اسمها كارين مكاري، هاجرت إلى فرنسا منذ كان عمرها 3 سنوات، لكنها بقيت على اتصال بوطنها الأم؛ تزوره خلال شهر أغسطس (آب) من كلّ عام، لتمضي بين أحضانه إجازة طويلة مع والديها. كبر حبّها للوطن يوماً بعد يوم إلى حدّ العشق. وفي سنّ العشرين تبدَّل رأيها بلبنان، وما عادت تحب أن تقصده. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «شعرت بأنه لم يعد يشبهني، وتملّكني رفض تام تجاهه، فقرّرتُ مقاطعته».
ولكن حدثاً سلبياً قلب تفكيرها رأساً على عقب، عندما خسر شقيقها في بيروت زوجته، وبقي وحيداً مع أولاده الأربعة. عندها كانت اللحظة الحاسمة. لبنان هو جذورها وحزنها وفرحها، فعادت وتصالحت معه وقرّرت أن تحمله أينما كانت.

«كوكو مك مك» هو اسمها الفنّي الذي اشتهرت به بوصفها كوميديةً عبر مواقع التواصل. حالياً، هي في بيروت لتقديم عرضها الكوميدي «بيغ تايم»، في 13 سبتمبر (أيلول) الحالي على مسرح «كازينو لبنان». وبحماسة كبيرة، تستعد للقاء جمهور تُحبّه، وتقول: «لبنان هو مطرحي، وناسه يشبهونني ويحكون لغتي. كما أنّ جمهوره يتلقّف الطرائف التي أقدّمها على المسرح بسرعة بديهية. فهو شعب، رغم همومه، خفيف الظلّ ويحبّ الضحك؛ لذلك أتحمَّس للقائه دائماً».
وعن قصتها مع الكوميديا وشخصية «كوكو مك مك»، تجيب: «الأمر بدأ بالمصادفة خلال الجائحة. ومن مكان إقامتي في باريس، رحتُ أنشر اسكتشات صغيرة، أتحدّث فيها عن مُشاهداتي في هذه الحقبة، فلاقت رواجاً بداية بين أصدقائي، ومن ثم توسَّعت في موضوعاتي وكبر عدد متابعيّ، فولدت (كوكو مك مك) صاحبة الشخصية الساخرة، وراحت تتطوَّر مع الوقت، خصوصاً أن شخصيات أخرى انضمت إليها مثل (الأم مك مك). وهي شخصية استوحيتها من والدتي وأمثّلها بنفسي كما باقي الشخصيات».

منذ صغرها، تمتَّعت كارين مكاري بروح الفكاهة، فكانت تُقلّد صديقات والدتها، ومرات تتقمص شخصياتهن وأصواتهن. أما لماذا أدخلت شخصية «الأم مك مك» في اسكتشات تقدمها، فتردّ: «تأثّرت كثيراً بشخصية والدتي القوية. فهي كانت ولا تزال الملكة في بيتنا العائلي. أحبّ هذا الدور وأستمتع به عندما أجسّده. كما أنّ والدتي لعبت دوراً كبيراً في تعلّقي بوطني الأم لبنان».
ورغم إقامتها الدائمة في باريس، تؤكد كارين مكاري أنّ لبنان كان ولا يزال يسكن في منزلها العائلي: «كانت أمي تتمسّك بعادات وتقاليد لبنانية لتعرّفنا عليها. ولطالما افتخرت بأصولي اللبنانية أمام أصدقائي الفرنسيين. وكانت دائماً تحضّر لنا الأطباق اللذيذة، ونتناول الكوسى المحشي، والمنقوشة والكنافة بالجبن، بعيداً عن الكرواسان الفرنسي».
وتتابع أنّ النصوص التي تكتبها لعروضها الكوميدية تنبع من قصص حياة يومية تستمع إليها: «عملت لنحو 15 عاماً في مجال التوظيف، وكنت أستمع إلى حكايات الناس باهتمام. صار الأمر بالنسبة إليّ موهبة، لا سيما أنّ لدي الحسّ الجيد لقراءة الآخرين. جميعنا لدينا همومنا وصراعاتنا وكفاحاتنا؛ ولذلك في استطاعتي أن أتفهَّم الآخر بسهولة. كلّ ذلك أسهم في كتابتي لنصوص عروضي بطريقتي الفكاهية. كما أنّ جميع الشخصيات التي أقدّمها أستوحيها من صديقات والدتي وجيرانها في لبنان».

تستطرد «كوكو مك مك»: «إضحاك الآخر لمجرّد التسلية أمر سهل جداً. ولكن أن تحمل الضحكة رسالة وتحليلاً، فهنا تكمن الصعوبة. أقول الأمور كما هي وبأسلوبي الساخر، ولكن أكثر ما يهمني هو أن يخرج الجمهور من الصالة ويناقش معاني هذه الاسكتشات. عندها فقط أشعر بأني أصبت الهدف».
عرضها المسرحي في بيروت ستنقله أيضاً إلى دبي في الـ19 من الشهر الحالي، وتقدّم خلاله مشاهد من حياتنا اليومية: «إنه عرض واقعي جداً، يتناول مناقشاتنا ومطبخنا وحكاياتنا وأسرارنا التي نحكيها بصوت منخفض. كما يتطرّق إلى الزواج الطائفي والمختلط. ولا أنسى أن أنقل هواجس (ماما مك مك) بالنسبة إلى التقدّم بالعمر، وعلاقة الحماة بالكنّة. وينتهي على مشهدية أحيّي فيها اللبناني بكونه بطلاً في تحمّل مصاعب ومشكلات مفروضة عليه. فلو خُيّرنا نحن اللبنانيين لما وافقنا على كلّ ما يحصل في بلدنا، ولكننا رغم ذلك نقاوم ونواجه. وكأننا وُلدنا لنعيش قدرنا على هذا المنوال».




