخول وخروج الزائرين، مع رفع كفاءة النظافة العامة والإنارة، وتجميل الشوارع المؤدية إلى المسجد لإظهار المدينة في أبهى صورها، مؤكداً أن العمل مستمر لتوفير كل سبل الراحة والأمان لرواد المولد حتى ختام فعالياته.

ويقول الباحث في الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون المصرية، الدكتور عبد الكريم الحجراوي، إن «مولد السيد البدوي تحديداً يكتسب أهميته من خصوصية شخصية السيد البدوي في الفكر الصوفي وفي الأدب الشعبي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «دائماً هناك زخماً في الموالد، سواء الحسين أو السيدة زينب أو في السيد البدوي وموالد الصعيد، ربما قللت أزمة (كورونا) من هذا الزخم، وتوقفت الموالد بسبب الإجراءت الصحية التي اتُّخذت، لكنها سريعاً ما استردت حضورها وزخمها، وهو ما نجده في الليلة الكبيرة بمولد السيد البدوي».
ويلفت الحجراوي إلى أن «السيد البدوي له سيرة شعبية ربما لم تصلنا كاملة، ولكنها ظلت تتردد زمناً في الأفراح وغيره، وهو ما يشير لأهميته في الحياة الاجتماعية، ومن ثم رسوخه في الوجدان الشعبي وارتباط الآلاف به».
ولفت إلى أن «إقبال المصريين على هذه الموالد بالآلاف يعود لعدة أسباب نفسية واقتصادية واجتماعية، وعادة ما يلعب الوضع الاقتصادي دوراً مهماً في هذا الزخم حيث يلجأ البعض إلى التصوف في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، وهي ظاهرة صحية حيث تسمح لشريحة من الناس بتفريغ طاقتهم في الاحتفالات المتعددة بالموالد بشكل إيجابي وبطريقة تعبر عنهم دون الاعتداء على أحد»، على حد تعبير الحجراوي.
وشهد المولد العديد من المظاهر الاحتفالية مثل حلقات الذكر والألعاب المختلفة، كما أحيا الشيخ محمود التهامي الليلة الختامية للمولد والتي حظيت بحضور حاشد.



