الواحات المصرية تسكب سحرها في الأغاني والأمثال الشعبية

كتاب جديد يوثّق حياة الصحراء وعادات سكانها

عمل للفنان ناصر محسب يجسد البيئة في الواحات (الكتاب)
عمل للفنان ناصر محسب يجسد البيئة في الواحات (الكتاب)
TT

الواحات المصرية تسكب سحرها في الأغاني والأمثال الشعبية

عمل للفنان ناصر محسب يجسد البيئة في الواحات (الكتاب)
عمل للفنان ناصر محسب يجسد البيئة في الواحات (الكتاب)

مساحات خضراء هادئة، تتخللها صحراء ممتدة على مرمى البصر، تجسد جواهر مصر الخفية، وكنوزها الغنية بعناصر الفن والثقافة، إنها الواحات المصرية، التي تتمتع كل منها بسحر خاص وتاريخ عريق ومعالم جغرافية مميزة وحكايات عتيقة عن الناس وتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم.

وفي كتاب جديد حول إحدى هذه الواحات، «واحة الخارجة»، يخوض القارئ رحلة ساحرة مستمتعاً بأجواء العيش داخل مجموعة من القرى الصغيرة التي تحتضنها كثبان رملية متدحرجة، ومناظر جبلية وعرة، أسهمت في تشكيل حياة سكان الواحة وطقوسهم اليومية.

ويغوص الكتاب، الصادر حديثاً عن «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» بعنوان «الناس في الواحات... دراسة عن السكان والزواج وعاداته وأغانيه في واحة الخارجة» للكاتب ناصر محسب، في قلب هذا المجتمع بسلاسة ولغة سهلة، متناولاً تاريخ هذه الواحات حتى دخول الإسلام، ومتطرقاً إلى العادات والمعتقدات الراسخة بها، خصوصاً ما يتعلق بالزواج والأمثال الشعبية والأغاني واسعة الانتشار التي تعكس نبض الحياة بالواحة.

غلاف الكتاب (الشرق الأوسط)

ويرى محسب أن الواحات ظُلمت تاريخياً وإبداعياً، كما أنه لم يتم إلى الآن توثيق تراثها الإنساني بالشكل الذي يناسب مكاناً بحجم هذا المكان، مشيراً إلى أن «بعض اللهجات التي كانت تنتشر بها، وكذلك بعض جوانب تراثها المادي وغير المادي قد تعرضت للاندثار، والبعض الآخر في طريقه إلى الاختفاء مثل بعض الملابس والأغاني».

ويضيف ناصر محسب لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم الكتب التي تناولت الواحات في مصر لم تتطرق بشكل كافٍ إلى أنثروبولوجيا المكان، فلم تحتفِ بدراسة السكان المحليين، وما يتعلق بأمورهم المادية الشخصية، أو بالعلاقات الاجتماعية والثقافية، كما لم تهتم ببعض القضايا التاريخية الشائكة».

ويواصل: «حتى تلك الكتب التي تناولت هذه الأبعاد فإنها في الغالب تستند إلى مصادر ومؤرخين هم أنفسهم نقل بعضهم عن بعض، من دون دراسات ميدانية كافية، أو تتبع للعائلات وإجراء لقاءات حية معهم».

صور توثق للمكان (الشرق الأوسط)

ومن هنا اهتم محسب بتناول هذه الجوانب في كتابه: «على الرغم من أنني في الأصل روائي وشاعر فإنني وجدت نفسي شغوفاً بالتوثيق لحياة الناس في الواحات؛ إنصافاً لها وانطلاقاً من كوني أحد أبنائها»، على حد تعبيره.

ويوضح المؤلِّف أنه أجرى دراسات ولقاءات مع السكان، ورصد مشاهد وإرثاً اجتماعياً وثقافياً طويلاً سجَّله في هذا الكتاب، «حفظاً للهوية ومساهمة في تنشيط السياحة إليها، والكشف عن الكنوز المختبئة في مصر»، وفق قوله.

ويلفت الكتاب عبر صفحاته الأولى إلى موقع واحة الخارجة، مشيراً إلى أنها تقبع في جنوب مصر من جهة الغرب وتحدها جنوباً واحة «باريس» التابعة لها حتى حدود السودان، وتحدها غرباً واحة الداخلة، وتحدها من جهة الشرق محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر.

لوحة للفنان في الكتاب معبرة عن أجواء الواحات (الكتاب)

ويحاول الكتاب الوصول إلى إجابة عن سؤال حول سبب اختلاف الشكل والصفات بين سكان الواحة، فمنهم أصحاب الوجوه العربية، والأفريقية ومنهم ذوو الشعر الأحمر والبشرة البيضاء والعيون الزرقاء كالأوروبيين، وغير ذلك، ووفق ما جاء به: «ربما يكون ذلك هو الدافع للبحث عن أصول السكان في الواحات؛ فلا صفات مميزة في الشكل أو اللون».

ويجيب: «ينتمي سكان الواحة إلى أجناس مختلفة، وقد يكون السبب وراء ذلك أن مناطق الواحات بعد دخول الإسلام، وتخلي الحاميات الرومانية عن الحماية قد تركت هذه البلاد عُرضة لغارات متعددة من القبائل المجاورة».

ويعد الزواج في الواحة بمنزلة العيد لدى الأهالي؛ لما يحققه لمجتمع الواحة من أواصر العلاقة بين أهلها، ويتبارى الجميع في تقديم المساعدات؛ فعلى سبيل المثال -وفق ما جاء في الباب الثاني من الكتاب- فإنه لا مقابل لمن يؤدي عملاً من أعمال بناء دار جديدة للعروسين.

ويشير إلى أن نظام التكافل الاجتماعي هو النظام السائد بين الجميع، وهو نظام أشبه بنظم المقايضة المؤجلة؛ فإن من يساعِد سيساعَد سواء عند الزواج أو أي مناسبة اجتماعية أخرى، وهو «نظام يُعرف باسم (الغرز والرد)، وهو من أهم سمات التكافل بين الناس في الواحة»، حسب المؤلف.

بيئة غنية ومتنوعة في الواحات المصرية (الشرق الأوسط)

ومن أبرز عادات الزواج، حسبما تضمنه الكتاب، هو أنه بعد الاتفاق بين الأهل يخصَّص يوم لتفصيل ملابس العروس؛ فيشتري العريس الأقمشة المتفق عليها، ومن ضمنها أقمشة حمراء وبيضاء وحذاء ومنديل وتوضع الأقمشة في «قُفّة»، وتُوضع عليها أفرع البرتقال والليمون وسعف النخيل للزينة، كما يُحضِر كسوة لوالدَي العروس.

وتحمل النسوة والبنات من أهل العريس الأقمشة، ويتجهن بها إلى بيت عروسه، ويتم البدء في تفصيل الملابس وتحضر المفصلة (الخيّاطة) منذ الصباح، وتقوم بالخياطة اليدوية، بمساعدة بعض نساء الواحة، وتوضع العروس في وسط دائرة من النساء ويبدأ الغناء، وهنا يرصد الكاتب كل أنواع الأغاني المرتبطة بالعرس.

ويُعد يوم الاثنين اليوم المخصص لكتابة عقد الزواج، وتجري مراسم الكتابة في منزل العروس الذي يزدان مدخله بجريد النخيل الأخضر ملتفاً بحبال الليف، مجدولة به أفرع شجر الكافور والزيتون والليمون، ويحضر العريس والمأذون إلى منزل أهل العروس في زفة من الطبول.

وفي يوم الزفاف نفسه فإن الأغاني الأكثر أهمية هي لأم العروس التي تحمل بين طياتها وصايا الأم لابنتها تجاه زوجها واحترامها له، وأن تكون صبورة في تعاملها معه ومع أسرته.

وخصص الكاتب باباً للأمثال الشعبية الشائعة في المكان، التي كما تعكس العادات والمعتقدات فإنها كذلك تؤكد اعتزاز السكان بانتمائهم إلى الواحات، ومنها على سبيل المثال: «إن فاتك بنات مصر (المقصود القاهرة) خد من بنات القصر»؛ و(القصر) هي قرية من قرى واحة الداخلة اشتهرت بجمال الفتيات بها. كما قدم الكاتب مجموعة صور ورسوم تجسد البيئة في الواحة وتبرز جمالياتها.


مقالات ذات صلة

«منتدى تورايز» يُطلق من الرياض مبادرة لتسهيل سفر الملايين

يوميات الشرق مبادرة «التأشيرة عبر الملف الشخصي» تُمكِّن المؤهلين من الحصول على تأشيراتهم إلكترونياً خلال دقائق (وزارة السياحة)

«منتدى تورايز» يُطلق من الرياض مبادرة لتسهيل سفر الملايين

أطلق «منتدى تورايز 2025» السياحي العالمي خلال نسخته الافتتاحية في الرياض، مبادرة «التأشيرة عبر الملف الشخصي» الرائدة، لتسهيل إجراءات ملايين المسافرين حول العالم

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة وجهات سياحية لمحبي المغامرات وتعلُّم هواية جديدة

وجهات سياحية لمحبي المغامرات وتعلُّم هواية جديدة

المسافرون أنواع عدة، هناك الفئة الباحثة عن وجهات مخصصة للراحة والتأمل، وفئة أخرى تبحث عن المغامرة، وفئة ثالثة تبحث عن الوجهات الثقافية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة 36 ساعة في زادار بكرواتيا

36 ساعة في زادار بكرواتيا

ابدأ رحلتك إلى كرواتيا بالدخول إلى أسوار مدينة زادار التاريخية عبر المدخل الرئيسي، «بوابة الأرض»

أليكس كريفا (زادار - كرواتيا)
أوروبا أشخاص يشاركون في احتجاج أمام مقر سابق للجيش بسبب قانون جديد لتسريع تحويله إلى مجمع فاخر يرتبط بشركة استثمارية أسسها صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بلغراد (رويترز)

يعتزم تحويل مقر سابق للجيش إلى فندق... تظاهرة في بلغراد ضد مشروع لصهر ترمب

تظاهر مئات الأشخاص في بلغراد احتجاجاً على خطة هدم المقر السابق لقيادة الجيش لإفساح المجال أمام مجمع فندقي فاخر.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
الاقتصاد وزير السياحة السعودي متحدثاً في «تورايز 2025» (الشرق الأوسط)

السعودية تقود تحول السياحة العالمية باستثمارات تتجاوز 200 مليار دولار

تقود السعودية تحولاً عالمياً في قطاع السياحة من خلال منصة «تورايز 2025» الرائدة، التي تهدف للمبادرة إلى توحيد الحكومات، والقطاع الخاص لنمو مستدام.

عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)

مهدي حسن: فيلمي «مدينة الرمال» يرصد هشاشة الحياة في الحضر

يُعرض الفيلم للمرة الأولى في المنطقة ضمن فعاليات «القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
يُعرض الفيلم للمرة الأولى في المنطقة ضمن فعاليات «القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
TT

مهدي حسن: فيلمي «مدينة الرمال» يرصد هشاشة الحياة في الحضر

يُعرض الفيلم للمرة الأولى في المنطقة ضمن فعاليات «القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
يُعرض الفيلم للمرة الأولى في المنطقة ضمن فعاليات «القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)

قال المخرج البنغالي، مهدي حسن، إن فيلمه «مدينة الرمال» انطلق من إحساسه العميق بالمدينة التي وُلد فيها ونشأ بين أحيائها، موضحاً أنه كان دائماً مفتوناً بالعلاقة الملتبسة بين البشر والمكان، وبالتحوّلات التي تصيب المدن الحديثة وتنعكس على أرواح ساكنيها.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه عاش في مدينة دكا منذ طفولته، وصورها فوتوغرافياً على مدار اثني عشر عاماً، حتى باتت بالنسبة إليه كائناً حياً نابضاً بالذاكرة والقصص والوجوه، فقرر أن يجعلها بطلة فيلمه، مشيراً إلى أن «المدينة نفسها هي الشخصية الرئيسة في الفيلم، وأن ما يميزها هو تداخل طبقاتها الكثيفة من البشر والضجيج والحكايات التي لا تنتهي».

وأوضح حسن أنه شعر بأن سكان المدن المعاصرة أصبحوا أكثر عزلة رغم ازدحامهم، مبيناً أنه في طفولته كان يلاحظ دفء العلاقات الإنسانية داخل المدينة، لكن التحول السريع نحو الحداثة جعل الناس مثل حبات الرمال؛ متلاصقة ظاهرياً لكنها متفرقة في جوهرها.

وأكد أن «هذه الفكرة كانت المحرك الأساس لكتابة الفيلم؛ إذ أردت تصوير هشاشة الحياة في المدن الكبرى، وكيف يمكن لانقطاع بسيط في النسيج الاجتماعي أن يُسقط إنساناً من مكانه دون أن يشعر به أحد».

المخرج مهدي حسن (مهرجان كارلوفي فاري)

ولفت إلى أن «تجربة جائحة (كورونا) زادت إحساسي بمدى هشاشة الوجود الإنساني داخل المدينة؛ إذ بدا كل شيء قابلاً للانهيار فجأة»، مشيراً إلى أنه اختار في الفيلم شخصيتين فقط، رجلاً وامرأة، ليُطلّ من خلالهما على المدينة، «فكل منهما يمثل جانباً من التوتر الحضري؛ المرأة التي تحاول البقاء على الهامش، والرجل الذي يلهث خلف طموح لا يتحقق».

وأكد أنه منذ عام 2018 بدأ رحلة طويلة من البحث عن الإنتاج، فتوجه إلى منصات دولية مختلفة، من بينها صناديق الدعم بعدة مهرجانات، وتمكّن بعد سنوات من إنجاز الفيلم عام 2023.

وأشار المخرج البنغالي إلى أن «عملية التصوير لم تكن سهلة، خصوصاً في ظل ظروف الوباء وصعوبة التمويل»، موضحاً أنه استعان بمدير تصوير فرنسي اقتنع بالمشروع وشارك معه العمل في بنغلاديش، حيث صور الفيلم في سبعة عشر يوماً فقط، بعد تحضيرات امتدت سنوات.

واعتبر أن تلك التجربة شكّلت له درساً في الإصرار والإيمان بالفكرة؛ لأن الطريق نحو إنجاز الفيلم كان مليئاً بالعقبات.

يقدم «مدينة الرمال» حكاية مزدوجة تدور في قلب العاصمة البنغلاديشية دكا، حيث يعيش شخصان لا يلتقيان أبداً، لكنّ حياتَيهما تتقاطعان معنوياً عبر الرمال التي تجمع بينهما وتصبح كرمز للمدينة بكل تناقضاتها. المرأة تنتمي إلى أقلية عرقية وتعيش في عزلة خانقة، تعمل في وظيفة رتيبة وتجد في الرمال التي تملأ بها صندوق قطتها ملاذاً غريباً، في حين أن الرجل عامل في مصنع زجاج، يسرق الرمال ليصنع حلمه الخاص بتأسيس مشروعه.

يناقش الفيلم قضية اجتماعية بلغة سينمائية عميقة (الشركة المنتجة)

وبيّن المخرج البنغالي الذي يُعرض فيلمه للمرة الأولى في العالم العربي ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» في دورته 46 المنعقدة راهناً حتى 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، أنه يحب العمل مع ممثلين غير محترفين، مشيراً إلى أنه اختار بطلة الفيلم من إحدى المجموعات السكانية الأصلية في بنغلاديش، وهي لم تظهر من قبل على الشاشة.

وأوضح أن «الممثلين غير المحترفين يمنحون التمثيل نقاء وصدقاً يصعب الوصول إليهما مع النجوم المعتادين؛ لأنهم يعيشون الشخصيات لا يؤدّونها»، مشيراً إلى أنه قضى ثلاثة أشهر في التحضير مع البطلة وستة أشهر مع البطل قبل التصوير، للتعرف على طباعهما وطريقة تعاملهما مع المكان والحوار.

وأشار حسن إلى أن «عملية التصوير كانت مليئة بالصعوبات اللوجستية، خصوصاً في ما يتعلّق بتصاريح التصوير»، واعتبر أن أحد أكثر الأيام صعوبة حين أُلغيت رخصة تصوير في موقع كبير، فاضطروا إلى نقل المعدات والممثلين إلى موقع آخر خلال ساعات قليلة، مشيراً إلى أن كل يوم كان تحدياً؛ إذ كان عليهم إنهاء المشاهد خلال وقت ضيق جداً، وغالباً لم يتجاوز عدد اللقطات المكررة لكل مشهد ثلاث محاولات فقط.

اختار المخرج البنغالي ممثلين غير معروفين لفيلمه (الشركة المنتجة)

وأوضح أنه حرص على منح الممثلين حرية الارتجال داخل المشاهد، مؤكداً أنه لا يحبّ تقييدهم بالنص الحرفي، بل يسمح لهم بالتعبير بلغتهم الخاصة ما دام المعنى يظلّ حاضراً، مؤكداً أن «هذه الحرية تمنح الممثلين مساحة لخلق لحظاتهم الخاصة داخل الكادر، وتجعل الصورة أكثر صدقاً؛ لذا فكل مشهد كان نتيجة نقاشات طويلة وزيارات متكررة للمواقع قبل التصوير، حتى يشعر الممثلون بأن المكان جزء من شخصياتهم».

وأشار إلى أن أصعب مواقع التصوير كان داخل مصنع الزجاج، حيث الحرارة المرتفعة والضجيج القاسي، مبيناً أن الفريق كان يعمل لساعات طويلة في ظروف قاسية من أجل التقاط مشاهد تعبر عن واقع العمل الشاق في المدينة.

انطلق عرض الفيلم في مهرجان «كارلوفي فاري» الصيف الماضي (الشركة المنتجة)

وأضاف أنهم صوروا أيضاً في مدينة الألعاب، وكان عليهم إنهاء المشاهد في أربع ساعات فقط قبل إغلاق المكان؛ ما جعل الإيقاع مكثفاً ومجهداً في آنٍ.

وقال حسن إنه يشعر بالامتنان الكبير لما حققه الفيلم بعد عرضه الأول في النسخة الماضية من مهرجان «كارلوفي فاري»، مشيراً إلى أنه لاحظ تبايناً في تفاعل الجماهير من مهرجان إلى آخر، لكن جميعهم وجدوا في الفيلم شيئاً قريباً من واقعهم.

وفي ختام حديثه أبدى سعادته بعرض فيلمه في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي»، معتبراً أن «اللقاء مع الجمهور المصري سيكون تجربة خاصة؛ لأن بين القاهرة ودكا تشابهاً خفياً في الروح والحيوية، وفكرة الرمال تمتد كاستعارة تربط المدينتين؛ فكلتاهما تنهضان على أرض هشّة، لكنها خصبة بالقصص والأحلام»، وفق تعبيره.


جدل واسع يُرافق عرض «كان ياما كان في غزة» في «القاهرة السينمائي»

لقطة لأحد مَشاهد الفيلم (القاهرة السينمائي)
لقطة لأحد مَشاهد الفيلم (القاهرة السينمائي)
TT

جدل واسع يُرافق عرض «كان ياما كان في غزة» في «القاهرة السينمائي»

لقطة لأحد مَشاهد الفيلم (القاهرة السينمائي)
لقطة لأحد مَشاهد الفيلم (القاهرة السينمائي)

أثار الفيلم الفلسطيني «كان ياما كان في غزة» جدلاً واسعاً عقب عرضه في «مهرجان القاهرة السينمائي» ضمن أفلام المسابقة الدولية، بعدما واجه صنّاعه اتهامات بتقديم صورة تختزل الفلسطينيين في تاجر مخدرات ومتعاطٍ وفساد في السلطة، في وقت يشهد العالم تعاطفاً كبيراً مع القضية الفلسطينية.

وهو الاتهام الذي رفضه مُخرجاه الشقيقان عرب وطرزان ناصر، مؤكدَيْن أن الفلسطينيين جميعهم أبطال لأنهم لم يملكوا خيارات منذ وُلدوا داخل الظلم والحصار والعزل، ومع صوت طائرات الاستطلاع الذي لا يهدأ إلا لغارة أو هجوم جديد.

وشارك الفيلم سابقاً في مهرجانات عدّة، ونال مُخرجاه جائزة أفضل إخراج بمهرجان «كان السينمائي» حيث عُرض ضمن قسم «نظرة ما» في دورته الـ78، كما عُرض في «وارسو السينمائي»، و«بروكسل للأفلام»، و«ساو باولو السينمائي»، وينتظر مشاركته في «مهرجان مراكش».

وشهد عرضه في القاهرة حضوراً لافتاً وتفاعلاً كبيراً، واختُتم بتصفيق حارّ. وتجاوب الجمهور مع المواقف الكوميدية التي تضمَّنها العمل، وهو فيلم تدور أحداثه في غزة عام 2007، يمزج بين الواقعية والكوميديا السوداء، وتتقاطع فيه مصائر 3 رجال، هم: يحيى الطالب الجامعي، وأسامة صاحب مطعم الفلافل المتورّط في تجارة المخدرات الذي يستغلّ المطعم ليكون غطاء لتوزيع الأقراص المخدِّرة بمساعدة يحيى، والشرطي الفاسد أبو سامي الذي يفرض على أسامة توزيع المخدّرات المُصادرة ويختلف معه على النسبة، ليدخل الطرفان في مطاردة تنتهي بشكل مأسوي.

صنّاع الفيلم الفلسطيني «كان ياما كان في غزة» (القاهرة السينمائي)

واختار المخرجان تقديم فيلمهما بأسلوب «فيلم داخل فيلم»، إذ يقع اختيار أحد المخرجين على يحيى بعد رؤيته في مقهى، ليسند إليه بطولة فيلم عن النضال الفلسطيني بعنوان «الثائر». وتتقاطع أحداث الفيلمين عبر مواقف ساخرة، كاشفة عن هشاشة الأوضاع التي سبقت الحرب على غزة، وقسوة واقع يرزح تحت الأزمات، بينما تتوالى جنازات الشهداء، وتسقط الصواريخ فوق البشر والمباني.

وجاءت الموسيقى التصويرية لأمين بوحافة لتضيف طبقة جمالية أخرى، مع تميُّز الرؤية الفنية للفيلم.

واستقبلت السجادة الحمراء صنّاع العمل قبل عرضه، ثم ناقشوه مع الجمهور على المسرح الكبير بدار الأوبرا. ولفت عرب ناصر إلى أنهما واصلا تطوير السيناريو حتى عام 2023، وحين اندلعت حرب الإبادة توقف المشروع، وقال: «قرّرنا تقديم السيناريو كما كُتب، لأنّ العالم يتعامل مع الفلسطينيين على أنهم أرقام، بينما أردنا أن نحكي كيف كانت حياتهم قبل الإبادة». وأضاف أنّ التاريخ لا يبدأ في 2023، فهو يمتد عبر معاناة طويلة وحصار غزّة الذي يشبه «حكماً بالإعدام» منذ فرضه.

وقال شقيقه طرزان: «نتحدّث هنا عن ناس لا يملكون خيارات. هم ضحايا الاحتلال والظروف القاسية، وما يقدّمه الفيلم مستمد من شخصيات حقيقية استُشهدت في الحرب».

صنّاع الفيلم ناقشوه مع الجمهور عقب عرضه (القاهرة السينمائي)

وأشار المؤلِّف عامر ناصر إلى أنّ بناء الجدار العازل عزل نحو مليونَي فلسطيني منذ 2007 بلا كهرباء ولا مياه ولا علاج ولا مقوّمات حياة. أما الممثل الأردني مجد عيد، فأعرب عن انبهاره بالسيناريو، قائلاً: «لم أقرأ سيناريو بهذا الإتقان والمتعة».

وانتقد أحد الحضور الفيلم، مشيراً إلى أنه «يختزل الفلسطينيين في صور سلبية». فردَّ عرب ناصر: «نحن نقدّم الإنسان على أنه إنسان. ما يظهر على الشاشة ليس خروجاً عن السياق الوطني، فهو محاولة لكشف واقع القمع والخيارات المعدومة»، وأضاف طرزان: «غزة كلها أبطال. لكن السينما يجب أن تحكي عن الحياة أيضاً، لا عن الرمز فقط».

من جهته، رأى الناقد المصري خالد محمود أنّ الجدل طبيعي لأن الجمهور يحمل رؤى متباينة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأمّل، نجد أن الفيلم يعرض واقعاً مأزوماً لا يستطيع الفلسطيني الخروج منه، سواء كان طالباً أو تاجراً أو شرطياً». وأشاد بالموسيقى والأداء التمثيلي، مؤكداً أنّ الفيلم «جريء ومختلف ومصنوع بحرفية عالية»، وأنّ الأخوين ناصر «صوّرا امتداد الماضي وتبعاته بذكاء، وذهب الفيلم إلى شخصيات غير تقليدية تُحسب له».


بلاكبي: الراب مساحة للتعبير... واعتزالٌ بعد الألبوم العاشر

السعودي بلاكبي من بين أبرز رواد موسيقى الراب في الخليج (الشرق الأوسط)
السعودي بلاكبي من بين أبرز رواد موسيقى الراب في الخليج (الشرق الأوسط)
TT

بلاكبي: الراب مساحة للتعبير... واعتزالٌ بعد الألبوم العاشر

السعودي بلاكبي من بين أبرز رواد موسيقى الراب في الخليج (الشرق الأوسط)
السعودي بلاكبي من بين أبرز رواد موسيقى الراب في الخليج (الشرق الأوسط)

شهدت موسيقى الراب في السعودية خلال السنوات الأخيرة حضوراً لافتاً، بعدما تحوَّل هذا اللون الغنائي من تجارب شبابية محدودة إلى ظاهرة فنّية تُعبّر عن جيل جديد يعيش تفاعله مع العالم عبر الإيقاع والكلمة. وبينما يشيد عشّاق هذا النوع بسعي الفنانين إلى تطوير تجاربهم وإيصال صوت الشباب، إلى جانب مواجهتهم التحدّيات، يرون أنّ ذلك يُعدّ مؤشراً على تطور الذائقة الفنّية واتّساع نطاقها.

وفي هذا السياق، رأى مغنّي الراب السعودي بلاكبي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الراب ليس مجرّد وسيلة لنقل رسالة محدّدة، بل مساحة فنّية مفتوحة تُترجم مشاعر الإنسان على اختلافها.

وأضاف: «تحمل بعض الأغنيات رسائل وطنية واجتماعية، لكن يبقى الهدف الأساسي للموسيقى هو ملامسة الإحساس وتغيير المزاج. بالإمكان الاستماع إلى أغنية حزينة والشعور بالسعادة في الوقت ذاته، فالفنّ الحقيقي قادر على تحريك المشاعر وإلهام المستمع».

بلاكبي رأى أنّ الهدف الأساسي للموسيقى هو ملامسة الإحساس (الشرق الأوسط)

وكشف بلاكبي، الذي يُعدّ من بين أبرز موسيقيي الراب في الخليج، عن قرار مفاجئ لمعجبيه، وهو عزمه الانسحاب من الساحة الغنائية بعد إصدار ألبومه العاشر الذي يعمل عليه حالياً، وذلك بسبب «الاكتفاء».

وقال: «بعد انتهائي من إنتاج الألبوم العاشر، ستكون تلك محطة النهاية، لكن هذا لا يعني أنني سأختفي كلياً. فإصداري العاشر والأخير سيصل إلى الجمهور في الصيف المقبل، وحتى ذلك الوقت سأطرح عدداً من الأغنيات المنفردة قبل صدوره».

ويختتم هذا الإعلان مرحلة بلاكبي الفنية التي امتدت لأكثر من عقد على ساحة الراب السعودي والعربي، جامعاً بين الإنتاج الغزير والرؤية الفنية التي صنعت له قاعدة جماهيرية واسعة، ومجموع مشاهدات يتجاوز 82 مليون عبر «يوتيوب».

وبلاكبي (BLVXB) أثبت حضوره في المشهد، إذ يُعد أحد أشهر مؤدّي الراب، والعربي الوحيد الذي يمتلك 9 ألبومات موسيقية في المجال ذاته، مما جعله أحد أكثر الأصوات إنتاجاً على الساحة المحلّية.

وشكّلت إصداراته محطات مفصلية في مسيرته، فكل ألبوم هو حصيلة رحلة طويلة من الليالي التي قضاها في الاستوديو، بين تجارب وتعديلات متواصلة للوصول إلى أفضل نسخة ممكنة من موسيقاه.

كشف بلاكبي عن قرار مُفاجئ بالانسحاب من الساحة (الشرق الأوسط)

ويستلهم بلاكبي كلماته من تجاربه الشخصية وتجارب محبّيه، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «يرسل لي المتابعون قصصهم الشخصية المؤثرة، وأعمل على تحويلها إلى عمل فني. كثيرون لا يجدون مَن يصغي إليهم، والموسيقى تمنحهم صوتاً يُعبّر عنهم».

وإذ رأى الفنان الشاب أنّ الساحة تحتاج إلى مزيد من النضج الفني والالتزام بالقيم المحلّية، رغم الشعبية الواسعة التي حقّقتها موجة الراب السعودي، أشار إلى أنّ التحديات جزءٌ من ثقافة الراب، لكن بعض الأساليب التي ظهرت مؤخراً، مثل أغنيات «الدس» القائمة على التجريح أو السخرية، لا تُمثّل الفن الحقيقي، وتضم في أحيان كلمات لا تليق بالعادات والتقاليد، مما ينعكس سلباً على صورة الراب.

ويجد الشباب السعودي في الراب وسيلة للتعبير بأسلوب مختلف عن السائد. فمع بداياته مطلع الألفية في المنطقة العربية، ظهرت محاولات فردية لصناعة أغنيات ذات طابع محلّي عبر مواقع إلكترونية محدودة، تناولت موضوعات اجتماعية ووطنية وشخصية.

ومع ظهور المنصات الرقمية، خصوصاً «يوتيوب»، انتقل الراب السعودي إلى فضاء أوسع، وحقَّق وصولاً غير مسبوق، حتى أصبحت بعض أغنياته ضمن أكثر المقاطع رواجاً على المنصات، مُحققةً ملايين المشاهدات.

يُشار إلى أنّ موسيقى الراب نشأت في حفلات الأحياء في مدينة نيويورك أوائل سبعينات القرن الماضي، بكونها جزءاً من ثقافة «الهيب هوب» في حي برونكس، قبل أن تنتشر لاحقاً في أحياء أخرى مثل كوينز، وصولاً إلى كونها اليوم لغة عالمية تتجاوز حدود المكان وتنقل تجارب إنسانية متنوّعة.