تُعدّ محمية وادي حيتان المصرية من المواقع البارزة على مستوى البحث الجيولوجي والتاريخي، لما تضمّه من آثار تعود إلى ملايين السنوات، وقد رصدها فيلم وثائقي أصدرته مكتبة الإسكندرية أخيراً، ضمن سلسلة أفلامها الوثائقية «عارف» للإضاءة على «أحد كنوز مصر الطبيعية والعالمية».
تقع المحمية في الصحراء الغربية بمحافظة الفيوم، على بُعد نحو 200 كيلومتر جنوب غربي القاهرة، وتُعد شهادة حيّة على مراحل تطوّر أكبر الكائنات البحرية على كوكب الأرض، وهو الحوت؛ وفق بيان مكتبة الإسكندرية.
ويروي الوادي قصة جيولوجية عمرها ملايين السنوات؛ فقبل نحو 40 مليون عام، كانت منطقة الفيوم ومصر السفلى غارقة تحت مياه البحر، ومع انحسار البحر قبل نحو 20 مليون عام، ظهرت هياكل الحيتان والكائنات البحرية المتحجّرة، لتكشف عن ماضٍ بحري ثري.
ويضمّ وادي حيتان أكثر من ألف هيكل عظمي لحيتان قديمة عملاقة، يصل طول بعضها إلى نحو 18 متراً. ولا يقتصر ما يحتويه الوادي على الحيتان فحسب، بل يشمل أيضاً حفريات لكائنات بحرية أخرى مثل الدلافين، وأبقار البحر، وأسماك المنشار، مما يجعله مفتاحاً لفهم التطوّر المذهل للحيتان وتحوّلها من كائنات ثديية تمشي على اليابسة إلى كائنات بحرية عملاقة تجوب المحيطات.

إلى جانب الأهمية الجيولوجية والأثرية للموقع الذي رصده الفيلم، يُعدّ وادي الحيتان موطناً لمجموعة من الحيوانات النادرة والمهدَّدة بالانقراض اليوم، مثل الغزلان المصرية، والثعالب الرملية والفينيقية، والذئاب.
وسُجِّل وادي الحيتان موقعاً تراثياً عالمياً على قائمة «اليونيسكو» في يوليو (تموز) 2005، وعام 2018 أدرجته وزارة البيئة على القائمة الخضراء للمناطق المحمية. ولتعزيز الوعي بهذا الموقع الاستثنائي، أنشأت الدولة متحف «الحفريات وتغير المناخ» في قلب الوادي، متضمّناً عرضاً تفصيلياً لسجل الكائنات التي عاشت فيه.
ويأتي فيلم «وادي حيتان» ضمن جهود مكتبة الإسكندرية لتوثيق التراث الثقافي والتاريخي الغني لمصر وإتاحته للجمهور في قالب جاذب وملهم، بهدف تعزيز الوعي بالهوية المصرية.
ووفق مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية والمُشرف على سلسلة «عارف»، الدكتور أيمن سليمان، فإنّ «هذا الوادي لم يكن مجرّد صحراء جرداء قبل ملايين السنوات، بل كان قاعاً لمحيط ضخم يُعرف باسم تيثس، كان يغطّي أجزاء واسعة من شمال أفريقيا، بما فيها جزء كبير من الأراضي المصرية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنّ إنتاج فيلم عنه يُعدّ امتداداً لاهتمام المركز بتوثيق التراث الحضاري والطبيعي، موضحاً: «هذا التراث يمثّل إرثاً جيولوجياً وبيئياً يروي قصة الأرض عبر ملايين السنوات، ويعكس التكيف المذهل للكائنات الحيّة مع بيئات متنوّعة، من الصحاري الشاسعة إلى السواحل الغنية والشعاب المرجانية الساحرة».
وتابع: «تبقى أهم حفريات الفيوم هي تلك الهياكل العظمية العملاقة الموجودة في الوادي الذي أصبح يُطلق عليه اسم وادي الحيتان. هناك، عُثر على مئات الهياكل العظمية الكاملة لحيتان هذا العصر السحيق منذ 40 مليون عام. ما يثير الدهشة هو أنّ الطقس المصري الجاف في الصحراء قد تكفّل بحفظها كما حفظ مومياوات الفراعنة القدماء».

وأشار إلى أنّ الهياكل الموجودة بالوادي ليست للحيتان التي نعرفها اليوم، ولكنها أسلاف الحيتان الأوائل، وقد صُنفت خطأً في البداية أنها من الديناصورات، لذا أُطلق عليها في البدء «باسيليوسورس»، أي «ملك السحالي». لكن الدراسات اللاحقة أثبتت أنها عظام وهياكل لثدييات بحريّة انحدرت منها حيتان عصرنا.
وتكمن أهمية وادي حيتان ومتحف الحفريات وتغير المناخ في الكشف عن الدور البارز الذي تلعبه هذه البقعة في رواية صفحة فريدة ومهمّة من كتاب التاريخ الجيولوجي للأرض، وفق سليمان.
وسبق أن أصدرت مكتبة الإسكندرية، ضمن سلسلة «عارف»، عدداً من الأفلام الوثائقية، من بينها «بورتريهات الفيوم»، و«السرابيوم»، و«أبو العباس المرسي»، و«حديقة الزهرية»، و«الحجرة النباتية»، و«توت عنخ آمون الملك الذهبي»، و«أمير الخرائط».





