أعرف ما أريد أن أفعله... فلماذا لا أستطيع؟

 أحد الأعراض الأساسية للاكتئاب انخفاض الدافع وصعوبة إيجاد المتعة في الأنشطة اليومية (بكساباي)
 أحد الأعراض الأساسية للاكتئاب انخفاض الدافع وصعوبة إيجاد المتعة في الأنشطة اليومية (بكساباي)
TT

أعرف ما أريد أن أفعله... فلماذا لا أستطيع؟

 أحد الأعراض الأساسية للاكتئاب انخفاض الدافع وصعوبة إيجاد المتعة في الأنشطة اليومية (بكساباي)
 أحد الأعراض الأساسية للاكتئاب انخفاض الدافع وصعوبة إيجاد المتعة في الأنشطة اليومية (بكساباي)

كثير من الناس يرغبون في تحسين حياتهم، لكنهم لا يعرفون من أين يبدأون. قد يكونون عالقين في استجابة التجمّد، أو يواجهون صعوبة في الاستعانة بالدعم المناسب. كما قد يعانون من صراعات عاطفية أو مشكلات صحية نفسية تجعل خطوات التغيير أكثر تعقيداً. فهم هذه العوائق هو الخطوة الأولى نحو تجاوزها وبدء التحوّل الحقيقي. إليكم أبرز الأسباب التي تقف وراء الجمود وعدم اتخاذ الخطوة:

1- هل أنت عالق في استجابة التجمّد؟

كما هي الحال في استجابات «القتال أو الفرار»، فإن استجابة التجمّد هي رد فعل لا إرادي على تهديدٍ مُدرَك - سواء أكان جسدياً أو اجتماعياً أو نفسياً - وتتحكم بها الجهاز العصبي اللاإرادي. لكن الصدمة السلوكية الناتجة عنها تختلف جذرياً؛ فما هو الفرق:

أ - استجابة «القتال أو الفرار» ناتجة عن فرط تنشيط الجهاز العصبي الودّي (sympathetic)، وتُولّد مشاعر الخوف أو الغضب، وسلوكيات الهرب أو العدوان.

ب - في المقابل، يؤدي فرط تنشيط الجهاز العصبي نظير الودّي (parasympathetic) - وهو الأقل شهرة - إلى استجابة التجمّد. وتشمل الأعراض الكلاسيكية صعوبة في الكلام أو حتى الحركة، وهو ما يُعرف بـ«الجمود التوتري» (tonic immobility).

إذا كنتَ تمر باستجابة التجمّد، فأنت لا تشعر بأنك عالق فقط... بل تكون عالقاً فعلاً.

2- هل تستعين بالداعمين من حولك؟

تقول اختصاصية النفس سريرية الدكتورة فاليري هوفر إنه بعد تخرجها في الجامعة، انتقلت إلى العاصمة واشنطن، واستأجرت شقة بالقرب من الكاتدرائية الوطنية. وأضافت: «كثيراً ما كنتُ أستقل المصعد إلى السطح ليلاً لأتأمل هذا البناء المهيب المتوهّج من الداخل... وأتذكر أنه لم يكن ليقوم لولا السقالات التي سمحت لمئات العمّال المهرة بالوصول إلى أعلى فأعلى».

وتابعت: «بالطريقة ذاتها، عندما تبدأ أي مسار جديد أو هدف كبير، فإن طلب الدعم أو الاستعانة بالآخرين لا يجعلك ضعيفاً... بل يجعلك واقعياً. لا أحد يبني كاتدرائية وحده».

3- هل تستعين بالدعم المناسب؟

لا أحد يدق مسماراً بملعقة... ولا يخلط عجينة الكعك بمفك براغٍ. وبالطريقة نفسها، لا تطلب من صديق عملي لا يتوقف عن تقديم الحلول أن يكون «مستمعاً متفهماً» حين كل ما تحتاج إليه هو مَن يصغي إليك.

الخطوة الذكية أن تحدد نوع الدعم الذي تحتاج إليه - هل هو استماع؟ نصيحة؟ توجيه؟ مساعدة عملية؟ - ثم تلجأ إلى الشخص الأنسب لتقديمه. الدعم ليس مجرد وجود أحد... بل أن يكون الشخص المناسب في اللحظة المناسبة.

4- هل تستثمر إرادتك بأفضل شكل؟

قوة الإرادة أو التحكُّم الذاتي ليست مجرد مسألة نفسية... بل فسيولوجية أيضاً. تشير الأبحاث إلى أن بعض الأنشطة والحالات الذهنية تستنزف الدوبامين - وهو ناقل عصبي مرتبط بالتحفيز والإرادة - بينما يمكن لأنشطة أخرى أن تعزز مستوياته.

إذا كنتَ تقوم بكثير من «السحوبات» من حساب إرادتك من دون «إيداعات» كافية، فقد تكون استنزفتَ رصيدك الداخلي. الإرادة مثل الطاقة... تحتاج إلى إعادة شحن منتظمة حتى تستمر.

5- هل خطوات الوصول إلى الهدف مُحبِطة أكثر من اللازم؟

من السهل تخيّل الشعور الرائع عند عزف الغيتار بطلاقة أو تنفيذ ضربة تنس مثالية. وعندما تتجاوز عتبة معيّنة من الإتقان، يصبح الأداء نفسه مصدر طاقة يدفعك للتقدّم.

لكن الطريق إلى تلك العتبة قد يكون مرهقاً ومحبطاً - نغمات نشاز، وأخطاء متكررة، ومحاولات غير مثالية. وإذا كانت قدرتك على تحمّل الإحباط منخفضة، فقد تتوقف قبل الوصول.

السر ليس في جَعْل الطريق سهلاً... بل في الاعتياد على قدرٍ من عدم الراحة. كلما ازدادت قدرتك على تحمّل هذا الإحباط المؤقت، اقتربت أكثر من لحظة المتعة والإنجاز.

6- هل تختطفك العواطف أحياناً؟

ربما كنتَ تنوي حقاً أن تقول: لا، لوعاء من الآيس كريم أو كأس من النبيذ مساء أمس... لكن مديرك فقد أعصابه، أو انفجر طفلك في نوبة بكاء، وفجأة طارت كل النيات الحسنة من النافذة.

اللوم هنا ليس على ضعفك فقط، بل على البيولوجيا أيضاً: فعندما ترتفع مستويات الضغط أو القلق أو الغضب، يتولّى الجهاز الحوفي (limbic system) زمام الأمور، فيغمر جسمك بهرموني الكورتيزول والأدرينالين. في الوقت نفسه، يُثبط نشاط قشرة الفص الجبهي (PFC) — وهي الجزء المسؤول عن ضبط الاندفاع، والوعي الذاتي، والتخطيط، وحل المشكلات.

بكلمات بسيطة: عندما تنفجر العواطف، العقل المنطقي ينسحب مؤقتاً... ما يجعل التراجع عن العادات القديمة أو الالتزام بالقرارات الجديدة أكثر صعوبة.

7- هل تريد التغيير... ولكنك لا تريده في الوقت نفسه؟

غالباً ما يكون لأي تغيير جوانب إيجابية وأخرى سلبية. ترقية وزيادة في الراتب؟ فكرة رائعة! لكنّها قد تعني أيضاً ساعات أطول في المكتب. العثور على شريك مناسب؟ حلم جميل... لكن الدخول في عالم المواعدة ليس دائماً سهلاً.

إذا لم تكن رغبتك في التغيير أقوى من العوائق، فستتردّد وتتأرجح. هذه الحالة تُسمّى الازدواجية أو التردد الداخلي (ambivalence)، وهي شائعة جداً. التغيير الحقيقي يتطلب أن تكون كفّة الرغبة أثقل من كفّة المخاوف.

8- هل تقع ضحية لـ«استبداد الواجبات»؟

هل دوافعك نابعة من قيمك الشخصية فعلاً، أم أنها انعكاس لأولويات الآخرين؟ نحن جميعاً نمتص قيم الأهل، الأصدقاء، زملاء العمل، المجتمع، وحتى وسائل التواصل. ولا يصبح ذلك مشكلة إلا عندما تصطدم هذه المؤثرات بقيمك العميقة ورغباتك الحقيقية.

الفرق بين «يجب أن أفعل» و«أريد أن أفعل» قد يحدد ما إذا كان التغيير حقيقياً ومستداماً... أو مجرد استجابة لضغط خارجي.

9- هل هناك مشكلة نفسية تُبقيك عالقاً؟

أحد الأعراض الأساسية للاكتئاب انخفاض الدافع وصعوبة إيجاد المتعة في الأنشطة اليومية. وخلط الاكتئاب بالكسل لا يزيد الأمر إلا سوءاً ويعزز صورة سلبية عن الذات.

كما أن اضطرابات نفسية أخرى يمكن أن تعيق القدرة على التغيير، وقد لا تتحسّن من دون مساعدة مهنية. إذا كنتَ تشك بأن مشكلة نفسية تساهم في شعورك بالجمود، اطلب الدعم من مختص نفسي أو طبيبك.


مقالات ذات صلة

ما العلاجات البديلة للقلق؟

صحتك يلعب فيتامين «B12» دوراً أساسياً في عمل الجهاز العصبي وقد يساعد على تقليل الشعور بالقلق والاكتئاب (أرشيفية - رويترز)

ما العلاجات البديلة للقلق؟

الهدف الأساسي من العلاج البديل للقلق هو تحسين صحتك العامة وتخفيف أعراض القلق، مع قليل من الآثار الجانبية أو انعدامها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مراهقون يستخدمون هواتفهم إلى جانب شعار منصة «تيك توك» (رويترز)

فرنسا تفتح تحقيقاً جنائياً ضد «تيك توك» بشأن آثاره على صحة الأطفال العقلية

فتح الادعاء العام الفرنسي تحقيقاً جنائياً ضد تطبيق «تيك توك» لفشله في حماية الصحة النفسية للأطفال على منصاته.

«الشرق الأوسط» (باريس)
صحتك التنهد قد يكون مفيداً لصحة الإنسان ومزاجه (أ.ف.ب)

كيف يؤثر التنهد على صحتك ومزاجك؟

كشفت دراسة جديدة عن أن التنهد ليس مجرد فعل عابر أو تعبير عن الملل أو الانزعاج، بل هو عملية يمكن أن تكون مفيدة لصحة الإنسان ومزاجه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كلّ قطعة صوف تحمل وقتاً وصبراً وحكاية نجاة (صور آن ماري ماضي)

«صنّارة»... مبادرة تمنح نساء لبنانيات خيطاً يشدّهن للحياة

بذرة صغيرة أصرَّت أن تنبت في أرض تحترق لتُعلن أنّ الخراب ليس الخاتمة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفجوة العمرية بين الشريكين تؤثر على العلاقة (رويترز)

6 حقائق علمية حول الفجوة العمرية في العلاقات

تُعدّ فجوات السن في العلاقات موضوعاً شائكاً في الأبحاث النفسية. وهناك 6 رؤى علمية حديثة حول الفجوة العمرية بين الشريكين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الموت يُسدل الستار على أزمات «مُكتشف الحمض النووي»

جيمس ديوي واتسون عام 1993 (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس ديوي واتسون عام 1993 (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الموت يُسدل الستار على أزمات «مُكتشف الحمض النووي»

جيمس ديوي واتسون عام 1993 (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس ديوي واتسون عام 1993 (أرشيفية - أ.ف.ب)

في صباح ضبابي في أحد أيام عام 1953، كان هناك شاب أميركي نحيف طويل القامة، يبلغ من العمر 24 عاماً، يعبث بيديه بأشكال من الورق المقوى. كانت تُمثل أجزاءً من جزيء الحمض النووي، وكان هذا الشاب يحاول فهم كيفية تناسقها معاً بطريقة تُمكّن هذا الجزيء السحري من أداء وظيفته بوصفه عنصراً أساسياً في الجينات.

فجأة، أدرك أنها تتحد معاً لتُشكل «درجات» سلم طويل ملتوٍ، وهو الشكل المعروف اليوم باسم الحلزون المزدوج. فكان اكتشاف بنية الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين، أو ما عرف على أنه الحمض النووي، إنجازاً كبيراً أسهم في فتح الطريق أمام ثورة في الطب وعلم الأحياء ومجالات أخرى متنوعة.

وتوفي واتسون صاحب هذا الاكتشاف بعد مسيرة علمية طويلة عن عمر يناهز 97 عاماً، الخميس، قبل أن يُعلن عن وفاته، السبت، ورغم إنجازاته المهمة، فإن إرثه معقد بسبب تصريحاته المثيرة للجدل حول العِرق، والتي أدت إلى إدانته وخسارته للألقاب الفخرية.

وفاز واتسون بجائزة نوبل عام 1962 بالمشاركة مع فرانسيس كريك وموريس ويلكنز لاكتشافهم أن الحمض النووي DNA)) عبارة عن حلزون مزدوج، يتكون من خيطين ملتفّين حول بعضهما البعض لتكوين ما يشبه سلماً طويلاً ملتوياً برفق.

كان هذا الاكتشاف إنجازاً كبيراً. فقد أظهر للعلماء على الفور كيفية تخزين المعلومات الوراثية، وكيف تُضاعف الخلايا حمضها النووي عند انقسامها.

حتى بين غير العلماء، أصبح الحلزون المزدوج رمزاً معروفاً للعلم. ولقد ساعد هذا الاكتشاف على فتح الباب أمام تطورات أحدث، مثل تعديل التركيب الجيني للكائنات الحية، وعلاج الأمراض عن طريق إدخال الجينات في المرضى، وتحديد هوية الرفات البشري والمشتبه بهم جنائياً من عينات الحمض النووي، وتتبع شجرة العائلة وأسلاف البشر القدماء. لكنه أثار أيضاً مجموعة من التساؤلات الأخلاقية، مثل ما إذا كان ينبغي علينا تعديل مخطط الجسم البشري لأسباب تجميلية أم بطريقة تؤدي لانتقال ذلك التغيير إلى نسل الشخص.

إرث هائل

ويقول الدكتور هيثم شعبان، أستاذ مشارك الفيزياء الحيوية وعالم متخصص في علوم الجينوم، إن «واتسون ذو إرث علمي هائل فهو أحد رواد علم الأحياء الجزيئي وأحد مكتشفي البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي (دي إن إيه)، وهو ما غيّر فهمنا لكيفية تخزين المعلومات الوراثية وكيفية انتقالها من خلية إلى أخرى».

وأضاف شعبان الذي يعمل أيضاً قائداً لمجموعة بحثية لدى معهد أجورا لأبحاث السرطان بلوزان، وكلية الطب بجامعة جنيف بسويسرا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «دعم واتسون العديد من المشاريع البحثية الكبيرة، كان أبرزها مشروع الجينوم البشري العالمي الذي يعد الأساس الآن لما يعرف بالطب الدقيق أو الطب الشخصي».

«تصريحات عنصرية»

كان واتسون شخصية مرموقة في عالم البيولوجيا والطب. ولكن مع اقتراب نهاية حياته، واجه إدانةً واستنكاراً مهنياً لتصريحاته العنصرية المسيئة، بما في ذلك قوله إن «السود أقل ذكاءً من البيض».

وكما أفاد بيان نشر، السبت، على منصة «ساينس إكس»، فإن واتسون قال ذات مرة: «لقد حققت أنا وفرانسيس كريك اكتشاف القرن». وكتب لاحقاً: «لم يكن من الممكن أن نتوقع التأثير الهائل للحلزون المزدوج على العلم والمجتمع».

لم يحقق واتسون أي اكتشاف مختبري آخر بحجم (دي إن إيه)، ولكن في العقود السابقة ألّف كتباً دراسية مؤثرة ومذكرات من أكثر الكتب مبيعاً، وأسهم في توجيه مشروع رسم خريطة الجينوم البشري، واختار علماء شباباً لامعين وساعدهم. واستغل مكانته ومعارفه للتأثير على السياسات العلمية، وفق تقارير.

وكان ابنه قد أعلن، الجمعة، عن وفاة واتسون في دار رعاية المسنين بعد مرض قصير. قال دنكان واتسون عن والده: «لم يكفّ عن النضال من أجل من يعانون من الأمراض».

وحظي واتسون باهتمام استثنائي مثير للقلق عام 2007، عندما نقلت عنه مجلة «صنداي تايمز» البريطانية قوله إنه «متشائم بشأن مستقبل أفريقيا؛ لأن جميع سياساتنا الاجتماعية مبنية على حقيقة أن ذكاءهم مماثل لذكائنا، بينما تشير جميع الاختبارات الطبية إلى عكس ذلك تماماً». وقال إنه بينما يأمل أن يكون الجميع متساوين، يجد الأشخاص الذين يتعاملون مع الموظفين السود أن هذا غير صحيح.

لكن بعد ضجة دولية اعتذر عن تصريحاته، وأُوقف عن العمل مستشاراً لمختبر «كولد سبرينغ هاربور» المرموق في نيويورك. وتقاعد بعد أسبوع من هذه الضجة الكبيرة، بعد أن شغل مناصب قيادية مختلفة هناك لما يقرب من 40 عاماً.

آراء لم تتغير

وفي فيلم وثائقي تلفزيوني عُرض أوائل عام 2019، سُئل واتسون عما إذا كانت آراؤه قد تغيرت، فأجاب: «لا، إطلاقاً». ورداً على ذلك، ألغى «مختبر كولد سبرينغ هاربور» العديد من الألقاب الفخرية التي منحها لواتسون، قائلاً إن تصريحاته «مستهجنة»، و«لا تستند إلى أساس علمي».

ويقول شعبان: «من الناحية العلمية، فإن ادعاءات واتسون مرفوضة تماماً؛ لأن دراسات الجينوم البشري أثبتت أن الاختلافات الجينية داخل المجموعات البشرية أكبر من الاختلافات داخل المجموعات التي تصف على أنها تمثل أعراقاً بشرية معينة».

وأوضح أن الجينات بصفة عامة لا تحدد عنصر الذكاء البشري على مستوى جماعي، فالذكاء صفة بشرية معقدة جداً متعددة العوامل، وتتشكل من تفاعل دقيق ما بين الوراثة والتعليم والبيئة والصحة والنشأة الاجتماعية، وليس الجينات فقط».

ويرفض العلماء، وفق شعبان، أي محاولة لتفسير التفاوت البشري والاجتماعي على أساس جيني، أياً كان مصدرها، حتى ولو كان مصدرها عالماً في وزن وثقل واتسون العلمي، ومهما كانت مكانته العلمية المرموقة، فلا يشترط أبداً أن تكون آراؤه صحيحة على المستوى الإنساني».

ويؤكد شعبان أن «رحيل واتسون يذكرنا بأن العبقرية العلمية لا تعصم صاحبها من الخطأ، فالعلم مهما بلغ من دقة وأهمية له حدود وأطر ينبغي عدم تجاوزها، فهو يحتاج دائماً إلى ضمير أخلاقي والشعور بالمسؤولية المجتمعية».


«صنع في قطر»... أفلام سينمائية تعالج قضايا شائكة

لقطة من فيلم «فيلا 187» (مؤسسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «فيلا 187» (مؤسسة الدوحة للأفلام)
TT

«صنع في قطر»... أفلام سينمائية تعالج قضايا شائكة

لقطة من فيلم «فيلا 187» (مؤسسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «فيلا 187» (مؤسسة الدوحة للأفلام)

كشف مهرجان «الدوحة السينمائي» عن قائمة الأفلام التي ستعرض ضمن برنامج «صنع في قطر»، خلال دورته الأولى التي ستقام في الفترة من 20 إلى 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في العاصمة القطرية الدوحة، ويهتم البرنامج بالعروض الفنية التي تعالج القضايا الشائكة، والرؤى الجديدة للحياة المعاصرة في قطر.

لقطة من فيلم «هل هذه علامة؟» (مؤسسة الدوحة للأفلام)

ويضم البرنامج 10 أفلام قصيرة لمخرجين قطريين ومقيمين بالدولة، بهدف إظهار العمق والتنوع الذي يتمتع به صناع الأفلام بالمشهد السينمائي القطري، إذ يحتفي البرنامج، الذي تقدمه «مؤسسة الدوحة للأفلام»، بالإبداعات المحلية، تأكيداً على التزام المؤسسة بدعم المجتمع الإبداعي، وإبراز الأصوات الأصيلة.

ويشمل البرنامج أفلام: «العقيق...الزخم الافتراضي»، من إخراج محمد السويدي وكمام المعاضيد، وتدور أحداثه في المستقبل القريب، و«بابا يذوب»، من إخراج كريم عمارة، ويتناول حكاية أسرية مشوقة، و«فهد الغاضب»، من إخراج جاستن كريمر، وتدور أحداثه في قطر المعاصرة، و«هل هذه علامة؟»، من إخراج ماريا جوزيف، ويروي اللحظات الفوضوية التي تسبق مراسم زفاف عروس، و«مشروع عائشة»، من إخراج فهد النهدي، ويروي كواليس قصة أمل وابنتها عائشة.

لقطة من فيلم «مسرح الأحلام» (مؤسسة الدوحة للأفلام)

ويتضمن البرنامج أيضاً، أفلام «قضاء وقدر»، من إخراج مريم المحمد، وتدور أحداثه بأروقة محكمة الأسرة بالدوحة، و«جريد النخل»، من إخراج مهدي علي، ويتناول قصة تأملية عميقة عن صراع امرأة مع الحب والفقدان، و«مسرح الأحلام»، من إخراج فاطمة الغانم، وتدور أحداثه في سياق كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، و«يوم الجمعة»، من إخراج هيا الكواري، ويروي قصة مبارك وهو أب عازب لثلاثة أبناء لكنه سريع الغضب، و«فيلا 187» من إخراج إيمان ميرغني، ويدور حول قصة شخصية عن أسرة المخرجة بعدما اضطروا لترك حياتهم في المنزل الذي عاشوا فيه لعقود بالدوحة.

من جانبها أكدت فاطمة حسن الرميحي، مديرة المهرجان والرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة الدوحة للأفلام»، في بيان صحافي، «أن دعم صناع الأفلام المحليين هو مصدر فخر للمؤسسة، لأن إبداعاتهم ستفتح نوافذ جديدة على عالمنا، وستشارك ثقافتنا مع الآخرين، ومن خلال هذا البرنامج سنحتفي بشجاعة وابتكار المخرجين الذين يسهمون في تشكيل هويتنا السينمائية وبناء إرث ثقافي يتجاوز حدود الوطن».

لقطة من فيلم «يوم الجمعة» (مؤسسة الدوحة للأفلام)

‏وأشاد الإعلامي والكاتب القطري تيسير عبد الله بدعم «الدوحة للأفلام» في مهرجانها السينمائي الأول للمواهب السينمائية المحلية في مجال الكتابة والإخراج والتمثيل والإنتاج، مؤكداً أنها بادرة جديرة بالاحترام، وتؤسس لمستقبل سينمائي قطري واعٍ.

ووصف تيسير بعض تجارب «صنع في قطر» في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأنها «مُبشرة بالخير»، مشيراً إلى أن «المؤسسة تستثمر حالياً تلك البدايات الناجحة في مهرجانها الجديد».

لقطة من فيلم «جريد النخل» (مؤسسة الدوحة للأفلام)

ويضم برنامج أفلام المهرجان 97 فيلماً من 62 دولة، بمجموع جوائز يتجاوز 300 ألف دولار أميركي، خلال 4 مسابقات رئيسية، كما تتضمن فعالياته مجموعة واسعة من الحوارات والأنشطة التفاعلية، وذلك بحضور نخبة من الضيوف من دول عدة من بينهم، ستيفن سودربيرغ، ورامي يوسف، وميكايلا كويل، وأنجين ألتان دوزياتان، وهازال كايا، وجاسم النبهان، وصالح بكري، وهيام عباس، ودرة زروق.


محمد سلماوي: المثقفون العرب قادرون على التأثير

محمد سلماوي يلقي كلمته في معرض الشارقة للكتاب (إدارة المعرض)
محمد سلماوي يلقي كلمته في معرض الشارقة للكتاب (إدارة المعرض)
TT

محمد سلماوي: المثقفون العرب قادرون على التأثير

محمد سلماوي يلقي كلمته في معرض الشارقة للكتاب (إدارة المعرض)
محمد سلماوي يلقي كلمته في معرض الشارقة للكتاب (إدارة المعرض)

قال الكاتب المصري محمد سلماوي إن «الهوية القومية العربية شرط لوجودنا، والثقافة كانت وستظل دوماً عنوان هويتنا العربية».

وأضاف سلماوي، في كلمته، يوم الجمعة، خلال تكريمه بمناسبة اختياره «شخصية العام الثقافية» في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44، المقامة بين 5 و16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن «ما نشهده اليوم من تفككٍ وانقسام في الجسد العربي لا دواء له، ولا شفاء منه، إلا بإدراك هويتنا القومية الجامعة، والعودة إلى ثقافتنا العربية الواحدة، فهويتنا الثقافية القومية وحدها القادرة على أن تجمع فرقتنا».

وكرّم الشيخ سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة، الكاتب المصري محمد سلماوي بمناسبة اختياره شخصية العام الثقافية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44 المنعقدة في الفترة من 5 إلى 16 نوفمبر الحالي.

سلماوي خلال تكريمه في الشارقة (إدارة المعرض)

وأعرب سلماوي عن سعادته بتكريمه واختياره شخصية العام الثقافية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، عادّاً الشارقة باحتضانها للثقافة «تتبنّى واحدة من أهم القضايا المصيرية التي تواجه الوطن العربي في الوقت الحالي، وهي قضية الهوية».

وأشار إلى «استهداف هويتنا الثقافية في مختلف عصور التاريخ من قبل أعدائنا»، عادّاً «ما نشهده في غزة اليوم من تدمير وحشي هو محاولة أخرى للقضاء على الهوية العربية لهذا الجزء العزيز من الوطن، بعد أن فشلت مخططات التهويد البائسة على مدى العقود الماضية».

وتابع: «في خضم الحرب نسي البعض أن غزة واحدة من أقدم مدننا العربية، وأن جذورها تعود لأكثر من 3500 عام، وتدميرها يكاد يكون تدميراً لحضارات العالم كلها، فهي تحتضن آثاراً مصرية قديمة وإغريقية ورومانية وبيزنطية وكنعانية وفينيقية وإسلامية ومملوكية وعثمانية، ومع حملات القتل والتجويع، غفل العالم عن خطط القضاء على تاريخ القطاع وهويته».

وشهد معرض الشارقة الدولي للكتاب توقيع محمد سلماوي كتبه في جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب بالمعرض، وأصدر سلماوي المولود في القاهرة عام 1945، العديد من الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات، من بينها «فوت علينا بكرة، اللي بعده»، و«القاتل خارج السجن» و«الخرز الملون» و«الجنزير» و«سالومي» و«باب التوفيق»، و«شجرة الجميز»، فضلاً عن كتابيه في أدب السيرة الذاتية «يوماً أو بعض يوم» و«العصف والريحان».

ووصف سلماوي الثقافة بأنها «آخر خطوط الدفاع عن الإنسان العربي وكرامته، بل هي الضامن لمستقبله في كل الأقطار العربية، خصوصاً في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن».

وعدّ الحديث عن الثقافة يقودنا حتماً للحديث عن اللغة، «فاللغة هي الحرف الأول في الأبجدية الثقافية»، وقال: «ما يُدمي القلب هو أن يحمل أبناء اللغة أنفسهم معاول هدمها. إنني ما زلت أذكر حين استقبل الشيخ سلطان القاسمي، قبل أكثر من 10 سنوات، وفود الأدباء العرب المشاركين في مؤتمر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي شرفت برئاسته لثلاث دورات متتالية»، وأكّد أن «الأدباء هم حماة اللغة»، مشيراً إلى «أعدائنا الذين أعادوا اختلاق لغتهم الحالية من لسان قديم كان قد اندثر منذ قرون، في حين نكاد نحن نقتل لغتنا الحية بأيدينا، فنطمس معالمها بكلمات وتراكيب لغوية أجنبية».

وتمت ترجمة أعمال سلماوي إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والرومانية والهندية والأوردية، كما عرضت مسرحياته على مسارح فرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا.

ودعا الكاتب المصري في كلمته إلى «مزيد من الإيمان بدور المثقف العربي، لا بوصفه شاهداً على عصره، بل باعتباره فاعلاً مؤثراً فيه، ومسؤولاً عن إضاءة مشاعله وسط العتمة التي يحاول آخرون فرضها علينا، بقتل لغتنا وتدمير آثارنا ومحو هويتنا»، واختتم قائلاً: «فلتكن ثقافتنا وطناً لا يُحتل، وجسراً لا يُهدَم، وصوتاً لا يصمت».

وشغل سلماوي منصب رئيس اتحاد كتاب مصر لأكثر من 10 سنوات، كما اختاره الأديب العالمي نجيب محفوظ ممثلاً شخصياً عنه في مراسم تسليم جائزة نوبل للآداب عام 1988، ونال محمد سلماوي العديد من الأوسمة والتكريمات الدولية، بينها وسام الفنون والآداب الفرنسي بدرجة فارس، ووسام الاستحقاق الإيطالي، وجائزة السلام الكبرى من السنغال، إلى جانب جائزة الدولة التقديرية وجائزة النيل في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة في مصر.