فيديو مثير للجدل يسلط الضوء على آثار «أبو صير» بسقارة

«السياحة» أكدت أن المشاهد قديمة والمقبرة حالتها جيدة

جانب من آثار منطقة أبو صير (وزارة السياحة والآثار)
جانب من آثار منطقة أبو صير (وزارة السياحة والآثار)
TT

فيديو مثير للجدل يسلط الضوء على آثار «أبو صير» بسقارة

جانب من آثار منطقة أبو صير (وزارة السياحة والآثار)
جانب من آثار منطقة أبو صير (وزارة السياحة والآثار)

أثار مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً حول آثار «أبو صير» في منطقة سقارة (جنوب غربي القاهرة)، بعدما نفت وزارة السياحة والآثار المصرية صحة ما يُظهره، من وضع إحدى السائحات مادة زيتية على جدران مقبرة أثرية. وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن هذا المقطع، الذي يُظهر تنفيذ طقوس خاصة بمعتقدات السائحة على جدران مقبرة بتاح شبسس، هو قديم وليس تسجيلاً حديثاً كما أُشيع.

ووجّه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، بتشكيل لجنة أثرية متخصصة برئاسة الدكتور عمرو الطيبي، المشرف العام على منطقة آثار سقارة، لمعاينة المقبرة، وأكد تقرير اللجنة أن المقبرة في حالة جيدة من الحفظ، وأن جدرانها ونقوشها سليمة تماماً، ولم يُعثر على أي آثار لتلوثات أو بقع على الأعمدة أو الجدران ناتجة عن استخدام أي سوائل، على عكس ما ورد في الفيديو المتداول.

منطقة آثار سقارة (وزارة السياحة والآثار)

وشددت وزارة السياحة على ضرورة تحرّي الدقة قبل تداول أو نشر أي معلومات غير موثوقة قد تُثير الرأي العام، مؤكدة الحرص الكامل على صون جميع المواقع الأثرية والحفاظ عليها.

الدكتورة دينا سليمان، المتخصصة في آثار مصر والشرق الأدنى القديم بكلية الآثار والإرشاد السياحي في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «آثار منطقة سقارة من أغنى المواقع الأثرية في مصر القديمة، فهي ليست فقط موطناً لهرم زوسر المدرج الشهير، بل تضم أيضاً مجموعة من المقابر الملكية التي قلّما تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي، من أبرزها مقابر (أبو صير). فهذه المنطقة الواقعة بين الجيزة وسقارة تحمل أسراراً عن فترة مهمة من تاريخ الدولة القديمة، وتحديداً عصر الأسرة الخامسة».

وأضافت أن «أهمية (أبو صير) تنبع من كونها المقبرة الملكية التي اختارها ملوك الأسرة الخامسة لدفنهم، مثل الملك ساحو رع، وني وسر رع، ونفر إير كارع. وأهراماتهم قد لا تضاهي ضخامة أهرامات الجيزة، لكنها تكشف كثيراً عن تطور العمارة الجنائزية، والطقوس الدينية التي ارتبطت بعبادة الشمس في تلك الفترة. فمعبد الشمس الذي أقامه نفر إير كارع في أبو صير يعد شاهداً على التحولات الفكرية والدينية التي عرفتها مصر القديمة».

آثار منطقة أبو صير تعود للدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

وتحمل المقابر المحيطة بأهرامات الملوك، والمعروفة بمصاطب كبار الموظفين، نقوشاً جدارية فريدة، وفق المتخصصة في آثار مصر والشرق الأدنى القديم، موضحة أن «هذه النقوش لا تقتصر على مشاهد القرابين والطقوس، بل تنقل أيضاً تفاصيل الحياة اليومية: الصيد في المستنقعات، وصناعة الجعة، وحركة التجارة. ومن خلالها نتعرف على طبيعة المجتمع المصري، حيث ارتبطت خدمة المعبد ومراسم الدفن بمكانة اجتماعية مرموقة».

وعدّت «الحديث عن (أبو صير) حديثاً عن مرحلة انتقالية في تاريخ مصر القديمة، حيث تراجع وهج الأهرامات العملاقة لصالح عمارة أكثر تواضعاً لكنها مشحونة بالرمزية الدينية والفكرية».

وتضم منطقة سقارة الأثرية العديد من الجبانات والأهرامات الصغيرة، من بينها هرم زوسر المدرج الذي يعد الأول من نوعه، وهرم أوناس، أول من نقش غرفة دفنه بنصوص الأهرام، وفق وزارة السياحة والآثار، في حين تضم منطقة أبو صير، التي تقع على بعد نحو 4.5 كيلومتر من سقارة، العديد من المقابر والآثار التي تعود للأسر الأولى في الدولة المصرية القديمة.

ويرى الخبير السياحي المصري بسّام الشماع أن «بيان الوزارة يؤكد سلامة المنطقة الأثرية وعدم تعرضها لأذى أو تلف، وبصرف النظر عما إذا كان هذا الفيديو قديماً أو حديثاً، فهو يعبر عن سلوك سيء يقوم به بعض السائحين». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الموضوع لا يقتصر على مصر، ولكنه موجود في كثير من دول العالم، وقبل فترة سمعنا عن عمل تخريبي في محاولة لرش مادة ملونة على بعد مسافة قليلة من رأس نفرتيتي في متحف برلين».

ولفت الشماع إلى أنه «من الضروري وضع كاميرات مراقبة داخل المقابر الأثرية»، مشيراً إلى أنه يمكن وضع هذه الكاميرات في مقابر «أبو صير»، وسقارة، ومقابر وادي الملوك، ووادي الملكات وغيرها من الأماكن، لمعرفة من يقوم بتجاوزات مثل كشط أو تلوين أو أي محاولة لتشويه المقابر.


مقالات ذات صلة

مصر: متحف التحرير يعرض التابوت «الاستثنائي» بعد استعادته من أميركا

يوميات الشرق التابوت الأخضر من القطع الأثرية النادرة (المتحف المصري بالتحرير)

مصر: متحف التحرير يعرض التابوت «الاستثنائي» بعد استعادته من أميركا

أبرز المتحف المصري في التحرير (وسط القاهرة) التابوت الأخضر «الاستثنائي» الذي يعود إلى الكاهن «عنخ إن ماعت» لمصر، مؤكداً على القيمة الكبيرة لهذا التابوت.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق جدارية من عصر الملك تحتمس الثاني (المتحف المصري الكبير)

«مقبرة الملك تحتمس الثاني» بالأقصر ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2025

جاءت مقبرة الملك تحتمس الثاني ضمن قائمة أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم لعام 2025، وفقاً لما أعلنته مجلة الآثار الأميركية «Archaeology».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المعارض الأثرية المؤقتة بالخارج جذبت ملايين الزوار (وزارة السياحة والآثار)

العاصمة البريطانية تتأهب لاستقبال «رمسيس وذهب الفراعنة»

بدأت الاستعدادات في قاعة «Neon Battersea Power Station» بلندن، لاستقبال المعرض الأثري المصري المؤقت «رمسيس وذهب الفراعنة» المقرر افتتاحه في 28 فبراير المقبل.

محمد الكفراوي (القاهرة )

أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
TT

أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)

في عالم العناية بالبشرة، يكاد لا يخلو أي ممر في متاجر مستحضرات التجميل من منتجات تحتوي على فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، سواء على شكل زيوت أو كريمات مرطبة. ويُنظر إلى الفيتامينين على أنهما عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة. لكن يبقى السؤال الأهم: أيهما أفضل للبشرة؟

يؤكد أطباء الجلدية وخبراء التغذية أن كلاً من الفيتامينين مهم، لكن لكل واحد دور مختلف، وغالباً ما تكون أفضل النتائج عند استخدامهما معاً، وفق مجلة «بريفنشن» الأميركية.

ويُعرف فيتامين «سي» بدوره الأساسي في تحفيز إنتاج الكولاجين، وهو البروتين المسؤول عن تماسك البشرة ومرونتها وتسريع التئام الجروح. كما يساعد على حماية الجلد من الأضرار الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية والتلوث، ويُسهم في تقليل مظهر التجاعيد والندبات، إلى جانب دوره في تفتيح البشرة وتوحيد لونها.

وتشير دراسات حديثة إلى أن فيتامين «سي» قد يساهم أيضاً في إعادة تنشيط الجينات المرتبطة بنمو الجلد وإصلاحه، مما يجعله خياراً مفضلاً للبشرة الناضجة أو التي تعاني من التصبغات.

وعلى عكس فيتامين «سي»، فإن فيتامين «هـ» موجود بشكل طبيعي في الجسم، حيث يُعد جزءاً من الزهم الذي يشكل حاجزاً واقياً يساعد البشرة على الاحتفاظ بالرطوبة. ولهذا السبب، يدخل فيتامين «هـ» بكثرة في تركيبات الكريمات المرطبة، ويُستخدم أحياناً في صورة زيت لعلاج الجفاف والتقشر أو لتخفيف أعراض الإكزيما.

ويتميز فيتامين «هـ» بكونه قابلاً للذوبان في الدهون، مما يجعله فعالاً داخل أغشية خلايا الجلد، حيث يقلل من الأضرار الناتجة عن الجذور الحرة، ويُسهم في تهدئة الالتهابات ودعم الحاجز الطبيعي للبشرة.

مقارنة مباشرة

يرى الخبراء أن المقارنة المباشرة بين الفيتامينين ليست دقيقة، لأن لكل منهما وظيفة مختلفة، فبينما يُعد فيتامين «سي» مثالياً لتفتيح البشرة وتحفيز إنتاج الكولاجين، يبرز فيتامين «هـ» في الترطيب وحماية الحاجز الجلدي.

الأهم من ذلك، أن الدراسات تشير إلى أن استخدام فيتامين «سي» مع فيتامين «هـ» معاً يعطي نتائج أفضل، إذ يعزز كل منهما فعالية الآخر، خاصة في حماية البشرة من أضرار الشمس وعلامات التقدم في السن.

ويُوصي خبراء التغذية بالاعتماد أولاً على النظام الغذائي، فمصادر فيتامين «سي» تشمل البرتقال، والفلفل الحلو، والطماطم، والكيوي، والفراولة، والبروكلي. أما فيتامين «هـ» فيتوفر بكثرة في الزيوت النباتية مثل زيت جنين القمح، إضافة إلى المكسرات، والبذور، والأفوكادو.

أما من الناحية الموضعية، فيُنصح باستخدام سيرومات (تركيبات سائلة وخفيفة) لفيتامين «سي» صباحاً، خاصة عند دمجها مع واقي الشمس، لتعزيز الحماية من العوامل البيئية. في حين يظل فيتامين «هـ» خياراً شائعاً في الكريمات المرطبة، خصوصاً لأصحاب البشرة الجافة.

ويخلص الخبراء إلى أن الأمر لا يتعلق بالاختيار بين فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، بل بكيفية الجمع بينهما بالشكل الصحيح، فكل منهما يكمل الآخر، ويمنح البشرة دعماً متكاملاً من الداخل والخارج.

ومع نظام غذائي متوازن، ونوم كافٍ، وترطيب جيد، يمكن لهذين الفيتامينين أن يكونا جزءاً أساسياً من وصفة بشرة صحية ونضرة.


طرق بسيطة لكبح الرغبة في تناول السكر

الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
TT

طرق بسيطة لكبح الرغبة في تناول السكر

الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)

كشفت خبيرة التغذية الأميركية جيلان كوبالا عن مجموعة من الطرق البسيطة والعملية لتقليل الرغبة في تناول السكر، في ظل التحذيرات المتزايدة من أضرار الإفراط في استهلاكه.

وترتبط كثرة تناول السكريات بخطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، إضافة إلى تسوس الأسنان وأمراض اللثة، بينما تشير دراسات عدة إلى أن الرغبة الشديدة في تناول السكر قد تنتج من عوامل مختلفة، من بينها تقلب مستويات السكر في الدم، والتوتر، وقلة النوم.

تجنب الخطر

ولتجنب الخطر، توصي جمعية القلب الأميركية بعدم تجاوز السكريات المضافة نسبة 6 في المائة من السعرات الحرارية اليومية للنساء و9 في المائة للرجال، مؤكدة أن الحد من استهلاك السكر خطوة أساسية للحفاظ على الصحة العامة.

ويمكن التحكم في هذه الرغبة من خلال اتباع مجموعة من الاستراتيجيات الغذائية والسلوكية البسيطة، حسب موقع «هيلث» الطبي. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تجنب الحميات الغذائية المقيِّدة بشدة؛ إذ إن الأنظمة منخفضة السعرات أو الامتناع عن تناول كثير من الأطعمة قد يؤديان إلى زيادة الرغبة في الحلوى لاحقاً.

لذلك ينصح الخبراء باتباع نظام غذائي متوازن ومرن، يسمح بتناول الحلوى أحياناً دون شعور بالذنب، ما يقلل من نوبات الإفراط في تناول السكر. كما تلعب السيطرة على مستويات السكر في الدم دوراً مهماً في الحد من الرغبة في السكريات؛ حيث يساهم تناول الأطعمة ذات «المؤشر الغلايسيمي» المنخفض إلى المتوسط في تعزيز الشعور بالشبع.

وتشمل هذه الأطعمة الحبوب الكاملة، مثل الشوفان، والأرز البني والكينوا، والبقوليات ومنها العدس والحمص والفاصوليا، إضافة إلى الخضراوات غير النشوية، مثل البروكلي والسبانخ والكوسة، وفواكه كالتفاح والكمثرى والتوت.

ويُعد الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالبروتين والألياف وسيلة فعالة أخرى؛ إذ تساعد هذه العناصر -الموجودة في أطعمة مثل البيض والدجاج والعدس والشوفان- على إبطاء الهضم، وزيادة هرمونات الشبع، ما يقلل الرغبة في الوجبات الخفيفة والحلوى بين الوجبات.

ولا يقل النوم أهمية عن التغذية؛ إذ تؤثر قلة النوم سلباً على تنظيم السكر في الدم، وتزيد من الميل لتناول الأطعمة السكرية. لذلك ينصح الخبراء بالحصول على 7 ساعات من النوم يومياً على الأقل. كما يسهم التوتر في تحفيز هرمونات الجوع ومراكز المكافأة في الدماغ، ما يدفع إلى تناول السكريات بكثرة. ويمكن الحد من تأثير التوتر عبر ممارسة الرياضة أو الأنشطة المريحة.

بدائل صحية

وينصح الخبراء أيضاً بالابتعاد عن العادات الغذائية غير الصحية، واستبدال عادات أفضل بها، بشكل تدريجي، لتقليل استهلاك السكر. فعلى سبيل المثال، يمكن تناول الفواكه أو التوت مع القليل من الشوكولاتة الداكنة، بعد العشاء بدلاً من الحلوى. أو تناول المياه الفوارة المنكَّهة بعصير طبيعي بدلاً من المشروبات الغازية.

كما تتوفر بدائل صحية كثيرة للسكريات الشائعة، إذ يمكن تناول التمور المحشوة بزبدة اللوز وقطع من الشوكولاتة الداكنة، أو تحضير «آيس كريم صحي» من الفواكه المجمدة، مثل الموز أو التوت. كما يمكن إضافة عصير الليمون أو الكرز الطبيعي إلى المياه الفوارة للحصول على مشروب منعش منخفض السكر.


رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
TT

رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست

لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت اليوم عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها. لذلك جاء غيابها الجسدي ليُعيد التذكير بفصول من تاريخ فرنسا الحديث منذ منتصف القرن الماضي، وبكل ما عاشه البلد من تحولات اجتماعية. إنها الممثلة التي يُنقل عن الجنرال ديغول قوله إن أفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي.

العناوين عنها كثيرة، وكلمات الرثاء لم تتوقف منذ لحظة إعلان وفاتها. هي فرصة للسياسيين والفنانين المنسيين أن يظهروا للعلن ويسجلوا موقفاً أمام الجماهير التي عايش بعضها «ثورة باردو»، في حين ما زالت غالبية الشباب تجهل تاريخها. رحيل ألان ديلون أو جوني هاليداي أو شارل أزنافور في كفّة، وانطفاء الممثلة الشقراء في كفّة أخرى. هي الأنثى الفرنسية الحرّة منذ أن اكتشفها المخرج روجيه فاديم، وقدّمها في فيلم «وخلق الله المرأة» عام 1956.

تكتب صحيفة «لوبوان» أنها كانت «مزعجة للنساء، مثيرة للرجال. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جسّدت باردو، سابقة عصرها، الثورة الجنسية وتحرر المرأة. وعلى امتداد حياتها ارتبطت الأحرف الأولى من اسمها B.B. بالحرية. لا يمكن لمن عاصرها أن ينسى تلك الصبية ذات الفم المزموم، وهي ترقص حافية القدمين على أنغام المامبو الحماسية والجريئة والساخنة مثل بركان». كان مشهداً من فيلم فاديم، الذي تزوجها وفق عادته في الاقتران ببطلاته الشقراوات، صُوِّر في ميناء سان تروبيه الصغير ليكون نقطة ولادة الأسطورة.

في عام 1984، روى روجيه فاديم لمجلة «باريس ماتش» الباريسية أنه عاد من تقديم ندوة في قسم السينما بجامعة كبرى في لوس أنجليس، وتفاجأ بأن الطلاب الذين شاهدوا فيلم «وخلق الله المرأة» أبدوا دهشتهم من حداثة شخصية جولييت، التي أدّتها بريجيت باردو، وكذلك من مهاجمة المحافظين في القارات الخمس الذين صرخوا مندّدين بالفضيحة وبالإباحية عند عرض الفيلم. فما قدّمه الفيلم بات عادياً في الزمن التالي، وليس فيه ما يستدعي التنديد.

باردو وجاك بالانس أثناء تصوير فيلم «الازدراء» في روما (أ.ب)

تجاوزت شهرة باردو حدود بلدها إلى العالم، وقدّمت لها هوليوود عروضاً مغرية، لكنها اكتفت بأفلام قلائل هناك وفضّلت العودة إلى فرنسا. عاشت حياة مضطربة، وتزوجت أكثر من مرة، وارتبطت بقصص حب عدّة، لكنها اختارت إنهاء مهنتها السينمائية وهي في عز شهرتها، والتفرغ للاعتناء بحيوانات مزرعتها وتكريس كل جهودها لقضية الدفاع عن تلك المخلوقات الضعيفة، باذلة الغالي والرخيص في سبيلها. وكان من نتائج حربها ضد طريقة ذبح الأضاحي أن كانت هدفاً لملاحقات قانونية بتهمة العنصرية وبث التفرقة بين المواطنين والتطاول على المسلمين. لكنها لم تتراجع، وكانت لا تتورع عن ملاحقة الوزراء ورؤساء الدول وكتابة العرائض والسير في المظاهرات من أجل وقف صيد حيوان الفقمة، مثلاً، أو منع الصيد العشوائي وذبح الطيور وطبخ الأرانب والمواشي.

وحتى في عزلتها، لم تنجُ من مطاردة السياح والمصورين لها، فكانت أفواجهم تركب البحر في قوارب تمر بمحاذاة منزلها في «سان تروبيه»، البلدة الساحلية الصغيرة التي أخذت شهرتها من باردو، على أمل رؤيتها أو الفوز بصورة لها.

وُلدت باردو في عائلة برجوازية وفي حيّ من أحياء باريس الراقية، لكنها لم تكفَّ يوماً عن عيش حياتها كما تشاء. تأكل حين تجوع، تُصوّر إن طاب لها ذلك، وتقول رأيها بصوت عالٍ. كانت نسوية من دون أن تكون محسوبة على النسويات ونصيرات تحرير المرأة. بل إن كثيرات وجدن فيها امرأة مسترجلة لأنها امتلكت حرية الرجل. ومع هذا، فإن دارسي أحوال المجتمع الفرنسي الحديث يجدون أن باردو لعبت دور المسرّع لمجتمع كان ينتظر ذلك.

بريجيت باردو بمناظرة ضد صيد الفقمة في ستراسبورغ عام 1978 (أ.ف.ب)

تزوجت حين عنّ لها الزواج، وتطلقت حين فتر الحب وخبت الشعلة. وكان من أزواجها، بعد فاديم، جاك شارييه، وغونتر زاكس، وبرنار دورمال، رفيق حياتها الأخير الذي كان من وجوه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. وبموازاة الأزواج، كان من عشّاقها المتعدّدين جان-لوي ترنتينيان، وجيلبير بيكو، وساشا ديستيل، وسامي فراي، وسيرج غانسبورغ. لم تكن العلاقات بالنسبة لها ذنوباً. قالت في مقابلة صحافية: «في فرنسا، الرجل الذي له عشيقات يُقال عنه دون جوان، أمّا المرأة التي لها عشّاق فهي عاهرة». وكان رأيها أن هذه أفكار يجب دفنها إلى الأبد.

في عام 1996، نشرت بريجيت باردو مذكراتها التي جاءت صريحة ومن دون حسابات لردود الأفعال. تحدثت في الكتاب عن كل شيء: إخفاقاتها المهنية، ونوبات انهيارها العصبي، والإهانات التي تعرّضت لها، ومحاولات الانتحار، وكراهيتها العميقة لصحافة لاحقتها حتى خنقتها ومنعتها من عيش حياة طبيعية.

كتبت كما عاشت دائماً: من دون أقنعة أو خجل مصطنع. وصفت زوجها، الممثل الوسيم جاك شارييه، بأنه «برجوازي حتى العظم»، ونعتت أحد عشاقها بالأحمق المتأنق، ورأت في زميلتها ومنافستها جان مورو «انتهازية مستعدة لفعل أي شيء»، واختصرت ألان ديلون بكلمة «نرجسي»، وكاترين دونوف «ساذجة». لكن الزلزال الحقيقي لم يكن في تصفية الحسابات، بل في كسر واحد من أقدس المحرّمات: الأمومة. تجرأت باردو على قول ما كان يدور همساً بين النساء، وهو رفض أسطورة الأمومة الإلزامية، ونقد الشعور بالذنب المفروض اجتماعياً، وفضح فكرة أن الأمومة قدر لا نقاش فيه.

باردو وزوجها غونتر زاكس في استقبال بقصر الإليزيه بباريس عام 1967 (أ.ب)

كانت، كعادتها، تفضّل أن تصدم على أن تكذب، حتى لو بقيت وحدها في مواجهة الجميع. كتبت عن ولادة ابنها نيكولا عام 1960 عبارات صادمة: «طفلي كان أشبه بورم داخل جسدي. عندما استيقظت ظننت أن على بطني قِربة ماء مطاطية. كان ذلك ابني. لم تكن لديّ يوماً غريزة الأمومة». وبسبب تلك التصريحات تعرّضت بريجيت باردو لملاحقات قضائية من زوجها السابق جاك شارييه ومن ابنها نيكولا شارييه بتهم انتهاك الحياة الخاصة والتشهير والإساءة. وصدر بحقها حكم بدفع تعويضات مالية. وفي حوار مطوّل في مجلة «مدام فيغارو»، سُئلت عمّا إذا كانت جدة أفضل مما كانت أمّاً، فجاء جوابها قاطعاً ومحرجاً: «أنا لستُ جدّة أصلاً. ولا أندم على شيء. أتحمّل وحدي المسؤولية، في السراء والضراء. لقد كنت حرّة دائماً».

تعرّضت النجمة لأزمة صحية قبل عامين، وأُدخلت قسم العناية المركزة. نشطت وسائل الإعلام كافة في تحضير ملفات وتقارير تواكب احتمال وفاتها، لكنها خيّبت التوقعات وخرجت سالمة، لتُأجل الملفات إلى موعد مرتقب، وهو ما جرى اليوم، قبل يومين من نهاية العام الميلادي، وفي عز استعداد الفرنسيين لرأس السنة. ماتت رمز حرية المرأة الفرنسية.